الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالمتواطىء لأنه يطلق على هذه الحقائق المتغايرة باعتبار أمر جامع يجمعها، فيطلق النور على هذه الأشياء باعتبار أمر معنوىّ، ويطلق الحىّ على النبات، والحيوان باعتبار أمر معنوىّ، وهو النموّ. ولا حاجة إلى جعله قسما على حياله لا ندراجه تحت ما ذكرناه. وإليه يشير كلام الشيخ أبى حامد الغزالى.
النوع الثانى: علم العربية
، وهو من جملة موضوعات هذا العلم العظيمة التى لا سبيل إليه إلا بإحرازها، وهو منه بمنزلة أبى جاد للخط العربىّ. وبه يحصل قوام أمره وإحكام أصوله. نعم ليس مختصا بهذا العلم وحده، بل ينبغى معرفته لكلّ من ينطق باللسان العربىّ فإنه لا غنى له عن معرفته، ليأمن من زلل اللحن وسقطه، ويستفيد بمعرفته الاطّلاع على المعانى المفيدة والجمل المركبة من الفاعل مع فعله، والمبتدأ مع خبره إلى غير ذلك من أفانين الكلام وأنواعه. وكل ذلك لا يحصل إلا بالوقوف على حقائق الإعراب ولوازمه. فلهذا لم يكن بدّ من تحصيلها وإتقانها.
النوع الثالث: علم التصريف
فإنه علم جليل القدر غزير الفوائد. وهو يختص بتصحيح أبنية الألفاظ المفردة ومعرفة صحيحها ومعتلّها وزائدها وأصيلها ومبدلها من أصيلها إلى غير ذلك من أنواع التصريف على قوانين جارية على أقيسة كلام العرب وأساليبها. ومن لم يحرزه فإنه لا يأمن الوقوع فى محذور الكلام ومكروهه، فإنه لا فرق فى اللحن بين تغيير الكلمة عن إعرابها الجارى لها، وبين تغيير بناء الكلمة وتصريفها على خلاف ما يقتضيه قياسها. فلا فرق فى ألسنة النحاة بين من خالف فى تغيير الإعراب فى نصب الفاعل ورفع المفعول وبين من ترك الواو والياء من غير إعلال مع وجود سبب الإعلال فيهما، ومن أخلّ به وقع فى مكروه التصريف، كما أن كل من أخلّ بإتقان الإعراب وقع فى معرّة اللحن ومكروهه. فهذه العلوم الثلاثة لابدّ من إحرازها لمن أراد الاطّلاع على علوم البيان ويجرى مجرى الآلة له فى الوصول إليها.
خيال وتنبيه
فإن قال قائل: كيف توجبون على كل من أراد إحراز علوم البيان علم اللغة. ونحن نجد فى الأوضاع اللغوية ما لا يفهم المراد من ظاهر لفظه كما فى الألفاظ المشتركة فإن حقيقة وضعها ينافى البيان لما فيها من الإبهام إلا بقرينة من وراء لفظها وتوجبون العلم
بالوجوه الإعرابية لمن خاض فى علوم البيان والواحد منا إذا قال: قام زيدا بالنصب وقال ضربت زيد بالرفع فهم الغرض، وإن كان لاحنا، ونجد كثيرا من الأحاديث الملحونة مفهومة المعانى وإن كانت جارية على خلاف قانون العربية وهكذا الحال فى التصريف فإن الواحد منا إذا قال لغيره قوم بإثبات الواو، أو قال هذه عصوك من غير إعلان فإن المقصود مستقيم لا خلل فيه، فإذن لا وجه لإيجاب الإحاطة بهذه العلوم لمن أراد الخوض فى علم البيان.
والجواب أنا قد أوضحنا أنه لابدّ من إحراز هذه العلوم لمن أراد الاطّلاع على علوم البلاغة والفصاحة بما لا مدفع له إلّا بالمكابرة. فلا مطمع فى إعادته.
قوله: إن فى الأوضاع اللغوية ما يستبهم فيه المقصود، كالألفاظ المشتركة، قلنا: إن هذه اللغة التى عظّم الله أمرها، ورفع قدرها مشتملة على اللطائف البديعة، والمجازات الرشيقة، وإن الاشتراك يرد من أجل الاختصار، لاشتمال الكلمة الواحدة على معان كثيرة، ويرد من أجل التجنيس، والازدواج فى إعجاز الكلم العربية، ويرد لمقاصد عظيمة ليس من همنا ذكرها، وفيه معان بديعة ومقاصد للفصحاء بالغة يدركها من رسخت قدمه فى هذه الصناعة.
قوله: الواحد منا يكون لا حنا ولا يخلّ بشىء من مقاصده فى خطابه قلنا: هذا فاسد فإن المقاصد وإن كانت مفهومة بالقرائن فى بيان الفاعل والمفعول، لكنا نريد مع فهم المعانى بالقرائن الحالية أنه لابدّ من جريها على القوانين الإعرابية، وعلى ما هو معهود من ألسنة الفصحاء ومجارى كلماتهم التى ورد بها القرآن، وجاءت به السنة الشريفة من مطابقة الأوضاع اللغوية والقوانين الإعرابية. وربما لا يطّرد ذلك، أعنى الاتكال على القرائن، بل لابدّ من التفرقة بين الفاعل والمفعول بالإعراب، وإلّا كان اللبس واقعا كما فى قوله ضرب زيد عمرو فإنه لولا الإعراب لما عرف الفاعل من المفعول وهكذا إذا قلنا ما أحسن زيد فإنه لا يمكن التفرقة بين النفى والتعجب، والاستفهام إلّا بالإعراب؛ لأنّ الصيغة فيها واحدة، ولهذا فإنه يحكى أن رجلا دخل على أمير المؤمنين كرم الله وجهه. فقال له: قتل الناس عثمان من غير إعراب فقال له أمير المؤمنين كرم الله وجهه، بيّن الفاعل من المفعول، «رضّ الله فاك» ودخل رجل على زياد ابن أبيه بالبصرة. فقال له: مات أبانا وخلّف بنون. فقال زياد مات أبانا وخلف بنون. مه. فاستنكر اللحن وأباه لما قطع بكونه لحنا.