الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ رضي الله عنه وَأَرْضَى عَنْهُ النَّاسَ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ» . وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ قَوِيٍّ: «مَنْ أَسْخَطَ اللَّهَ فِي رِضَا النَّاسِ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ مَنْ أَرْضَاهُ فِي سَخَطِهِ. وَمَنْ أَرْضَى اللَّهَ فِي سَخَطِ النَّاسِ رضي الله عنه وَأَرْضَى عَنْهُ مَنْ أَسْخَطَهُ فِي رِضَاهُ حَتَّى يُزَيِّنَهُ وَيُزَيِّنَ قَوْلَهُ وَعَمَلَهُ فِي عَيْنِهِ» . وَالْحَاكِمُ: «مَنْ أَرْضَى سُلْطَانًا بِمَا يُسْخِطُ رَبَّهُ خَرَجَ مِنْ دِينِ اللَّهِ» . وَالْبَزَّارُ: «مَنْ طَلَبَ مَحَامِدَ النَّاسِ بِمَعَاصِي اللَّهِ عَادَ حَامِدُهُ لَهُ ذَامًّا أَوْ قَالَ ذَامًّا لَهُ» . وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ: «مَنْ أَرْضَى اللَّهَ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ وَمَنْ أَسْخَطَ اللَّهَ بِرِضَا النَّاسِ وَكَّلَهُ اللَّهُ إلَى النَّاسِ» . وَالْبَيْهَقِيُّ: «مَنْ أَرَادَ سَخَطَ اللَّهِ وَرِضَا النَّاسِ عَادَ حَامِدُهُ مِنْ النَّاسِ ذَامًّا» . وَالطَّبَرَانِيُّ: «مَنْ تَحَبَّبَ إلَى النَّاسِ بِمَا يُحِبُّوهُ وَبَارَزَ اللَّهَ تَعَالَى لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» .
وَيُحِبُّوهُ كَذَا رَأَيْتُهُ وَهُوَ لُغَةٌ، وَالْأَشْهَرُ يُحِبُّونَهُ. تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذَا هُوَ صَرِيحُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَهُ.
[الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ وَالسَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْأَرْبَعِمِائَةِ أَخْذُ الرِّشْوَةِ]
(الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ وَالسَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْأَرْبَعِمِائَةِ: أَخْذُ الرِّشْوَةِ وَلَوْ بِحَقٍّ وَإِعْطَاؤُهَا بِبَاطِلٍ وَالسَّعْيُ فِيهَا بَيْنَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي وَأَخْذُ مَالٍ عَلَى تَوْلِيَةِ الْحُكْمِ وَدَفْعُهُ حَيْثُ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْبَذْلُ) . قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188] . وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ الْأَكْلَ خَاصَّةً، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ مِنْ الْأَمْوَالِ وَصَارَ الْعُرْفُ فِيمَنْ أَنْفَقَ مَالَهُ أَنْ يُقَالَ أَكَلَهُ خُصَّ بِالذِّكْرِ. وقَوْله تَعَالَى:{بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] يَشْمَلُ سَائِرَ وُجُوهِهِ وَيَجْمَعُهَا فِي كُلِّ مَا نَهَى الشَّارِعُ عَنْهُ لِمَعْنًى
فِي عَيْنِهِ كَالْمُسْكِرِ وَالْمُؤْذِي، أَوْ لِخَلَلٍ فِي اكْتِسَابِهِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْمَسْرُوقِ أَوْ مَصْرِفِهِ كَأَنَّهُ يَصْرِفُهُ فِي مَعْصِيَةٍ {وَتُدْلُوا بِهَا} [البقرة: 188] عُطِفَ عَلَى الْمَجْزُومِ بِدَلِيلِ قِرَاءَةِ أُبَيِّ وَلَا تُدْلُوا بِهَا. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَالْإِدْلَاءُ إرْسَالُ الدَّلْوِ إلَى الْبِئْرِ لِلِاسْتِقَاءِ وَدَلَاهُ يَدْلُوهُ أَخْرَجَهُ، ثُمَّ جُعِلَ إلْقَاءُ كُلِّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ إدْلَاءً، وَمِنْهُ أَدْلَى بِحُجَّتِهِ كَأَنَّهُ يُرْسِلُهَا لِتَصِلَ إلَى مُرَادِهِ وَأَدْلَى إلَى الْمَيِّتِ بِقَرَابَتِهِ لِطَلَبِ الْمِيرَاثِ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ، وَبَاءَ بِهَا لِلتَّعْدِيَةِ وَقِيلَ لِلسَّبَبِيَّةِ.
فَالْمُرَادُ بِالْإِدْلَاءِ الْإِشْرَاعُ بِالْخُصُومَةِ فِي الْأَمْوَالِ، وَبَاءَ بِالْإِثْمِ لِلسَّبَبِيَّةِ أَوْ الْمُصَاحَبَةِ، وَوَجْهُ تَشْبِيهِ الرِّشْوَةِ بِالْإِدْلَاءِ إمَّا كَوْنُهَا تُقَرِّبُ بَعِيدَ الْحَاجَةِ كَمَا أَنَّ الدَّلْوَ الْمَمْلُوءَةَ مَاءً تَصِلُ مِنْ الْبَعِيدِ إلَى الْقَرِيبِ بِوَاسِطَةِ الرِّشَاءِ فَالْبَعِيدُ يَصِيرُ قَرِيبًا بِسَبَبِ الرِّشْوَةِ، وَإِمَّا كَوْنُ الْحَاكِمِ بِسَبَبِ الرِّشْوَةِ يُمْضِي الْحُكْمَ وَيُثْبِتُهُ مِنْ غَيْرِ تَثَبُّتٍ كَمُضِيِّ الدَّلْوِ فِي الرِّشَاءِ، ثُمَّ الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ الْوَدَائِعُ وَمَا لَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ وَقِيلَ مَالُ الْيَتِيمِ فِي يَدِ وَصِيِّهِ يَدْفَعُ بَعْضَهُ لِلْحَاكِمِ لِيُبْقِيَهُ عَلَى وِصَايَتِهِ وَتَصَرُّفِهِ الْفَاسِدِ، وَقِيلَ شَهَادَةُ الزُّورِ، وَالضَّمِيرُ فِي بِهَا عَائِدٌ عَلَى مَذْكُورٍ لِلْعِلْمِ بِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ هُوَ أَنْ يَحْلِفَ لِيُحِقَّ بَاطِلًا، لِأَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا أَنَّ «امْرَأَ الْقَيْسِ بْنَ عَبَّاسٍ الْكِنْدِيَّ ادَّعَى عَلَيْهِ رَبِيعَةُ بْنُ عَبْدَانَ الْحَضْرَمِيُّ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْضًا أَنَّهُ غَلَبَهُ عَلَيْهَا فَالْتَمَسَ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم بَيِّنَةً فَلَمْ يَجِدْ، فَقَالَ لَك يَمِينُهُ فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: أَمَّا إنْ حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ فَنَزَلَتْ» : أَيْ لَا يَأْكُلْ بَعْضُكُمْ مَالَ بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي أَبَاحَهُ اللَّهُ لَهُ.
وَقِيلَ؛ هُوَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْحَاكِمِ رِشْوَةً. قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ: أَيْ لَا تُصَانِعُوا الْحُكَّامَ بِأَمْوَالِكُمْ وَلَا تَرْشُوهُمْ لِيَقْتَطِعُوا لَكُمْ حَقَّ غَيْرِكُمْ، وَلَا يَبْعُدُ حَمْلُهَا عَلَى كُلِّ مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ أَكْلٌ لِلْمَالِ بِالْبَاطِلِ. {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188] أَيْ بِكَوْنِهِ بَاطِلًا. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْقَبِيحِ مَعَ الْعِلْمِ بِقُبْحِهِ أَقْبَحُ وَصَاحِبَهُ بِالتَّوْبِيخِ أَحَقُّ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ:«لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» . وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي» . وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ: «الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي فِي النَّارِ» . وَأَحْمَدُ: «مَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمْ الرِّبَا إلَّا أُخِذُوا بِالسَّنَةِ، وَمَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمْ الرُّشَا إلَّا أُخِذُوا بِالرُّعْبِ» .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ» . وَالْحَاكِمُ عَنْهُ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ وَالرَّائِشَ الَّذِي يَسْعَى بَيْنَهُمَا» . وَأَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ» يَعْنِي الَّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمَا. وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ: «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ» . وَالْحَاكِمُ: «مَنْ وَلِيَ عَشَرَةً فَحَكَمَ بَيْنَهُمْ بِمَا أَحَبُّوا أَوْ بِمَا كَرِهُوا جِيءَ بِهِ مَغْلُولَةً يَدَاهُ فَإِنْ عَدَلَ وَلَمْ يَرْتَشِ وَلَمْ يَحِفْ فَكَّ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَارْتَشَى وَحَابَى فِيهِ شُدَّتْ يَسَارُهُ إلَى يَمِينِهِ ثُمَّ رُمِيَ بِهِ فِي جَهَنَّمَ فَلَمْ يَبْلُغْ قَعْرَهَا خَمْسَمِائَةِ عَامٍ» .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ كُفْرٌ وَهِيَ بَيْنَ النَّاسِ سُحْتٌ ".
تَنْبِيهٌ: عَدُّ الْأُولَى هُوَ مَا ذَكَرُوهُ، وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ هُوَ مَا ظَهَرَ لِي مِنْ صَرِيحِ الْأَحَادِيثِ الْآتِيَةِ، وَالْأَخِيرَتَيْنِ هُوَ مَا رَأَيْته بَعْدَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْجَلَالِ الْبُلْقِينِيِّ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْتُهُ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، وَعِبَارَتُهُ: أَخْذُ الرِّشْوَةِ عَلَى الْأَحْكَامِ سَوَاءٌ أَخْذُهَا عَلَى الْحُكْمِ بِالْبَاطِلِ أَوْ الْحُكْمِ بِالْحَقِّ، وَفِي مَعْنَاهُ الْأَخْذُ عَلَى تَوْلِيَةِ الْحُكْمِ وَدَفْعِهِ حَيْثُ لَمْ يَتَعَيَّنْ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْبَذْلُ. انْتَهَتْ. وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرْتهَا صَرِيحَةٌ فِي أَكْثَرِ ذَلِكَ لِمَا فِيهَا مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ وَاللَّعْنَةِ لِلرَّاشِي وَلِلْمُرْتَشِي وَلِلسَّفِيرِ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا قُلْتُ فِي الثَّانِيَةِ بَاطِلٌ لِقَوْلِهِمْ قَدْ يَجُوزُ الْإِعْطَاءُ وَيَحْرُمُ الْأَخْذُ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَكَمَا يُعْطَاهُ الشَّاعِرُ خَوْفًا مِنْ هَجْوِهِ فَالْإِعْطَاءُ جَائِزٌ لِلضَّرُورَةِ، وَالْأَخْذُ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ وَلِأَنَّ الْمُعْطِيَ كَالْمُكْرَهِ عَلَى إعْطَائِهِ فَمَنْ أَعْطَى قَاضِيًا أَوْ حَاكِمًا رِشْوَةً أَوْ أَهْدَى إلَيْهِ هَدِيَّةً فَإِنْ كَانَ لِيَحْكُمَ لَهُ بِبَاطِلٍ أَوْ لِيَتَوَصَّلَ بِهَا إلَى نَيْلِ مَا لَا يَسْتَحِقُّ أَوْ إلَى أَذِيَّةِ مُسْلِمٍ فُسِّقَ الرَّاشِي وَالْمُهْدِي بِالْإِعْطَاءِ وَالْمُرْتَشِي وَالْمُهْدَى إلَيْهِ بِالْأَخْذِ وَالرَّائِشُ بِالسَّعْيِ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ حُكْمٌ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ لِيَحْكُمَ لَهُ بِحَقٍّ أَوْ لِدَفْعِ ظُلْمٍ عَنْهُ أَوْ لِيَنَالَ مَا يَسْتَحِقُّهُ فُسِّقَ الْآخِذُ فَقَطْ وَلَمْ يَأْثَمْ الْمُعْطِي لِاضْطِرَارِهِ إلَى التَّوَصُّلِ إلَى حَقِّهِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ.
وَأَمَّا الرَّائِشُ هُنَا فَاَلَّذِي
يَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ إنَّهُ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْآخِذِ فِسْقٌ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْآخِذَ يُفَسَّقُ مُطْلَقًا فَمُعِينُهُ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْمُعْطِي فَإِنْ كُنَّا حَكَمْنَا بِفِسْقِهِ فُسِّقَ رَسُولُهُ وَإِلَّا فَلَا. ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ ذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ فِي الرَّائِشِ فَقَالَ: هُوَ تَابِعٌ لِلرَّاشِي فِي قَصْدِهِ إنْ قَصَدَ خَيْرًا لَمْ تَلْحَقْهُ اللَّعْنَةُ وَإِلَّا لَحِقَتْهُ. وَلَا فَرْقَ فِي الرِّشْوَةِ الْمُقْتَضِي أَخْذُهَا الْفِسْقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ أَطْلَقَ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ أَكْلَ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَغَيْرِهِمْ بِالْبَاطِلِ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَكَذَا أَخْذُهَا رِشْوَةً وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ رُبُعَ دِينَارٍ وَأَنْ لَا، وَكَذَا أَطْلَقَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ أَكْلَ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَأَخْذَ الرِّشْوَةِ وَجَرَى عَلَى إطْلَاقِهِ فِيهَا وَفِي كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ الشَّيْخَانِ، وَسَيَأْتِي عَنْ النَّصِّ مَا يَشْهَدُ لَهُ وَذَلِكَ يُورِثُ تَضْعِيفَ التَّقْيِيدِ فِي الْمَغْصُوبِ بِرُبُعِ دِينَارٍ. انْتَهَى.
وَمَرَّ فِي الْغَصْبِ وَغَيْرِهِ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِذَلِكَ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الرِّشْوَةِ لَا يَخْتَصُّ بِالْقُضَاةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ خِلَافًا لِلْبَدْرِ بْنِ جَمَاعَةَ وَغَيْرِهِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ» . وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ شَفَعَ لِرَجُلٍ شَفَاعَةً فَأَهْدَى لَهُ عَلَيْهَا هَدِيَّةً فَقَدْ أَتَى بَابًا كَبِيرًا مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا» . وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: السُّحْتُ أَنْ تَطْلُبَ لِأَخِيك الْحَاجَةَ فَتُقْضَى فَيُهْدِيَ إلَيْك هَدِيَّةً فَتَقْبَلَهَا مِنْهُ. وَعَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ كَلَّمَ ابْنَ زِيَادٍ فِي مَظْلِمَةٍ فَرَدَّهَا فَأَهْدَى إلَيْهِ صَاحِبُ الْمَظْلَمَةِ وَصِيفًا فَرَدَّهُ وَلَمْ يَقْبَلْهُ. وَقَالَ: يَعْنِي مَسْرُوقًا: سَمِعْت ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ مَنْ رَدَّ عَنْ مُسْلِمٍ مَظْلِمَةً فَأَعْطَاهُ عَلَى ذَلِكَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا فَهُوَ سُحْتٌ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، مَا كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ السُّحْتَ إلَّا الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ فَقَالَ ذَلِكَ كُفْرٌ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. وَجَاءَ نَصْرَانِيٌّ إلَى الْإِمَامِ الْأَوْزَاعِيِّ وَكَانَ يَسْكُنُ بَيْرُوتَ فَقَالَ إنَّ وَالِيَ بَعْلَبَكَّ ظَلَمَنِي وَأُرِيدُ أَنْ تَكْتُبَ فِي إلَيْهِ وَأَتَاهُ بِقُلَّةِ عَسَلٍ فَقَالَ لَهُ إنْ شِئْتَ رَدَدْتَ عَلَيْكَ قُلَّتَكَ وَأَكْتُبُ إلَيْهِ وَإِنْ شِئْتَ أَخَذْتُهَا وَلَا أَكْتُبُ، فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ بَلْ اُكْتُبْ لِي وَارْدُدْهَا فَكَتَبَ لَهُ أَنْ ضَعْ عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ فَشَفَعَهُ الْوَالِيَ فِيهِ وَحَطَّ عَنْهُ مِنْ جِزْيَتِهِ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: وَإِذَا أَخَذَ الْقَاضِي رِشْوَةً عَلَى قَضَائِهِ فَقَضَاؤُهُ مَرْدُودٌ وَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ وَالرِّشْوَةُ مَرْدُودَةٌ، وَإِذَا أَعْطَى الْقَاضِي عَلَى الْقَضَاءِ رِشْوَةً فَوِلَايَتُهُ بَاطِلَةٌ