الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا:«اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمْ الْجَنَّةَ: اُصْدُقُوا إذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إذَا وَعَدْتُمْ، وَأَدُّوا إذَا اُؤْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ» .
وَعَشِقَ بَعْضُ الْعَرَبِ امْرَأَةً وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا أَمْوَالًا كَثِيرَةً حَتَّى مَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَلَمَّا جَلَسَ بَيْنَ شُعْبَتَيْهَا وَأَرَادَ الْفِعْلَ أُلْهِمَ التَّوْفِيقَ فَفَكَّرَ ثُمَّ أَرَادَ الْقِيَامَ عَنْهَا، فَقَالَتْ لَهُ مَا شَأْنُك؟ فَقَالَ إنَّ مَنْ يَبِيعُ جَنَّةً عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ بِقَدْرِ فِتْرٍ لَقَلِيلُ الْخِبْرَةِ بِالْمِسَاحَةِ ثُمَّ تَرَكَهَا وَذَهَبَ. وَوَقَعَ لِبَعْضِ الصَّالِحِينَ أَنَّ نَفْسَهُ حَدَّثَتْهُ بِفَاحِشَةٍ وَكَانَ عِنْدَهُ فَتِيلَةٌ، فَقَالَ لِنَفْسِهِ يَا نَفْسُ إنِّي أُدْخِلُ أُصْبُعِي فِي هَذِهِ الْفَتِيلَةِ فَإِنْ صَبَرْت عَلَى حَرِّهَا مَكَّنْتُك مِمَّا تُرِيدِينَ، ثُمَّ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي نَارِ الْفَتِيلَةِ حَتَّى أَحَسَّتْ نَفْسُهُ أَنَّ الرُّوحَ كَادَتْ تَزْهَقُ مِنْهُ مِنْ شِدَّةِ حَرِّهَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ يَتَجَلَّدُ عَلَى ذَلِكَ وَيَقُولُ لِنَفْسِهِ هَلْ تَصْبِرِينَ؟ وَإِذَا لَمْ تَصْبِرِي عَلَى هَذِهِ النَّارِ الْيَسِيرَةِ الَّتِي طَفِئَتْ بِالْمَاءِ سَبْعِينَ مَرَّةً حَتَّى قَدَرَ أَهْلُ الدُّنْيَا عَلَى مُقَابَلَتِهَا فَكَيْفَ تَصْبِرِينَ عَلَى حَرِّ نَارِ جَهَنَّمَ الْمُتَضَاعِفَةِ حَرَارَتُهَا عَلَى هَذِهِ سَبْعِينَ ضِعْفًا؟ فَرَجَعَتْ نَفْسُهُ عَنْ ذَلِكَ الْخَاطِرِ وَلَمْ يَخْطِرْ لَهَا بَعْدُ.
[الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالْخَمْسُونَ وَالسِّتُّونَ وَالْحَادِيَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ اللِّوَاطُ وَإِتْيَانُ الْبَهِيمَةِ]
(الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالْخَمْسُونَ وَالسِّتُّونَ وَالْحَادِيَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ: اللِّوَاطُ وَإِتْيَانُ الْبَهِيمَةِ، وَالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ فِي دُبُرِهَا) . أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي عَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ» .
وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ: «مَا نَقَضَ قَوْمٌ الْعَهْدَ إلَّا كَانَ الْقَتْلُ بَيْنَهُمْ، وَلَا ظَهَرَتْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ إلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْمَوْتَ، وَلَا مَنَعَ قَوْمٌ الزَّكَاةَ إلَّا حَبَسَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْقَطْرَ» .
