الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما لا مجال للعقل فيه
فواتح السور
في القرآن سور كثيرة تبلغ تسعاً وعشرين، لا تستهل بكلمة مفهومة، بل برموز أبجدية بسيطة، أسبغ عليها علم التفسير تأويلات مختلفة، وقد بحثت فيها عقلية العصور المتأخرة عن إشارات ملغزة لأقاصيص، بعيدة المدى في التاريخ الإنساني.
أياً ما كان الأمر فإن معنى هذه الفواتح المبهمة- إن كان فيها إبهام- يقف أمام عقولنا سداً محكماً.
على أننا لا يهمنا هنا هذا الوجه من المسألة، وإنما الذي يهمنا هو طابعها الظاهري فقط، فهذه الحروف الافتتاحية لا يمكن أن تتراءى لنواظرنا اليوم هياكل متحجرة أو متحللة، فإن النبي نفسه كان يرتلها هكذا، كل حرف متميز منفصل في تجويده الصوتي.
جدول إحصائي لفواتح السور
الحروف ............................. أسماء السور التي وردت فيها
_________
الم .................................. البقرة - آل عمران - العنكبوت - الروم - لقمان - السجدة
المص .............................. الأعراف
الر ................................. يونس - هود - يوسف - إبراهيم - الحجر
المر ................................ الرعد
كهيعص ............................ مريم
طه ................................. طه
طسم ............................... الشعراء - القصص
طس ............................... النمل
يس ................................ يس
ص ................................ صاد
حم ................................. غافر - فصلت - الزخرف - الدخان - الجاثية - الأحقاف
حم عسق ........................... الشورى
ق .................................. ق
ن .................................. القلم
هذه بصفة عامة هي الفواتح التي لا مجال فيها للفكر، ولسنا نعتقد بإمكان تأويلها، إلا إذا ذهبنا إلى أنها مجرد إشارات متفق عليها، أو رموز سرية لموضوع محدد تام التحديد، أدركته سراً ذات واعية.
ترى هل تكون هي ذات محمد؟
…
إن من الواجب أن نقرر في هذه الحالة أن محمداً لا يقف موقفاً سلبياً، بل يتدخل- على العكس- بطريقة شعورية صادرة عن تفكير في اختيار هذه الحروف، وفي توجيهها الرمزي، لكي يعين
باتفاق ما موضوعاً مدركاً بطريقة سلبية. وهنا نلمس تعارضاً بيناً بين هذا الوضع والدور السلبي المعين لهذه الذات في القياس الأول، ومن ناحية أخرى، لا بد أن نعد الحروف الأبجدية في ذاتها كائنات رمزية غريبة عن مفهوم الأمي وفكره، فلا تعني هذه الآيات لديه معنى عملياً، وبالتالي فالمفهوم متكتم باتفاق، فنحن نخطئ الفهم حين نقول إن رموزاً كهذه يمكن أن تدخل في مفهوم أمي، في تلك الحالة الخاصة التي تسمى (حالة التلقي)، فهل الأمر مجرد اختلال في شعور اضطرب مؤقتاً؟
…
أو أنه من الجائز أن يكون مرضاً عضوياً أصاب الجهاز الصوتي، وهو ما يسمى لدى علماء الطب La Glossolalie (1)
…
ولكن النبي كما رأينا في القياس الأول يمثل أكمل المعادلات الشخصية في نواحيها الثلاث: الخلقية، والعقلية، والبدنية، ولم يدع التاريخ أدنى ريب في هذه النقطة. فلا مجال إذن لأن نتخيل أي افتراض عن الذات المحمدية، حتى نشرح هذا الابهام، أو ذلك المرض العضوي. ومن وجهة أخرى لسنا نجد في أدب هذه الذات الشخصي الغني وهو (الحديث)، أي أثر لتلك المغلقات، ولا توجد أية رواية مشافهة عن النبي، مشتملة على مثل هذا التصدير الرمزي.
والآن لو أننا جردنا المسألة من اعتبارات الذات المحمدية، فلا ننظر إليها إلا بالنسبة للقيمة الذاتية للقرآن- دون أن نتسرع بالحكم على أصله أو طبيعته- فسنبقى أمام اللغز نفسه. والحق أن القرآن منذ ثلاثة عشر قرناً يعد أكمل نموذج أدبي استطاعت اللغة أن تفصح عنه، فليس به أدنى اختلال، بل إن الاتساق البديع شامل لجميع نواحيه، في روحه الجليل الغامر، وفي نذره الرائعة المؤثرة، وفي مشاهداته الباهرة، وفي حلاوة وعوده الفائقة، وفي فكرته المتسامية المتشامخة، وأخيراً في أسلوبه البهي المعجز.
(1) يقصر النقد الحديث هذه الظاهرة- وخاصة في حالة أرمياء- على الاضطراب العضوي الذي يحدث عند النبي في حالة الكشف. (المؤلف)
ولنا أن نضيف ملاحظة عن تخصيص وضع هذه الرموز في فاتحة بعض السور دون بعضها الآخر، إذ في ذلك ما يدل على وجود تنظيم ضمني مقصود، هذه الملاحظة تنفي افتراض الصدفة، أو مجرد شرود ذات سلبية، غير واعية. واختصاراً، ليس لنا أن نحمل الظاهرة على طارئ نفسي أو عضوي مفاجئ لدى النبي، ولا أن نؤولها باعتبارها نقصاً أدبياً، في نص يُعد بحق كاملاً.
لقد حاول معظم المفسرين أن يصلوا من موضوع هذه الآيات المغلقة إلى تفاسير مختلفة مبهمة، أقل أو أكثر استلهاما للقيمة السحرية التي تخص بها الشعوب البدائية الكواكب، والأرقام، والحروف. ولكن أكثر المفسرين تعقلاً واعتدالاً هم أولئك الذين يقولون في حال كهذه بكل تواضع:"الله أعلم".
***