الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مع الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز
عمر بن عبد العزيز غنيٌّ عن التعريف، فهو الخليفة الأموي العادل الزاهد المعروف عند جميع الفضلاء بأنَّه أحد الخلفاء الراشدين لما عُرف عنه من العدل والورع، وقد تولى الخلافة في زمن «الباقر» رضي الله تعالى عنه.
ولما ولي عمر بن عبد العزيز بعث إلى الفقهاء فقرَّبهم وكانوا أخصَّ النَّاس به وبعث إلى محمد بن علي بن حسين أبي جعفر - «الباقر» - وبعث إلى غيره؛ فلما قدم أبوجعفر محمد «الباقر» على عمر وأراد الانصراف إلى المدينة بينا هو جالس في الناس ينتظرون الدخول على عمر أقبل ابن حاجب عمر وكان أبوه مريضاً فقال: أين أبوجعفر ليدخل؟ فأشفق محمد بن علي أن يقوم فلا يكون هو الذي دعي به فنادى ثلاث مرات قال: لم يحضر يا أمير المؤمنين قال: بلى قد حضر حدثني بذلك الغلام، قال: فقد ناديته ثلاث مرات، قال: كيف قلت؟ قال: قلت: أين أبو جعفر؟ قال: ويحك اخرج فقل: أين محمد بن علي؟ فخرج فقام فدخل فحدثه ساعة وقال: إني أريد الوداع يا أمير المؤمنين قال عمر: فأوصني يا أبا جعفر، قال: أوصيك بتقوى الله واتخذ الكبير أباً والصغير ولداً والرجل أخا، فقال: رحمك الله جمعت لنا والله ما إن أخذنا به وأعاننا الله عليه استقام لنا الخير إن شاء الله، ثم خرج.
فلما انصرف إلى رحله أرسل إليه عمر: إنِّي أريد أن آتيك فاجلس في إزار ورداء، فبعث إليه: لا بل آتيك، فأقسم عليه عمر فأتاه عمر فالتزمه فوضع صدره
وأقبل يبكي ثم جلس بين يديه ثم قام وليس لأبي جعفر حاجة سأله إياها إلا قضاها له وانصرف فلم يلتقيا حتى ماتا جميعاً رحمهما الله
(1)
.
ولما لم يرق للوضَّاعين الزائغين تلك العلاقة الحميمة التي جمعت بين «الباقر» وعمر بن عبد العزيز، فبلغ من مكرهم وخبثهم أن نسبوا للباقر الطعن بعمر بن عبد العزيز، وهم في ذلك ينسبون إلى «الباقر» النِّفاق من حيث لا يشعرون، فهو إن لقي عمر كان له ناصحاً محبًّا، وإن غاب عنه كان طاعناً ذامّاً.
فقد روى الراوندي عن أبي بصير قوله: «كنت مع «الباقر» عليه السلام في المسجد، إذ دخل عليه عمر بن عبد العزيز، عليه ثوبان ممصران متكئاً على مولى له فقال عليه السلام: ليلينَّ هذا الغلام، فيُظهر العدل، ويعيش أربع سنين، ثم يموت فيبكي عليه أهل الأرض، ويلعنه أهل السماء»
(2)
.
والرواية سالفة الذكر بينة الوَضع لأمرين:
أولاً: نسبتها علم الغيب للإمام «الباقر» ، والله سبحانه هو المستأثر وحده بعلم الغيب، فحتى نبيُّ الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، على ما لديه من الكرامة عند الله عز وجل قد قال الله تعالى فيه: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ
(1)
تاريخ دمشق (54/ 270).
(2)
الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي (1/ 276).
وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}
(1)
.
و «الباقر» رضي الله تعالى عنه على ما له من المكانة والرفعة ليس بنبي يوحى إليه حتى يُفترض إيحاء مثل هذه الغيبيات له، فالوحي من خصائص النبوة التي لاتُتصور في غير النبي.
وقد صرَّح الإمام علي رضي الله تعالى عنه بانقطاع الوحي بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في «نهج البلاغة» فقال: «أرسله على حين فترة من الرسل وتنازع من الألسن، فقفي به بالرسل، وختم به الوحي
…
»
(2)
.
ثانياً: الرواية ضعيفة السند، فراويها هو «أبو بصير» قد اختُلف في تحديد هويته لكونه لقباً مشتركا بين أربعة رواة هم ليث بن البختري، ويحيى بن أبي القاسم المكفوف ويوسف بن الحارث، وعبد الله بن محمد الأسدي
(3)
، فإذا تعذَّر الجزم بشخصية الراوي وقد عُلم الاختلاف بوثاقة الأربعة كانت الرواية مردودة.
ثالثاً: كيف ينقلون عن «الباقر» اعترافه بعدل هذا الفتى وسيرته العطرة ثم هو ملعون في السماء؟!، ممدوح في الأرض؟!، لقد ورد في الصحيح «أنّ الله إذا أحب عبدا وضع له القبول في الأرض» ، فمعذرة يا أولي الألباب.
(1)
الأعراف (188).
(2)
نهج البلاغة (2/ 16).
(3)
رجال ابن داود لابن داوود الحلي ص (214).