الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الْأَيْمَانِ] [
الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةَ وَالْعَاشِرَةَ وَالْحَادِيَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ الْأَرْبَعِمِائَةِ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَالْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ]
ِ (الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةَ وَالْعَاشِرَةَ وَالْحَادِيَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ الْأَرْبَعِمِائَةِ: الْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَالْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ غَمُوسًا وَكَثْرَةُ الْأَيْمَانِ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا) . قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77] نَزَلَتْ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي أَرْضٍ فَهَمَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ فَلَمَّا نَزَلَتْ نَكَلَ وَأَقَرَّ لِلْمُدَّعِي بِحِقِّهِ وَمَعْنَى {يَشْتَرُونَ} [آل عمران: 77] يَسْتَبْدِلُونَ وَيَأْخُذُونَ {بِعَهْدِ اللَّهِ} [آل عمران: 77] أَيْ بِمَا عَهِدَ إلَيْهِمْ {وَأَيْمَانِهِمْ} [آل عمران: 77] أَيْ الْكَاذِبَةِ {ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] : أَيْ عَرَضًا يَسِيرًا مِنْ الدُّنْيَا وَهُوَ مَا يَحْلِفُونَ عَلَيْهِ كَاذِبِينَ {أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ} [آل عمران: 77] أَيْ لَا نَصِيبَ لَهُمْ مِنْ نَعِيمِهَا وَثَوَابِهَا. {وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 77] أَيْ بِكَلَامٍ يَسُرُّهُمْ {وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 77] أَيْ نَظَرَ رَحْمَةٍ {وَلا يُزَكِّيهِمْ} [آل عمران: 77] أَيْ وَلَا يَزِيدُهُمْ خَيْرًا وَلَا يُثْنِي عَلَيْهِمْ {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77] أَيْ مُؤْلِمٌ شَدِيدُ الْإِيلَامِ.
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِصْدَاقَهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] إلَى آخِرِ الْآيَةِ» . زَادَ فِي رِوَايَةٍ قَالَ: «فَدَخَلَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ الْكِنْدِيُّ فَقَالَ: مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقُلْنَا كَذَا وَكَذَا فَقَالَ صَدَقَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِي بِئْرٍ فَاخْتَصَمْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ، قُلْتُ: إذَنْ يَحْلِفُ وَلَا يُبَالِي فَقَالَ
- صلى الله عليه وسلم: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ وَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] إلَى آخِرِ الْآيَةِ» .
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ: «جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذَا قَدْ غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ كَانَتْ لِأَبِي، فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: هِيَ أَرْضٌ فِي يَدِي أَزْرَعُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَلَك بَيِّنَةٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ فَلَكَ يَمِينُهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الرَّجُلَ فَاجِرٌ لَا يُبَالِي عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ يَتَوَرَّعُ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: لَيْسَ لَك مِنْهُ إلَّا ذَلِكَ فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَدْبَرَ: لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ» . وَأَبُو دَاوُد: «إنَّ رَجُلًا مِنْ كِنْدَةَ وَآخَرَ مِنْ حَضْرَمَوْتَ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَرْضٍ بِالْيَمَنِ فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَرْضِي اغْتَصَبَنِيهَا أَبُو هَذَا وَهِيَ فِي يَدِهِ فَقَالَ: هَلْ لَك بَيِّنَةٌ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنْ أُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا أَرْضِي اغْتَصَبَنِيهَا أَبُوهُ فَتَهَيَّأَ الْكِنْدِيُّ لِلْيَمِينِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: لَا يَقْتَطِعُ أَحَدٌ مَالًا بِيَمِينٍ إلَّا لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ أَجْذَمُ، فَقَالَ الْكِنْدِيُّ هِيَ أَرْضُهُ» . وَابْنُ مَاجَهْ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ أَجْذَمَ» . وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ: «اخْتَصَمَ رَجُلَانِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي أَرْضٍ أَحَدُهُمَا مِنْ حَضْرَمَوْتَ فَجَعَلَ صلى الله عليه وسلم يَمِينَ أَحَدِهِمَا فَضَجَّ الْآخَرُ فَقَالَ إذَنْ يَذْهَبُ بِأَرْضِي، فَقَالَ إنْ هُوَ اقْتَطَعَهَا بِيَمِينِهِ ظُلْمًا كَانَ مِمَّنْ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِ وَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَوَرِعَ الْآخَرُ فَرَدَّهَا» . قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ وَرَدَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ مِنْ غَيْرِ مَا وُجِّهَ، وَوَرِعَ بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ تَحَرَّجَ مِنْ الْإِثْمِ وَكَفَّ عَمَّا هُوَ قَاصِدُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ جَبُنَ وَهُوَ مَعْنَى ضَمِّهَا أَيْضًا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ:«الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ» . وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: أَنَّ «أَعْرَابِيًّا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ؟ قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: الْيَمِينُ الْغَمُوسُ قُلْت وَمَا الْيَمِينُ
الْغَمُوسُ؟ قَالَ: الَّذِي يَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ» يَعْنِي بِيَمِينٍ هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ. وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَاللَّفْظُ لَهُ: «مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَحْلِفُ رَجُلٌ عَلَى مِثْلِ جَنَاحِ بَعُوضَةٍ إلَّا كَانَتْ كَيَّةً فِي قَلْبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ قِيلَ رِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ: «أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ `» ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَقَالَ:«وَمَا حَلَفَ حَالِفٌ بِاَللَّهِ بِيَمِينِ صَبْرٍ فَأَدْخَلَ فِيهَا مِثْلَ جَنَاحِ بَعُوضَةٍ إلَّا جُعِلَتْ نُكْتَةً فِي قَلْبِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .
وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ مِنْ الذَّنْبِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ كَفَّارَةٌ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ قِيلَ وَمَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ؟ قَالَ الرَّجُلُ يَقْتَطِعُ بِيَمِينِهِ مَالَ الرَّجُلِ. وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ الْحَارِثِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَجِّ بَيْنَ الْجَمْرَتَيْنِ وَهُوَ يَقُولُ: «مَنْ اقْتَطَعَ مَالَ أَخِيهِ بِيَمِينٍ فَاجِرَةٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ، لِيُبَلِّغْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ:«فَلْيَتَبَوَّأْ بَيْتًا مِنْ النَّارِ» .
وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ لَوْ صَحَّ سَمَاعُ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَاوِيهِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ تُذْهِبُ الْمَالَ أَوْ تَذْهَبُ بِالْمَالِ» . وَالْبَيْهَقِيُّ «لَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا عُصِيَ اللَّهُ بِهِ هُوَ أَعْجَلُ عِقَابًا مِنْ الْبَغْيِ وَمَا مِنْ شَيْءٍ أُطِيعَ اللَّهُ بِهِ أَسْرَعُ ثَوَابًا مِنْ الصِّلَةِ، وَالْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ تَدَعُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ» . وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ فِيهِ مُدَلِّسٌ لَمْ يُصَرِّحْ بِالسَّمَاعِ: «مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَأَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ مُحْتَسِبًا وَسَمِعَ وَأَطَاعَ فَلَهُ الْجَنَّةُ أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ. وَخَمْسٌ لَيْسَ لَهُنَّ كَفَّارَةٌ: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَبَهْتُ مُؤْمِنٍ، وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ، وَيَمِينٌ صَابِرَةٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالًا بِغَيْرِ حَقٍّ» . وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ مَصْبُورَةٍ كَاذِبَةٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ: «مَنْ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ كَانَتْ نُكْتَةً سَوْدَاءَ فِي قَلْبِهِ لَا يُغَيِّرُهَا شَيْءٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ: «إنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ أَذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ دِيكٍ قَدْ مَرَقَتْ رِجْلَاهُ الْأَرْضَ وَعُنُقُهُ مُنْثَنٍ تَحْتَ الْعَرْشِ وَهُوَ يَقُولُ سُبْحَانَك مَا أَعْظَمَك رَبَّنَا، فَيَرُدُّ عَلَيْهِ: مَا عَلِمَ ذَلِكَ مَنْ حَلَفَ بِي كَاذِبًا» . وَالطَّبَرَانِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ: «مَنْ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا، قَالَ: وَإِنْ كَانَ شِرَاكًا» . وَمَالِكٌ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ: «مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ. قَالُوا: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» . زَادَ مَالِكٌ: «وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» . وَابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: «لَا يَحْلِفُ عِنْدَ هَذَا الْمِنْبَرِ عَبْدٌ وَلَا أَمَةٌ عَلَى يَمِينٍ آثِمَةٍ وَلَوْ عَلَى سِوَاكٍ رَطْبٍ إلَّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ» . وَابْنُ مَاجَهْ وَاللَّفْظُ لَهُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ آثِمَةٍ عِنْدَ مِنْبَرِي هَذَا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ وَلَوْ عَلَى سِوَاكٍ أَخْضَرَ» .
وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ وَمِمَّا قَبْلَهُ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْخَطَّابِيُّ أَنَّ الْيَمِينَ كَانَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الْمِنْبَرِ. وَابْنَا مَاجَهْ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: «إنَّمَا الْحَلِفُ حِنْثٌ أَوْ نَدَمٌ» . وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ رضي الله عنه أَنَّهُ افْتَدَى يَمِينَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ: وَرَبِّ الْكَعْبَةِ لَوْ حَلَفْت حَلَفْت صَادِقًا وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ افْتَدَيْت بِهِ يَمِينِي. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ اشْتَرَى يَمِينَهُ مَرَّةً بِسَبْعِينَ أَلْفًا.
