الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خصائص النبوة
وهكذا تسمح دراسة حالة (أرمياء) بوضع صفات تحدد بوجوه مختلفة، وبطريقة موضوعية مبدأ النبوة، فهناك:
أولاً: صفة القهر النفسي الذي يقصي جميع العوامل الأخرى للذات، بإلزام النبي في النهاية بسلوك معين ودائم.
وثانياً: حكم فذ على أحداث المستقبل، يمليه نوع من القهر الذي ليس له أي أساس منطقي.
وثالثاً: استمرار مظاهر السلوك النبوية، وتماثلها الظاهر والخفي عند جميع الأنبياء.
هذه الصفات المميزة، لا يمكن أن تلقى ببساطة تفسيراً نفسياً، قائماً على الحوادث التي تخضع لها ذات النبي، تلك الذات التي يبدو أنها لا تبرز هنا إلا في مجرد صورة مترجم مرهف الحس- متمنع أحياناً- لظاهرة مستمرة تلزمه بقانونها، كما ألزمت ذوات جميع الأنبياء، كما يثبت المجال المغناطيسي، اتجاه جميع الإبر الممغنطة.
فمن الصعب أن نفسر ظاهرة- هذا وصفها- تفسيراً ذاتياً شخصياً. فهناك لغز فسره النقد- المولع بإرجاع كل شيء إلى أفكار ديكارت مهما كلف الأمر- تفسيراً عجيباً هو: أن النبي شخص مزدوج، مزود بذاتين تسأل إحداهما الأخرى، وتتأثر بانكشافاتها!
ولكنهم لم يهتموا بتحديد موضع هذه الذات الثانية في الفرد، الذي يعده علم النفس التحليلي منقسماً إلى ميدانين: اللاشعور، والشعور. فهل الذات الثانية موضعها الشعور أو اللاشعور؟ أو كلا المجالين في وقت واحد
…
؟.
لم يقل أحد شيئاً كهذا. وهل هذا يستدعي منا فرضا آخر؟
فإذا كانت الذات الإنسانية الواحدة لا تقدم تفسيراً كافياً للظاهرة، فلن يتحقق هذا بمزاوجة هذا الكيان النفسي أو تضعيفه، لكي يقدّم للظاهرة تفسير أفضل.
وحينئذ يبدو أنه لم يعد هناك تفسير آخر ممكن إلا أن نضع الظاهرة خارج الذات، ومستقلة عنها استقلال المغناطيس عن الإبرة.
ومما يدعم هذا الرأي: شهادة الأنبياء على أنفسهم، تلك الشهادة الوحيدة، والمباشرة على الظاهرة، فقد وضعوها بالإجماع خارج كيانهم الشخصي.
فإذا صلح هذا الرأي لأن يكون فرضاً، فإن هذا الفرض لن يكون أقل صحة من افتراض النقد الحديث.
وهذا هو الفرض الذي نريد أن نجعله- أساساً- ختام هذا الفصل، محتفظين بالتوسع فيه خاصة في الفصول التالية.
***