الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسول
ربما لا يمكننا الاستغناء في دراسة الظاهرة القرآنية عن معرفة الذات المحمدية، معرفة صحيحة بقدر الإمكان، وهذه المعرفة ضرورية هنا ضرورة تحديد الأبعاد الثلاثة في دراسة الخصائص التحليلية لمنحنى هندسي.
فالظاهرة التي ندرسها مرتبطة في الواقع بذات محمد صلى الله عليه وسلم، ولكي نخرج بنتيجة عن طبيعة هذا الارتباط لابد أن نخطو خطوة أولى لنضع مقياساً أول مدعماً بكل العناصر الخاصة بتجلية (الذات)، التي هي موضوع القضية وشاهدها وقاضيها.
وبالتالب يجب أن نحوط أنفسنا فيما يتصل بهذا الشاهد القاضي بضمانات تكفل لنا الثقة الضرورية لشهادته ولحكمه. ولن يمنعنا هذا من أن نقوم من ناحية أخرى بخطوة ثانية، هي أن نضع مقياسا ثابتا يتيح لنا أن نحكم مباشرة بأنفسنا على الظاهرة.
ومن الطبيعي الآن أن توضع أسئلة فيما يتصل بموضوع هذا الشاهد، وهي الأسئلة التي توضع عادة من أجل الاستيثاق الخلقي والعقلي ممن يحتاج لأمر إلى تسجيل شهادته. فإن ذكاء عقله، وإخلاص قلبه يجب ألا يثيرا أو يحتملا أدنى شك، كيما يمكن استخدامهما كعنصر تاريخي جوهري في المشكلة.
وفي سبيل هذا ربما كان من الواجب أن نعرض التفاصيل كلها في حياة رسول الله، فكل تفصيل يقدم لنا حقيقة تهم هذا القياس.
ولكننا لا نرى من الضروري أن نعلق في متحف جد غني صورة جديدة للنبي، فإن لدى القارئ مندوحة ليطلع على المؤلفات العديدة في سيرته، إذا هو أراد أن يشبع رغبته في معرفة الصورة الباهرة لهذا الإنسان، سواء في تلك المؤلفات التقليدية كابن إسحاق وابن مسعود، أم في دراسات تراجم الرجال التي أخرجتها المطابع الحديثة لـ (دينيه Dinet) و (درمنجهام Dormengham)
…
! لخ.
أما نحن فلا نهتم إلا بتخطيط صورة نفسية لا تهمنا فيها التفاصيل التاريخية، إلا بقدر ما تعيننا على ما نريد تخطيطه. وهكذا تنقسم حياة النبي صلى الله عليه وسلم في نظرنا إلى مرحلتين متتابعتين:
الأولى: عصر ما قبل البعثة وهو يمتد إلى أربعين سنة.
والثانية: العصر القرآني وهو يضم كل زمن الوحي، وهو عبارة عن ثلاثة وعشرين عاماً، ومع ذلك فكل من هاتين المرحلتين مطبوعة بحدث رئيسي يعد فاصلاً يقسمها إلى مرحلتين ثانويتين:
فزواج خديجة رضي الله عنها يعد في الواقع فاصلاً خطيراً فيما يتعلق برحلة ما قبل البعثة، فنحن نجد نبي المستقبل ينزوي في خلوة روحية، حتى تلك الليلة الخالدة
…
ليلة الوحي (1).
والهجرة هي الفجوة التي تفصل زمن تبليغ الدعوة فحسب، عن زمن الانتصارات الحربية والسياسية التي فتحت للإمبراطورية الإسلامية الفتية باب التاريخ.
(1) نحن- حقيقة- تنقصنا الوثائق عن الطريقة التي كان النبي في تلك الحقبة يقسم وقته بمقتضاها بين واجبات الروح وحاجات الدنيا. "المؤلف"