وَابْنُ مَاجَهْ «أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسُ خِصَالٍ إذَا اُبْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ، لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا
إلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا» الْحَدِيثَ. وَالطَّبَرَانِيُّ: «إذَا ظُلِمَ أَهْلُ الذِّمَّةِ كَانَتْ الدَّوْلَةُ دَوْلَةَ الْعَدُوِّ، وَإِذَا كَثُرَ الزِّنَا كَثُرَ السِّبَاءُ، وَإِذَا كَثُرَ اللُّوطِيَّةُ رَفَعَ اللَّهُ عز وجل يَدَهُ عَنْ الْخَلْقِ فَلَا يُبَالِي فِي أَيِّ وَادٍ هَلَكُوا» . وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إلَّا مُحْرِزًا بِالرَّاءِ وَالزَّايِ وَقَدْ حَسَّنَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ وَمَشَّاهُ بَعْضُهُمْ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ أَخِي مُحْرِزٍ وَصَحَّحَهُ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ وَاهٍ كَأَخِيهِ لَكِنْ أَخُوهُ أَصْلُحُ حَالًا مِنْهُ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَعَنَ اللَّهُ سَبْعَةً مِنْ خَلْقِهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتِهِ، وَرَدَّدَ اللَّعْنَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَلَاثًا وَلَعَنَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَعْنَةً تَكْفِيهِ، قَالَ: مَلْعُونٌ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، مَلْعُونٌ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، مَلْعُونٌ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، مَلْعُونٌ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى شَيْئًا مِنْ الْبَهَائِمِ، مَلْعُونٌ مَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ، مَلْعُونٌ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا، مَلْعُونٌ مَنْ غَيَّرَ حُدُودَ الْأَرْضِ، مَلْعُونٌ مَنْ اُدُّعِيَ إلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ» . وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ تُخُومَ الْأَرْضِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ كَمَهَ أَعْمَى عَنْ السَّبِيلِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مِنْ سَبَّ وَالِدَيْهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ قَالَهَا ثَلَاثًا فِيمَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَقَطْ» .
وَالنَّسَائِيُّ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ» . وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ: «أَرْبَعَةٌ يُصْبِحُونَ فِي غَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُمْسُونَ فِي سَخَطِ اللَّهِ؟ قُلْت: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْمُتَشَبِّهُونَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ، وَاَلَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ، وَاَلَّذِي يَأْتِي الرِّجَالَ» . وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ لَكِنْ أُنْكِرَ عَلَى بَعْضِ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» .
وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ: «مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ» .
وَالطَّبَرَانِيُّ: «ثَلَاثَةٌ لَا تُقْبَلُ لَهُمْ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ: الرَّاكِبُ وَالْمَرْكُوبُ، وَالرَّاكِبَةُ وَالْمَرْكُوبَةُ، وَالْإِمَامُ الْجَائِرُ» . وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عز وجل إلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا» . وَأَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ قَالَ: هِيَ اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرَى، يَعْنِي الرَّجُلَ يَأْتِي امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا. وَأَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ:«اسْتَحْيُوا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ، وَلَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ» .
وَابْنُ مَاجَهْ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالنَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ أَحَدُهَا جَيِّدٌ: «إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ» .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ: أَنَّهُ «صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ مَحَاشِّ النِّسَاءِ» وَالدَّارَقُطْنِيُّ: «اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ لَا يَحِلُّ مَأْتَاك النِّسَاءَ فِي حُشُوشِهِنَّ» . وَالطَّبَرَانِيُّ: «لَعَنَ اللَّهُ الَّذِينَ يَأْتُونَ النِّسَاءَ فِي مَحَاشِّهِنَّ» : أَيْ جَمْعُ مِحَشَّةٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا فَمُهْمَلَةٍ فَمُعْجَمَةٍ وَهِيَ الدُّبُرُ.
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ: «مَنْ أَتَى النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ فَقَدْ كَفَرَ» . وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا» . وَأَحْمَدُ: «مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا» . وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ: «مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم» .
وَأَبُو دَاوُد: «مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم» . وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ: «لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَسْتَاهِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ» . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَاهُ.
تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ هُوَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ فَاحِشَةً وَخَبِيثَةً كَمَا يَأْتِي وَذَكَرَ عُقُوبَةَ قَوْمٍ عَلَيْهِ مِنْ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، وَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ اسْمِ الزِّنَا عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ثُبُوتُ اللُّغَةِ قِيَاسًا وَفِيهِ الْحَدُّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَمَا يَأْتِي، وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ كَالْأَوَّلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ، وَهُوَ مِنْ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ أَيْضًا، وَقَدْ قَصَّ اللَّهُ عز وجل عَلَيْنَا فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ قِصَّتَهُمْ تَحْذِيرًا لَنَا مِنْ أَنْ نَسْلُكَ سَبِيلَهُمْ فَيُصِيبَنَا مَا أَصَابَهُمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. قَالَ تَعَالَى:{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} [هود: 82] أَيْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى جِبْرِيلَ بِأَنْ يَقْلَعَ قُرَاهُمْ مِنْ أَصْلِهَا فَاقْتَلَعَهَا وَصَعِدَ بِهَا عَلَى خَافِقَةٍ مِنْ جَنَاحِهِ إلَى أَنْ سَمِعَ أَهْلُ سَمَاءِ الدُّنْيَا أَصْوَاتَ حَيَوَانَاتِهِمْ ثُمَّ قَلَبَهَا بِهِمْ. {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [هود: 82] أَيْ مِنْ طِينٍ مُحَرَّقٍ بِالنَّارِ {مَنْضُودٍ} [هود: 82] أَيْ مُتَتَابِعٍ يَتْلُو بَعْضُهُ بَعْضًا {مُسَوَّمَةً} أَيْ مَكْتُوبًا عَلَى كُلٍّ مِنْهَا اسْمَ مَنْ يُصِيبُهُ أَوْ مُعَلَّمَةً بِعَلَامَةٍ يُعْلَمُ بِهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ حِجَارَةِ الدُّنْيَا {عِنْدَ رَبِّكَ} [هود: 83] أَيْ فِي خَزَائِنِهِ الَّتِي لَا يُتَصَرَّفُ فِيهَا إلَّا بِإِذْنِهِ {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 83] أَيْ وَمَا أَصْحَابُ تِلْكَ الْقُرَى مِنْ الْكَافِرِينَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ، وَقِيلَ مَا هِيَ بِبَعِيدٍ مِنْ ظَالِمِي هَذِهِ الْأُمَّةِ إذَا فَعَلُوا فِعْلَهُمْ أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِأُولَئِكَ مِنْ الْعَذَابِ، وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم كَمَا مَرَّ:«إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي عَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ وَلَعَنَ مَنْ فَعَلَ فِعْلَهُمْ ثَلَاثًا» .
وَقَالَ تَعَالَى: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 165]{وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء: 166] أَيْ مُتَعَدُّونَ مُجَاوِزُونَ الْحَلَالَ إلَى الْحَرَامِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَنَجَّيْنَاهُ} [الأنبياء: 74] أَيْ لُوطًا {مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ} [الأنبياء: 74] فَأَعْظَمُ خَبَائِثِهِمْ إتْيَانُ الذُّكُورِ فِي أَدْبَارِهِمْ بِحَضْرَةِ بَعْضِهِمْ. وَمِنْهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَضَارَطُونَ فِي مَجَالِسِهِمْ وَيَمْشُونَ وَيَجْلِسُونَ كَاشِفِي عَوْرَاتِهِمْ كَمَا يَأْتِي، وَكَانُوا يُتَحَنَّوْنَ وَيَتَزَيَّنُونَ كَالنِّسَاءِ وَكَانُوا يَفْعَلُونَ خَبَائِثَ أُخَرَ.
وَذُكِرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مِنْ خَبَائِثِهِمْ عَشْرٌ تَصْفِيفُ الشَّعْرِ، وَحَلُّ الْإِزَارِ، وَرَمْيُ الْبُنْدُقِ، وَالْحَذْفُ بِالْحَصَى، وَاللَّعِبُ بِالْحَمَامِ الطَّيَّارَةِ، وَالصَّفِيرُ بِالْأَصَابِعِ، وَفَرْقَعَةُ الْعِلْكِ، وَإِسْبَالُ الْإِزَارِ: أَيْ إذَا لَبِسُوهُ وَحَلُّ أَزْرَارَ الْأَقْبِيَةِ، وَإِدْمَانُ شُرْبِ الْخَمْرِ وَإِتْيَانُ الذُّكُورِ. قَالَ: وَسَتَزِيدُ عَلَيْهَا هَذِهِ الْأُمَّةُ مُسَاحَقَةُ النِّسَاءِ النِّسَاءَ.
وَرُوِيَ: إنَّ مِنْ أَعْمَالِهِمْ أَيْضًا اللَّعِبَ بِالنَّرْدِ، وَالْمُهَارَشَةَ بَيْنَ الْكِلَابِ، وَالْمُنَاطَحَةَ بِالْكِبَاشِ، وَالْمُنَاقَرَةَ بِالدُّيُوكِ، وَدُخُولَ الْحَمَّامِ بِلَا مِئْزَرٍ، وَنَقْصَ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ وَيْلٌ لِمَنْ فَعَلَهَا.
