الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بهَا إِلَيْهِ وَلَا اسْتِحْقَاق مِنْهُ لَهَا وَأَنَّهَا لله فِي الْحَقِيقَة لَا للْعَبد فَلَا تزيده النعم إِلَّا انكسارا وذلا وتواضعا ومحبة للمنعم وَكلما جدد لَهُ نعْمَة أحدث لَهَا عبودية ومحبة وخضوعا وذلا وَكلما أحدث لَهُ قبضا أحدث لَهُ رضى وَكلما أحدث ذَنبا أحدث لَهُ تَوْبَة وانكسارا واعتذارا فَهَذَا هُوَ العَبْد الكيّس وَالْعَاجِز بمعزل عَن ذَلِك وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
فصل من ترك الِاخْتِيَار وَالتَّدْبِير فِي رَجَاء زِيَادَة أَو خوف نُقْصَان أَو طلب
صِحَة أَو فرار من سقم وَعلم أَن الله على كل شَيْء قدير وَأَنه المتفرد بِالِاخْتِيَارِ وَالتَّدْبِير وَأَن تَدْبيره لعَبْدِهِ خير من تَدْبِير العَبْد لنَفسِهِ وَأَنه أعلم بمصلحته من العَبْد وأقدر على جلبها وتحصيلها مِنْهُ وأنصح للْعَبد مِنْهُ لنَفسِهِ وأرحم مِنْهُ بِنَفسِهِ وَأبر بِهِ مِنْهُ بِنَفسِهِ وَعلم مَعَ ذَلِك أَنه لَا يَسْتَطِيع أَن يتَقَدَّم بَين يَدي تَدْبيره خطْوَة وَاحِدَة وَلَا يتَأَخَّر عَن تَدْبيره لَهُ خطْوَة وَاحِدَة فَلَا مُتَقَدم لَهُ بَين يَدي قَضَائِهِ وَقدره وَلَا يتَأَخَّر فَألْقى نَفسه بَين يَدَيْهِ وَسلم الْأَمر كُله إِلَيْهِ وانطرح بَين يَدَيْهِ انطراح عبد مَمْلُوك ضعف بَين يَدي ملك عَزِيز قاهر لَهُ التَّصَرُّف فِي عَبده بِكُل مَا يَشَاء وَلَيْسَ للْعَبد التَّصَرُّف فِيهِ بِوَجْه من الْوُجُوه فاستراح حِينَئِذٍ من الهموم والغموم والأنكاد والحسرات وَحمل كُله حَوَائِجه ومصالحه من لَا يُبَالِي بحملها وَلَا يثقله وَلَا يكترث بهَا فتولاها دونه وَأرَاهُ لطفه وبره وَرَحمته وإحسانه فِيهَا من غير تَعب من العَبْد وَلَا نصب وَلَا اهتمام مِنْهُ لِأَنَّهُ قد صرف اهتمامه كُله إِلَيْهِ وَجعله وَحده همه فصرف عَنهُ اهتمامه بحوائجه ومصالح دُنْيَاهُ وَفرغ قلبه مِنْهَا فَمَا أطيب عيشه وَمَا أنعم قلبه وَأعظم سروره وفرحه وَإِن أَبى إِلَّا تَدْبيره لنَفسِهِ واختياره لَهَا واهتمامه بحظه دون حق ربه خلاه وَمَا اخْتَارَهُ وولاه مَا تولى فحضره الْهم وَالْغَم والحزن والنكد الْخَوْف والتعب وكسف البال وَسُوء الْحَال فَلَا قلب
يصفو وَلَا عمل يزكو وَلَا أمل يحصل وَلَا رَاحَة يفوز بهَا وَلَا لَذَّة بَينهَا بهَا بل بل قد حيل بَينه وَبَين مسرته وفرحه وقرة عينه فَهُوَ يكدح فِي الدُّنْيَا كدح الْوَحْش وَلَا يظفر مِنْهُ بأمل وَلَا يتزود مِنْهَا لِمَعَاد وَالله سُبْحَانَهُ أَمر العَبْد بِأَمْر وَضمن لَهُ ضمانا فَإِن قَامَ بأَمْره بالنصح والصدق وَالْإِخْلَاص وَالِاجْتِهَاد قَامَ الله سُبْحَانَهُ لَهُ بِمَا ضمنه لَهُ من الرزق والكفاية والنصر وَقَضَاء الْحَوَائِج فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ ضمن الرزق لمن عَبده والنصر لمن توكل عَلَيْهِ واستنصر بِهِ والكفاية لمن كَانَ هُوَ همه وَمرَاده وَالْمَغْفِرَة لمن استغفره وَقَضَاء الْحَوَائِج لمن صَدَقَه فِي طلبَهَا ووثق بِهِ وَقَوي رجاؤه وطمعه فِي فَضله وجوده فالفطن الكيّس إِنَّمَا يهتم بأَمْره وإقامته وتوفيته لَا بضمانه فَإِنَّهُ الوفي الصَّادِق وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ الله فَمن عَلَامَات السَّعَادَة صرف اهتمامه إِلَى أَمر الله دون ضَمَانه وَمن عَلَامَات الحرمان فرَاغ قلبه من الاهتمام بأَمْره وحبه وخشيته والاهتمام بضمانه وَالله الْمُسْتَعَان
قَالَ بشر بن الْحَارِث أهل الْآخِرَة ثَلَاثَة عَابِد وزاهد وصِدِّيق فالعابد يعبد الله مَعَ العلائق والزاهد يعبده على ترك العلائق وَالصديق يعبده على الرِّضَا والموافقة إِن أرَاهُ أَخذ الدُّنْيَا أَخذهَا وَإِن أرَاهُ تَركهَا تَركهَا إِذا كَانَ الله وَرَسُوله فِي جَانب فاحذر أَن تكون فِي الْجَانِب الآخر فَإِن ذَلِك يُفْضِي إِلَى المشاقة والمحادّة وَهَذَا أَصْلهَا وَمِنْه اشتقاقها فَإِن المشاقة أَن يكون فِي شقّ وَمن يُخَالِفهُ فِي شقّ والمحادة ان يكون حد وَهُوَ فِي حد وَلَا تستسهل هَذَا فَإِن مبادئه تجر إِلَى غَايَته وقليله يَدْعُو إِلَى كَثِيره وَكن فِي الْجَانِب الَّذِي يكون فِيهِ الله وَرَسُوله وان كَانَ النَّاس كلهم فِي الْجَانِب الآخر فَإِن لذَلِك عواقب هِيَ أَحْمد العواقب وأفضلها وَلَيْسَ للْعَبد أَنْفَع من ذَلِك فِي دُنْيَاهُ قبل آخرته وَأكْثر الْخلق إِنَّمَا يكونُونَ من الْجَانِب الآخر ولاسيما إِذا قويت الرَّغْبَة والرهبة فهناك لَا تكَاد تَجِد أحدا فِي الْجَانِب الَّذِي فِيهِ الله وَرَسُوله بل يعدّه النَّاس نَاقص الْعقل سيء الِاخْتِيَار لنَفسِهِ وَرُبمَا نسبوه إِلَى الْجُنُون وَذَلِكَ من مَوَارِيث أَعدَاء الرُّسُل فَإِنَّهُم نسبوهم غلى الْجُنُون لما كَانُوا فِي شقّ
وجانب وَالنَّاس فِي شقّ وجانب آخر وَلَكِن من وطّن نَفسه على ذَلِك فَإِنَّهُ يحْتَاج إِلَى علم راسخ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول يكون يَقِينا لَهُ لَا ريب عِنْده فِيهِ وَإِلَى صَبر تَامّ على معاداة من عَادَاهُ ولومة من لامه وَلَا يتم لَهُ ذَلِك إِلَّا برغبة قَوِيَّة فِي الله وَالدَّار وَالْآخِرَة بِحَيْثُ تكون الْآخِرَة أحب إِلَيْهِ من الدُّنْيَا وآثر عِنْده مِنْهَا وَيكون الله وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا وَلَيْسَ شَيْء أصعب على الْإِنْسَان من ذَلِك فِي مبادىء الْأَمر فَإِن نَفسه وهواه وطبعه وشيطانه وإخوانه ومعاشيره من ذَلِك الْجَانِب يدعنه إِلَى العاجل فَإِذا خالفوهم تصدوا الحربة فَإِن صَبر وَثَبت جَاءَهُ العون من الله وَصَارَ ذَلِك الصعب سهلا وَذَلِكَ الْأَلَم لَذَّة فَإِن الرب شكور فَلَا بُد أَن يذيقه لَذَّة تحيزه إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله ويريه كَرَامَة ذَلِك فيشتد بِهِ سروره وغبطته ويبتهج بِهِ قلبه ويظفر بقوته وفرحه وسروره وَيبقى من كَانَ مُحَاربًا لَهُ على ذَلِك بَين هائب لَهُ مسالم لَهُ ومساعد وتارك ويقوى جنده ويضعف جند الْعَدو وَلَا تستصعب مُخَالفَة النَّاس والتحيز إِلَى الله وَرَسُوله وَلَو كنت وَحدك فَإِن الله مَعَك وَأَنت بِعَيْنِه وكلاءته وَحفظه لَك وَإِنَّمَا امتحن يقينك وصبرك اعظم الأعوان لَك على بعد عون الله هَذَا بعون اله التجرد من الطمع والفزع فَمَتَى تجردت مِنْهُمَا هان عَلَيْك التحيز إِلَى الله وَرَسُوله وَكنت دَائِما فِي الْجَانِب الَّذِي فِيهِ الله وَرَسُوله وَمَتى قَامَ بك الطمع فَلَا تطمع فِي هَذَا الْأَمر وَلَا تحدث نَفسك بِهِ فَإِن قلت فَبِأَي شَيْء أستعين على التجرد من الطمع وَمن الْفَزع قلت بِالتَّوْحِيدِ والتوكل والثقة بِاللَّه وعلمك بِأَنَّهُ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ الاهو وَلَا يذهب بالسيآت إِلَّا هُوَ وَأَن الْأَمر كُله لله لَيْسَ لأحد مَعَ الله شَيْء نصيحة
هَلُمَّ إِلَى الدُّخُول على الله ومجاورته فِي دَار السَّلَام بِلَا نصيب وَلَا تَعب وَلَا عناء بل من أقرب الطّرق وأسهلها وَذَلِكَ أَنَّك فِي وَقت بَين وَقْتَيْنِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة