الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الْحَوْضِ وَالْمِيزَانِ وَالصِّرَاطِ]
أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ: «حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ وَزَوَايَاهُ سَوَاءٌ وَمَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنْ الْوَرِقِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ:«اللَّبَنِ» ، وَفِي أُخْرَى صَحِيحَةٍ أَيْضًا:«وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ» ، وَفِي أُخْرَى صَحِيحَةٍ:«وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنْ الْمِسْكِ وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَا يَظْمَأُ أَبَدًا» . وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ: «وَلَا يَسْوَدُّ وَجْهُهُ أَبَدًا» .
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: ظَاهِرُهُ تَأَخُّرُ الشُّرْبِ مِنْهُ عَلَى الْحِسَابِ وَالْمُرُورِ عَلَى الصِّرَاطِ، إذْ هَذَا هُوَ الَّذِي يَأْمَنُ مِنْ الْعَطَشِ، وَقِيلَ: لَا يَشْرَبُ مِنْهُ إلَّا مَنْ قُدِّرَ لَهُ السَّلَامَةُ مِنْ النَّارِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَقُدِّرَ عَلَيْهِ دُخُولُ النَّارِ يُعَذَّبُ فِيهَا بِغَيْرِ الظَّمَأِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّ جَمِيعَ الْأُمَّةِ يَشْرَبُونَ مِنْهُ إلَّا مَنْ ارْتَدَّ، وَقِيلَ؛ جَمِيعُ مُؤْمِنِي الْأُمَمِ يَأْخُذُونَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ ثُمَّ يُعَذِّبُ اللَّهُ مَنْ شَاءَ مِنْ عُصَاتِهِمْ وَهَذَا مِثْلُهُ. انْتَهَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ الْحَوْضُ فِي أَرْضِ الْمَحْشَرِ قَبْلَ جَوَازِ الصِّرَاطِ أَوْ فِي أَرْضِ الْجَنَّةِ الَّتِي لَا يَتَوَصَّلُ إلَيْهَا إلَّا بَعْدَ جَوَازِهِ؟ .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، فَقَالَ يَزِيدُ بْنُ الْأَخْنَسُ: وَاَللَّهِ مَا أُولَئِكَ فِي أُمَّتِك إلَّا كَالذُّبَابِ الْأَصْهَبِ فِي الذُّبَابِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّ رَبِّي عز وجل قَدْ وَعَدَنِي سَبْعِينَ أَلْفًا مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا وَزَادَنِي ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ. قَالَ: فَمَا سَعَةُ حَوْضِك يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: كَمَا بَيْنَ عَدَنَ إلَى عُمَانَ وَأَوْسَعُ يُشِيرُ بِيَدِهِ فِيهِ مَثْعَبَانِ» بِمِيمٍ فَمُثَلَّثَةٍ فَمُهْمَلَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ فَأَلِفٍ فَنُونٍ فَتْحَانِ مِنْ الْجَنَّةِ مِنْ وَرِقٍ وَذَهَبٍ. وَالْمَثْعَبُ مَسِيلُ الْمَاءِ. وَفِي رِوَايَةٍ: «أَوَّلُ النَّاسِ وُرُودًا عَلَيْهِ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ الشُّعْثُ رُءُوسًا الدَّنَسُ ثِيَابًا الَّذِينَ لَا يَنْكِحُونَ الْمُنَعَّمَاتِ وَلَا تُفْتَحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السُّدُدِ» يَعْنِي أَبْوَابَ السَّلَاطِينِ. وَأَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: «حَوْضِي كَمَا بَيْنَ عَدَنَ وَعُمَانَ أَبْرَدُ مِنْ الثَّلْجِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ وَأَطْيَبُ رِيحًا مِنْ الْمِسْكِ وَأَكْوَابُهُ مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاءِ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا أَوَّلُ النَّاسِ عَلَيْهِ وُرُودًا صَعَالِيكُ الْمُهَاجِرِينَ، قَالَ قَائِلٌ مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟ قَالَ الشَّعِثَةُ رُءُوسُهُمْ - أَيْ بَعِيدَةُ عَهْدٍ بِدُهْنٍ وَغَسْلٍ وَتَسْرِيحِ شَعْرٍ - الشُّحْبَةُ وُجُوهُهُمْ - أَيْ مِنْ الشُّحُوبِ وَهُوَ تَغَيُّرُ الْوَجْهِ مِنْ جُوعٍ أَوْ هُزَالٍ أَوْ تَعَبٍ - الدَّنِسَةُ ثِيَابُهُمْ - أَيْ الْوَسِخَةُ - لَا تُفْتَحُ لَهُمْ السُّدُدُ - أَيْ الْأَبْوَابُ - وَلَا يَنْكِحُونَ الْمُنَعَّمَاتِ الَّذِينَ يُعْطُونَ كُلَّ الَّذِي عَلَيْهِمْ لَا يُعْطَوْنَ كُلَّ الَّذِي لَهُمْ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «يَغُتُّ فِيهِ مِيزَابَانِ يَمُدَّانِهِ مِنْ الْجَنَّة أَحَدُهُمَا مِنْ ذَهَبٍ وَالْآخَرُ مِنْ فِضَّةٍ - وَيَغُتُّ بِمُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ فَفَوْقِيَّةٍ: أَيْ يَجْرِيَانِ فِيهِ جَرْيًا لَهُ صَوْتٌ - وَفِيهَا: إنِّي لَبِعُقْرِ - أَيْ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ فَقَافٍ سَاكِنَةٍ - مُؤَخِّرَةِ حَوْضِي أَذُودُ - أَيْ أَدْفَعُ - النَّاسَ عَنْهُ لِأَهْلِ الْيَمَنِ - أَيِّ لِأَجْلِ شُرْبِهِمْ أَضْرِبُ بِعَصَايَ حَتَّى يَرْفَضَّ عَلَيْهِمْ» أَيْ بِتَشْدِيدِ الْمُعْجَمَةِ: يَسِيلُ الْمَاءُ وَيَتَرَشَّشُ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ: «فِيهِ أَبَارِيقُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ» زَادَ فِي رِوَايَةٍ: «أَوْ أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ:«فِيهِ مِيزَابَانِ يَنْثَعِبَانِ مِنْ الْجَنَّةِ مِنْ وَرِقٍ وَذَهَبٍ» .
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ الْحَسَنِ: «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا بَكَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا يُبْكِيكِ؟ قَالَتْ ذَكَرْت النَّارَ فَبَكَيْت فَهَلْ تَذْكُرُونَ أَهْلِيكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم أَمَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ فَلَا يَذْكُرُ أَحَدٌ أَحَدًا: عِنْدَ الْمِيزَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَيَخِفُّ مِيزَانُهُ أَمْ يَثْقُلُ، وَعِنْدَ تَطَايُرِ الصُّحُفِ حَتَّى يَعْلَمَ أَيْنَ يَقَعُ كِتَابُهُ فِي يَمِينِهِ أَمْ فِي شِمَالِهِ أَمْ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَعِنْدَ الصِّرَاطِ إذَا وُضِعَ بَيْنَ ظَهْرَانِيْ جَهَنَّمَ حَتَّى يَعْلَمَ أَيَجُوزُ أَمْ لَا؟» . وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا لَوْلَا إرْسَالٌ فِيهِ بَيْنَ الْحَسَنِ وَعَائِشَةَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ:«سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَشْفَعَ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ: أَنَا فَاعِلٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، قُلْت فَأَيْنَ أَطْلُبُك؟ قَالَ أَوَّلَ مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصِّرَاطِ، قُلْت: فَإِنْ لَمْ أَلْقَك عَلَى الصِّرَاطِ، قَالَ فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الْمِيزَانِ، قُلْت فَإِنْ لَمْ أَلْقَك عِنْدَ الْمِيزَانِ، قَالَ: قَالَ فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الْحَوْضِ فَإِنِّي لَا أُخْطِئُ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ مَوَاطِنَ» . وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ: «يُوضَعُ الْمِيزَانُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَوْ وُزِنَتْ أَوْ وُضِعَتْ فِيهِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ لَوُضِعَتْ فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ يَا رَبِّ لِمَنْ يَزِنُ هَذَا؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِمَنْ شِئْت مِنْ خَلْقِي فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ سُبْحَانَك مَا عَبَدْنَاك حَقَّ عِبَادَتِك، وَيُوضَعُ
الصِّرَاطُ مِثْلُ حَدِّ الْمُوسَى فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ مَنْ يَجُوزُ عَلَى هَذَا؟ فَيَقُولُ مَنْ شِئْت مِنْ خَلْقِي فَيَقُولُونَ سُبْحَانَك مَا عَبَدْنَاك حَقَّ عِبَادَتِك» .
وَمُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ الْأَنْصَارِيَّةِ رضي الله عنها «أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ رضي الله عنها: لَا يَدْخُلُ النَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا. قَالَتْ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَانْتَهَرَهَا فَقَالَتْ حَفْصَةُ رضي الله عنها: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} [مريم: 71] فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 72] » . وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَالْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ: «إنَّ جَمَاعَةً اخْتَلَفُوا فِي الْوُرُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَدْخُلُهَا مُؤْمِنٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَدْخُلُونَهَا جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا فَسَأَلَ بَعْضُهُمْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، فَقَالَ: تَرِدُونَهَا جَمِيعًا ثُمَّ أَهْوَى بِأُصْبُعَيْهِ إلَى أُذُنَيْهِ وَقَالَ صُمَّتَا إنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْوُرُودُ الدُّخُولُ لَا يَبْقَى بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ إلَّا دَخَلَهَا فَتَكُونُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بَرْدًا وَسَلَامًا كَمَا كَانَتْ عَلَى إبْرَاهِيمَ حَتَّى إنَّ لِلنَّارِ أَوْ قَالَ لِجَهَنَّمَ ضَجِيجًا مِنْ بَرْدِهِمْ {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 72] » .
وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ: «يَرِدُ النَّاسُ ثُمَّ يَصْدُرُونَ عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ أَوَّلُهُمْ كَلَمْحِ الْبَرْقِ ثُمَّ كَلَمْحِ الرِّيحِ ثُمَّ كَحُضْرِ الْفَرَسِ ثُمَّ كَالرَّاكِبِ فِي رَحْلِهِ ثُمَّ كَشَدِّ الرَّجُلِ ثُمَّ كَمَشْيِهِ» . وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ أَيْضًا: «يَلْقَى رَجُلٌ أَبَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ يَا
أَبَتِ: أَيُّ ابْنٍ كُنْت لَك؟ فَيَقُولُ خَيْرُ ابْنٍ فَيَقُولُ هَلْ أَنْتَ مُطِيعِي الْيَوْمَ فَيَقُولُ نَعَمْ فَيَقُولُ خُذْ بِأُزْرَتِي فَيَأْخُذُهُ بِأُزْرَتِهِ ثُمَّ يَنْطَلِقُ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ تبارك وتعالى أَيْ عَنْ صِفَاتِ الْمُحْدَثَاتِ فَالْإِتْيَانُ هُنَا مَجَازٌ - وَهُوَ يَعْرِضُ بَيْنَ الْخَلْقِ فَيَقُولُ يَا عَبْدِي اُدْخُلْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْت فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ وَأَبِي مَعِي فَإِنَّك وَعَدَتْنِي أَنْ لَا تُخْزِيَنِي قَالَ فَيَمْسَخُ أَبَاهُ ضَبُعًا فَيَهْوِي فِي النَّارِ فَيَأْخُذُ بِأَنْفِهِ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَبُوك هُوَ؟ فَيَقُولُ لَا وَعَزَّتِك» وَهُوَ فِي الْبُخَارِيُّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: «يَلْقَى إبْرَاهِيمُ عليه السلام أَبَاهُ آزَرَ» فَذَكَر الْقِصَّةَ بِنَحْوِهِ.