الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمَّ فَكرت هَل للتوفيق والخذلان سَبَب أم هما بِمُجَرَّد المشية لَا سَبَب لَهما فَإِذا سببهما أَهْلِيَّة الْمحل وَعدمهَا فَهُوَ سُبْحَانَهُ خَالق الْمحَال مُتَفَاوِتَة فِي الاستعداد وَالْقَبُول أعظم تفَاوت فالجمادات لَا تقبل مَا يقبله الْحَيَوَان وَكَذَلِكَ النوعان كل مِنْهُمَا متفاوت فِي الْقبُول فالحيوان النَّاطِق يقبل مَا لَا يقبله البهيم وَهُوَ متفاوت فِي الْقبُول أعظم تفَاوت وَكَذَلِكَ الْحَيَوَان البهيم متفاوت فِي الْقبُول لَكِن لَيْسَ بَين النَّوْع الْوَاحِد م ن التَّفَاوُت كَمَا بَين النَّوْع الإنساني فَإِذا كَانَ الْمحل قَابلا للنعمة بِحَيْثُ يعرفهَا وَيعرف قدرهَا وخطرها ويشكر الْمُنعم بهَا ويثني عَلَيْهِ بهَا ويعظمه عَلَيْهَا وَيعلم أَنَّهَا من مَحْض الْجُود وَعين الْمِنَّة من غير أَن يكون هُوَ مُسْتَحقّا لَهَا وَلَا هِيَ لَهُ وَلَا بِهِ وَإِنَّمَا هِيَ لله وَحده وَبِه وَحده فوحده بنعمته إخلاصا وصرفها فِي محبته شكرا وشهدها من مَحْض جوده منَّة وَعرف قصوره وتقصيره فِي شكرها عجز أَو ضعفا وتفريطا وَعلم أَنه إِن أدامها عَلَيْهِ فَذَلِك مَحْض صدقته وفضله وإحسانه وَإِن سلبه إِيَّاهَا فَهُوَ أهل لذَلِك مُسْتَحقّ لَهُ وَكلما زَاده من نعمه ازْدَادَ زلالة وانكسارا وخضوعا بَين يَدَيْهِ وقياما بشكره وخشيته لَهُ سُبْحَانَهُ أَن يسلبه إِيَّاهَا لعدم توفيته شكرها كَمَا سلب نعْمَته عَمَّن لم يعرفهَا وَلم يرعها حق رعايتها فَإِن لم يشْكر نعْمَته وقابلها بضد مَا يلق أَن يُقَابل بِهِ سلبه إِيَّاهَا وَلَا بُد قَالَ تَعَالَى وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَم بِالشَّاكِرِينَ وهم الَّذين عرفُوا قدر النِّعْمَة وقبلوها وأحبوها وأثنوا على الْمُنعم بهَا وأحبوه وَقَامُوا بشكره وَقَالَ تَعَالَى وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رسالاته
فصل وَسبب الخذلان عدم صَلَاحِية الْمحل وأهليته وقبوله للنعمة بِحَيْثُ لَو
وافته النعم لقَالَ هَذَا لي وَإِنَّمَا أُوتِيتهُ لِأَنِّي أَهله ومستحقه كَمَا قَالَ تَعَالَى قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَي على علم علمه عِنْدِي أستحق بِهِ ذَلِك وأستوجبه وأستأهله قَالَ
الْفراء أَي على فضل عِنْدِي إِنِّي كنت أَهله ومستحقا لَهُ إِذْ أَعْطيته وَقَالَ مقَاتل يَقُول على خير علمه الله عِنْدِي وَذكر عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل سُلَيْمَان بن دَاوُد فِيمَا أُوتِيَ من الْملك ثمَّ قَرَأَ قَوْله تَعَالَى هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أكفر وَلم يقل هَذَا من كَرَامَتِي ثمَّ ذكر قَارون وَقَوله إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى علم عِنْدِي يَعْنِي أَن سُلَيْمَان رأى مَا أُوتِيتهُ من فضل الله عَلَيْهِ ومنته وَأَنه ابتلى بِهِ شكره وَقَارُون رأى ذَلِك من نَفسه واستحقاقه وَكَذَلِكَ قَوْله سُبْحَانَهُ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لي أَي أَنا أَهله وحقيق بِهِ فاختصاصي بِهِ كاختصاص الْمَالِك بِملكه وَالْمُؤمن يري ذَلِك ملكا لرَبه وفضلا مِنْهُ منّ بِهِ على عَبده من غير اسْتِحْقَاق مِنْهُ بل صَدَقَة تصدق بهَا على عَبده وَله أَن لَا يتَصَدَّق بهَا فَلَو مَنعه إِيَّاهَا لم يكن قد مَنعه شَيْئا هُوَ لَهُ يسْتَحقّهُ عَلَيْهِ فَإِذا لم يشْهد ذَلِك رَأْي فِيهِ أَهلا ومستحقا فأعجبه نَفسه وطغت بِالنعْمَةِ وعلت بهَا واستطالت على غَيرهَا فَكَانَ حظها مِنْهَا الْفَرح وَالْفَخْر كَمَا قَالَ تَعَالَى وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثمَّ نزعتاها مِنْهُ إِنَّه ليؤس كَفُورٌ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لفرح فخور فذمه باليأس وَالْكفْر عِنْد الامتحان بالبلاء وبالفرح وَالْفَخْر عِنْد الِابْتِلَاء بالنعماء واستبدل بِحَمْد الله وشكره وَالثنَاء عَلَيْهِ إِذْ كشف عَنهُ الْبلَاء قَوْله ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عني لَو أَنه قَالَ أذهب الله السَّيِّئَات عني برحمته وَمِنْه لما ذمّ على ذَلِك بل كَانَ مَحْمُودًا عَلَيْهِ وَلكنه غفل عَن الْمُنعم بكشفها وَنسب الذّهاب إِلَيْهَا فَرح وافتخر فَإِذا علم الله سُبْحَانَهُ هَذَا من قلب عبد فَذَلِك من أعظم أَسبَاب خذلانه وتخليه عَنهُ فَإِن مَحَله لَا تناسبه النِّعْمَة الْمُطلقَة التَّامَّة كَمَا قَالَ تَعَالَى إِن شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وهم معرضون فَأخْبر سُبْحَانَهُ أَن محلهم غير قَابل لنعمته وَمَعَ عدم الْقبُول ففيهم مَانع آخر يمْنَع وصولها إِلَيْهِم وَهُوَ توليهم وإعراضهم إِذا عرفوها وتحققوها