الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي ذِكْرِ الْحِسَابِ وَغَيْرِهِ]
ِ. أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ مَا عَمِلَ بِهِ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ» . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: «وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ» . وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: «مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ» . وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: «لَوْ أَنَّ رَجُلًا خَرَّ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إلَى يَوْمِ يَمُوتُ هَرَمًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ عز وجل لَحَقَّرَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَيَوَدُّ أَنَّهُ لَوْ رُدَّ إلَى الدُّنْيَا كَيْمَا يَزْدَادَ مِنْ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ» .
وَالْبَزَّارُ: «يُخْرَجُ لِابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةُ دَوَاوِينَ دِيوَانٌ فِيهِ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَدِيوَانٌ فِيهِ ذُنُوبُهُ، وَدِيوَانٌ فِيهِ النِّعَمُ مِنْ اللَّهِ عَلَيْهِ؛ فَيَقُولُ اللَّهُ تبارك وتعالى لِأَصْغَرِ نِعْمَةٍ، أَحْسَبُهُ قَالَ فِي دِيوَانِ النِّعَمِ خُذِي ثَمَنَك مِنْ عَمَلِهِ الصَّالِحِ فَتَسْتَوْعِبُ عَمَلَهُ الصَّالِحَ ثُمَّ يَتَنَحَّى وَيَقُولُ وَعِزَّتِك مَا اسْتَوْفَيْت وَتَبْقَى الذُّنُوبُ وَالنِّعَمُ وَقَدْ ذَهَبَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَرْحَمَ عَبْدًا قَالَ: يَا عَبْدِي قَدْ ضَاعَفْت لَك حَسَنَاتِك وَتَجَاوَزْت عَنْ سَيِّئَاتِك، أَحْسَبُهُ قَالَ وَوَهَبْت لَك نِعَمِي» . وَالطَّبَرَانِيُّ: «إنَّ رَجُلًا مِنْ الْحَبَشَةِ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فُضِّلْتُمْ عَلَيْنَا بِالْأَلْوَانِ وَالنُّبُوَّةِ أَفَرَأَيْت إنْ آمَنْت بِمِثْلِ مَا آمَنْت بِهِ وَعَمِلْت بِمِثْلِ مَا عَمِلْت بِهِ إنِّي لَكَائِنٌ مَعَك فِي الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ كَانَ لَهُ بِهَا عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَمَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ كُتِبَ لَهُ مِائَةُ أَلْفِ حَسَنَةٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نَهْلِكُ بَعْدَ هَذَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّ الرَّجُلَ لَيَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِعَمَلٍ لَوْ وُضِعَ عَلَى جَبَلٍ لَأَثْقَلَهُ فَتَقُومُ النِّعْمَةُ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ فَتَكَادُ تَسْتَنْفِدُ ذَلِكَ كُلَّهُ لَوْلَا مَا يَتَفَضَّلُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ رَحْمَتِهِ، ثُمَّ نَزَلَتْ:{هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان: 1]- إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَمُلْكًا كَبِيرًا} [الإنسان: 20] فَقَالَ الْحَبَشِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ تَرَى عَيْنِي فِي الْجَنَّةِ
مِثْلَ مَا تَرَى عَيْنُك؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ، فَبَكَى الْحَبَشِيُّ حَتَّى فَاضَتْ نَفْسُهُ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَنَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُدَلِّيهِ فِي حُفْرَتِهِ» .
