الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْمَقْصُود أَنه سُبْحَانَهُ جعل لنا الأَرْض كَالْجمَلِ الذلول الَّذِي كَيْفَمَا يُقَاد ينقاد وَحسن التَّعْبِير بمناكبها عَن طرقها وفجاجها لما تقدّم من وصفهَا بِكَوْنِهَا ذلولا فالماشي عَلَيْهَا يطَأ على مناكبها وَهُوَ أَعلَى شَيْء فِيهَا وَلِهَذَا فسرت المناكب بِالْجَبَلِ كمناكب الْإِنْسَان وَهِي أعاليه قَالُوا وَذَلِكَ تَنْبِيه على أَن الْمَشْي فِي سهولها أيسر وَقَالَت طَائِفَة بل المناكب الجوانب والنواحي وَمِنْه مناكب الْإِنْسَان لجوانبه وَالَّذِي يظْهر أَن المُرَاد بالمناكب الأعالي وَهَذَا الْوَجْه الَّذِي يمشي عَلَيْهِ الْحَيَوَان هُوَ العالي من الأَرْض دون الْوَجْه الْمُقَابل لَهُ فان سطح الكرة أَعْلَاهَا وَالْمَشْي إِنَّمَا يَقع فِي سطحها وَحسن التَّعْبِير عَنهُ بالمناكب لما تقدّم من وصفهَا بِأَنَّهَا ذَلُول ثمَّ أَمرهم أَن يَأْكُلُوا من رزقه الَّذِي أودعهُ فِيهَا فذلّلها لَهُم ووطّأها وفتق فِيهَا السبل والطرق الَّتِي يَمْشُونَ فِيهَا وأودعها رزقهم فَذكر تهيئة الْمسكن للِانْتِفَاع والتقلب فِيهِ بالذهاب والمجيء وَالْأكل مِمَّا أودع فِيهَا للساكن ثمَّ نبّه بقوله وَإِلَيْهِ النُّشُورُ على أنّا فِي هَذَا الْمسكن غير مستوطنين وَلَا مقيمين بل دخلناه عابري سَبِيل فَلَا يحسن أَن نتخذه وطنا ومستقرّا وَإِنَّمَا دخلناه لنتزوّد مِنْهُ إِلَى دَار الْقَرار فَهُوَ منزل عبور لَا مُسْتَقر حبور ومعبر وممر لَا وَطن ومستقر فتضمّنت الْآيَة الدّلَالَة على ربوبيّته ووحدانيّته وَقدرته وحكمته ولطفه والتذكير بنعمه وإحسانه والتحذير من الركون إِلَى الدُّنْيَا واتخاذها وطنا ومستقرا بل نسرع فِيهَا السّير إِلَى دَاره وجنّته فَالله فِي مَا ضمن هَذِه الْآيَة من مَعْرفَته وتوحيده والتذكير بنعمه والحث على السّير إِلَيْهِ والاستعداد للقائه والقدوم عَلَيْهِ والإعلام بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يطوي هَذِه الدَّار كَأَن لم تكن وَأَنه يحي أَهلهَا بعد مَا أماتهم وَإِلَيْهِ النشور
فَائِدَة للْإنْسَان قوتان قُوَّة علمية نظرية وَقُوَّة عملية إرادية وسعادته
التَّامَّة مَوْقُوفَة على استكمال قوتيه العلمية الارادية واستكمال الْقُوَّة العلمية إِنَّمَا يكون بِمَعْرِِفَة
فاطره وبارئه وَمَعْرِفَة أَسْمَائِهِ وَصِفَاته وَمَعْرِفَة الطَّرِيق الَّتِي توصل إِلَيْهِ وَمَعْرِفَة آفاتها وَمَعْرِفَة نَفسه وَمَعْرِفَة عيوبها فبهذه المعارف الْخَمْسَة يحصل كَمَال قوته العلمية وَأعلم النَّاس أعرفهم بهَا وأفقههم فِيهَا استكمال الْقُوَّة العلمية الإرادية لَا تحصل إِلَّا بمراعاة حُقُوقه سُبْحَانَهُ على العَبْد وَالْقِيَام بهَا إخلاصا وصدقا وَنصحا وإحسانا ومتابعة وشهودا لمنّته عَلَيْهِ وتقصيره هُوَ فِي أَدَاء حقّه فَهُوَ مستحي من مواجهته بِتِلْكَ الْخدمَة لعلمه أَنَّهَا دون مَا يستحقّه عَلَيْهِ وَدون دون ذَلِك وَأَنه لَا سَبِيل لَهُ إِلَى استكمال هَاتين القوتين إِلَّا بمعونته فَهُوَ مُضْطَر إِلَى أَن يهديه الصِّرَاط الْمُسْتَقيم الَّذِي هدى إِلَيْهِ أولياءه وخاصّته وَأَن يجنّبه الْخُرُوج عَن ذَلِك الصِّرَاط إِمَّا بِفساد فِي قوته العلمية فَيَقَع فِي الضلال واما فِي قوّته العملية فَيُوجب لَهُ الْغَضَب
فكمال الْإِنْسَان وسعادته لَا تتمّ إِلَّا بِمَجْمُوع هَذِه الْأُمُور وَقد تضمنّتها سُورَة الْفَاتِحَة وانتظمتها أكمل انتظام فَإِن قَوْله {الْحَمد لله رب الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يتضمّن الأَصْل الأوّل وَهُوَ معرفَة الرب تَعَالَى وَمَعْرِفَة أَسْمَائِهِ وَصِفَاته وأفعاله والأسماء الْمَذْكُورَة فِي هَذِه السُّورَة هِيَ أصُول الْأَسْمَاء الْحسنى وَهِي اسْم الله والرب والرحمن فاسم الله متضمّن لصفات الألوهيّة وَاسم الرب متضمّن الربوبية وَاسم الرَّحْمَن مُتَضَمّن لصفات الْإِحْسَان والجود وَالْبر ومعاني أَسْمَائِهِ تَدور لى هَذَا وَقَوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} يتضمّن معرفَة الطَّرِيق الموصلة إِلَيْهِ وَأَنَّهَا لَيست إِلَّا عِبَادَته وَحده بِمَا يحبّه ويرضاه واستعانته على عِبَادَته وَقَوله {اهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم} يتضمّن بَيَان أَن العَبْد لَا سَبِيل لَهُ إِلَى سعادته إِلَّا باستقامته على الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وَأَنه لَا سَبِيل لَهُ إِلَى الاسْتقَامَة إِلَّا بهداية ربه لَهُ كَمَا لَا سَبِيل لَهُ إِلَى عِبَادَته بمعونته فَلَا سَبِيل لَهُ إِلَى الاسْتقَامَة على الصِّرَاط إِلَّا بهدايته وَقَوله {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} يتضمّن بَيَان طرفِي الانحراف عَن الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وَأَن الانحراف إِلَى أحد الطَّرفَيْنِ انحراف إِلَى الضلال الَّذِي هُوَ فَسَاد الْعلم والاعتقاد والانحراف إِلَى الطّرف الآخر انحراف إِلَى الْغَضَب الَّذِي سَببه فَسَاد الْقَصْد وَالْعَمَل