الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضرب الثانى الأخبار النبوية
، فإن كلامه صلى الله عليه وسلم وإن كان نازلا عن فصاحة القرآن وبلاغته- في الطبقة العليا بحيث لا يدانيه كلام، ولا يقاربه وإن انتظم أى انتظام، ولنورد من كلامه أمثلة ثلاثة.
المثال الأول فى المواعظ والخطب
فليعمل الناظر نظره فى هذا الكلام، فما أسلس ألفاظه على الألسنة، وما أوقع معانيه فى الأفئدة، وما احتوى عليه من التنبيه البالغ، والوعظ الزاجر، والنصيحة النافعة، فصدره بالتحذير أولا عما يعرض من مصائب الدنيا من الانخداع والغرور والاستهواء وعقبه ثانيا بالتحذير عن الركون إلى الدنيا، ونبه بألطف عبارة وأوجزها على زوالها وانقطاعها، وأردفه ثالثا بالحث على عمل الآخرة وأخذ الأهبة للزاد، ونبه على سرعة زوالها وانقطاعها، وختمه بتحقق الحال فى الإقدام على ما فعله من خير وشر، وأنه نادم لا محالة على ما خلفه من الدنيا، وأنه غير نافع ولا مجد، ومن عجيب أمره أنه مع إغراقه فى البلاغة فإنه قد اشتمل على أنواع أربعة من علم البديع: أولها «السجع» فى قوله عليه السلام العاجلة، والأمنية، والخدعة، والزوال، والانتقال.
«وثانيها» : التجنيس فى قوله عليه السلام كإناخة راكب، أو صر حالب.
«وثالثها» : الاشتقاق، فى قوله: كل امرىء على ما قدم قادم، ومنه قوله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها
[الروم: 30] .
«ورابعها» : الائتلاف وهو أن تكون الألفاظ لائقة بالمقصود، فحيث كان المعنى فخما، فاللفظ يكون جزلا كقوله «لا تكونوا كمن اختدعته العاجلة، وغرته الأمنية، واستهوته الخدعة» .
وإن كان المعنى رشيقا، كان اللفظ رقيقا سهلا كقوله عليه السلام «فكأنكم بما قد أصبحتم فيه من الدنيا لم يكن، وبما تصيرون إليه من الآخرة لم يزل» وسنورد فى فن البيان ما يتعلق بعلم البديع بمعونة الله تعالى.