الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونظمه، لأنها إذا حصلت مع ما يشاكلها وقعت فى أحسن موقع وجاءت فى أعجب صورة.
وثالثها: مطابقة الغرض المقصود من الكلام على اختلاف أنواعه وتباين فنونه فلا بد من أن يكون موافقا لما أريد به بعد اختصاصه بالتركيب، وهو غرض عظيم، لابد من رعايته ونظيره فى العقد، فإنه بعد إحكام تركيبه وإتقان تأليفه لابد من مطابقته لما صيغ له فتارة يجعل إكليلا على الرأس، ومرة يجعل طوقا فى العنق، وقد يجعل شنفا على الأذن، وإذا خالف فى ذلك بطل المقصود وفات الغرض، فإذا جعل إكليل الرأس على غيره، أو جعل طوق العنق فى غيره بطل المقصود وفات الغرض، والكلام بعد تركيبه إذا وضعته فى غير موضوعه ولم تقصد به ما هو موضوع له انخرم المقصود به وكان خاليا عن البلاغة.
فالأمر الأول والثانى من هذه الأمور الثلاثة يتعلق بالفصاحة، لأنها من عوارض الألفاظ، ومجموع الثلاثة كلها هو المراد بالبلاغة، لأنها من عوارض الألفاظ والمعانى جميعا كما سنوضح التفرقة بينهما بمعونة الله تعالى فهذا ما يتعلق بخصوص الفصاحة.
المطلب الثانى فى ذكر ما يتعلق ب [البلاغة] على الخصوص
اعلم أن البلاغة فى وضع اللغة، هى الوصول إلى الشىء والانتهاء إليه فيقال بلغت البلد أبلغ بلوغا، والاسم منه البلاغة، وسمى الكلام بليغا، لأنه قد بلغ به جميع المحاسن كلها فى ألفاظه ومعانيه، وهو فى مصطلح النظار من علماء البيان عبارة عن الوصول إلى المعانى البديعة بالألفاظ الحسنة. وإن شئت قلت هى عبارة عن حسن السبك مع جودة المعانى، والمقصود من البلاغة هو وصول الإنسان بعبارته كنه ما فى قلبه مع الاحتراز عن الإيجاز المخل بالمعانى، وعن الإطالة المملة للخواطر. فإذا تمهدت هذه القاعدة، فلنذكر مواقع البلاغة ثم نذكر مراتبها ثم نردفها ببيان حكمها فهذه مباحث ثلاثة.
المبحث الأول فى بيان موقع البلاغة
اعلم أن الأشياء فى التحقق والثبوت على مراتب أربع:
الأولى منها: تحققها فى الذهن وتصورها، وهذه الرتبة هى الأصل وعليها تترتب
الوجودات الأخر، لأن الشىء إذا لم يكن له تصور فى الذهن وتحقق فإنه لا يمكن وجوده فى الخارج بحال ثم بعض التصورات الذهنية قد يستحيل وجودها فى الخارج كما تقول فى القديم تعالى والقدرة القديمة والحياة القديمة فإن هذه وإن أمكن تصورها فى الذهن لكن لا حقيقة لها فى الخارج بالبرهان العقلى، وتارة يكون له وجود فى الخارج وهو سائر الممكنات.
المرتبة الثانية: التحقق فى الأعيان وهذا نحو ما يوجد فى العالم من المكونات، فإن لها تحققا فى الوجود الخارجى والتعين الوجودى، ولسنا نريد بالوجود العينى هو كل مدرك ولكن نريد كل ما حمله الوجود الخارجى عن الذهن، مدركا كان أو غير مدرك.
المرتبة الثالثة: الألفاظ الدالة على تلك الصور الخارجية والذهنية فإن ههنا ألفاظا قد وضعت للدلالة عليها لضرب من المصلحة العقلية.
المرتبة الرابعة: الكتابة الدالة على تلك الألفاظ فالمرتبتان الأوليان لا يفتقران إلى المواضعة، لأنهما عقليان، والمحتاج إلى المواضعة إنما هو المرتبة الثالثة، والرابعة، ومزية الكمال فى الحسن والجمال تكون فيهما جميعا، والبلاغة تحصل فى كل واحد منهما، لكن الكلام أوسع مجالا وأعظم مضطربا، وفيه وقع التنافس فى البلاغة نظما ونثرا. والكتابة مسبوقة فى المواضعة عليها بالكلام فلا يمكن المواضعة عليها إلا بعد سبق الكلام وقد تفننوا فى الخط أنواعا من التفنن وتوسعوا فيه ضروبا من التوسعات، ولنشر من ذلك إلى تصرفين:
التصرف الأول: منها بالإضافة إلى النّقط، وذلك على أوجه أربعة:
أولها أن تكون الكلمات المتوالية معراة كلها من النقط، وهذا مثاله قول الحريرى:
أعدد لحسادك حد السلاح
…
وأورد الآمل ورد السماح
وثانيها: أن تكون الكلمات كلها لا حرف منها إلا وهو منقوط ومثاله أيضا ما قاله الحريرى
فتنتنى فجننتنى تجنى
…
بتجن يفتن غب تجنى
وثالثها: أن توجد كلمات، واحدة منها كلها منقوطة وواحدة لا حرف فيها منقوط وهذا كقوله أيضا: «الكرم- ثبت الله جيش سعودك- يزين، واللؤم- غضّ الدهر جفن حسودك- يشين.