الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والرأي الثاني أكثر نظاماً، وقد اخترته لما فيه من تسجيل الإدارة القضائية للحادثة فلا تتكرر، ولإثبات وقوع الطلقة بائنة فلا يستطيع أن يراجعها إلا بعقد جديد ومهر جديد، وباستشارتها، وهذا أن كان له رصيد من الطلقات. ووقع الأمر للقضاء حقا، فلها أن تصبر وتحتسب، ومع هذا فالمعاشرة لا تثبت قضاء إلا بشهادتها.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو بن العاص عن مواصلة الصيام نهاراً وقيام الليل لما فيه من ظلم للمرأة كما نهى الإسلام المرأة أن تصوم النافلة وزوجها حاضراً إلا بإذنه {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (228 سورة البقرة)
{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (19 النساء)
" خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي". (الترمذي. 3830) .
الطلاق وعلاقته بالمهر والعدة
الطلاق قضية كبيرة {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} "النور 15"
يترتب عليه أمور كبيرة، هدم للأسرة وضياع للنشئ، ومعانات وفراغ نفسي، وشماتة من الحاقدين.
وأخشى ما أخشاه أن الحياة الزوجية كانت تسد حاجة الجسد الجنسية فلتتدخل السماء باللطف والعفة لحفظ المتفارقين من الانحراف الجنسي.
ولكنني هنا أتحدث عن آثاره الشرعية من المهر والعدة والمتعة والنفقة.
أولاً: الطلاق قبل الدخول بها وقد حدد لها صداقاً.
بين القرآن الكريم أن لها نصف المهر الذي حدده لها. {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} (237 سورة البقرة)
فلها نصف المهر الذي اتفقا عليه ما دام لم يذكر أي الجهتين المطالبة بالعفو في قوله تعالى {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} "يعفون يعني النساء
لاخلاف في هذا. والنون نون النسوة. ولها أن تتنازل عن حقها وما لها لمن تشاء {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (5 النساء) .
أما قوله تعالى {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}
فالمعنى يحتمل زوجها ووليها فهو يشملها.
وقد ذكر ابن العربي الأندلسي أدلة ترجيح احتمال كل واحد منهما فأجاد وأفاد، ورجح أن يكون الولي هو المقصود (أحكام القرآن جـ 1 ص 219)
لها نصف المهر وإذا لم يكن دخل بها قبل الطلاق وليس عليها عدة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} "الأحزاب 49"
ثانياً: إذا طلقها من قبل الدخول بها ولم يحدد لها صداقاً في العقد فليس لها شيء من الصداق لأن الصداق مجهول والمجهول لا يُنصف ولكن لها "المتعة" حق لازم يحدده لها القضاء.
لأن بقية الآية الكريمة {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} (49 الأحزاب) والمتعة على الموسع قدره وعلى المقتر قدره {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} "336 البقرة"
وهي شكر للمطلقة، ووفاء لها على ما قدمت أيام الحياة الزوجية.
وقد أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم أن يُقدم مثل هذا العطاء لزوجاته عندما خيرهن بين البقاء مع الرضا بضيق العيش وبين الفراق الجميل إن رغبن في الدنيا. ولكنّهنّ جميعاً اخترن الله ورسوله.
وهل المتعة واجبة لكل مطلقة لعموم قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} "241 سورة البقرة".
أم أن الأمر للندب كما ذهب الإمام مالك وأصحابه والقاضي شريح وغيرهم.
والظاهر أن الأمر الوجوب للشعور بالملكية في قوله تعالى {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ} ولقوله تعالى {عَلَى الْمُتَّقِينَ} ولكلّ عصر تحديد المبلغ الذي يليق بالمتعة، ولكل أسرة فلا ضرورة لنقل آراء القدامي في تحديدها.
وقد روي القرطبي أن الإمام الحسن لما بايعه الناس بالخلافة بعد استشهاد الإمام علي قالت له زوجته عائشة الخثعميّة تهنئه بالخلافة.
وكان الإمام الحسن مصاباً باستشهاد والده فاعتبر هذه التهنئة شماتة فطلقها.
فلما قضت عدتها بعث إليها بعشرة الآف متعة.
فقالت: "متاع قليل من حبيب مفارق"
فلما علم بذلك ندم على طلاقها وقال لولا أنها. الثالثة لرددتها.
فليتق الله من يسرع بالطلاق ويعط لنفسه فرصة {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} .
ثالثا - لو طلقها بعد الدخول بها.
لها الصداق كاملاًَ إن كان قد حدده لها. ولها مهر المثل إن كان لم يحدد لها صداقا.
وقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بمهر المثل في قضية بنت واشق الأشجعية. (أبو داود والترمذي)
وقال بمهر المثل الأئمة الأحناف والشافعية والحنابلة والأباضية في الرأي الراجح عندهم.
والعلماء يلجؤن إلى مهر المثل إذا عقد عليها ولم يُسمّ لها مهراً أو سمّى لها مهراً فاسداً كالخمر والخنزير.
أو سمَّى لها مهراً مجهولاً كالبيت الذي لد يحدد مكانه ولا عدد غرفه، أو سيارة ولم يحدد نوعها وسنة صنعها. وغير هذا.
ومهر المثل يقاس بإخواتها وعماتها وبنات أعمامها ويشترط التقارب بينهن في الدرجة العلمية. وتقارب العصر والبلد، وعلماء الأحناف يطلبون مراعات سن الخاطب شاباً أم شيخاً، ودرجته العلمية والوظيفة.
بهذا الدقة أفتى علماء الإسلام منذ قرن.
وكما يقولون: يبدأ الفقه عندما ينتهي التخصص العلمي.
لها مهر مثل كما قلنا وعليها العدّة.
رابعاً: الفراق بالخلع
الرأي الراجح ليس لها متعة. وعليها العدة إن كان قد دخل بها لعموم قوله تعالى في عدة المدخول بها.
خامساً الفراق بموت الزوج
أمّا عدّة من مات زوجها فواجبة عليها وفاء وعزاء وسلوى لأهله سواء دخل بها أو مات قبل الدخول.
لعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} "234 سورة البقرة"
وهذا الحكم متفق عليه لصريح النص الكريم.
وفي الموضوع آية أخرى حددت المدة بسنة كاملة. {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (240 الآية)
هل موضوع الآيتين واحد كما يفهم من النظرة الشريعة؟
وهل إحداهما ناسخة للأخرى؟
وإذا قلنا بالسنخ فآية الأشهر الأربعة هي المتقدمة في ترتيب الآيات فلماذا لم يقل أحد إن لآية المتأخرة في ترتيب الآيات نسخة المتقدمة؟
أليس من الأفضل أن تكون الآية الثانية محكمة كالأولى؟ ولكل واحد منهما موضوع مختلف؟