الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النتائج الموازنة للروايتين
في هاتين الروايتين اللتين فرغنا من عرضهما يمكننا أن نوازن بعض العناصر المتشابهة، بطريقة تبرز لنا الطابع الخاص بالقرآن. ثم إننا نحتاج أن نبحث قضية هذا التشابه بين الكتابين، وهو أمر جد مفيد لموضوعنا.
إن سدى التاريخ واحد تماماً في كلتا الروايتين، ومع ذلك فإن مجرد التأمل السريع يمكن أن يكشف لنا عن عناصر خاصة تميز كلتيهما على حدة، فرواية القرآن تنغمر باستمرار في مناخ روحاني، نشعر به في مواقف وكلام الشخصيات التي تحرك المشهد القرآني. فهناك قدر كبير من حرارة الروح في كلمات يعقوب ومشاعره في القرآن، فهو نبي أكثر منه أباً، وتبرز هذه الصفة خصوصاً في طريقته في التعبير عن يأسه عندما علم باختفاء يوسف. كما تتجلى في طريقته في تصوير أمله حين يدفع بنيه إلى أن يتحسسوا من يوسف وأخيه. وامرأة العزيز نفسها تتحدث في رواية القرآن بلغة تليق بضمير إنساني وخزه الندم، وأرغمتها طهارة الضحية ونزاهتها على الاستسلام للحق، فإذا بالخاطئة تعترف في النهاية بغلطتها. وفي السجن يتحدث يوسف بلغة روحية محلقة، سواء مع صاحبيه، أم مع السجان، فهو يتحدت بوصفه نبياً يؤدي رسالته إلى كل نفس يرجو خلاصها.
وفي مقابل ذلك نجد الرواية الكتابية تبالغ بعض الشيء في وصف الشخصيات المصرية- الوثنية بالطبع- بأوصاف عبرانية، فالسجان يتحدث
بوصفه موحدا (1)، وفي القسم الخاص بتعبير الرؤيا في القصة يرتسم رمز المجاعة في
(1) التوراة الفصل التاسع والثلاثون جملة 24.
صورة أقل إجادة، فعبارة التوراة هي:" فابتلعت السنابل الجياد"(1)، أما في الرواية القرآنية فإنها تعقبها فحسب.
والرواية الكتابية تكشف أيضاً عن أخطاء تاريخية تثبت صفة (الوضع التاريخي) للفقرة التي نناقشها، فمثلاً فقرة " لأن المصريين لا يجوز لهم أن يأكلوا مع العبرانيين لأنه رجس عند المصريين"(2) يمكننا التأكيد بأنها من وضع النساخ الميالين إلى أن يذكروا فترة المحن التي أصابت بني إسرائيل في مصر، وهي بعد زمن يوسف.
وفي رواية التوراة استخدام إخوة يوسف في سفرهم "حميراً" بدلاً من (العير) في رواية القرآن، على حين أن استخدام الحمير لا يمكن أن يتسنى للعبرانيين إلا بعد استقرارهم في وادي النيل، بعد ما صاروا حضريين، إذ الحمار حيوان حضري عاجز في كل حالة عن أن يجتاز مسافات صحراوية شاسعة لكي يجيء من فلسطين، وفضلاً عن ذلك فإن ذرية إبراهيم ويوسف كانوا يعيشون في حالة الرعاة الرحل، رعاة المواشي والأغنام.
وأخيراً فإن (حل) عقدة القصة يحمل طابع السرد التاريخي في الرواية الكتابية، فهو يشكل في الفصول الأخيرة- التي آثرنا حذفها كيما نتجنب الإطالة المملة- على تفاصيل مادية عن استقرار العبرانيين في مصر.
أما في القرآن فإن هذا الحل يدور حول الطابع المميز للشخصية المحورية: يوسف الذي يختم هذا الختام المنتصر.
(1) الرواية الكاثوليكية تقول "السنابل الجياد تلتهم الخ
…
".
(2)
التوراة الفصل الثالث والأربعون جملة 32.