الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتأخر فيعلم بالاضطرار إلى قصد الواضع أن اللفظ لولا أنه حقيقة فى ذلك المعنى لما كان سابقا إلى الإفهام دون غيره.
«وثانيها» : أن يعلم من أهل اللغة أنهم متى أرادوا إفهام معنى من المعانى غيرهم، اقتصروا على عبارات مخصوصة، وإذا عبروا بذلك اللفظ عن معنى آخر لم يقتصروا عليها. بل ذكروا معها قرينة، فيعلم قطعا بهذا التصرف أن الأول حقيقة، والثانى مجاز إذ لولا علمهم بكون ذلك اللفظ حقيقة لذلك المعنى لما اقتصروا عليه.
«وثالثها» : أنهم إذا علّقوا الكلمة بما يستحيل عقلا تعلقها به، علم أنها فى أصل اللغة غير موضوعة لها فيعلم كونها مجازا فيها وهذا كقوله تعالى فى النقصان وَجاءَ رَبُّكَ
[الفجر: 22] فإنه يستحيل عقلا تعلّق المجىء بالذات، لاستحالته عليها، فيعلم أن استعمالها مجاز بالنقصان، وأن الأصل وجاء أمر ربك وكقوله تعالى وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ
[يوسف: 82] فإنه لا يمكن سؤال القرية، فعلمنا أنه لا بدّ هناك من محذوف تقديره واسأل أهل القرية.
وفى الزيادة كقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
[الشورى: 11] فإنا لو خلّيناه وظاهر الآية كان المنفى إنما هو مثل مثل الله تعالى لا مثله على الإطلاق، والعقل يأبى ذلك ويبطله، فعرفنا أن ذكر الكاف زيادة وأن الحقيقة حذفها ونقصانها.
«ورابعها» : أن يضعوا لفظا لمعنى ثم تركوا استعماله على العموم وأطلقوه على بعض مجاريه كذوات الأربع، ثم قصروه بعد ذلك على بعض تلك المجارى، كالحمار، فعلمنا كونه مجازا بالإضافة إلى وضعه العرفى، ومثاله لفظ الدابة فإنها بالوضع اللغوى لكل حيوان، ثم تعورف وضعها فى ذوات الأربع من الحيوانات وصار حقيقة فيها عرفا، فإذا قصروها على الحمار من بين ذوات الأربع كان مجازا لا محالة بالإضافة إلى العرف، فهذه هى الفروق الواضحة، وقد أوردها ابن الخطيب الرازى ولنقتصر عليها ففيها غنية وكفاية.
التقرير الثانى للفروق الفاسدة
اعلم أن الشيخ أبا حامد الغزالى قد أورد أمورا للتفرقة بين المجاز والحقيقة، ولا بد من إيرادها وإظهار وجه فسادها وجملتها أربعة:
«أولها» : أن الحقيقة جارية على الاطراد، والمراد بالاطراد جريان الحقيقة فى كل موضع
بخلاف المجاز، فإنه يجب إقراره حيث ورد كما قدمناه شرحه، والمثال فى ذلك هو أن قولنا عالم قادر، لما صدقا على كل واحد ممن له قدرة وعلم وجب صدقهما على كل ذى علم وقدرة فى جميع المحالّ، وعلى هذا يكون جريها شاهدا وغائبا على جهة الحقيقة لأجل الاطراد، وأما المجاز فليس حاله ما ذكرناه من الاطراد، ولهذا فإنه لما استعمل السؤال فى القرية، والعير، فإنه لا يستعمل فى الجدار والشجرة وهذا فاسد لأمور ثلاثة، أما أولا فلأن مستندنا فى كون هذه اللفظة حقيقة وكونها مجازا إنما هو أمر الواضع وتقريره فيجب أن يكون مستندنا فى التفرقة بينهما هو أمر الواضع وتقريره أيضا، وههنا لم تدل دلالة لغوية من جهة الواضع على أن الاطراد علامة للحقائق ولا أن عدم الاطراد أمارة للمجازات، فلابد فيه من دلالة لغوية، فلم يزد فيه على مجرد الحكم من غير إشارة فيه إلى دلالة لغوية فلا يقبل وأما ثانيا: فلأنه قد يعرض للحقيقة ما يمنع من اطّرادها لعارض، ويعرض للمجاز ما يوجب اطراده لعارض فجعل الاطراد من علامات كون اللفظ حقيقة وإبطال الاطراد من أمارة كونه مجازا لا وجه له. وأما ثالثا: فلأنه إن أراد باطراد الحقيقة استعمالها فى جميع موارد نص الواضع فالمجاز مثلها فى ذلك لأنه يجوز استعماله فى جميع موارد نص الواضع فلا يبقى هناك بينهما تفرقة، وإن أراد استعماله فى غير موضع نص الواضع فقد تكون الحقيقة ممنوعة الاطراد لعارض، وإن أراد بالاطراد معنى آخر غير ما ذكرناه فيجب إظهاره حتى ننظر فيه.
وثانيها: الامتناع من الاشتقاق دليل على كون اللفظة مجازا، فإن الأمر لما كان حقيقة فى القول اشتق منه اسم الفاعل للآمر واسم المفعول للمأمور، وإنه لما لم يكن حقيقة فى الفعل لم يوجد هذا الاشتقاق، وهذا فاسد أيضا لأمرين، أما أولا فلأن الاشتقاق معناه أخذ لفظة من لفظة باعتبار أمر جامع لهما فى المعنى، وما هذا حاله فإنه لا إشعار له البتة بكون اللفظ حقيقة فيما وضع له ولا مجازا، وأما ثانيا فلأن اسم الرائحة حقيقة فى معناها، ومع ذلك فإنه لم يشتق منها اسم.
وثالثها: قوله: إن اختلاف صيغة الجمع على الاسم، يعلم أنه حقيقة فى أحدهما ومجاز فى الآخر، وذلك نحو الأمر الحقيقى فإنه يجمع على أوامر وإذا أريد به الفعل وهو المجاز فإنه يجمع على أمور، وهذا فاسد جدّا لأمرين، أما أولا: فلأن أبنية الجموع مختلفة فى أنفسها باختلاف أبنية الأسماء المفردة فى ثلاثيها ورباعيها وأصلها وزائدها، وما هذا حاله