تَنْبِيهٌ: عَدُّ الْأُولَى هُوَ مَا صَرَّحَتْ بِهِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ لِلتَّصْرِيحِ فِيهَا تَارَةً بِأَنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ، وَتَارَةً أُخْرَى بِأَنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَبِذَلِكَ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ بَلْ الَّذِي لَا أَشَدَّ مِنْهُ،
وَمِنْ ثَمَّ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ. وَأَمَّا عَدُّ الثَّانِيَةِ فَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ: مَا عَلِمَ ذَلِكَ مَنْ حَلَفَ بِي كَاذِبًا إذْ فِي هَذَا تَهْدِيدٌ عَظِيمٌ وَوَعِيدٌ شَدِيدٌ، ثُمَّ رَأَيْت مَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ وَهُوَ تَعْبِيرُ بَعْضِ أَئِمَّتِنَا كَصَاحِبِ الْعُدَّةِ بِالْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ، وَفَسَّرَهَا الزَّرْكَشِيُّ بِمَا يَشْمَلُ الْكَاذِبَةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ غَمُوسًا بِالْمَعْنَى السَّابِقِ فَقَالَ: وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ، وَهِيَ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا بَاطِلًا أَوْ يُبْطِلُ بِهَا حَقًّا، سُمِّيَتْ غَمُوسًا لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي النَّارِ انْتَهَى؛ فَقَوْلُهُ يَحْلِفُ بِهَا بَاطِلًا: أَيْ وَإِنْ لَمْ يُبْطِلْ بِهَا حَقًّا، وَهَذِهِ لَا تُسَمَّى غَمُوسًا اصْطِلَاحًا خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ الْمَذْكُورُ، وَيُؤَيِّدُ عَدَّهَا أَيْضًا أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ رَوَى فِي بَابِ الْكَبَائِرِ مِنْ الْبَابِ الْجَامِعِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: إنِّي أَصَبْت ذُنُوبًا فَأُحِبُّ أَنْ تَعُدَّ عَلَيَّ الْكَبَائِرَ، قَالَ: فَعَدَّ عَلَيْهِ سَبْعًا أَوْ ثَمَانِيًا: الْإِشْرَاكَ بِاَللَّهِ وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلَ النَّفْسِ وَأَكْلَ الرِّبَا وَأَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ وَقَذْفَ الْمُحْصَنَاتِ وَالْيَمِينَ الْفَاجِرَةَ.
وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا بَلْ يُصَرِّحُ بِهِ خَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقُلْت: خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ؟ قَالَ الْمُسْبِلُ - أَيْ إزَارَهُ خُيَلَاءَ - وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ» ، فَهَذَا هُوَ ظَاهِرٌ أَوْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ كَذِبًا كَبِيرَةٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ غَمُوسًا بِالتَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرُوهُ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ إنْفَاقَ السِّلْعَةِ بِالْحَلِفِ الْكَذِبِ اقْتَطَعَ بِهِ مَالَ مُسْلِمٍ، وَهُوَ أَخْذُ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِوَاسِطَةِ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ إذْ لَوْلَاهَا لَمَا بَذَلَ لَهُ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ فَكَأَنَّهُ اقْتَطَعَ حَقَّهُ بِهَا.
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ يَمْنَعُهُ ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلًا سِلْعَةً بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِاَللَّهِ لَقَدْ أَخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إلَّا لِدُنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا وَفَى لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يَفِ لَهُ» . وَالتَّقْيِيدُ بِبَعْدِ الْعَصْرِ لِأَنَّ الْحَلِفَ الْكَذِبَ فِيهِ أَقْبَحُ لَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي اسْتِحْقَاقِ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ الشَّدِيدَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ خَبَرُ مُسْلِمٍ الْمَذْكُورُ.
وَأَمَّا عَدُّ الثَّالِثَةِ فَهُوَ مَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ: فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَطْرُقُ الْبَحْثَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ: وَلِلتَّوَقُّفِ مَجَالٌ فِي بَعْضِ هَذِهِ الصُّوَرِ تَقْيِيدَ الْيَمِينِ بِالْفَاجِرَةِ، وَيُقَالُ إنَّ كَثْرَةَ الْأَيْمَانِ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا تَقْتَضِي ذَلِكَ: أَيْ الْفِسْقَ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي كَثْرَةِ الْمُخَاصَمَةِ انْتَهَى وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ وَهُوَ أَقْرَبُ لِأَنَّ مِنْ