وَفِي الْخَبَرِ: «مَنْ لَعِبَ بِالْحَمَامِ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَذُوقَ أَلَمَ الْفَقْرِ» ، وَلَمْ يَجْمَعْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أُمَّةٍ مِنْ الْعَذَابِ مَا جَمَعَ عَلَى قَوْمِ لُوطٍ؛ فَإِنَّهُ طَمَسَ أَبْصَارَهُمْ وَسَوَّدَ وُجُوهَهُمْ وَأَمَرَ جِبْرِيلَ بِقَلْعِ قُرَاهُمْ مِنْ أَصْلِهَا ثُمَّ بِقَلْبِهَا لِيَصِيرَ عَالِيَهَا سَافِلَهَا ثُمَّ خَسَفَ بِهِمْ ثُمَّ أَمْطَرَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ مِنْ سِجِّيلٍ؛ وَأَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى قَتْلِ فَاعِلِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ قَتْلِهِ كَمَا يَأْتِي.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: مَنْ أَتَى صَبِيًّا فَقَدْ كَفَرَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: إنَّ اللُّوطِيَّ إذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ مُسِخَ فِي قَبْرِهِ خِنْزِيرًا. وَقِيلَ: فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يُقَالُ لَهُمْ اللُّوطِيَّةُ وَهُمْ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ يَنْظُرُونَ، وَصِنْفٌ يُصَافِحُونَ، وَصِنْفٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ الْعَمَلَ الْخَبِيثَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالنَّظَرُ بِالشَّهْوَةِ إلَى الْمَرْأَةِ وَالْأَمْرَدِ زِنًا كَمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «زِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ النُّطْقُ، وَزِنَا الْيَدِ الْبَطْشُ، وَزِنَا الرِّجْلِ الْخَطْوُ، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ أَوْ يُكَذِّبُهُ» . وَلِأَجْلِ ذَلِكَ بَالَغَ الصَّالِحُونَ فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ الْمُرْدِ وَعَنْ النَّظَرِ إلَيْهِمْ وَعَنْ مُخَالَطَتِهِمْ وَمُجَالَسَتِهِمْ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ: لَا تُجَالِسْ أَوْلَادَ الْأَغْنِيَاءِ فَإِنَّ لَهُمْ صُوَرًا كَصُوَرِ الْعَذَارَى وَهُمْ أَشَدُّ فِتْنَةً مِنْ النِّسَاءِ. وَقَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ: مَا أَنَا بِأَخْوَفَ عَلَى الشَّابِّ النَّاسِكِ مِنْ سَبُعٍ ضَارٍ مِنْ الْغُلَامِ الْأَمْرَدِ يَقْعُدُ إلَيْهِ.
وَحَرَّمَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْخَلْوَةَ بِالْأَمْرَدِ فِي نَحْوِ بَيْتٍ أَوْ دُكَّانٍ كَالْمَرْأَةِ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا خَلَا رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا دَخَلَ الشَّيْطَانُ بَيْنَهُمَا» بَلْ فِي الْمُرْدِ مَنْ يَفُوقُ النِّسَاءَ بِحُسْنِهِ فَالْفِتْنَةُ بِهِ أَعْظَمُ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ فِي حَقِّهِ مِنْ الشُّهْرَةِ مَا لَا يُمْكِنُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَيَتَسَهَّلُ فِي حَقِّهِ مِنْ طُرُقِ الرِّيبَةِ وَالشَّرِّ مَا لَا يَتَيَسَّرُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ فَهُوَ بِالتَّحْرِيمِ أَوْلَى، وَأَقَاوِيلُ السَّلَفِ فِي التَّنْفِيرِ عَنْهُمْ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ رُؤْيَتِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ، وَسَمُّوهُمْ الْأَنْتَانَ؛ لِأَنَّهُمْ مُسْتَقْذَرُونَ شَرْعًا وَسَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ نَظَرُ الْمَنْسُوبِ إلَى الصَّلَاحِ وَغَيْرِهِ؛ وَمَا قِيلَ إنَّ النَّظَرَ إلَيْهِمْ اعْتِبَارًا لَا مَحْذُورَ فِيهِ فَدَسِيسَةٌ شَيْطَانِيَّةٌ، وَإِنْ زَلَّ بِهَا قَلَمُ بَعْضِهِمْ، وَلَوْ نَظَرَ الشَّارِعُ الَّذِي هُوَ أَعْلَمُ بِالنَّاسِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ إلَى ذَلِكَ لَأَشَارَ إلَيْهِ فَلَمَّا أَطْلَقَهُ وَلَمْ يُفَصِّلْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَالْمُعْتَبَرَاتُ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ
أَعْجَبُ مِنْهُ كَثِيرَةٌ، وَلَكِنْ مَنْ خَبُثَتْ نُفُوسُهُمْ وَفَسَدَتْ عُقُولُهُمْ وَأَدْيَانُهُمْ وَلَمْ يَتَقَيَّدُوا بِالشَّرْعِيَّاتِ يُزَيِّنُ الشَّيْطَانُ لَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يُوقِعَهُمْ فِيمَا هُوَ أَقْبَحُ مِنْهُ كَمَا هُوَ دَأْبُ اللَّعِينِ مَعَ مُسَاخَرَةِ الْقَاصِرِينَ الْأَغْنِيَاءَ الْجَاهِلِينَ، وَمَنْ فَتَحَ عَلَى نَفْسِهِ أَدْنَى مَغْمَزٍ لِلشَّيْطَانِ اسْتَهَانَ بِهِ وَاسْتَرْذَلَهُ وَاِتَّخَذَهُ ضُحْكَةً يَلْعَبُ بِهِ لَعِبَ الصِّبْيَانِ بِالْكُرَةِ؛ فَعَلَيْكَ أَيُّهَا الْعَاقِلُ الْحَازِمُ الْبَصِيرُ النَّاقِدُ الْكَامِلُ أَنْ تَتَجَنَّبَ طُرُقَهُ وَتَسْوِيلَاتِهِ وَتَحْسِينَاتِهِ قَلِيلَهَا وَكَثِيرَهَا خَفِيَّهَا وَظَاهِرَهَا، وَأَنْ تَسْتَحْضِرَ أَنَّهُ لَا يَفْتَحُ لَك بَابًا لَمْ يَفْتَحْهُ الشَّرْعُ فَتْحًا ظَاهِرًا مِنْ غَيْرِ رِيبَةٍ وَلَا شُبْهَةٍ إلَّا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُوقِعَك فِيمَا هُوَ شَرٌّ مِنْهُ؛ لِأَنَّك تَتَيَقَّنُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لَك بِنَصِّ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَبِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَالْعَدُوُّ لَا يُرْضِيهِ إلَّا هَلَاكُ عَدُوِّهِ أَصْلًا وَرَأْسًا.
دَخَلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ - وَنَاهِيك بِهِ مَعْرِفَةً وَعِلْمًا وَزُهْدًا وَتَقَدُّمًا - الْحَمَّامَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ صَبِيٌّ حَسَنُ الْوَجْهِ فَقَالَ أَخْرِجُوهُ عَنِّي أَخْرِجُوهُ عَنِّي فَإِنِّي أَرَى مَعَ كُلِّ امْرَأَةٍ شَيْطَانًا وَمَعَ كُلِّ صَبِيٍّ بِضْعَةَ عَشَرَ شَيْطَانًا. وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه وَمَعَهُ صَبِيٌّ حَسَنُ الْوَجْهِ فَقَالَ لَهُ الْإِمَامُ: مَنْ هَذَا مِنْك؟ قَالَ ابْنُ أُخْتِي، قَالَ: لَا تَجِئْ بِهِ إلَيْنَا مَرَّةً أُخْرَى، وَلَا تَمْشِ مَعَهُ فِي طَرِيقٍ لِئَلَّا يَظُنَّ بِك مَنْ لَا يَعْرِفُك وَيَعْرِفُهُ سُوءًا. وَرُوِيَ «أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِيهِمْ أَمْرُدُ حَسَنُ الْوَجْهِ، فَأَجْلَسَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَلْفَ ظَهْرِهِ وَقَالَ إنَّمَا كَانَتْ فِتْنَةُ دَاوُد مِنْ النَّظَرِ» ، وَأَنْشَدُوا:
كُلُّ الْحَوَادِثِ مَبْدَؤُهَا مِنْ النَّظَرِ
…
وَمُعْظَمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ
وَالْمَرْءُ مَا دَامَ ذَا عَيْنٍ يُقَلِّبُهَا
…
فِي أَعْيُنِ الْعَيْنِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْخَطَرِ
كَمْ نَظْرَةٍ فَعَلَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا
…
فِعْلَ السِّهَامِ بِلَا قَوْسٍ وَلَا وَتَرِ
يَسُرُّ نَاظِرُهُ مَا ضَرَّ خَاطِرَهُ
…
لَا مَرْحَبًا بِسُرُورٍ عَادَ بِالضَّرَرِ
وَكَانَ يُقَالُ: النَّظَرُ بَرِيدُ الزِّنَا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «النَّظْرَةُ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إبْلِيسَ، مَنْ تَرَكَهَا مِنْ مَخَافَتِي أَبْدَلْته إيمَانًا يَجِدُ حَلَاوَتَهُ فِي قَلْبِهِ» . وَمِمَّا رُوِيَ: «أَنَّ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ فِي سِيَاحَتِهِ عَلَى نَارٍ تَتَوَقَّدُ عَلَى رَجُلٍ فَأَخَذَ مَاءً لِيُطْفِئَهَا عَنْهُ فَانْقَلَبَتْ النَّارُ صَبِيًّا وَانْقَلَبَ الرَّجُلُ نَارًا، فَتَعَجَّبَ عِيسَى مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ يَا رَبِّ رُدَّهُمَا إلَى حَالِهِمَا فِي الدُّنْيَا لِأَسْأَلَهُمَا عَنْ خَبَرِهِمَا فَأَحْيَاهُمَا اللَّهُ