وَالشَّيْخَانِ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا فَإِنَّهُ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا الْجَنَّةَ عَمَلُهُ قَالُوا وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ وَلَا أَنَا إلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ سَنَدُهَا حَسَنٌ:«وَلَا أَنَا إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَغَمَّدَنِي بِرَحْمَتِهِ وَقَالَ: أَيْ فَعَلَ بِيَدِهِ فَوْقَ رَأْسِهِ» . وَمُسْلِمٌ: «لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ - أَيْ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا - مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ» .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: «يُقْتَصُّ لِلْخَلْقِ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ حَتَّى لِلْجَمَّاءِ مِنْ الْقَرْنَاءِ وَحَتَّى لِلذَّرَّةِ مِنْ الذَّرَّةِ» . وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ: «لَيَخْتَصِمَنَّ كُلُّ شَيْءٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى الشَّاتَانِ فِيمَا انْتَطَحَتَا» . وَمَرَّ الْحَدِيثُ الصَّحِيحْ: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم دَعَا وَصِيفَةً لَهُ أَوْ لِأُمِّ سَلَمَةَ فَلَمْ تُجِبْهُ فَغَضِبَ وَكَانَ بِيَدِهِ سِوَاكٌ فَقَالَ لَوْلَا خَشْيَةُ الْقَوَدِ لَأَوْجَعْتُك بِهَذَا السِّوَاكِ» .
وَمُسْلِم وَغَيْرُهُ: «الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي وَقَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» . وَالطَّبَرَانِيُّ: «يَكُونُ لِلْوَالِدَيْنِ عَلَى وَلَدِهِمَا دَيْنٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَتَعَلَّقَانِ بِهِ فَيَقُولُ أَنَا وَلَدُكُمَا فَيَوَدَّانِ أَوْ يَتَمَنَّيَانِ أَنْ لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ» .
وَالشَّيْخَانِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ: «قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ، فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ صَحْوًا لَيْسَ مَعَهَا سَحَابٌ، وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ صَحْوًا لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ فَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا. إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ لِتَتْبَعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ مِنْ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْصَابِ إلَّا يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَغُبَّرِ أَهْلِ الْكِتَابِ -. أَيْ بِمُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ مُشَدَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ
جَمْعُ غَابِرٍ: وَهُوَ الْبَاقِي - فَتُدْعَى الْيَهُودُ فَيُقَالُ لَهُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرًا ابْنَ اللَّهِ فَيُقَالُ كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ فَمَاذَا تَبْغُونَ؟ قَالُوا عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا فَيُشَارُ إلَيْهِمْ أَلَا تَرِدُونَ، فَيُحْشَرُونَ إلَى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يُحَطِّمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ ثُمَّ تُدْعَى النَّصَارَى فَيُقَالُ لَهُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ فَيُقَالُ كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ فَمَاذَا تَبْغُونَ؟ فَيَقُولُونَ عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا فَيُشَارُ إلَيْهِمْ أَلَا تَرِدُونَ فَيُحْشَرُونَ إلَى جَهَنَّمَ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يُحَطِّمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ، حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ أَتَاهُمْ اللَّهُ فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنْ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا، قَالَ فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟ لِتَتْبَعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، قَالُوا يَا رَبَّنَا فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إلَيْهِمْ وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ، فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْك لَا نُشْرِكْ بِاَللَّهِ شَيْئًا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ فَيُقَالُ هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ فَتَعْرِفُونَهُ؟ فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقٍ، فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إلَّا أَذِنَ اللَّهُ لَهُ بِالسُّجُودِ. وَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً إلَّا جَعَلَ اللَّهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي الصُّورَةِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَقَالَ: أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ وَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ سَلَّمَ سَلَّمَ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْجِسْرُ؟ قَالَ دَحْضٌ - بِسُكُونِ الْحَاءِ: زَلِقٌ مَزْلَقٌ - أَيْ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ قَدَمٌ إلَّا زَلَّ، فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكَةٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانَ - أَيْ وَهُوَ نَبْتٌ ذُو شَوْكٍ مُعَقَّفٍ - فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرَفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ وَمَكْدُوشٌ - أَيْ بِمُعْجَمَةٍ مَدْفُوعٌ دَفْعًا عَنِيفًا فِي نَارِ جَهَنَّمَ - حَتَّى إذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ، فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْكُمْ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ تَعَالَى فِي اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فِي النَّارِ» . وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: «فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً فِي الْحَقِّ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ إذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا فِي إخْوَانِهِمْ، فَيَقُولُونَ رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ فَيُقَالُ لَهُمْ أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدْ أَخَذَتْ النَّارُ نِصْفَ سَاقَيْهِ وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ، فَيَقُولُونَ رَبَّنَا مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ، فَيَقُولُ ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ
خَلْقًا كَثِيرًا، فَيَقُولُونَ رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ، ثُمَّ يَقُولُ ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا، ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا ثُمَّ يَقُولُ ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا. ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا، وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَاوِي الْحَدِيثِ يَقُولُ إنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي بِهَذَا الْحَدِيثِ فَاقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40] فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل: شَفَعَتْ الْمَلَائِكَةُ وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قَدْ عَادُوا حُمَمًا - أَيْ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ فَفَتْحٍ جَمْعُ حُمَمَةٍ وَهِيَ الْفَحْمَةُ - فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهْرٍ عَلَى أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهْرُ الْحَيَاةِ فَيُخْرَجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ - أَيْ وَهِيَ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ: بَزْرُ الْبُقُولِ وَالرَّيَاحِينِ أَوْ بَزْرُ الْعُشْبِ أَوْ نَبْتٌ فِي الْحَشِيشِ صَغِيرٌ أَوْ جَمِيعُ بِزُورِ النَّبَاتِ أَوْ بَزْرُ مَا نَبَتَ مِنْ غَيْرِ بَزْرٍ وَمَا بَذَرَ تُفْتَحُ حَاؤُهُ أَقْوَالٌ - فِي حَمِيلِ السَّيْلِ - أَيْ بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ زُبْدُهُ وَمَا يُلْقِيهِ عَلَى سَاحِلِهِ - أَلَا تَرَوْنَهَا تَكُونُ إلَى الْحَجَرِ أَوْ إلَى الشَّجَرِ مَا يَكُونُ إلَى الشَّمْسِ أَصْفَرَ وَأَخْضَرَ وَمَا يَكُونُ مِنْهَا إلَى الظِّلِّ يَكُونُ أَبْيَضَ، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّك كُنْت تَرْعَى بِالْبَادِيَةِ، قَالَ: فَيُخْرَجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي رِقَابِهِمْ الْخَوَاتِيمُ فَيَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ يَقُولُونَ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمْ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ فَمَا رَأَيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ، فَيَقُولُونَ رَبَّنَا أَعْطَيْتنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ، فَيَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا، فَيَقُولُونَ رَبَّنَا وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ رِضَايَ فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ أَبَدًا» .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: «قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الْآيَةَ: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة: 4] قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ وَأَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا تَقُولُ عَمِلَ كَذَا وَكَذَا فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا» . وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ «النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْله تَعَالَى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء: 71] قَالَ: يُدْعَى أَحَدُهُمْ فَيُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ وَيُمَدُّ لَهُ فِي جِسْمِهِ سِتُّونَ ذِرَاعًا وَيُبَيَّضُ وَجْهُهُ وَيُجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ يَتَلَأْلَأُ. قَالَ: فَيَنْطَلِقُ إلَى أَصْحَابِهِ فَيَرَوْنَهُ مِنْ بَعِيدٍ فَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ ائْتِنَا بِهَذَا وَبَارِكْ لَنَا فِي هَذَا حَتَّى يَأْتِيَهُمْ، فَيَقُولُ لَهُمْ: أَبْشِرُوا فَإِنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلَ هَذَا، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُعْطَى كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ مُسَوَّدًا وَجْهُهُ وَيُمَدُّ لَهُ فِي جِسْمِهِ سِتُّونَ ذِرَاعًا عَلَى صُورَةِ آدَمَ وَيُجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ نَارٍ فَيَرَاهُ أَصْحَابُهُ. فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا اللَّهُمَّ لَا تَأْتِنَا بِهَذَا. قَالَ: فَيَأْتِيهِمْ، فَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ اخْزِهِ فَيَقُولُ أَبْعَدَكُمْ اللَّهُ فَإِنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلَ هَذَا» .