الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشَّاهِدُ بِهَا كَاذِبًا أَثِمَ ثَلَاثَةَ آثَامٍ. إثْمَ الْمَعْصِيَةِ وَإِثْمَ إعَانَةِ الظَّالِمِ وَإِثْمَ خِذْلَانِ الْمَظْلُومِ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا أَثِمَ إثْمَ الْمَعْصِيَةِ لَا غَيْرُ لِتَسَبُّبِهِ إلَى إبْرَاءِ ذِمَّةِ الظَّالِمِ وَإِيصَالِ الْمَظْلُومِ إلَى حَقِّهِ. قَالَ: وَمَنْ شَهِدَ بِحَقٍّ، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا أُجِرَ عَلَى قَصْدِهِ وَطَاعَتِهِ وَعَلَى إيصَالِ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَعَلَى تَخْلِيصِ الظَّالِمِ مِنْ الظُّلْمِ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا بِسَبَبِ سُقُوطِ الْحَقِّ الَّذِي تُحْمَلُ الشَّهَادَةُ بِهِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِسُقُوطِهِ أُثِيبَ عَلَى قَصْدِهِ وَلَا يُثَابُ عَلَى شَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّهَا مَضَرَّةٌ بِالْخَصْمَيْنِ. قَالَ: وَفِي تَغْرِيمِهِ وَرُجُوعِهِ عَلَى الظَّالِمِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْ الْمَظْلُومِ نَظَرٌ. إذْ الْخَطَأُ وَالْجَهْلُ فِي الْأَسْبَابِ وَالْمُبَاشَرَاتِ سَوَاءٌ فِي بَابِ الضَّمَانِ، انْتَهَى. .
[الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْأَرْبَعِمِائَةِ كَتْمُ الشَّهَادَةِ بِلَا عُذْرٍ]
(الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْأَرْبَعِمِائَةِ: كَتْمُ الشَّهَادَةِ بِلَا عُذْرٍ) قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] . وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَتَمَ شَهَادَةً إذْ دُعِيَ إلَيْهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَ بِالزُّورِ» . تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذَا هُوَ مَا صَرَّحُوا بِهِ وَقَيَّدَهُ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ بِمَا إذَا دُعِيَ إلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] أَمَّا مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِرَجُلٍ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهَا أَوْ كَانَ شَاهِدًا فِي أَمْرٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى الدَّعْوَى بَلْ يَجُوزُ حِسْبَةً، فَلَمْ يَشْهَدْ وَلَمْ يُعْلِمْ صَاحِبَ الْحَقِّ حَتَّى يَدَّعِيَ بِهِ هَلْ يُسَمَّى ذَلِكَ كَتْمًا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي الْأَدَاءِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ قَادِحًا انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْآيَةُ لَا تَدُلُّ لِمَا قَيَّدَ بِهِ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ.
[الْكَبِيرَةُ الْأَرْبَعُونَ بَعْدَ الْأَرْبَعِمِائَةِ الْكَذِبُ الَّذِي فِيهِ حَدٌّ أَوْ ضَرَرٌ]
(الْكَبِيرَةُ الْأَرْبَعُونَ بَعْدَ الْأَرْبَعِمِائَةِ: الْكَذِبُ الَّذِي فِيهِ حَدٌّ أَوْ ضَرَرٌ) . قَالَ تَعَالَى: {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18] .
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلَى الْبِرِّ وَالْبِرَّ يَهْدِي إلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا،
وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» . وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ:«عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّهُ مَعَ الْبِرِّ وَهُمَا فِي الْجَنَّةِ؛ وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّهُ مَعَ الْفُجُورِ وَهُمَا فِي النَّارِ» . وَأَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَمَلُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: إذَا صَدَقَ الْعَبْدُ بَرَّ وَإِذَا بَرَّ آمَنَ وَإِذَا آمَنَ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَمَلُ النَّارِ؟ قَالَ: الْكَذِبُ إذَا كَذَبَ الْعَبْدُ فَجَرَ وَإِذَا فَجَرَ كَفَرَ وَإِذَا كَفَرَ دَخَلَ النَّارَ» . وَالْبُخَارِيُّ: «رَأَيْت اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَقَالَا لِي: الَّذِي رَأَيْته يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ فَيُصْنَعُ بِهِ ذَلِكَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . وَالشَّيْخَانِ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ» . زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ: «وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ» . وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» . وَأَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ مُحْتَجٍّ بِهِ: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَحَجَّ وَاعْتَمَرَ وَقَالَ إنِّي مُسْلِمٌ: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ» . وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ: «لَا يُؤْمِنُ الْعَبْدُ الْإِيمَانَ كُلَّهُ حَتَّى يَتْرُكَ الْكَذِبَ فِي الْمُزَاحِ وَالْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا» . وَأَبُو يَعْلَى: «لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ صَرِيحَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَدَعَ الْمُزَاحَ وَالْكَذِبَ وَيَدَعَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا» . وَأَحْمَدُ «يُطْبَعُ الْمَرْءُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ» . وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ رُوَاةُ الصَّحِيحِ: «وَيُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى كُلِّ خُلَّةٍ غَيْرَ الْخِيَانَةِ وَالْكَذِبِ» . وَمَالِكٌ مُرْسَلًا: «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ لَهُ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ لَهُ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا؟ قَالَ: لَا» .
وَأَحْمَدُ: «لَا يَجْتَمِعُ الْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ فِي قَلْبِ امْرِئٍ، وَلَا يَجْتَمِعُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ جَمِيعًا، وَلَا تَجْتَمِعُ الْأَمَانَةُ وَالْخِيَانَةُ جَمِيعًا» . وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ فِيهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَأَبُو دَاوُد: «كَبُرَتْ خِيَانَةً أَنْ تُحَدِّثَ أَخَاك حَدِيثًا هُوَ لَك مُصَدِّقٌ وَأَنْتَ لَهُ كَاذِبٌ» . وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُد: «وَأَنْتَ لَهُ بِهِ كَاذِبٌ» . وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ: «أَلَا إنَّ الْكَذِبَ يُسَوِّدُ الْوَجْهَ وَالنَّمِيمَةُ عَذَابُ الْقَبْرِ» . وَالْأَصْبَهَانِيّ: «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ، وَالْكَذِبُ يَنْقُصُ الرِّزْقَ، وَالدُّعَاءُ يَرُدُّ الْقَضَاءَ» . وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ: «إذَا كَذَبَ الْعَبْدُ تَبَاعَدَ الْمَلَكُ عَنْهُ مِيلًا مِنْ نَتْنِ مَا جَاءَ بِهِ» . وَأَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «مَا كَانَ مِنْ خُلُقٍ أَبْغَضَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْكَذِبِ مَا اطَّلَعَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ فَيَخْرُجُ مِنْ قَلْبِهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ تَوْبَةً» . وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْهَا قَالَتْ: «مَا كَانَ مِنْ خُلُقٍ أَبْغَضَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْكَذِبِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَكْذِبُ عَنْهُ الْكَذْبَةَ فَمَا يَزَالُ فِي نَفْسِهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ فِيهَا تَوْبَةً» . وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْهَا قَالَتْ: «مَا كَانَ شَيْءٌ أَبْغَضَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْكَذِبِ وَمَا جَرَّبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَحَدٍ وَإِنْ قَلَّ فَيَخْرُجُ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ حَتَّى يُجَدِّدَ لَهُ تَوْبَةً» . وَأَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ لَا مَجْهُولَ فِيهِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رضي الله عنها قَالَتْ: «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ قَالَتْ إحْدَانَا لِشَيْءٍ تَشْتَهِيهِ لَا أَشْتَهِيهِ أَيُعَدُّ ذَلِكَ كَذِبًا؟ قَالَ إنَّ الْكَذِبَ يُكْتَبُ كَذِبًا حَتَّى تُكْتَبَ الْكُذَيْبَةُ كُذَيْبَةً» . وَأَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ قَالَ لِصَبِيٍّ تَعَالَ هَاكَ أُعْطِيكَ ثُمَّ لَمْ يُعْطِهِ فَهِيَ كَذِبَةٌ» .
وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا فَقَالَتْ هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا أَرَدْت أَنْ تُعْطِيهِ؟ قَالَتْ أَرَدْت أَنْ أُعْطِيَهُ تَمْرًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَا إنَّك لَوْ لَمْ تُعْطِيهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْك كِذْبَةٌ» . وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ: «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ فَيَكْذِبُ وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ» . وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ وَمَلِكٌ كَذَّابٌ وَعَائِلٌ - أَيْ فَقِيرٌ - مُسْتَكْبِرٌ» . وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ: «ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الشَّيْخُ الزَّانِي، وَالْإِمَامُ أَوْ قَالَ وَالْمَلِكُ الْكَذَّابُ وَالْعَائِلُ الْمَزْهُوُّ»
أَيْ الْمُعْجَبُ بِنَفْسِهِ الْمُسْتَكْبِرُ.
تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذَا هُوَ مَا صَرَّحُوا بِهِ قِيلَ لَكِنَّهُ مَعَ الضَّرَرِ لَيْسَ كَبِيرَةً مُطْلَقًا، بَلْ قَدْ يَكُونُ كَبِيرَةً كَالْكَذِبِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْ لَا يَكُونُ، انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ الَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ حَيْثُ اشْتَدَّ ضَرَرُهُ بِأَنْ لَا يُحْتَمَلَ عَادَةً كَانَ كَبِيرَةً، بَلْ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ فَقَالَ: مَنْ كَذَبَ قَصْدًا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِغَيْرِهِ، لِأَنَّ الْكَذِبَ حَرَامٌ بِكُلِّ حَالٍ رَوَى فِيهِ حَدِيثًا، وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ أَوْ صَرِيحُهَا يُوَافِقُهُ، وَكَأَنَّ وَجْهَ عُدُولِهِمْ عَنْ ذَلِكَ ابْتِلَاءُ أَكْثَرِ النَّاسِ بِهِ فَكَانَ كَالْغِيبَةِ عَلَى مَا مَرَّ فِيهَا عِنْدَ جَمَاعَةٍ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: قَدْ تَكُونُ الْكَذْبَةُ الْوَاحِدَةُ كَبِيرَةً، وَفِي الْأُمِّ لِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه كُلُّ مَنْ كَانَ مُنْكَشِفَ الْكَذِبِ مَظْهَرَهُ غَيْرَ مُسْتَتِرٍ بِهِ لَمْ يَجُزْ شَهَادَتُهُ، ثُمَّ الْكَذِبُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ هُوَ الْإِخْبَارُ بِالشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَعَلِمَ ذَلِكَ وَتَعَمَّدَهُ أَمْ لَا.
وَأَمَّا الْعِلْمُ وَالتَّعَمُّدُ فَإِنَّمَا هُمَا شَرْطَانِ لِلْإِثْمِ، وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَقَيَّدُوهُ بِالْعِلْمِ بِهِ، فَعَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ مَنْ أَخْبَرَ بِشَيْءٍ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَظُنُّهُ كَذَلِكَ فَهُوَ كَاذِبٌ فَلَيْسَ بِآثِمٍ فَيُقَيَّدُ كَوْنُهُ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً بِالْعِلْمِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الرِّسَالَةِ لَكِنَّ الْكَذْبَةَ الْوَاحِدَةَ أَيْ الْخَالِيَةَ عَمَّا مَرَّ مِنْ الْحَدِّ وَالضَّرَرِ لَا تُوجِبُ الْفِسْقَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الرَّهْنِ، وَلِهَذَا لَوْ تَخَاصَمَا فِي شَيْءٍ ثُمَّ شَهِدَا فِي حَادِثَةٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا فِي ذَلِكَ التَّخَاصُمِ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ، ثُمَّ فِي أَثْنَاءِ تَعْلِيلِ وَمَحَلِّ ذَلِكَ إنْ
خَلَتْ عَنْ الضَّرُورَةِ وَالْحَدِّ فَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: قَدْ تَكُونُ الْكَذْبَةُ الْوَاحِدَةُ كَبِيرَةً وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ حَدِيثًا مُرْسَلًا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَبْطَلَ شَهَادَةَ رَجُلٍ فِي كَذِبَةٍ كَذَبَهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَذِبَ قَدْ يُبَاحُ وَقَدْ يَجِبُ؛ وَالضَّابِطُ كَمَا فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّ كُلَّ مَقْصُودٍ مَحْمُودٍ يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إلَيْهِ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ جَمِيعًا فَالْكَذِبُ فِيهِ حَرَامٌ، وَإِنْ أَمْكَنَ التَّوَصُّلُ بِالْكَذِبِ وَحْدَهُ فَمُبَاحٌ إنْ أُبِيحَ تَحْصِيلُ ذَلِكَ الْمَقْصُودِ وَوَاجِبٌ إنْ وَجَبَ تَحَصُّلُ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ رَأَى مَعْصُومًا اخْتَفَى مِنْ ظَالِمٍ يُرِيدُ قَتْلَهُ أَوْ إيذَاءَهُ فَالْكَذِبُ هُنَا وَاجِبٌ؛ لِوُجُوبِ عِصْمَةِ دَمِ الْمَعْصُومِ، وَكَذَا لَوْ سَأَلَ عَنْ وَدِيعَةٍ يُرِيدُ أَخْذَهَا فَيَجِبُ إنْكَارُهُ، وَإِنْ كَذَبَ بَلْ لَوْ اُسْتُحْلِفَ لَزِمَهُ الْحَلِفُ وَيُوَرِّي وَإِلَّا حَنِثَ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَمَهْمَا كَانَ لَا يَتِمُّ مَقْصُودُ حَرْبٍ أَوْ إصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَوْ اسْتِمَالَةُ قَلْبِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إلَّا بِالْكَذِبِ فَالْكَذِبُ فِيهِ مُبَاحٌ، وَلَوْ سَأَلَهُ سُلْطَانٌ عَنْ فَاحِشَةٍ وَقَعَتْ مِنْهُ سِرًّا كَزِنًا أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ فَلَهُ أَنْ يَكْذِبَ وَيَقُولَ مَا فَعَلْت وَلَهُ أَيْضًا أَنْ يُنْكِرَ سِرَّ أَخِيهِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ ذَلِكَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَابِلَ مَفْسَدَةَ الْكَذِبِ بِالْمَفْسَدَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الصِّدْقِ فَإِنْ كَانَتْ مَفْسَدَةُ الصِّدْقِ أَشَدَّ فَلَهُ الْكَذِبُ، وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ أَوْ شَكَّ حَرُمَ الْكَذِبُ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِنَفْسِهِ اُسْتُحِبَّ أَلَّا يَكْذِبَ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِغَيْرِهِ لَمْ تَجُزْ الْمُسَامَحَةُ لِحَقِّ غَيْرِهِ، وَالْحَزْمُ تَرْكُهُ حَيْثُ أُبِيحَ، وَلَيْسَ مِنْ الْكَذِبِ الْمُحَرَّمِ مَا اُعْتِيدَ مِنْ الْمُبَالَغَةِ كَجِئْتُك أَلْفَ مَرَّةٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ تَفْهِيمُ الْمُبَالَغَةِ لَا الْمَرَّاتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَاءَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَهُوَ كَاذِبٌ، انْتَهَى مُلَخَّصًا.
وَمَا قَالَهُ فِي الْمُبَالَغَةِ يَدُلُّ لَهُ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ: «وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ» وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يَضَعُهَا كَثِيرًا، وَمَا قَالَهُ مِنْ وُجُوبِ الْحَلِفِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ ضَعِيفٌ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ وُجُوبِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُبَاحِ يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ اسْتِثْنَاءِ مَا فِيهِ صُلْحٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ أَوْ فِي الْحَرْبِ بِأَنْ يُوَرِّيَ بِغَيْرِ الْجِهَةِ الَّتِي هُوَ قَاصِدُهَا أَوْ فِي الزَّوْجَةِ لِإِرَادَةِ إمْضَائِهَا بِهِ، وَمِمَّا يُسْتَثْنَى أَيْضًا الْكَذِبُ فِي الشِّعْرِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فَلَا يُلْحَقُ بِالْكَذِبِ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ، قَالَ الْقَفَّالُ: وَالْكَذِبُ حَرَامٌ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى طَرِيقِ الشُّعَرَاءِ وَالْكُتَّابِ فِي الْمُبَالَغَةِ كَقَوْلِهِ: أَنَا أَدْعُو لَك لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَا أُخَلِّي مَجْلِسًا عَنْ شُكْرِك؛ لِأَنَّ الْكَاذِبَ يُظْهِرُ أَنَّ الْكَذِبَ صِدْقٌ وَيُرَوِّجُهُ، وَلَيْسَ غَرَضُ الشَّاعِرِ الصِّدْقَ فِي شِعْرِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ صِنَاعَةٌ وَعَلَى هَذَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.
قَالَ الشَّيْخَانِ بَعْدَ نَقْلِهِمَا ذَلِكَ عَنْ الْقَفَّالِ وَالصَّيْدَلَانِيِّ: وَهَذَا حَسَنٌ بَالِغٌ. انْتَهَى. وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ تَتِمَّاتٌ فِي مَبْحَثِ الشِّعْرِ.