تَعَالَى فَإِذَا هُمَا رَجُلٌ وَصَبِيٌّ، فَقَالَ لَهُمَا عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا خَبَرُكُمَا وَمَا أَمْرُكُمَا؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رُوحَ اللَّهِ إنِّي كُنْتُ فِي الدُّنْيَا مُبْتَلًى بِحُبِّ هَذَا الصَّبِيِّ فَحَمَلَتْنِي الشَّهْوَةُ أَنْ فَعَلْتُ بِهِ الْفَاحِشَةَ فَلَمَّا مِتُّ وَمَاتَ الصَّبِيُّ صَيَّرَ اللَّهُ الصَّبِيَّ نَارًا يُحْرِقُنِي مَرَّةً وَصَيَّرَنِي نَارًا أُحْرِقُهُ أُخْرَى فَهَذَا عَذَابُنَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ عَذَابِهِ وَنَسْأَلُهُ الْعَافِيَةَ وَالتَّوْفِيقَ لِمَرْضَاتِهِ.
تَنْبِيهٌ ثَانٍ: مَرَّ الْحَدِيثُ فِي مَنْ أَتَى الْبَهِيمَةَ أَنَّهَا تُقْتَلُ مَعَهُ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَدْ عَارَضَ هَذَا الْحَدِيثُ «نَهْيَهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِ الْحَيَوَانِ» وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ فَلَا تُقْتَلُ غَيْرُ الْمَأْكُولَةِ وَلَا تُذْبَحُ الْمَأْكُولَةُ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ. وَمَرَّ أَيْضًا فِي الْحَدِيثِ قَتْلُ اللَّائِطِ وَالْمُلُوطِ بِهِ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ: «اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ وَاَلَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ» . قَالَ الْبَغَوِيّ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حَدِّ اللُّوطِيِّ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ حَدَّ الْفَاعِلِ حَدُّ الزِّنَا وَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا يُرْجَمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا يُجْلَدُ مِائَةً، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالنَّخَعِيِّ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَيُحْكَى أَيْضًا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَعَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ اللُّوطِيَّ يُرْجَمُ وَلَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ، رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ إبْرَاهِيمَ يَعْنِي النَّخَعِيّ قَالَ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ يَسْتَقِيمُ أَنْ يُرْجَمَ مَرَّتَيْنِ لَرُجِمَ اللُّوطِيُّ. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُقْتَلُ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ بِهِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ. اهـ.
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: حَرَّقَ اللُّوطِيَّةَ بِالنَّارِ أَرْبَعَةٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهم وَهِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ رضي الله عنه، كَتَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه أَنَّهُ وَجَدَ رَجُلًا فِي بَعْضِ ضَوَاحِي الْعَرَبِ يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، فَجَمَعَ لِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ إنَّ هَذَا ذَنْبٌ لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أُمَّةٌ إلَّا أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ فَفَعَلَ اللَّهُ بِهِمْ مَا قَدْ عَلِمْتُمْ أَرَى أَنْ نُحَرِّقَهُ بِالنَّارِ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُحَرَّقَ بِالنَّارِ، فَأَمَرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يُحَرَّقَ بِالنَّارِ، فَحَرَّقَهُ خَالِدٌ. وَقَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: مَنْ