الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَغْلَقَ بَابَهُ دُونَ الْمِسْكِينِ وَالْمَظْلُومِ وَذِي الْحَاجَةِ أَغْلَقَ اللَّهُ تبارك وتعالى أَبْوَابَ رَحْمَتِهِ دُونَ حَاجَتِهِ وَفَقْرِهِ أَفْقَرَ مَا يَكُونُ إلَيْهَا» . وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إلَّا شَيْخَهُ خَيْرُونَ، قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: لَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى جَرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ:«أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنه ضَرَبَ عَلَى النَّاسِ بَعْثًا فَخَرَجُوا فَرَجَعَ أَبُو الدَّحْدَاحِ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: أَلَمْ تَكُنْ خَرَجْت؟ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا أَحْبَبْت أَنْ أَضَعَهُ عِنْدَك مَخَافَةَ أَنْ لَا تَلْقَانِي، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ وَلِيَ عَلَيْكُمْ عَمَلًا فَحَجَبَ بَابَهُ عَنْ ذِي حَاجَةٍ أَوْ قَالَ دُونَ حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ حَجَبَهُ اللَّهُ أَنْ يَلِجَ بَابَ الْجَنَّةِ، وَمَنْ كَانَتْ هِمَّتُهُ الدُّنْيَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ جِوَارِي فَإِنِّي بُعِثْت بِخَرَابِ الدُّنْيَا وَلَمْ أُبْعَثْ بِعِمَارَتِهَا» .
تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ هُوَ صَرِيحُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، وَقُيِّدَتْ الْحَوَائِجُ بِمَا قَدَّمْته فِي التَّرْجَمَةِ لِمَا هُوَ وَاضِحٌ أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْ الْحَوَائِجِ الْمُطْلَقَةِ فِي الْأَحَادِيثِ، لَكِنْ أُشِيرُ إلَى ذَلِكَ التَّقْيِيدِ بِالتَّعْبِيرِ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ بِالْمِسْكَيْنِ وَالْمَظْلُومِ، ثُمَّ رَأَيْت الْجَلَالَ الْبُلْقِينِيَّ صَرَّحَ بِمَا ذَكَرْته فِي الْغِشِّ فَقَالَ: الْكَبِيرَةُ السِّتُّونَ غِشُّ الْوُلَاةِ الرَّعِيَّةَ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» . وَرَأَيْت غَيْرَهُ ذَكَرَ جَوْرَ الْحُكَّامِ وَغِشَّهُمْ لِرَعِيَّتِهِمْ وَاحْتِجَابَهُمْ عَنْ أُولِي الْحَاجَاتِ وَالْمَسْكَنَةِ.
[الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ وَالتَّاسِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الثَّلَاثمِائَةِ ظُلْمُ السَّلَاطِينِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ وَغَيْرِهِمْ]
(الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ وَالتَّاسِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ: ظُلْمُ السَّلَاطِينِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ وَغَيْرِهِمْ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا بِنَحْوِ أَكْلِ مَالٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ شَتْمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَخِذْلَانُ الْمَظْلُومِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى نُصْرَتِهِ، وَالدُّخُولُ عَلَى الظَّلَمَةِ مَعَ الرِّضَا بِظُلْمِهِمْ وَإِعَانَتُهُمْ عَلَى الظُّلْمِ وَالسِّعَايَةُ إلَيْهِمْ بِبَاطِلٍ) قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227]، وَقَالَ تَعَالَى:
{وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} [هود: 113] وَالرُّكُونُ إلَى الشَّيْءِ السُّكُونُ وَالْمَيْلُ إلَيْهِ بِالْمَحَبَّةِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي الْآيَةِ:" لَا تَمِيلُوا إلَيْهِمْ كُلَّ الْمَيْلِ فِي الْمَحَبَّةِ وَلِينِ الْكَلَامِ وَالْمَوَدَّةِ ". وَقَالَ السُّدِّيُّ وَابْنُ زَيْدٍ: لَا تُدَاهِنُوهُمْ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَا تُطِيعُوهُمْ وَتَوَدُّوهُمْ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: لَا تَرْضَوْا بِأَعْمَالِهِمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مُرَادٌ مِنْ الْآيَةِ. وَقَالَ تَعَالَى:{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22] أَيْ أَشْبَاهَهُمْ وَأَتْبَاعَهُمْ.
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ: «اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ» . وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عز وجل أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْت الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْته بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَّالَمُوا» الْحَدِيثَ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ: «إيَّاكُمْ وَالظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ هُوَ الظُّلُمَاتُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُحْشَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُحِبُّ الْفَاحِشَ وَالْمُتَفَحِّشَ، وَإِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ دَعَا مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَسَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ» . وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَلَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ: «إيَّاكُمْ وَالْخِيَانَةَ فَإِنَّهَا بِئْسَ الْبِطَانَةُ، وَإِيَّاكُمْ وَالظُّلْمُ فَإِنَّهُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ مِنْ قَبْلِكُمْ الشُّحُّ حَتَّى سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَقَطَعُوا أَرْحَامَهُمْ» .
وَالطَّبَرَانِيُّ: «لَا تَظَّالَمُوا فَتَدْعُوَا فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ وَتَسْتَسْقُوا فَلَا تُسْقَوْا وَتَسْتَنْصِرُوا فَلَا تُنْصَرُوا» . وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ: «صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَنْ تَنَالَهُمَا شَفَاعَتِي: إمَامٌ ظَلُومٌ غَشُومٌ، وَكُلُّ غَالٍ مَارِقٍ» . وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَيَقُولُ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا تَوَادَّ اثْنَانِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا»
وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا: «إنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102] » . وَأَبُو يَعْلَى وَاللَّفْظُ لَهُ بِسَنَدٍ فِيهِ مُخْتَلَفٌ فِي تَوْثِيقِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا أَحَادِيثَ عَامَّتُهَا مُسْتَقِيمَةٌ وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ نَحْوَهُ بِاخْتِصَارٍ: «الشَّيْطَانُ قَدْ يَئِسَ أَنْ تُعْبَدَ الْأَصْنَامُ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ وَلَكِنَّهُ سَيَرْضَى مِنْكُمْ بِدُونِ ذَلِكَ بِالْمُحَقَّرَاتِ: وَهِيَ الْمُوبِقَاتُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: اتَّقُوا الظُّلْمَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْحَسَنَاتِ يَرَى أَنَّهَا سَتُنْجِيهِ فَمَا زَالَ عَبْدٌ يَقُومُ يَقُولُ يَا رَبِّ ظَلَمَنِي عَبْدُك مَظْلِمَةً فَيَقُولُ اُمْحُوا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَمَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى مَا يَبْقَى بِهِ حَسَنَةٌ مِنْ الذُّنُوبِ - أَيْ مِنْ أَجْلِهَا - وَإِنَّ مِثْلَ ذَلِكَ كَسَفْرٍ نَزَلُوا بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ لَيْسَ مَعَهُمْ حَطَبٌ فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ لِيَحْتَطِبُوا فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ احْتَطَبُوا فَأَعْظَمُوا النَّارَ وَطَبَخُوا مَا أَرَادُوا وَكَذَلِكَ الذُّنُوبُ» .
وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ «صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ: اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» . وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا: «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ
الْغَمَامِ وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّك وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ» . وَالْبَزَّارُ: «ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَرُدَّ لَهُمْ دَعْوَةً: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالْمَظْلُومُ حَتَّى يَنْتَصِرَ، وَالْمُسَافِرُ حَتَّى يَرْجِعَ» . وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ: «ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ لَا شَكَّ فِي إجَابَتِهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ» . وَالْحَاكِمُ وَقَالَ رُوَاتُهُ مُتَّفَقٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِمْ إلَّا عَاصِمَ بْنَ كُلَيْبٍ فَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ وَحْدَهُ: «اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا تَصْعَدُ إلَى السَّمَاءِ كَأَنَّهَا شَرَارَةٌ» . وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: «ثَلَاثٌ تُسْتَجَابُ دَعْوَتُهُمْ: الْوَلَدُ وَالْمُسَافِرُ وَالْمَظْلُومُ» . وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ: «دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا فَفُجُورُهُ عَلَى نَفْسِهِ» . وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ لَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ: «دَعْوَتَانِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمَرْءِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ» . وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْمُتَابَعَاتِ: «اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ، يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لِأَنْصُرَنَّك وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ» . وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ مُحْتَجٌّ بِهِمْ إلَّا وَاحِدًا، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: لَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى جَرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ: «دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا لَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ» .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ: «يَقُولُ اللَّهُ اشْتَدَّ غَضَبِي عَلَى مَنْ ظَلَمَ مَنْ لَا يَجِدُ لَهُ نَاصِرًا غَيْرِي» . وَمُسْلِمٌ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إلَى صَدْرِهِ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَعِرْضُهُ وَمَالُهُ» .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَتْ صُحُفُ إبْرَاهِيمَ عليه السلام؟ قَالَ: كَانَتْ أَمْثَالًا كُلُّهَا: أَيُّهَا الْمَلِكُ الْمُسَلَّطُ الْمُبْتَلَى الْمَغْرُورُ لَمْ أَبْعَثك لِتَجْمَعَ الدُّنْيَا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَكِنِّي
بَعَثْتُك لِتَرُدَّ عَنِّي دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنِّي لَا أَرُدُّهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ كَافِرٍ. وَعَلَى الْعَاقِلِ مَا لَمْ يَكُنْ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ سَاعَاتٌ: سَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ، وَسَاعَةٌ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ، وَسَاعَةٌ يَتَفَكَّرُ فِيهَا فِي صُنْعِ اللَّهِ، وَسَاعَةٌ يَخْلُو فِيهَا لِحَاجَتِهِ مِنْ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ. وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لَا يَكُونَ ظَاعِنًا إلَّا لِثَلَاثٍ: تَزَوُّدٍ لِمَعَادٍ أَوْ مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ أَوْ لَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا بِزَمَانِهِ مُقْبِلًا عَلَى شَأْنِهِ حَافِظًا لِلِسَانِهِ وَمَنْ حَسَبَ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلَامُهُ إلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ. قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا كَانَتْ صُحُفُ مُوسَى عليه السلام؟ قَالَ كَانَتْ عِبَرًا كُلَّهَا: عَجِبْت لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ كَيْفَ هُوَ ثُمَّ يَفْرَحُ، عَجِبْت لِمَنْ أَيْقَنَ بِالنَّارِ ثُمَّ هُوَ يَضْحَكُ عَجِبْت لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ ثُمَّ هُوَ يَنْصَبُ، عَجِبْت لِمَنْ يَرَى الدُّنْيَا وَتَقَلُّبَهَا بِأَهْلِهَا ثُمَّ اطْمَأَنَّ إلَيْهَا، عَجِبْت لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ غَدًا ثُمَّ لَا يَعْمَلُ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي، قَالَ: أُوصِيك بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهَا رَأْسُ الْأَمْرِ كُلِّهِ. قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي، قَالَ عَلَيْك بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ نُورٌ لَك فِي الْأَرْضِ وَذِكْرٌ لَك فِي السَّمَاءِ. قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي، قَالَ: إيَّاكَ وَكَثْرَةَ الضَّحِكِ فَإِنَّهُ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَذْهَبُ بِنُورِ الْوَجْهِ. قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي، قَالَ: عَلَيْك بِالْجِهَادِ فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ أُمَّتِي. قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي، قَالَ: أَحِبَّ الْمَسَاكِينَ وَجَالِسْهُمْ. قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي، قَالَ: اُنْظُرْ إلَى مَنْ هُوَ تَحْتَك وَلَا تَنْظُرُ إلَى مَنْ هُوَ فَوْقَك فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرِيَ نِعْمَةَ اللَّهِ عِنْدَك. قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي، قَالَ: قُلْ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا. قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي، قَالَ: لَا يَرُدُّك عَنْ النَّاسِ مَا تَعْلَمُهُ عَنْ نَفْسِك وَلَا تَجِدْ عَلَيْهِمْ فِيمَا تَأْتِي، وَكَفَى بِك عَيْبًا أَنْ تَعْرِفَ مِنْ النَّاسِ مَا تَجْهَلَهُ مِنْ نَفْسِك وَتَجِدَ عَلَيْهِمْ فِيمَا تَأْتِيَ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِي وَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ لَا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ، وَلَا وَرَعَ كَالْكَفِّ، وَلَا حُسْنَ كَحُسْنِ الْخُلُقِ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ عَقِبَ ذِكْرِهِ هَذَا الْحَدِيثَ: انْفَرَدَ بِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ هِشَامِ بْنِ يَحْيَى الْغَسَّانِيُّ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ فِي أَوَّلِهِ ذِكْرُ الْأَنْبِيَاءِ عليه الصلاة والسلام ذَكَرْت مِنْهُ هَذِهِ الْقِطْعَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ الْحِكَمِ الْعَظِيمَةِ وَالْمَوَاعِظِ الْجَسِيمَةِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ السُّدِّيِّ الْبَصْرِيِّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ بِنَحْوِهِ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ
فِيهِ كَلَامٌ، وَالْحَدِيثُ مُنْكَرٌ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ وَحَدِيثُ إبْرَاهِيمَ بْنِ هِشَامٍ هُوَ الْمَشْهُورُ. انْتَهَى
وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ حِبَّانَ: «أَمَرَ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى يُضْرَبُ فِي قَبْرِهِ مِائَةَ جَلْدَةٍ فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُ اللَّهَ وَيَدْعُو حَتَّى صَارَتْ جَلْدَةً وَاحِدَةً فَامْتَلَأَ قَبْرُهُ عَلَيْهِ نَارًا فَلَمَّا ارْتَفَعَ عَنْهُ وَأَفَاقَ قَالَ: عَلَامَ جَلَدْتُمُونِي؟ قَالُوا إنَّك صَلَّيْت صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ وَمَرَرْت عَلَى مَظْلُومٍ فَلَمْ تَنْصُرْهُ» . وَأَبُو الشَّيْخِ أَيْضًا، قَالَ اللَّهُ عز وجل:«وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأَنْتَقِمَنَّ مِنْ الظَّالِمِ فِي عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، وَلَأَنْتَقِمَنَّ مِمَّنْ رَأَى مَظْلُومًا فَقَدَرَ أَنْ يَنْصُرَهُ وَلَمْ يَفْعَلْ» .
وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ: «اُنْصُرْ أَخَاك ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إذَا كَانَ مَظْلُومًا أَفَرَأَيْت إنْ كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ تَحْجِزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ عَنْ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ» . وَمُسْلِمٌ: «وَلْيَنْصُرْ الرَّجُلُ أَخَاهُ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا إنْ كَانَ ظَالِمًا فَلْيَنْهَهُ فَإِنَّهُ لَهُ نُصْرَةٌ فَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَلْيَنْصُرْهُ» .
وَأَبُو دَاوُد: «مَنْ حَمَى مُؤْمِنًا مِنْ مُنَافِقٍ، أَرَاهُ قَالَ بَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا يَحْمِي لَحْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ» الْحَدِيثَ. وَأَحْمَدُ بِإِسْنَادَيْنِ: أَحَدُهُمَا صَحِيحٌ: «مَنْ بَدَا جَفَا، وَمَنْ تَبِعَ الصَّيْدَ غَفَلَ، وَمَنْ أَتَى أَبْوَابَ السُّلْطَانِ اُفْتُتِنَ، وَمَا ازْدَادَ عَبْدٌ مِنْ السُّلْطَانِ قُرْبًا إلَّا ازْدَادَ مِنْ اللَّهِ بُعْدًا» . وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالنَّسَائِيُّ: «مَنْ بَدَا جَفَا، وَمَنْ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ، وَمَنْ أَتَى السُّلْطَانَ اُفْتُتِنَ» . وَأَحْمَدُ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالْبَزَّارُ وَرُوَاتُهُمَا مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: أَعَاذَك اللَّهُ مِنْ إمَارَةِ
السُّفَهَاءِ، قَالَ وَمَا إمَارَةُ السُّفَهَاءِ؟ قَالَ أُمَرَاءُ يَكُونُونَ بَعْدِي لَا يَهْتَدُونَ بِهَدْيِي وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَأُولَئِكَ لَيْسُوا مِنِّي وَلَسْت مِنْهُمْ وَلَا يَرِدُونَ عَلَى حَوْضِي، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَأُولَئِكَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ وَسَيَرِدُونَ عَلَى حَوْضِي. يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ: الصِّيَامُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ وَالصَّلَاةُ قُرْبَانٌ أَوْ قَالَ بُرْهَانٌ. يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ: النَّاسُ غَادِيَانِ فَمُبْتَاعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ بَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُوبِقُهَا» . وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْت مِنْهُ وَلَنْ يَرِدَ عَلَى الْحَوْضِ، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَسَيَرِدُ عَلَى الْحَوْضِ» الْحَدِيثَ. وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: «أُعِيذُك يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ مِنْ أُمَرَاءَ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِي فَمَنْ غَشِيَ أَبْوَابَهُمْ فَصَدَّقَهُمْ فِي كَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْت مِنْهُ وَلَا يَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَمَنْ غَشِيَ أَبْوَابَهُمْ أَوْ لَمْ يَغْشَ فَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ فِي كَذِبِهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَسَيَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ» الْحَدِيثَ. وَاللَّفْظُ لِلتِّرْمِذِيِّ: وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَيْضًا عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: «خَرَجَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ تِسْعَةٌ وَخَمْسَةٌ وَأَرْبَعَةٌ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ مِنْ الْعَرَبِ وَالْآخَرُ مِنْ الْعَجَمِ فَقَالَ: اسْمَعُوا هَلْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ؟ فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْت مِنْهُ وَلَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَيَّ الْحَوْضَ وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَيَّ الْحَوْضَ» ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ. وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ إلَّا رَاوِيًا لَمْ يُسَمَّ. عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قَالَ:«خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَرَفَعَ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ ثُمَّ خَفَضَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ حَدَثَ فِي السَّمَاءِ أَمْرٌ فَقَالَ: أَلَا إنَّهُ سَتَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ يَظْلِمُونَ وَيَكْذِبُونَ فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَمَالَأَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنَى وَلَا أَنَا مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَلَمْ يُمَالِئْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ» الْحَدِيثَ.
وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: «كُنَّا قُعُودًا عَلَى بَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: اسْمَعُوا قُلْنَا قَدْ سَمِعْنَا، قَالَ اسْمَعُوا، قُلْنَا قَدْ سَمِعْنَا، قَالَ إنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَلَا تُعِينُوهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ لَمْ يَرِدْ عَلَى الْحَوْضِ» . وَأَحْمَدُ: «يَكُونُ أُمَرَاءُ تَغْشَاهُمْ غَوَاشٍ أَوْ حَوَاشٍ مِنْ النَّاسِ يَكْذِبُونَ وَيَظْلِمُونَ، فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْت مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي يَعْلَى وَابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، «فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ وَهُوَ مِنِّي بَرِيءٌ» .
وَابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ: «إنَّ نَاسًا مِنْ أُمَّتِي سَيَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَقُولُونَ نَأْتِي الْأُمَرَاءَ فَنُصِيبُ مِنْ دُنْيَاهُمْ وَنَعْتَزِلُهُمْ بِدِينِنَا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ، كَمَا لَا يُجْتَنَى مِنْ الْقَتَادِ إلَّا الشَّوْكُ كَذَلِكَ لَا يُجْتَنَى مِنْ قُرْبِهِمْ إلَّا» . قَالَ ابْنُ الصَّبَّاحِ: كَأَنَّهُ يَعْنِي الْخَطَايَا.
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعَا لِأَهْلِهِ، فَذَكَرَ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَغَيْرَهُمَا، فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ؟ قَالَ نَعَمْ مَا لَمْ تَقُمْ عَلَى بَابِ سُدَّةٍ - أَيْ سُلْطَانٍ أَوْ نَحْوِهِ - أَوْ تَأْتِي أَمِيرًا تَسْأَلُهُ» .
وَابْنَا مَاجَهْ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا: «أَنَّ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ مَرَّ بِرَجُلٍ لَهُ شَرَفٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ إنَّ لَك حُرْمَةً وَحَقًّا، وَإِنِّي رَأَيْتُك تَدْخُلُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْأُمَرَاءِ فَتَكَلَّمُ عِنْدَهُمْ، وَإِنِّي سَمِعْت بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا سَخَطَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، اُنْظُرْ وَيْحَك مَاذَا تَقُولُ وَمَا تَكَلَّمُ بِهِ؟ فَرُبَّ كَلَامٍ قَدْ مَنَعَنِيهِ مَا سَمِعْت مِنْ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ الْمَرْفُوعَ مِنْهُ وَصَحَّحَاهُ وَرَوَاهُ الْأَصْبَهَانِيُّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: عَنْ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ قَالَ لِبَنِيهِ: «إذَا حَضَرْتُمْ عِنْدَ ذِي سُلْطَانٍ فَأَحْسِنُوا الْمَحْضَرَ، فَإِنِّي سَمِعْت
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: فَذَكَرَهُ» . وَابْنُ الْأَثِيرِ فِي نِهَايَتِهِ: السَّاعِي مُثَلِّثٌ: أَيْ مُهْلِكٌ بِسِعَايَتِهِ نَفْسَهُ وَالْمَسْعِيَّ بِهِ وَإِلَيْهِ.
تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذِهِ الْخَمْسَةِ هُوَ صَرِيحُ هَذِهِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ غَيْرَ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ ذَكَرَ الرَّابِعَةَ وَعَبَّرَ عَنْهَا بِقَوْلِهِ:" وَالدُّخُولُ عَلَى الظَّلَمَةِ بِغَيْرِ قَصْدٍ صَحِيحٍ بَلْ إعَانَةً أَوْ تَوْقِيرًا أَوْ مَحَبَّةً ". قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فَإِطْلَاقُ كَوْنِ السِّعَايَةِ كَبِيرَةً مُشْكِلٌ إذَا كَانَ مَا يَنْشَأُ عَنْهَا صَغِيرَةً إلَّا أَنْ يُقَالَ تَصِيرُ كَبِيرَةً بِمَا يَنْضَمُّ لِذَلِكَ مِنْ الرُّعْبِ لِلْمَسْعِيِّ عَلَيْهِ أَوْ خَوْفُ أَهْلِهِ أَوْ تَرْوِيعُهُمْ بِطَلَبِ السُّلْطَانِ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْحَلِيمِيِّ السَّابِقَ فِي إعَانَةِ الْقَاتِلِ وَدَلَالَتَهُ عَلَى مَنْ يُرِيدُ قَتْلَهُ وَقَالَ: لَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي أَنَّ السِّعَايَةَ لَيْسَتْ كَبِيرَةً. انْتَهَى. وَمَرَّ أَنَّ كَلَامَ الْحَلِيمِيِّ هَذَا مَرْدُودٌ لَا مُعَوِّلَ عَلَيْهِ فَلَا نَظَرَ لِمَا اقْتَضَاهُ، فَالْوَجْهُ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهَا كَبِيرَةٌ لِأَنَّهَا نَمِيمَةٌ بَلْ هِيَ أَقْبَحُ أَنْوَاعِ النَّمِيمَةِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ تَسْمِيَةُ النَّمِيمَةِ كَبِيرَةً، ثُمَّ الْمُرَادُ كَمَا ذَكَرْته فِي التَّرْجَمَةِ السَّعْيُ إلَى السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْوُلَاةِ بِالْبَرِيءِ؛ فَأَمَّا مَا جَازَتْ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ فَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ بَلْ يَجِبُ الرَّفْعُ فِيهِ إلَّا لِعُذْرٍ. وَقَدْ قَالَ الْقَمُولِيُّ فِي الْجَوَاهِرِ فِي النَّمِيمَةِ: قَالَ النَّوَوِيُّ فَلَوْ دَعَتْ إلَى النَّمِيمَةِ حَاجَةٌ فَلَا مَنْعَ مِنْهَا، كَمَا إذَا أَخْبَرَهُ أَنَّ إنْسَانًا يُرِيدُ الْفَتْكَ بِهِ أَوْ بِأَهْلِهِ أَوْ بِمَالِهِ، أَوْ أَخْبَرَ الْإِمَامَ أَوْ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ بِأَنَّ فُلَانًا يَسْعَى بِمَا فِيهِ مَفْسَدَةٌ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُتَوَلِّي الْكَشْفُ عَنْ ذَلِكَ وَإِزَالَتُهُ، وَكَذَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَكُلُّهُ لَا حُرْمَةَ فِيهِ بَلْ قَدْ يَجِبُ تَارَةً وَيُنْدَبُ أُخْرَى بِحَسَبِ الْمَوَاطِنِ.
وَقَوْلِي فِي التَّرْجَمَةِ فِي الْأَخِيرَةِ بِبَاطِلٍ هُوَ مَا صَرَّحُوا بِهِ
وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: السِّعَايَةُ بِمَا يَضُرُّ الْمُسْلِمَ كَبِيرَةٌ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا وَهُوَ مُحْتَمَلٌ بَلْ يَجِبُ الْجَزْمُ بِهِ إذَا اشْتَدَّ الضَّرَرُ بِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ يَعْتَادُ الدُّخُولَ عَلَى الظَّلَمَةِ قَدْ يَحْتَجُّ بِأَنَّ قَصْدَهُ نُصْرَةُ مَظْلُومٍ، أَوْ مُسَاعِدَةُ ضَعِيفٍ، أَوْ رَدُّ ظَلَّامَةٍ، أَوْ التَّسَبُّبُ فِي مَعْرُوفٍ؛ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مَتَى تَنَاوَلَ مِنْ مَطْعَمِهِمْ، أَوْ شَارَكَهُمْ فِي مَقَاصِدِهِمْ، أَوْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ الْمُحَرَّمَةِ، أَوْ دَاهَنَهُمْ فِي مُنْكَرٍ، فَهَذَا لَا يَحْتَاجُ النَّظَرُ فِي سُوءِ حَالِهِ إلَى دَلِيلٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذِي بَصِيرَةٍ يَشْهَدُ أَنَّهُ ضَالٌّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَأَنَّهُ عَبْدُ بَطْنِهِ وَهَوَاهُ، فَهُوَ مِمَّنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ وَأَرْدَاهُ، فَهُوَ مِنْ الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ
صُنْعًا. وَمِنْ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ مُصْلِحُونَ {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 12] وَمَتَى تَنَزَّهَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَهُوَ مَحَلُّ اشْتِبَاهٍ، وَلِحَالِهِ مِيزَانٌ يَقْضِي بِكَمَالِهِ تَارَةً وَنَقْصِهِ أُخْرَى، فَمَتَى رَأَى أَنَّهُ كَمُكْرَهٍ فِي دُخُولِهِ عَلَيْهِمْ، وَيَوَدُّ أَنَّهُ لَوْ كُفِيَ بِغَيْرِهِ وَانْتَصَرَ الْمَظْلُومُ بِسِوَاهُ وَلَا يَتَبَجَّحُ بِصُحْبَتِهِمْ، فَلَا يَجْرِي فِي فَلَتَاتِ لِسَانِهِ قُلْت لِلسُّلْطَانِ مَثَلًا وَلَا انْتَصَرَ بِي فُلَانٌ وَنَحْوَهُ، وَلَوْ قَدَّمَ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ أَحَدًا وَقَرَّبَهُ وَاعْتَقَدَهُ وَقَامَ بِمَا كَانَ قَائِمًا بِهِ لَمَا شَقَّ عَلَيْهِ بَلْ يَجِدُ لَهُ انْشِرَاحًا إذْ أَجَارَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ الْفِتْنَةِ الْعَظِيمَةِ فَهُوَ صَحِيحُ الْقَصْدِ مَأْجُورٌ مُثَابٌ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ، وَمَتَى لَمْ تُوجَدْ فِيهِ جَمِيعُ هَذِهِ الْخِصَالِ، فَهُوَ فَاسِدُ النِّيَّةِ هَالِكٌ، إذْ قَصْدُهُ طَلَبُ الْمَنْزِلَةِ وَالتَّمْيِيزُ عَلَى الْأَقْرَانِ.
وَلِنُتَمَّمَ هَذَا الْمَبْحَثَ بِذِكْرِ أَحَادِيثَ وَآثَارٍ أُخْرَى ذَكَرَهَا بَعْضُهُمْ وَعُهْدَةُ أَكْثَرِهَا عَلَيْهِ، كَحَدِيثِ:«إنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَحَدِيثِ: «مَنْ ظَلَمَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ اللَّهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: «اشْتَدَّ غَضَبِي عَلَى مَنْ ظَلَمَ مَنْ لَا يَجِدُ لَهُ نَاصِرًا غَيْرِي» . وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ بَعْضِهِمْ:
لَا تَظْلِمَنَّ إذَا مَا كُنْتَ مُقْتَدِرًا
…
فَالظُّلْمُ تَرْجِعُ عُقْبَاهُ إلَى النَّدَمِ
تَنَامُ عَيْنَاك وَالْمَظْلُومُ مُنْتَبِهٌ
…
يَدْعُو عَلَيْك وَعَيْنُ اللَّهِ لَمْ تَنِمْ
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
إذَا مَا الظَّلُومُ اسْتَوْطَأَ الْأَرْضَ مَرْكَبًا
…
وَلَجَّ غُلُوًّا فِي قَبِيحِ اكْتِسَابِهِ
فَكِلْهُ إلَى صَرْفِ الزَّمَانِ فَإِنَّهُ
…
سَيُبْدِي لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي حِسَابِهِ
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لَا تَظْلِمَنَّ الضُّعَفَاءَ فَتَكُنْ مِنْ شِرَارِ الْأَقْوِيَاءِ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: إنَّ الْحُبَارَى لَتَمُوتُ هَوْلًا فِي وَكْرِهَا مِنْ ظُلْمِ الظَّالِمِ. وَقِيلَ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ: يُنَادِي مُنَادٍ مِنْ وَرَاءِ الْجِسْرِ يَعْنِي الصِّرَاطَ يَا مَعْشَرَ الْجَبَابِرَةِ الطُّغَاةِ، وَيَا مَعْشَرَ الْمُتْرَفِينَ الْأَشْقِيَاءِ، إنَّ اللَّهَ يَحْلِفُ بِعِزَّتِهِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ هَذَا الْجِسْرَ الْيَوْمَ ظُلْمُ ظَالِمٍ. وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «لَمَّا رَجَعَتْ مُهَاجِرَةُ الْحَبَشَةِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَلَا تُخْبِرُونِي بِأَعْجَبَ مَا رَأَيْتُمْ فِي أَرْضِ الْحَبَشَةِ؟ فَقَالَ قُتَيْبَةُ وَكَانَ مِنْهُمْ: بَلَى يَا
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسًا إذْ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِهِمْ تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ فَجَعَلَ إحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا، ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ الْمَرْأَةُ عَلَى رُكْبَتَيْهَا وَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا، فَلَمَّا قَامَتْ الْتَفَتَتْ إلَيْهِ ثُمَّ قَالَتْ سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ فَجَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَتَكَلَّمَتْ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ سَوْفَ تَعْلَمُ مَا أَمْرِي وَأَمْرُك عِنْدَهُ غَدًا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ قَوْمًا لَا يُؤْخَذُ مِنْ شَدِيدِهِمْ لِضَعِيفِهِمْ؟» .
وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «خَمْسَةٌ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ إنْ شَاءَ أَمْضَى غَضَبَهُ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَإِلَّا ثَوَّى بِهِمْ فِي الْآخِرَةِ إلَى النَّارِ: أَمِيرُ قَوْمٍ يَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ رَعِيَّتِهِ وَلَا يُنْصِفُهُمْ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا يَدْفَعُ الظُّلْمَ عَنْهُمْ، وَزَعِيمُ قَوْمٍ يُطِيعُونَهُ وَلَا يُسَوِّي بَيْنَ الْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ وَيَتَكَلَّمُ بِالْهَوَى، وَرَجُلٌ لَا يَأْمُرُ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَلَا يُعَلِّمُهُمْ أَمْرَ دِينِهِمْ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَعْمَلَهُ وَلَمْ يُوَفِّهِ أَجْرَهُ، وَرَجُلٌ ظَلَمَ امْرَأَةً فِي صَدَاقِهَا» . وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ الْخَلْقَ وَاسْتَوَوْا عَلَى أَقْدَامِهِمْ رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ إلَى اللَّهِ وَقَالُوا يَا رَبِّ مَعَ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ مَعَ الْمَظْلُومِ حَتَّى يُؤَدَّى إلَيْهِ حَقُّهُ. وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ رضي الله عنه: بَنَى جَبَّارٌ مِنْ الْجَبَابِرَةِ قَصْرًا وَشَيَّدَهُ فَجَاءَتْ عَجُوزٌ فَقِيرَةٌ فَبَنَتْ إلَى جَانِبِهِ شَيْئًا تَأْوِي إلَيْهِ، فَرَكِبَ الْجَبَّارُ يَوْمًا وَطَافَ حَوْلَ الْقَصْرِ فَرَأَى بِنَاءَهَا، فَقَالَ لِمَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: لِامْرَأَةٍ فَقِيرَةٍ تَأْوِي إلَيْهِ فَأَمَرَ بِهَدْمِهِ فَهُدِمَ فَجَاءَتْ الْعَجُوزُ فَرَأَتْهُ مَهْدُومًا، فَقَالَتْ: مَنْ هَدَمَهُ؟ فَقِيلَ لَهَا الْمَلِكُ رَآهُ فَهَدَمَهُ، فَرَفَعَتْ الْعَجُوزُ رَأْسَهَا إلَى السَّمَاءِ وَقَالَتْ يَا رَبِّ أَنَا لَمْ أَكُنْ حَاضِرَةً فَأَنْتَ أَيْنَ كُنْت؟ قَالَ: فَأَمَرَ اللَّهُ عز وجل جِبْرِيلَ أَنْ يَقْلِبَ الْقَصْرَ عَلَى مَنْ فِيهِ فَقَلَبَهُ. وَقِيلَ لَمَّا حُبِسَ بَعْضُ الْبَرَامِكَةِ وَوَلَدُهُ قَالَ: يَا أَبَتِ بَعْدَ الْعِزِّ صِرْنَا فِي الْقَيْدِ وَالْحَبْسِ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّ دَعْوَةُ مَظْلُومٍ سَرَتْ بِلَيْلٍ غَفَلْنَا عَنْهَا وَلَمْ يَغْفُلْ اللَّهُ عز وجل عَنْهَا.
وَكَانَ يَزِيدُ بْنُ حَكِيمٍ يَقُولُ: مَا هِبْت أَحَدًا قَطُّ هَيْبَتِي رَجُلًا ظَلَمْته وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا نَاصِرَ لَهُ إلَّا اللَّهُ يَقُولُ لِي حَسْبِي اللَّهُ، اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَك. وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: يَجِيءُ الظَّالِمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى إذَا كَانَ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ فَلَقِيَهُ الْمَظْلُومُ وَعَرَفَ مَا ظَلَمَهُ فَمَا يَبْرَحُ الَّذِينَ ظُلِمُوا بِاَلَّذِينَ ظَلَمُوا حَتَّى يَنْزِعُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ الْحَسَنَاتِ، فَإِنْ لَمْ
يَجِدُوا لَهُمْ حَسَنَاتٍ حَمَلُوا عَلَيْهِمْ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ مِثْلَ مَا ظَلَمُوهُمْ، حَتَّى يَرِدُوا الدَّرْكَ الْأَسْفَلَ مِنْ النَّارِ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يُحْشَرُ الْعِبَادُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا، فَيُنَادِيهِمْ مُنَادٍ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا الْمَلِكُ الدَّيَّانُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلِمَةٍ حَتَّى اللَّطْمَةِ فَمَا فَوْقَهَا، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَعِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ حَتَّى اللَّطْمَةُ فَمَا فَوْقَهَا {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49] قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ وَإِنَّمَا نَأْتِي حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا؟ قَالَ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ جَزَاءً وِفَاقًا {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49] » وَعَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ ضَرَبَ سَوْطًا ظُلْمًا اُقْتُصَّ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
وَمِمَّا ذُكِرَ أَنَّ كِسْرَى اتَّخَذَ مُؤَدِّبًا لِوَلَدِهِ يُعَلِّمُهُ وَيُؤَدِّبُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ الْوَلَدُ الْغَايَةَ فِي الْفَضْلِ وَالْأَدَبِ اسْتَحْضَرَهُ الْمُؤَدِّبُ يَوْمًا وَضَرَبَهُ ضَرْبًا وَجِيعًا مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ وَلَا سَبَبٍ، فَحَقَدَ الْوَلَدُ عَلَى الْمُعَلِّمِ إلَى أَنْ كَبِرَ وَمَاتَ أَبُوهُ، فَتَوَلَّى الْمُلْكَ بَعْدَهُ، فَاسْتَحْضَرَ الْمُعَلِّمَ وَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَك عَلَى أَنْ ضَرَبْتنِي فِي يَوْمِ كَذَا ضَرْبًا وَجِيعًا مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ وَلَا سَبَبٍ؟ فَقَالَ لَهُ الْمُعَلِّمُ؟ اعْلَمْ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَنَّك لَمَّا بَلَغْت الْغَايَةَ فِي الْفَضْلِ وَالْأَدَبِ، عَلِمْت أَنَّك تَنَالُ الْمُلْكَ بَعْدَ أَبِيك، فَأَرَدْت أَنْ أُذِيقَك طَعْمَ الضَّرْبِ وَأَلَمَ الظُّلْمِ حَتَّى لَا تَظْلِمَ أَحَدًا بَعْدُ، فَقَالَ لَهُ: جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِجَائِزَةٍ وَصَرَفَهُ.
وَمِنْ الظُّلْمِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْته فِي التَّرْجَمَةِ الْمَكْسُ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَمَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا مُسْتَوْفًى، وَالْمُمَاطَلَةُ بِحَقٍّ عَلَيْهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى وَفَائِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ:«مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «لَيُّ الْوَاجِدِ ظُلْمٌ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» : أَيْ شِكَايَتَهُ وَتَعْزِيرَهُ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ كَمَا مَرَّ أَيْضًا. وَمِنْهُ تَظَلُّمُ الْمَرْأَةِ فِي نَحْوِ صَدَاقٍ أَوْ نَفَقَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي لَيِّ الْوَاجِدِ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: يُؤْخَذُ بِيَدِ الْعَبْدِ أَوْ الْأَمَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُنَادَى بِهِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ هَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ فَلْيَأْتِ إلَى حَقِّهِ قَالَ: فَتَفْرَحُ الْمَرْأَةُ أَنْ يَكُونَ لَهَا حَقٌّ عَلَى ابْنِهَا أَوْ أَخِيهَا أَوْ زَوْجِهَا ثُمَّ قَرَأَ: {فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101] قَالَ فَيَغْفِرُ اللَّهُ مِنْ حَقِّهِ مَا شَاءَ، وَلَا
يَغْفِرُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ شَيْئًا فَيُنْصَبُ الْعَبْدُ لِلنَّاسِ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عز وجل لِأَصْحَابِ الْحُقُوقِ: ائْتُوا إلَى حُقُوقِكُمْ قَالَ: فَيَقُولُ الْعَبْدُ يَا رَبِّ فَنِيَتْ الدُّنْيَا فَمِنْ أَيْنَ أُوتِيَهُمْ حُقُوقَهُمْ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: خُذُوا مِنْ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ فَأَعْطُوا كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ بِقَدْرِ طِلْبَتِهِ، فَإِنْ كَانَ عَبْدًا وَلِيًّا لِلَّهِ وَفَضَلَ لَهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ضَاعَفَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُ حَتَّى يَدْخُلَهُ الْجَنَّةَ بِهَا، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا شَقِيًّا وَلَمْ يَفْضُلْ لَهُ شَيْءٌ، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ رَبَّنَا فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ وَبَقِيَ طَالِبُونَ، فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل: خُذُوا مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ فَأَضِيفُوا إلَى سَيِّئَاتِهِ ثُمَّ صُكُّوا بِهِ صَكًّا إلَى النَّارِ. انْتَهَى.
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ الْخَبَرُ السَّابِقُ: «أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ؟» فَذَكَرَ صلى الله عليه وسلم «أَنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِهِ مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَصِيَامٍ وَيَأْتِي وَقَدْ شَتَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا وَأَخَذَ مَالَ هَذَا، فَيَأْخُذُ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» . وَمِنْ الظُّلْمِ أَيْضًا: عَدَمُ إيفَاءِ الْأَجِيرِ حَقَّهُ كَمَا مَرَّ بِدَلِيلِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أُعْطِيَ بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ الْعَمَلَ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ» . وَمِنْهُ أَنْ يَظْلِمَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا بِنَحْوِ أَخْذِ مَالِهِ تَعَدِّيًا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ ظَلَمَ ذِمِّيًّا فَأَنَا خَصْمُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنْ يَقْتَطِعَ حَقَّ غَيْرِهِ بِيَمِينٍ فَاجِرَةٍ» لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا؟ قَالَ: وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» . وَرُوِيَ: «إنَّهُ لَا أَكْرَهَ إلَى الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَنْ يَرَى مَنْ يَعْرِفُهُ خَشْيَةَ أَنْ يُطَالِبَهُ بِمَظْلِمَةٍ ظَلَمَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا» كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ» . وَجَاءَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» .
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا بِسَنَدِهِ إلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَوَّلُ مَنْ يَخْتَصِمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ وَاَللَّهِ مَا يَتَكَلَّمُ لِسَانُهَا
وَلَكِنْ يَدَاهَا وَرِجْلَاهَا يَشْهَدَانِ عَلَيْهَا بِمَا كَانَتْ تُعَنِّتُ لِزَوْجِهَا فِي الدُّنْيَا، وَيَشْهَدُ عَلَى الرَّجُلِ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ بِمَا كَانَ يُولِي زَوْجَتَهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ ثُمَّ يُدْعَى بِالرَّجُلِ وَخَدَمِهِ مِثْلُ ذَلِكَ فَمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ دَوَانِيقُ وَلَا قَرَارِيطُ، وَلَكِنْ حَسَنَاتُ الظَّالِمِ تُدْفَعُ إلَى الْمَظْلُومِ وَسَيِّئَاتُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الظَّالِمِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَبَّارِينَ بِمَقَاطِعَ مِنْ حَدِيدٍ فَيُقَالُ سُوقُوهُمْ إلَى النَّارِ» .
وَكَانَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي يَقُولُ: سَيَعْلَمُ الظَّالِمُونَ حَقَّ مَنْ انْتَقَصُوا، إنَّ الظَّالِمَ لَيَنْتَظِرُ الْعِقَابَ، وَالْمَظْلُومُ يَنْتَظِرُ النَّصْرَ وَالثَّوَابَ. وَرُوِيَ: إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا سَلَّطَ عَلَيْهِ مَنْ ظَلَمَهُ دَخَلَ طَاوُسٌ الْيَمَانِيُّ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ: اتَّقِ يَوْمَ الْأَذَانِ؛ قَالَ هِشَامٌ. وَمَا يَوْمُ الْأَذَانِ؟ قَالَ: وقَوْله تَعَالَى: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [الأعراف: 44] فَصَعِقَ هِشَامٌ، فَقَالَ طَاوُسٌ: هَذَا ذُلُّ الصِّفَةِ فَكَيْفَ الْمُعَايَنَةُ؟ وَمَرَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَبَرَّأَ مِمَّنْ أَعَانَ الظَّالِمَ. وَفِي حَدِيثٍ: «مَنْ أَعَانَ ظَالِمًا سُلِّطَ عَلَيْهِ» . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَا تَمْلَئُوا أَعْيُنَكُمْ مِنْ أَعْوَانِ الظَّلَمَةِ إلَّا بِإِنْكَارٍ مِنْ قُلُوبِكُمْ لِئَلَّا تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ الصَّالِحَةُ. وَقَالَ مَكْحُولٌ الدِّمَشْقِيُّ: يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الظَّلَمَةُ وَأَعْوَانُهُمْ؟ فَمَا يَبْقَى أَحَدٌ حَبَّرَ لَهُمْ دَوَاةً أَوْ بَرَى لَهُمْ قَلَمًا فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَّا حَضَرَ مَعَهُمْ فَيُجْمَعُونَ فِي تَابُوتٍ مِنْ نَارٍ فَيُلْقَوْنَ فِي جَهَنَّمَ. وَجَاءَ خَيَّاطٌ إلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ: إنِّي أَخِيطُ ثِيَابَ السُّلْطَانِ أَفَتَرَانِي مِنْ أَعْوَانِ الظَّلَمَةِ؟ فَقَالَ لَهُ سُفْيَانُ: بَلْ أَنْتَ مِنْ الظَّلَمَةِ أَنْفُسِهِمْ، وَلَكِنْ أَعْوَانُ الظَّلَمَةِ مَنْ يَبِيعُ مِنْك الْإِبْرَةَ وَالْخُيُوطَ.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ السَّوَّاطُونَ الَّذِينَ يَكُونُ مَعَهُمْ الْأَسْوَاطُ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ بَيْنَ يَدَيْ الظَّلَمَةِ.» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: الْجَلَاوِزَةُ، أَيْ أَعْوَانُ الظَّلَمَةِ، وَالشُّرَطُ أَيْ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ: وُلَاةُ الشُّرْطَةِ وَهُمْ أَعْوَانُ الْوُلَاةِ وَالظَّلَمَةِ، الْوَاحِدُ مِنْهُمْ شُرْطِيٌّ: بِضَمٍّ فَفَتْحٍ - كِلَابُ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَرُوِيَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إلَى مُوسَى صَلَّى عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ: «أَنْ مُرْ ظَلَمَةَ بَنِي إسْرَائِيلَ أَنْ يُقِلُّوا مِنْ ذِكْرِي، فَإِنِّي أَذْكُرُ مَنْ ذَكَرَنِي وَإِنَّ ذِكْرِي إيَّاهُمْ أَنْ أَلْعَنَهُمْ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «فَإِنِّي أَذْكُرُ مَنْ ذَكَرَنِي مِنْهُمْ بِاللَّعْنَةِ» .
وَجَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَقِفَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مَوْقِفٍ يُضْرَبُ فِيهِ رَجُلٌ ظُلْمًا فَإِنَّ اللَّعْنَةَ تَنْزِلُ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ حِينَ لَمْ يَدْفَعُوا عَنْهُ» . وَجَاءَ كَمَا مَرَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُمِرَ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ يُضْرَبُ فِي قَبْرِهِ مِائَةَ جَلْدَةٍ، فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ وَيَدْعُو حَتَّى صَارَتْ جَلْدَةً وَاحِدَةً فَامْتَلَأَ قَبْرُهُ عَلَيْهِ نَارًا، فَلَمَّا ارْتَفَعَ عَنْهُ وَأَفَاقَ قَالَ: عَلَامَ جَلَدْتُمُونِي؟ قِيلَ: إنَّك صَلَّيْت بِغَيْرِ طَهُورٍ، وَمَرَرْت عَلَى مَظْلُومٍ فَلَمْ تَنْصُرْهُ» فَهَذَا حَالُ مَنْ لَمْ يَنْصُرْ الْمَظْلُومَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى نَصْرِهِ فَكَيْفَ حَالُ الظَّالِمِ؟ . قَالَ بَعْضُهُمْ: رَأَيْت فِي الْمَنَامِ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ يَخْدُمُ الظَّلَمَةَ وَالْمَكَّاسِينَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ فِي حَالَةٍ قَبِيحَةٍ فَقُلْت لَهُ: مَا حَالُك؟ فَقَالَ شَرُّ حَالٍ، فَقُلْت لَهُ: إلَى أَيْنَ صِرْت؟ فَقَالَ إلَى عَذَابِ اللَّهِ، قُلْت: فَمَا حَالُ الظَّلَمَةِ عِنْدَ رَبِّهِمْ؟ قَالَ شَرُّ حَالٍ، أَمَا سَمِعْت قَوْلَ اللَّهِ عز وجل:{وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَأَيْت رَجُلًا مَقْطُوعَ الْيَدِ مِنْ الْكَتِفِ وَهُوَ يُنَادِي مَنْ رَآنِي فَلَا يَظْلِمَنَّ أَحَدًا، فَتَقَدَّمْت إلَيْهِ وَقُلْت لَهُ: يَا أَخِي مَا قِصَّتُك؟ فَقَالَ يَا أَخِي قِصَّتِي عَجِيبَةٌ، وَذَلِكَ أَنِّي كُنْت مِنْ أَعْوَانِ الظَّلَمَةِ، فَرَأَيْت يَوْمًا صَيَّادًا قَدْ اصْطَادَ سَمَكَةً كَبِيرَةً فَأَعْجَبَتْنِي، فَجِئْت إلَيْهِ فَقُلْت: أَعْطِنِي هَذِهِ السَّمَكَةَ، فَقَالَ لَا أُعْطِيكَهَا أَنَا آخُذُ بِثَمَنِهَا قُوتًا لِعِيَالِي، فَضَرَبْته وَأَخَذْتهَا مِنْهُ قَهْرًا وَمَضَيْت بِهَا، قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا مَاشٍ بِهَا حَامِلَهَا إذْ عَضَّتْ عَلَى إبْهَامِي عَضَّةً قَوِيَّةً فَلَمَّا جِئْت بِهَا إلَى بَيْتِي وَأَلْقَيْتهَا مِنْ يَدِي ضَرَبَتْ عَلَيَّ إبْهَامِي وَآلَمَتْنِي أَلَمًا شَدِيدًا حَتَّى لَمْ أَنَمْ مِنْ شِدَّةِ الْوَجَعِ وَوَرِمَتْ يَدِي فَلَمَّا أَصْبَحْت أَتَيْت الطَّبِيبَ وَشَكَوْت إلَيْهِ الْأَلَمَ فَقَالَ: هَذِهِ بُدُوُّ أَكَلَةٍ اقْطَعْهَا وَإِلَّا تَلِفَتْ يَدُك كُلُّهَا فَقَطَعْت إبْهَامِي ثُمَّ ضَرَبَتْ يَدِي فَلَمْ أُطِقْ النَّوْمَ وَلَا الْقَرَارَ مِنْ شِدَّةِ الْأَلَمِ، فَقِيلَ لِي اقْطَعْ كَفَّك فَقَطَعْتهَا وَانْتَشَرَ الْأَلَمُ إلَى السَّاعِدِ وَآلَمَنِي أَلَمًا شَدِيدًا وَلَمْ أُطِقْ النَّوْمَ وَلَا الْقَرَارَ وَجَعَلْت أَسْتَغِيثُ مِنْ شِدَّةِ الْأَلَمِ، فَقِيلَ لِي: اقْطَعْهَا مِنْ الْمِرْفَقِ فَانْتَشَرَ الْأَلَمُ إلَى الْعَضُدِ وَضَرَبَتْ عَلَيَّ عَضُدِي أَشَدَّ مِنْ الْأَلَمِ فَقِيلَ لِي: اقْطَعْ يَدَك مِنْ كَتِفِك وَإِلَّا سَرَى إلَى جَسَدِك كُلِّهِ فَقَطَعْتهَا فَقَالَ لِي بَعْضُ النَّاسِ: مَا سَبَبُ أَلَمِك فَذَكَرْت لَهُ قِصَّةَ السَّمَكَةِ، فَقَالَ لِي: لَوْ كُنْت رَجَعْت مِنْ أَوَّلِ مَا أَصَابَك الْأَلَمُ إلَى صَاحِبِ السَّمَكَةِ فَاسْتَحْلَلْت مِنْهُ وَاسْتَرْضَيْته وَلَا قَطَعْت يَدَك، فَاذْهَبْ الْآنَ إلَيْهِ وَاطْلُبْ رِضَاهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْأَلَمُ إلَى بَدَنِك.
قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَطْلُبُهُ فِي الْبَلَدِ حَتَّى وَجَدْته فَوَقَعْت عَلَى رِجْلَيْهِ