الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَرُوِيَ: «وَلَا يَقِفَنَّ أَحَدُكُمْ مَوْقِفًا يُضْرَبُ فِيهِ رَجُلٌ ظُلْمًا فَإِنَّ اللَّعْنَةَ تَنْزِلُ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ حِينَ لَمْ يَدْفَعُوا عَنْهُ» . تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذَا هُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ لِهَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ الَّذِي فِيهِ لَكِنَّهُمَا قَيَّدَاهُ بِالْمُسْلِمِ، وَاعْتَرَضَهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ بِأَنَّ الْوَجْهَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذِّمِّيِّ. وَعِبَارَةُ الْأَذْرَعِيِّ فِي تَوَسُّطِهِ فِي التَّقْيِيدِ بِالْمُسْلِمِ نَظَرٌ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمَضْرُوبُ ذَا رَحِمٍ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ لَهُ ذِمَّةٌ أَوْ عَهْدٌ مُعْتَبَرٌ، وَأَطْلَقَ الْحَلِيمِيُّ أَنَّ الْخَدْشَةَ وَالضَّرْبَةَ وَالضَّرْبَتَيْنِ مِنْ الصَّغَائِرِ. وَقَدْ يُفْصَلُ بَيْنَ مَضْرُوبٍ وَمَضْرُوبٍ مِنْ حَيْثُ الْقُوَّةِ وَضِدِّهَا، وَمِنْ حَيْثُ الشَّرَفِ وَالدَّنَاءَةِ انْتَهَتْ. وَقَالَ فِي الْخَادِمِ بَعْدَ إيرَادِ كَلَامِ الْحَلِيمِيِّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْعُدَّةِ: أَيْ الْمُطْلَقُ لِكَوْنِ الضَّرْبِ كَبِيرَةً وَأَقَرَّهُ الشَّيْخَانِ عَلَى الزَّائِدِ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ إنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمُسْلِمِ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَالذِّمِّيُّ كَذَلِكَ انْتَهَى، وَمَا ذُكِرَ عَنْ الْحَلِيمِيِّ هُوَ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلَ كَلَامِهِ فِي مِنْهَاجِهِ، وَذَكَرَهُ فِي آخِرِهِ عَلَى وَجْهٍ أَشْكَلَ مِنْ الْأَوَّلِ فَقَالَ: وَإِنْ تَرَكَ الْقَتْلَ إلَى شَيْءٍ دُونَهُ مِنْ إيلَامٍ بِضَرْبٍ غَيْرِ مُنْتَهِكٍ أَوْ جُرْحٍ لَا يُنْقِصُ مِنْ الْمَجْرُوحِ عُضْوًا وَلَا يُعَطِّلُ عَلَيْهِ مِنْ مَنَافِعِ بَدَنِهِ مَنْفَعَةً لَمْ يَكُنْ كَبِيرَةً، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَبٍ أَوْ أُمٍّ أَوْ ذِي رَحِمٍ أَوْ فَعَلَهُ فِي حَرَمٍ أَوْ شَهْرٍ حَرَامٍ أَوْ اسْتِضْعَافًا لِمُسْلِمٍ أَوْ اسْتِعْلَاءً عَلَيْهِ فَذَلِكَ كَبِيرَةٌ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا أَسَّسَهُ قَبْلُ وَاخْتَارَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَاحِشَةِ الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ، وَأَنَّهُ مَا مِنْ ذَنْبٍ إلَّا وَفِيهِ صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ، وَقَدْ تَنْقَلِبُ الصَّغِيرَةُ كَبِيرَةً بِقَرِينَةٍ تُضَمُّ إلَيْهَا وَالْكَبِيرَةُ فَاحِشَةٌ بِذَلِكَ إلَّا الْكُفْرَ فَإِنَّهُ أَفْحَشُ الْكَبَائِرِ وَلَيْسَ مِنْ نَوْعِهِ صَغِيرَةٌ، ثُمَّ ذَكَرَ لِذَلِكَ أَمْثِلَةً مِنْهَا الْقَتْلُ كَبِيرَةٌ وَلِنَحْوِ رَحِمٍ فَاحِشَةٌ وَمَا دُونَهُ بِقَيْدِهِ الَّذِي قَدَّمْته عَنْهُ صَغِيرَةٌ وَهَذَا اصْطِلَاحٌ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَالشَّيْخَانِ وَالْمُتَأَخِّرُونَ، فَالْوَجْهُ أَنَّ ضَرْبَ الْمَعْصُومِ وَنَحْوِهِ الْمُؤْذِيَ إيذَاءٌ لَهُ وَقَعَ كَبِيرَةً. ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ ذَكَرَ مَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته حَيْثُ اعْتَرَضَ الْحَلِيمِيُّ فَقَالَ: الْخَدْشَةُ وَالضَّرْبَةُ إذَا عَظُمَ أَلَمُهُمَا أَوْ كَانَ إحْدَاهُمَا لِوَالِدٍ أَوْ وَلِيٍّ يَنْبَغِي أَنْ تُلْحَقَا بِالْكَبَائِرِ.
[الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ وَالتَّاسِعَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ تَرْوِيعُ الْمُسْلِمِ وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ بِسِلَاحٍ أَوْ نَحْوِهِ]
(الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ وَالتَّاسِعَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ: تَرْوِيعُ الْمُسْلِمِ وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ بِسِلَاحٍ أَوْ نَحْوِهِ) أَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رضي الله عنه:
«أَنَّ رَجُلًا أَخَذَ نَعْلَ رَجُلٍ فَغَيَّبَهَا وَهُوَ يَمْزَحُ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَا تُرَوِّعُوا الْمُسْلِمَ فَإِنَّ رَوْعَةَ الْمُسْلِمِ ظُلْمٌ عَظِيمٌ» . وَالطَّبَرَانِيُّ: «مَنْ أَخَافَ مُؤْمِنًا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُؤَمِّنَهُ مِنْ أَفْزَاعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ: «مَنْ نَظَرَ إلَى مُسْلِمٍ نَظْرَةً يُخِيفُهُ فِيهَا بِغَيْرِ حَقٍّ أَخَافَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَأَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا» ، قَالَهُ لَمَّا رُوِّعَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِأَخْذِ حَبْلٍ مَعَهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَانْتَبَهَ فَفَزِعَ.
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ: «لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا وَلَا جَادًّا» . وَمُسْلِمٌ: «مَنْ أَشَارَ إلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ» . وَالشَّيْخَانِ: «إذَا تَوَجَّهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ» . وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: «إذَا الْمُسْلِمَانِ حَمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَخِيهِ السِّلَاحَ فَهُمَا عَلَى حَرْفِ جَهَنَّمَ فَإِذَا قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ دَخَلَاهَا جَمِيعًا، قَالَ فَقُلْنَا أَوْ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ إنَّهُ كَانَ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ» ،. وَالشَّيْخَانِ:«لَا يُشِرْ أَحَدُكُمْ إلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ» وَيَنْزِعُ بِالْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الزَّايِ يَرْمِي أَوْ بِالْمُعْجَمَةِ مَعَ فَتْحِ الزَّايِ وَمَعْنَاهُ يَرْمِي وَيَفْسُدُ وَأَصْلُ النَّزْعِ الطَّعْنُ وَالْفَسَادُ.
تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذَيْنِ هُوَ صَرِيحُ حَدِيثِ الْغَضَبِ وَغَيْرِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَوَّلِ وَاللَّعْنِ وَغَيْرِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِي، وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْحُرْمَةِ فِي الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا عُلِمَ أَنَّ التَّرْوِيعَ يُحَصِّلُ خَوْفًا يَشُقُّ تَحَمُّلُهُ عَادَةً، وَالْكَبِيرَةُ فِيهِ عَلَى مَا إذَا عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ الْخَوْفَ يُؤَدِّي بِهِ إلَى ضَرَرٍ فِي بَدَنِهِ أَوْ عَقْلِهِ، وَحُمِلَ الثَّانِي عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ.