الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالغضب مثل السَّبع إِذا أفلته صَاحبه بَدَأَ بِأَكْلِهِ والشهوة مثل النَّار إِذا أضرمها صَاحبهَا بدأت بإحراقه وَالْكبر بِمَنْزِلَة مُنَازعَة الْملك ملكه فَإِن لم يهلكك طردك عَنهُ والحسد بِمَنْزِلَة معاداة من هُوَ أقدر مِنْك وَالَّذِي يغلب شَهْوَته وغضبه يفرق الشَّيْطَان من ظله وَمن تغلبه شَهْوَته وغضبه يفرق من خياله
فصل عَظِيم النَّفْع
الْجُهَّال بِاللَّه وأسمائه وَصِفَاته المعطلون لحقائقها يبغضون الله إِلَى خلقه ويقطعون عَلَيْهِم طَرِيق محبته والتودد إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ من حَيْثُ لَا يعلمُونَ وَنحن نذْكر من ذَلِك أَمْثِلَة تحتذي عَلَيْهَا فَمِنْهَا أَنهم يقررون فِي نفوس الضُّعَفَاء أَن الله سُبْحَانَهُ لَا تَنْفَع مَعَه طَاعَة وَإِن طَال زمانها وَبَالغ العَبْد وأتى بهَا ظَاهره وباطنه وَأَن العَبْد لَيْسَ على ثِقَة وَلَا أَمن من مكره بل شَأْنه سُبْحَانَهُ أَن يَأْخُذ الْمُطِيع المتقي من الْمِحْرَاب إِلَى الماخور وَمن التَّوْحِيد والمسبحة إِلَى الشّرك والمزمار ويقلب قلبه من الْإِيمَان الْخَالِص إِلَى الْكفْر ويروون فِي ذَلِك آثَار صَحِيحَة لم يفهموها وباطلة لم يقلها الْمَعْصُوم ويزعمون أَن هَذَا حَقِيقَة التَّوْحِيد ويتلون على ذَلِك قَوْله تَعَالَى لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَقَوله أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ وَقَوله وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلبه ويقيمون إِبْلِيس حجَّة لَهُم على هَذِه الْمعرفَة وَأَنه كَانَ طَاوُوس الْمَلَائِكَة وَأَنه لم يتْرك فِي السَّمَاء رقْعَة وَلَا فِي الأَرْض بقْعَة إِلَّا وَله فِيهَا سَجْدَة أَو رَكْعَة لَكِن جنى عَلَيْهِ جاني الْقدر وسطا عَلَيْهِ الحكم فَقلب عينه الطّيبَة وَجعلهَا أَخبث شَيْء حَتَّى قَالَ بعض عارفيهم أَنَّك يَنْبَغِي أَن تخَاف الله كَمَا تخَاف الْأسد الَّذِي يثب عَلَيْك بِغَيْر جرم مِنْك وَلَا ذَنْب أَتَيْته إِلَيْهِ ويحتجون بقول النَّبِي إِن أحدكُم ليعْمَل بِعَمَل أهل الْجنَّة حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا إِلَّا ذِرَاع فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب فَيعْمل بِعَمَل أهل النَّار فيدخلها ويروون عَن بعض السّلف أكبر الْكَبَائِر لَا الله من مكر الله والقنوط من رَحْمَة
وَذكر الإِمَام أَحْمد عَن عون بن عبد الله أَو غَيره أَنه سمع رجلا يَدْعُو الْهم لَا تؤمني مكرك فَأنْكر ذَلِك وَقَالَ قل اللَّهُمَّ لَا تجعلني مِمَّن يَأْمَن مكرك وبنوا ذَلِك على أصلهم الْبَاطِل وَهُوَ إِنْكَار الْحِكْمَة وَالتَّعْلِيل والأسباب وَأَن الله لَا يفعل لحكمة وَلَا سَبَب وَإِنَّمَا يفعل بِمَشِيئَة مُجَرّدَة من الحكم وَالتَّعْلِيل وَالسَّبَب فَلَا يفعل لشَيْء وَلَا بِشَيْء وَأَنه لَا يجوز عَلَيْهِ أَن يعذب أهل طَاعَته أَشد الْعَذَاب وينعّم أعداءه وَأهل مَعْصِيَته بجزيل الثَّوَاب وَأَن الْأَمريْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ سَوَاء وَلَا يعلم امْتنَاع ذَلِك إِلَّا بِخَبَر من الصَّادِق أَنه لَا يَفْعَله فَحِينَئِذٍ يعلم امْتِنَاعه لوُقُوع الْخَبَر بِأَنَّهُ لَا يكون لَا لِأَنَّهُ فِي نَفسه بَاطِل وظلم فَإِن الظُّلم فِي نَفسه مُسْتَحِيل فَإِنَّهُ غير مُمكن بل هُوَ بِمَنْزِلَة جعل الْجِسْم الْوَاحِد فِي مكانين فِي آن وَاحِد وَالْجمع بَين اللَّيْل وَالنَّهَار فِي سَاعَة وَاحِدَة وَجعل الشَّيْء مَوْجُودا ومعدوما مَعًا فِي آن وَاحِد فَهَذَا حَقِيقَة الظُّلم عِنْدهم فَإِذا رَجَعَ الْعَامِل إِلَى نَفسه قَالَ من لَا يسْتَقرّ لَهُ أَمر وَلَا يُؤمن لَهُ مكر كَيفَ يوثق بالتقرّب إِلَيْهِ وَكَيف يعول على طاعنه واتّباع أوامره وَلَيْسَ لنا سوى هَذِه الْمدَّة الْيَسِيرَة فَإِذا هجرنا فِيهَا اللَّذَّات وَتَركنَا الشَّهَوَات وتكلفتا أثقال الْعِبَادَات وَكُنَّا مَعَ ذَلِك على غير ثِقَة مِنْهُ أَن يقلب علينا الْإِيمَان كفرا والتوحيد شركا وَالطَّاعَة مَعْصِيّة وَالْبر فجورا ويديم علينا الْعُقُوبَات كُنَّا خاسرين فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَإِذا استحكم هَذَا الِاعْتِقَاد فِي قُلُوبهم وتخمّر فِي نُفُوسهم صَارُوا إِذا أمروا بالطاعات وهجر اللَّذَّات بِمَنْزِلَة إِنْسَان جعل يَقُول لوَلَده معلمك إِن كتبت وأحسنت وتأدبت وَلم تعصه رُبمَا أَقَامَ لَك حجَّة وعاقبك وَإِن كسلت وَبَطلَت وتعطلت وَتركت مَا أَمرك بِهِ رُبمَا قربك وأكرمك فيودع بِهَذَا القَوْل قلب الصَّبِي مَا لَا يَثِق بعده إِلَى وَعِيد الْمعلم على الْإِسَاءَة وَلَا وعده على الْإِحْسَان وَإِن كبر الصَّبِي وَصلح للمعاملات والمناصب قَالَ لَهُ هَذَا سُلْطَان بلدنا يَأْخُذ اللص من الْحَبْس فَيَجْعَلهُ وزيرا أَمِيرا وَيَأْخُذ الكيّس المحسن لشغله فيخلّده الْحَبْس ويقتله ويصلبه فَإِذا قَالَ لَهُ ذَلِك أَو حشه سُلْطَانه وَجعله على غير ثِقَة من وعده ووعيده وأزال محبته من قلبه وَجعله يخافه مَخَافَة الظَّالِم الَّذِي يَأْخُذ المحسن بالعقوبة
والبريء بِالْعَذَابِ فأفلس هَذَا الْمِسْكِين من اعْتِقَاد كَون الْأَعْمَال نافعة أَو ضارة فَلَا بِفعل الْخَيْر يسْتَأْنس وَلَا بِفعل الشَّرّ يستوحش وَهل فِي التنفير عَن الله وتبغيضه إِلَى عباده أَكثر من هَذَا وَلَو اجْتهد الْمَلَاحِدَة على تبغيض الدّين والتنفير عَن الله لما أَتَوا بِأَكْثَرَ من هَذَا وَصَاحب هَذِه الطَّرِيقَة يظنّ أَنه يُقرر التَّوْحِيد وَالْقدر وَيرد على أهل الْبدع وينصر الدّين ولعمر الله الْعَدو الْعَاقِل أقل ضَرَرا من الصّديق الْجَاهِل وَكتب الله الْمنزلَة كلهَا وَرُسُله كلهم شَهَادَة بضد ذَلِك وَلَا سِيمَا الْقُرْآن فَلَو سلك الدعاة المسلك الَّذِي دَعَا الله وَرَسُوله بِهِ النَّاس إِلَيْهِ لصلح الْعَالم صلاحا لَا فَسَاد مَعَه فَالله سُبْحَانَهُ أخبر وَهُوَ الصَّادِق الوفي أَنه إِنَّمَا يُعَامل النَّاس بكسبهم ويجازيهم بأعمالهم وَلَا يخَاف المحسن ليده ظلما وَلَا هضما وَلَا يخَاف بخسا وَلَا رهقا وَلَا يضيع عمل محسن أبدا وَلَا يضيع على العَبْد مِثْقَال ذرة لَا يظلمها وَإِن تَكُ حَسَنَة يُضَاعِفهَا وَيُؤْت من لَدنه أجرا عَظِيما وَإِن كَانَ مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل جازاه بهَا وَلَا يضيعها عَلَيْهِ وَأَنه يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ مثلهَا ويحبطها بِالتَّوْبَةِ والندم وَالِاسْتِغْفَار والحسنات والمصائب وَيجْزِي بِالْحَسَنَة عشر أَمْثَالهَا ويضاعفها إِلَى سَبْعمِائة ضعف إِلَى أَضْعَاف كَثِيرَة وَهُوَ الَّذِي أصلح الفاسدين وَأَقْبل بقلوب المعرضين وَتَابَ على المذنبين وَهدى الضَّالّين وأنقذ الهالكين وَعلم الْجَاهِلين وبصر المتحيزين وَذكر الغافلين وآوى الشاردين وَإِذا أوقع عقَابا أوقعه بعد شدَّة التمرد والعتو عَلَيْهِ ودعوة العَبْد إِلَى الرُّجُوع إِلَى إِلَيْهِ وَالْإِقْرَار بربوبيته وَحقه مرّة بعد مرّة حَتَّى إِذا يأس من استجابته وَالْإِقْرَار بربوبيته ووحدانيته أَخذه بِبَعْض كفره وعتوّه وتمرّده بِحَيْثُ يعْذر العَبْد من نَفسه ويعترف بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لم يَظْلمه وَأَنه هُوَ الظَّالِم لنَفسِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى عَن أهل النَّار فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ وَقَالَ عَمَّن أهلكهم فِي الدُّنْيَا أَنهم لما رَأَوْا آيَاته وأحسوا حصيدا بعذابه قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ وَقَالَ أَصْحَاب الْجنَّة الَّتِي أفسدها عَلَيْهِم لما رأوها
{قَالُوا} سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ قَالَ الْحسن لقد دخلُوا النَّار وإنّ حَمده لفي قُلُوبهم مَا وجدوا عَلَيْهِ حجَّة وَلَا سَبِيلا وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى نقطع دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَهَذِهِ الْجُمْلَة فِي مَوضِع الْحَال أَي قطع دابرهم حَال كَونه سُبْحَانَهُ مَحْمُودًا على ذَلِك فَقطع دابرهم قطعا مصاحبا لحمده فَهُوَ قطع وإهلاك يحمد عَلَيْهِ الرب تَعَالَى لَكمَا حكمته وعدله وَوَضعه الْعقُوبَة فِي موضعهَا الَّذِي لَا يَلِيق بِهِ غَيرهَا فوضعها فِي الْموضع الَّذِي يَقُول من علم الْحَال لَا تلِيق الْعقُوبَة إِلَّا بِهَذَا الْمحل وَلَا يَلِيق بِهِ إِلَّا الْعقُوبَة وَلِهَذَا قَالَ عقيب إخْبَاره عَن الحكم بَين عباده ومصير أهل السَّعَادَة إِلَى الْجنَّة وَأهل الشَّقَاء إِلَى النَّار وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمد لله رب الْعَالَمِينَ فَحذف فَاعل القَوْل إشعارا بِالْعُمُومِ وَأَن الْكَوْن كُله قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لما شاهدوا من حِكْمَة الْحق وعدله وفضله وَلِهَذَا قَالَ فِي حق أهل النَّار قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّم كَأَن الْكَوْن كُله يَقُول ذَلِك حَتَّى تَقوله أعضاؤهم وأرواحهم وأرضهم وسماؤهم وَهُوَ سُبْحَانَهُ بِخَبَر أَنه إِذا هلك أعداءه أنجى أولياءه وَلَا يعمهم بِالْهَلَاكِ بمحض الْمَشِيئَة وَلما سَأَلَهُ نوح نجاة ابْنه أخبر أَنه يغرقه بِسوء عمله وكفره وَلم يقل إِنِّي أغرقه بمحض مشيئتي وإرادتي بِلَا سَبَب وَلَا ذَنْب وَقد ضمن سُبْحَانَهُ زِيَادَة الْهِدَايَة للمجاهدين فِي سبله وَلم يخبر أَنه يضلهم وَيبْطل