الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَلَّ مِنْ الْمَهْرِ أَوْ كَثُرَ وَلَيْسَ فِي نَفْسِهِ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهَا حَقَّهَا خَدَعَهَا فَمَاتَ وَلَمْ يُؤَدِّ إلَيْهَا حَقَّهَا لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ زَانٍ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ اسْتَدَانَ دَيْنًا وَهُوَ لَا يُرِيدُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى صَاحِبِهِ حَقَّهُ خَدَعَهُ حَتَّى أَخَذَ مَالَهُ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ سَارِقٌ» . وَالْبَيْهَقِيُّ «مَنْ أَصْدَقَ امْرَأَةً صَدَاقًا وَاَللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ أَدَاءَهُ إلَيْهَا فَغَرَّهَا بِاَللَّهِ وَاسْتَحَلَّ فَرْجَهَا بِالْبَاطِلِ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ زَانٍ» . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ أَيْضًا:«إنَّ أَعْظَمَ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ عز وجل رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا طَلَّقَهَا وَذَهَبَ بِمَهْرِهَا، وَرَجُلٌ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا فَذَهَبَ بِأُجْرَتِهِ، وَآخَرُ يَقْتُلُ دَابَّةً عَبَثًا» . وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ مَتْرُوكٌ: «أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً يَنْوِي أَنْ لَا يُعْطِيَهَا مِنْ صَدَاقِهَا شَيْئًا مَاتَ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ زَانٍ» .
تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذَا هُوَ صَرِيحُ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الصَّحِيحِ وَمَا بَعْدَهُ وَبِهِ جَزَمَ بَعْضُهُمْ، لَكِنَّهُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَيْسَ فِي نَفْسِهِ أَنْ يُوَفِّيَهَا الصَّدَاقَ وَعَدَلْت عَنْهُ فِي التَّرْجَمَةِ إلَى مَا عَبَّرْت بِهِ لِمَا هُوَ وَاضِحٌ أَنَّ مَنْ لَيْسَ فِي نَفْسِهِ أَدَاءٌ وَلَا مَنْعٌ لَا حُرْمَةَ عَلَيْهِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِ ذَلِكَ كَبِيرَةً الَّذِي أَفْهَمَتْهُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ، لَكِنَّ قَائِلَهَا اغْتَرَّ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى آخِرِهِ وَلَا إلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهُ، وَهِيَ - وَاَللَّهُ يَعْلَمُ - أَنَّهُ لَا يُرِيدُ أَدَاءَهُ إلَيْهَا وَلَوْ نَظَرَ لِذَلِكَ لَعَبَّرَ بِمَا عَبَّرْت بِهِ، وَوَجْهُ كَوْنِ ذَلِكَ كَبِيرَةً تَضَمُّنُهُ لِثَلَاثِ كَبَائِرَ: الْغَدْرُ وَالظُّلْمُ وَاسْتِيفَاءُ مَنَافِعِ الْحُرِّ بِعِوَضٍ ثُمَّ مَنْعُهُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا قَيَّدْت فِي التَّرْجَمَةِ بِقَوْلِي لَوْ طَلَبَتْهُ لَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ كَانَ فِي عَزْمِهِ أَنَّهُ لَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهَا؛ لِغَلَبَةِ الْمُسَامَحَةِ فِي الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَهْرِ؛ وَعَدَمِ الْمُطَالَبَةِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ ذَلِكَ إثْمُهُ فَضْلًا عَنْ فِسْقِهِ.
[بَابُ الْوَلِيمَةِ]
[الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ تَصْوِيرُ ذِي رُوحٍ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ مِنْ مُعَظَّمٍ أَوْ مُمْتَهَنٍ بِأَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا]
بَابُ الْوَلِيمَةِ (الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ: تَصْوِيرُ ذِي رُوحٍ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ مِنْ مُعَظَّمٍ أَوْ مُمْتَهَنٍ بِأَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا وَلَوْ صُورَةً لَا نَظِيرَ لَهَا كَفَرَسٍ لَهَا أَجْنِحَةٌ) قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} [الأحزاب: 57] قَالَ عِكْرِمَةُ: هُمْ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ الصُّوَرَ.
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ» .
وَرَوَيَا عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَرْت سَهْوَةً لِي» - بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ قِيلَ الطَّاقُ فِي الْحَائِطِ يُوضَعُ فِيهِ الشَّيْءُ، وَقِيلَ الصُّفَّةُ، وَقِيلَ الْمَخْدَعُ بَيْنَ الْبَيْتَيْنِ، وَقِيلَ بَيْتٌ صَغِيرٌ كَالْخِزَانَةِ الصَّغِيرَةِ - بِقِرَامٍ - أَيْ سِتْرٍ وَقَافُهُ مَكْسُورَةٌ - «فِيهِ تَمَاثِيلُ. فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَلَوَّنَ وَجْهُهُ وَقَالَ: يَا عَائِشَةُ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَتْ فَقَطَّعْنَاهُ، فَجَعَلْنَا مِنْهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ» . وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا:«دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي الْبَيْتِ قِرَامٌ فِيهِ صُوَرٌ فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ، ثُمَّ تَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ وَقَالَ: مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّورَةَ» . وَفِي أُخْرَى لَهُمَا أَيْضًا: «أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً - أَيْ مِخَدَّةً وَهُوَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ وَكَسْرِهِمَا وَبِضَمٍّ ثُمَّ بِفَتْحٍ - فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ، فَعَرَفْت فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهَةَ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مَاذَا أَذْنَبْت؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟ فَقُلْت اشْتَرَيْتهَا لَك لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَتَوَسَّدَهَا فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: إنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ. وَقَالَ إنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ» .
وَرَوَيَا أَيْضًا: أَنَّ «ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ إنِّي رَجُلٌ أُصَوِّرُ هَذِهِ الصُّورَةَ فَأَفْتِنِي فِيهَا. فَقَالَ لَهُ اُدْنُ مِنِّي فَدَنَا مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ أَدْنُ مِنِّي فَدَنَا مِنْهُ حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ. وَقَالَ أُنْبِئَك بِمَا سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ يُجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا تُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ» . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنْ كُنْت لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاصْنَعْ الشَّجَرَ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: إنَّمَا مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا أُحَدِّثُك إلَّا مَا سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، سَمِعْته يَقُولُ: «مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا
أَبَدًا، فَرَبَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً - أَيْ انْتَفَخَ غَيْظًا أَوْ كِبْرًا - فَقَالَ وَيْحَك إنْ أَبَيْت إلَّا أَنْ تَصْنَعَ، فَعَلَيْك بِهَذِهِ الشَّجَرَةِ وَكُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ» .
وَرَوَيَا أَيْضًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ» . وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً» . وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ: «يَخْرُجُ عُنُقٌ مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ وَلِسَانٌ يَنْطِقُ وَيَقُولُ: إنِّي وُكِّلْت بِثَلَاثَةٍ: بِمَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ، وَبِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَبِالْمُصَوِّرِينَ» .
وَمُسْلِمٌ عَنْ «عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيٌّ رضي الله عنه: أَلَا أَبْعَثَك عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا تَدَعَ صُورَةً إلَّا طَمَسْتَهَا، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْتَهُ» . وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي جِنَازَةٍ فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَنْطَلِقُ إلَى الْمَدِينَةِ فَلَا يَدَعُ بِهَا وَثَنًا إلَّا كَسَرَهُ، وَلَا قَبْرًا إلَّا سَوَّاهُ، وَلَا صُورَةً إلَّا لَطَّخَهَا. فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَهَابَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَالَ فَانْطَلَقَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَدَعْ بِهَا وَثَنًا إلَّا كَسَرْته، وَلَا قَبْرًا إلَّا سَوَّيْتَهُ، وَلَا صُورَةً إلَّا لَطَّخْتهَا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ عَادَ إلَى صَنْعَةِ شَيْءٍ مِنْ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم» .
وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ بَدَلَ وَلَا صُورَةٌ: «وَلَا تَمَاثِيلُ» . وَرَوَيَا: «وَاعَدَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلُ أَنْ يَأْتِيَهُ فَرَاثَ عَلَيْهِ - أَيْ بِمُثَلَّثَةٍ غَيْرِ مَهْمُوزٍ أَبْطَأَ حَتَّى اشْتَدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ فَلَقِيَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام فَشَكَا إلَيْهِ فَقَالَ: إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ» . وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ كُلُّهُمْ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ نَظَرَ فِيهِ
الْبُخَارِيُّ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا جُنُبٌ وَلَا كَلْبٌ» . وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا:«أَتَانِي جِبْرِيلُ عليه السلام، فَقَالَ لِي: أَتَيْتُك الْبَارِحَةَ فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْت إلَّا أَنَّهُ كَانَ عَلَى الْبَابِ تَمَاثِيلُ وَكَانَ فِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي فِي الْبَيْتِ يُقْطَعْ فَيَصِيرُ كَهَيْئَةِ شَجَرَةٍ؛ وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَيُقْطَعُ فَيُجْعَلُ وِسَادَتَيْنِ مَنْبُوذَتَيْنِ تُوطَآنِ وَمُرْ بِالْكَلْبِ فَيُخْرَجْ» . وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ إنِّي كُنْت أَتَيْتُك الْبَارِحَةَ فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْت عَلَيْك الْبَيْتَ الَّذِي كُنْت فِيهِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي بَابِ الْبَيْتِ تِمْثَالٌ لِرَجُلٍ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي فِي الْبَابِ فَلْيُقْطَعْ فَيَصِيرُ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَلْيُقْطَعْ وَيَجْعَلْ مِنْهُ وِسَادَتَانِ مَنْبُوذَتَانِ تُوطَآنِ، وَمُرْ بِالْكَلْبِ فَيُخْرَجْ فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ ذَلِكَ الْكَلْبُ جِرْوًا لِلْحَسَنِ أَوْ لِلْحُسَيْنِ بِجَنْبِ نَضَدٍ لَهُ - أَيْ بِنُونٍ مَفْتُوحَةٍ فَمُعْجَمَةٍ سَرِيرٌ - فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ» . وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ: عَنْ «أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ: دَخَلْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ الْكَآبَةُ فَسَأَلْته فَقَالَ: لَمْ يَأْتِنِي جِبْرِيلُ مُنْذُ ثَلَاثٍ فَإِذَا جِرْوُ كَلْبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ، فَبَدَا لَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام فَهَشَّ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَالَك لَمْ تَأْتِنِي؟ فَقَالَ: إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا تَصَاوِيرُ» . وَمُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنهما قَالَتْ: «وَاعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلَ عليه السلام فِي سَاعَةٍ أَنْ يَأْتِيَهُ فَجَاءَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ وَلَمْ يَأْتِهِ قَالَتْ وَكَانَ بِيَدِهِ عَصًا فَطَرَحَهَا وَهُوَ يَقُولُ: مَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَا رُسُلَهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ سَرِيرٍ فَقَالَ مَتَى دَخَلَ هَذَا الْكَلْبُ؟ فَقُلْت وَاَللَّهِ مَا دَرَيْت فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَعَدْتَنِي فَجَلَسْت لَك وَلَمْ تَأْتِنِي. فَقَالَ مَنَعَنِي الْكَلْبُ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِك، إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ» .
تَنْبِيهٌ: عَدُّ مَا ذُكِرَ كَبِيرَةً هُوَ صَرِيحُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَمِنْ ثَمَّ جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ؛ وَتَعْمِيمِي فِي التَّرْجَمَةِ الْحُرْمَةَ بَلْ وَالْكَبِيرَةُ لِتِلْكَ الْأَقْسَامِ الَّتِي أَشَرْت إلَيْهَا ظَاهِرٌ أَيْضًا فَإِنَّ الْمَلْحَظَ فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ، وَلَا
يُنَافِيهِ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ، وَيَجُوزُ مَا عَلَى الْأَرْضِ وَالْبِسَاطُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ كُلِّ مُمْتَهَنٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَقَاؤُهُ وَلَا يَجِبُ إتْلَافُهُ، وَإِذَا كَانَ فِي مَحَلِّ وَلِيمَةٍ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْحُضُورِ فِيهِ.
وَأَمَّا فِعْلُ التَّصْوِيرِ لِذِي الرُّوحِ فَهُوَ حَرَامٌ مُطْلَقًا، وَإِنْ أُغْفِلَ مِنْ الصُّورَةِ أَعْضَاؤُهَا الْبَاطِنَةُ أَوْ بَعْضُ الظَّاهِرَةِ مِمَّا تُوجَدُ الْحَيَاةُ مَعَ فَقْدِهِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مَا يُصَرِّحُ بِمَا ذَكَرْته حَيْثُ قَالَ مَا حَاصِلُهُ: تَصْوِيرُ صُورَةِ الْحَيَوَانِ حَرَامٌ مِنْ الْكَبَائِرِ لِلْوَعِيدِ الشَّدِيدِ سَوَاءٌ صَنَعَهُ لِمَا يُمْتَهَنُ أَوْ لِغَيْرِهِ إذْ فِيهِ مُضَاهَاةٌ لِخَلْقِ اللَّهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ بِبِسَاطٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ دِينَارٍ أَوْ فَلْسٍ أَوْ إنَاءٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ مِخَدَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا. وَأَمَّا تَصْوِيرُ صُوَرِ الشَّجَرِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَيْسَ بِحَيَوَانٍ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ. وَأَمَّا الْمُصَوِّرُ صُورَةَ الْحَيَوَانِ فَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى حَائِطٍ أَوْ مَلْبُوسًا كَثَوْبٍ أَوْ عِمَامَةٍ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا لَا يُعَدُّ مُمْتَهَنًا فَحَرَامٌ، أَوْ مُمْتَهَنًا كَبِسَاطٍ يُدَاسُ وَمِخَدَّةٍ وَوِسَادَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَا يَحْرُمُ لَكِنْ هَلْ يَمْنَعُ دُخُولَ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ ذَلِكَ الْبَيْتِ؟ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ صُورَةٍ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ» ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا لَهُ ظِلٌّ وَمَا لَا ظِلَّ لَهُ، هَذَا تَلْخِيصُ مَذْهَبِ جُمْهُورِ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ كَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ، وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ تَغْيِيرِ مَا لَهُ ظِلٌّ. قَالَ الْقَاضِي: إلَّا مَا وَرَدَ فِي لَعِبِ الْبَنَاتِ الصِّغَارِ مِنْ الرُّخْصَةِ، وَلَكِنْ كَرِهَ مَالِكٌ شِرَاءَ الرَّجُلِ ذَلِكَ لِبِنْتِهِ، وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ إبَاحَةَ اللَّعِبِ لَهُنَّ بِهَا مَنْسُوخٌ بِمَا مَرَّ.
فَائِدَةٌ: قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ وَلَا جُنُبٌ» . الْمُرَادُ بِالْمَلَائِكَةِ فِيهِ مَلَائِكَةُ الْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ دُونَ الْحَفَظَةِ فَإِنَّهُمْ لَا يَمْتَنِعُونَ لِأَجْلِ ذَلِكَ. قِيلَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجُنُبِ مِنْ يُؤَخِّرُ الْغُسْلَ إلَى حُضُورِ الصَّلَاةِ فَيَغْتَسِلُ، بَلْ مَنْ يَتَهَاوَنُ بِالْغُسْلِ وَيَتَّخِذُ ذَلِكَ عَادَةً فَإِنَّهُ كَانَ صلى الله عليه وسلم يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، فَفِيهِ تَأْخِيرُ الِاغْتِسَالِ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِ وُجُوبِهِ، بَلْ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها:«كَانَ صلى الله عليه وسلم يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَمَسُّ مَاءً» ، وَالْمُرَادُ بِالصُّورَةِ كُلُّ مُصَوَّرٍ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ سَوَاءٌ كَانَتْ أَشْخَاصًا مُنْتَصِبَةً أَوْ كَانَتْ مَنْقُوشَةً وَفِي سَقْفٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ مَنْسُوجَةٍ فِي ثَوْبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِالْكَلْبِ الَّذِي لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ لِأَجْلِهِ، وَيَنْقُصُ بِسَبَبِ اقْتِنَائِهِ مِنْ عَمَلِ الْمُقْتَنِي لَهُ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ غَيْرُ كَلْبِ الصَّيْدِ وَالْحِرَاسَةِ كَذَا قِيلَ وَهُوَ قَاصِرٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي نَفْسِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ.