الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحركة النبويّة
إن الدراسة الموجزة، لا تؤدي إلى فهم الظاهرة الدينية المعقدة، لأن لها مظاهر متنوعة ومتعددة في مختلف البيئات الإنسانية، ولقد قامت نظريات غريبة عن طبيعة هذه الظاهرة وتاريخها. فالمؤلفون المعاصرون يحاولون شرحها في ضوء تفسير تاريخي مجرد، تبعاً لمنهج (ديكارت) الذي يرجع كل شيء إلى معيار أرضي.
كذلك قرر (شوريه) Shurré مؤلف كتاب (كبار الواصلين) Grands Initiés أن الفكرة الدينية ظلت سراً تحفظه صدور بعض أولئك الواصلين، يكشفه بعضهم لبعض، من جيل إلى جيل، بواسطة انكشاف باطني، تضل ذكراه مع ما يحتوي من سر ية في أعماق التاريخ.
هذه الفكرة البسيطة تزيد في تعقيد موضوع سبق أن قررنا أنه معقد، وهم يدَّعون مع ذلك أنهم إنما أرادوا توضيح أركانه بهذا الفرض الخاطئ المضحك؛ وهو الفرض الذي يزعم حدوث انكشاف دوري للسر الديني، بواسطة جمعية سرية غامضة يرأسها بعض (اللاأمات) في أحد جبال التبت البعيدة!!
…
ولم يعبأ (شوريه) في نظريته هذه بالتفسير التاريخي للسلسلة التي تربط مثلاً حدثين مختلفين تماماً، كالبوذية والإسلام، ولم يعبأ أيضاً بأن يعرض علينا في هذه الحالة القاسم المشترك الذي كان من المفروض أن يعكسه ضمير (بوذا) من ناحية، وضمير بدوي كمحمد صلى الله عليه وسلم من ناحية أخرى.
وإنه ليبدو حقاً أن تعقيد الظاهرة الدينية قد أضل الأفكار الديكارتية، وأننا ما زلنا- بلا شك- مزعزعين أمام المشكلة التي تشتمل على ربط أحداث متباينة، كمذهب وحدة الوجود والشرك والوحدانية في نطاق واحد.
ولقد لاحظنا في الفصل السابق ضرورة وضع فرض هو التسليم بوجود (الله)، وسنبحث هنا واقعاً خاصاً هو (التوحيد) الذي قدم لنا برهانه الأسمى على ألسنة الأنبياء، وبذلك أصبح فيصلاً في مجموع الظاهرة الدينية.
والواقع أن تتابع ديانات التوحيد دليل يمكن فحصه دائماً من الناحية الاعتقادية فحصاً يقوم على أساس النقد، ويتمثل هذا التتابع في ظهور النبوة وجميع المظاهر الأدبية والروحية التي تصحبها.
ومنذ (إبراهيم) عليه السلام تتابع أفراد مدفوعون بقوة لا تقاوم، جاؤوا يخاطبون الناس باسم (حقيقة مطلقة) يقولون إنهم يعرفونها معرفة شخصية، وخاصة، بوسيلة سرية هي الوحي.
ويقول هؤلاء الرجال إنهم مرسلون من (الله) ليبلغوا كلمته إلى البشر، هؤلاء الذين لا يستطيعون أن يسمعوها مباشرة.
وخصوصية هذا الوحي ومضونه، هما الأمارتان الميزتان المثبتتان لرسالة النبي. هذا إلى أنها هي السمة المميزة للنبوة، وهي الحقيقة الجوهرية في مذهب التوحيد وبرهانه الواقعي.
***