سَعْيهمْ وَكَذَلِكَ ضمن زِيَادَة الْهِدَايَة لِلْمُتقين الَّذين يتبعُون رضوانه وَأخْبر أَنه لَا يضل إِلَّا الْفَاسِقين الَّذين ينقضون عَهده من بعد ميثاقه وَأَنه إِنَّمَا يضل من آثر الضلال وَاخْتَارَهُ على الْهدى فيطبع حِينَئِذٍ على سَمعه وَقَلبه وَأَنه يقلب قلب من لم يرض بهداه إِذا جَاءَهُ وَلم يُؤمن بِهِ وَدفعه وردّه فيقلب فُؤَاده وبصره عُقُوبَة لَهُ على رده وَدفعه لما تحَققه وعرفه وَأَنه سُبْحَانَهُ لَو علم فِي تِلْكَ الْمحَال الَّتِي حكم عَلَيْهَا بالضلال والشقاء خيرا لأفهمها وهداها وَلكنهَا لَا تصلح لنعمته وَلَا تلِيق بهَا كرامته وَقد أزاح سُبْحَانَهُ الْعِلَل وَأقَام الْحجَج ومكّن من أَسبَاب الْهِدَايَة وَأَنه لَا يضل إِلَّا الْفَاسِقين والظالمين وَلَا يطبع
إِلَّا على قُلُوب الْمُعْتَدِينَ وَلَا يركس فِي الْفِتْنَة إِلَّا الْمُنَافِقين بكسبهم وَأَن الرين الَّذِي غطى بِهِ قُلُوب الْكفَّار وَهُوَ عين كسبهم وأعمالهم كَمَا قَالَ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ وَقَالَ عَن أعدائه من الْيَهُود وَقَالُوا قُلُوبنَا غلف بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ وَأخْبر أَنه لَا يضل من هداه حَتَّى يبن لَهُ مَا يَتَّقِي فيختار لشقوته وَسُوء طَبِيعَته الضلال على الْهدى والغي على الرشاد وَيكون مَعَ نَفسه وشيطانه وعدو ربه عَلَيْهِ
وَأما الْمَكْر الَّذِي وصف بِهِ نَفسه فَهُوَ مجازاته للماكرين بأوليائه وَرُسُله فيقابل مَكْرهمْ السيء بمكره الْحسن فَيكون الْمَكْر مِنْهُم أقبح شَيْء وَمِنْه أحسن شيءلأنه عدل ومجازاة وَكَذَلِكَ المخادعة مِنْهُ جَزَاء على مخادعة رسله أوليائه فَلَا أحسن من تِلْكَ المخادعة وَالْمَكْر وَأما كَون الرجل يعْمل بِعَمَل أهل الْجنَّة حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا إِلَّا ذِرَاع فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب فَإِن هَذَا عمل أهل الْجنَّة فِيمَا يظْهر للنَّاس وَلَو كَانَ عملا صَالحا مَقْبُولًا للجنة قد أحبه الله ورضيه لم يُبطلهُ عَلَيْهِ وَقَوله لم يبْق بَينه وَبَينهَا إِلَّا ذِرَاع يشكل على هَذَا التَّأْوِيل فَيُقَال لما كَانَ الْعَمَل بِآخِرهِ وخاتمته لم يصبر هَذَا الْعَامِل على عمله حَتَّى يتم لَهُ بل كَانَ فِيهِ آفَة كامنة ونكتة خذل بهَا فِي آخر عمره فخانته تِلْكَ الآفة والداهية والباطنة فِي وَقت الْحَاجة فَرجع إِلَى مُوجبهَا وعملت عَملهَا وَلَو لم يكن هُنَاكَ غش وَآفَة لم يقلب الله إيمَانه لقد أوردهُ مَعَ صدقه فِيهِ وإخلاصه بِغَيْر سَبَب مِنْهُ يَقْتَضِي إفساده عَلَيْهِ وَالله يعلم من سَائِر الْعباد مَا لَا يُعلمهُ بَعضهم من بعض
وَأما شَأْن إِبْلِيس فَإِن الله سُبْحَانَهُ قَالَ للْمَلَائكَة إِنِّي أَعْلَمُ مَالا تعلمُونَ فالرب تَعَالَى كَانَ يعلم مَا فِي قلب إِبْلِيس من الْكفْر وَالْكبر والحسد مَالا يُعلمهُ الْمَلَائِكَة فَلَمَّا أمروا بِالسُّجُود ظهر مَا فِي قُلُوبهم من الطَّاعَة والمحبة والخشية والانقياد فبادروا إِلَى الِامْتِثَال وَظهر مَا فِي قلب عدوه من الْكبر والغش والحسد فَأبى واستكبر وَكَانَ من الْكَافرين