الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخلاق
إن الأخلاق اللادينية- بقدر ما لهذا التعبير من معنى- تقيم أعمال الإنسان على أساس المنافع الشخصية العاجلة، التي صارت أساس المجتمع المدني؛ على أن الأخلاق الدينية (التوحيدية) تحترم أيضا المنفعة الشخصية، ولكنها تمتاز برعاية منافع الآخرين، وهي بذلك تدفع الفرد إلى أن ينشد دائما ثواب الله قبل أن يهدف إلى فائدته.
من أجل هذا الثواب صاغت التوراة الميثاق الخلقي الأول للإنسانية في وصاياها العشر، وساق الإنجيل توجيهاته في عظة المسيح على الجبل، ولكن الأمر في الكتابين كليهما أمر مبدأ أخلاقي سلبي، فهو يأمر الناس بالكف عن فعل الشر في حالة، وبعدم مقاومة الشر في أخرى.
أما القرآن فسيأتي بمبدأ إيجابي أساسي، كيما يكمل منهج الأخلاق التوحيدية، ذلك المبدأ هو (لزوم مقاومة الشر) فهو يخاطب معتنقيه بقوله:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران 110/ 3]
ومن جهة أخرى يقر القرآن فكرة الجزاء، أساس الأخلاق التوحيدية. ويقول الأستاذ (أندريه لودن): "إن القيمة الدينية للفرد لم تظهر في الديانة اليهودية، إلا على عهد (حزقيال Exachiel النبي)، فحتى ذلك العهد كان الواجب ونتائجه الخلقية يقعان على عاتق الأمة، التي تتوقع جزاءها في ذلك النصر الموقوت، (يوم ينصر الإله قومه) وقد كان الإنجيل على العكس من ذلك، فقد
قصر الجزاء كله على (يوم القيامة)، فقد أصبحت الأخلاق من مسائل الآخرة، وأضحت برمتها من الهموم الشخصية".
حتى إذا جاء القرآن وجدناه يقيم بناءه الخلقي على أساس القيمة الخلقية للفرد، وعلى العاقبة الدنيوية للجماعة، فأما الفرد فإن ثوابه مستحق يوم الحساب، ومن أجل هذا يقرر القرآن صراحة القيمة الدينية للفرد في قوله تعالى:{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدثر 11/ 74]
وأما الجماعة فإن جزاءها عاجل، يلفتنا القرآن إلى قصته في هذه الدنيا حين يدعونا دائماً إلى تأمل العقاب الدنيوي في عواقب الأمم البائدة، والحضارات الدارسة:
{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [الأنعام 6/ 11].
بل إن القرآن ليعنف تلك الأمم في آية أخرى فيقول:
***