الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَذَا الصدْق معنى يلتئم من صحّة الْإِخْلَاص وَصدق التوكّل فَأَصدق النَّاس من صحّ إخلاصه وتوكّله
فَائِدَة جليلة فِي الْقدر
رب ذُو إِرَادَة أَمر عبدا ذَا إِرَادَة فان وفّقه وَأَرَادَ من نَفسه أَن يُعينهُ ويلهمه فعل مَا أَمر بِهِ وَإِن خذله وخلاّه وإرادته وَنَفسه وَهُوَ من هَذِه الحثيثة لَا يخْتَار إِلَّا مَا تهواه نَفسه وطبعه فَهُوَ من حَيْثُ هُوَ إِنْسَان لَا يُرِيد إِلَّا ذَلِك وَلذَلِك ذمّه الله فِي كِتَابه من هَذِه الحثيثة وَلم يمدحه إِلَّا بِأَمْر زَائِد على تِلْكَ الحثيثة وَهُوَ كَونه مُسلما ومؤمنا وصابرا ومحسنا وشكورا وتقيا وَبرا وَنَحْو ذَلِك وَهَذَا أَمر زَائِد على مجرّد كَونه إنْسَانا وإرادته صَالِحَة وَلَكِن لَا يَكْفِي مجرّد صلاحيتها إِن لم تؤيد بِقدر زَائِد على ذَلِك وَهُوَ التَّوْفِيق كَمَا أَنه لَا يَكْفِي فِي الرُّؤْيَة مجرّد صَلَاحِية الْعين للإدراك إِن لم يحصل سَبَب آخر من النُّور الْمُنْفَصِل عَنْهَا
فصل من أعظم الظُّلم وَالْجهل أَن تطلب التَّعْظِيم والتوقير من النَّاس وقلبك
خَال من تَعْظِيم الله وتوقيره فانك توقّر الْمَخْلُوق وتجلّه أَن يراك فِي حَال لَا توقّر الله أَن يراك عَلَيْهَا قَالَ تَعَالَى مَا لكم لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً أَي لَا تعاملونه مُعَاملَة من توقّرونه والتوقير وَالْعَظَمَة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى وَتُوَقِّرُوه قَالَ الْحسن مَا لكم لَا تعرفُون لله حَقًا وَلَا تشكرونه وَقَالَ مُجَاهِد لَا تبالون عَظمَة ربكُم وَقَالَ ابْن زيد لَا ترَوْنَ لله طَاعَة وَقَالَ ابْن عَبَّاس لَا تعرفُون حق عَظمته وَهَذِه الْأَقْوَال ترجع إِلَى معنى وَاحِد وَهُوَ أَنهم لَو عظّموا الله وَعرفُوا حق عَظمته وحّدوه وأطاعوه وشكروه فطاعته سُبْحَانَهُ اجْتِنَاب مَعَاصيه وَالْحيَاء مِنْهُ بِحَسب وقاره
فِي الْقلب وَلِهَذَا قَالَ بعض السّلف ليعظم وقار الله فِي قلب أحدكُم أَن يذكرهُ عِنْد مَا يستحي من ذكره فيقرن اسْمه بِهِ كَمَا تَقول قبّح الله الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَالنَّتن وَنَحْو ذَلِك فَهَذَا من وقار الله وَمن وقاره أَن لَا تعدل بِهِ شَيْئا من خلقه لَا فِي اللَّفْظ بِحَيْثُ تَقول وَالله وحياتك مَالِي إِلَّا الله وَأَنت وَمَا شَاءَ الله وشئت وَلَا فِي الْحبّ والتعظيم والإجلال وَلَا فِي الطَّاعَة فتطيع الْمَخْلُوق فِي أمره وَنَهْيه كَمَا تطيع الله بل أعظم كَمَا عَلَيْهِ أَكثر الظلمَة والفجرة وَلَا فِي الْخَوْف والرجاء ويجعله أَهْون الناظرين إِلَيْهِ وَلَا يستهين بِحقِّهِ وَيَقُول هُوَ مَبْنِيّ على الْمُسَامحَة وَلَا يَجعله على الفضلة ويقدّم حق الْمَخْلُوق عَلَيْهِ وَلَا يكون الله وَرَسُوله فِي حد وناحية وَالنَّاس فِي نَاحيَة وحد فَيكون فِي الْحَد والشق الَّذِي فِيهِ النَّاس دون الْحَد والشق الَّذِي فِيهِ الله وَرَسُوله وَلَا يُعْطي الخلوق فِي مخاطبته قلبه ولبه وَيُعْطِي الله فِي خدمته بدنه وَلسَانه دون قلبه وروحه وَلَا يَجْعَل مُرَاد نَفسه مقدما على مُرَاد ربه
فَهَذَا كُله من عدم وقار الله فِي الْقلب وَمن كَانَ كَذَلِك فَإِن الله لَا يلقِي لَهُ فِي قُلُوب النَّاس وقارا وَلَا هَيْبَة بل يسْقط وقاره وهيبته فِي قُلُوبهم وَإِن وقّروه مَخَافَة شرّه فَذَاك وقار بغض لَا وقار حب وتعظيم وَمن وقار الله أَن يستحي من اطِّلَاعه على سره وضميره فَيرى فِيهِ مَا يكره وَمن وقاره أَن يستحي مِنْهُ فِي الْخلْوَة أعظم مِمَّا يستحي من أكَابِر النَّاس
وَالْمَقْصُود أَن من لَا يوقّر الله وَكَلَامه وَمَا آتَاهُ من الْعلم وَالْحكمَة كَيفَ يطْلب من النَّاس توقيره وتعظيمه الْقُرْآن وَالْعلم وَكَلَام الرَّسُول صلات من الْحق وتنبيهات وروادع وزواجر وَارِدَة إِلَيْك والشيب زاجر ورادع وموقظ قَائِم بك فَلَا مَا ورد إِلَيْك وعظك وَلَا مَا قَامَ بك نصحك وَمَعَ هَذَا تطلب التوقير والتعظيم من غَيْرك فَأَنت كمصاب لم تؤثّر فِيهِ مُصِيبَة وعظا وانزجارا وَهُوَ يطْلب من غَيره أَن يتّعظ وينزجر بِالنّظرِ إِلَى مصابه فالضرب لم يُؤثر فِيهِ زجرا وَهُوَ يُرِيد الانزجار مِمَّن نظر إِلَى ضربه من سمع بالمثلات والعقوبات
والآيات فِي حق غَيره وَلَيْسَ الله كمن رَآهَا عيَانًا فِي غَيره فَكيف بِمن وجدهَا فِي نَفسه سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ فآياته فِي الْآفَاق مسموعة مَعْلُومَة وآياته فِي النَّفس مَشْهُودَة مرئيّة فعياذا بِاللَّه من الخذلان قَالَ تَعَالَى إِن الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كلمة رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ {وَقَالَ} وَلَو أننا أنزلنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ
والعاقل الْمُؤَيد بالتوفيق يعْتَبر بِدُونِ هَذَا وَيتم نقائص خلقته بفضائل أخلاقه وأعماله فَكلما امتحى من جثمانه أثر زَاد إيمَانه وَكلما نقص من قوى بدنه زَاد فِي قُوَّة إيمَانه ويقينه ورغبته فِي الله وَالدَّار الْآخِرَة وَإِن لم يكن هَكَذَا فالموت خير لَهُ لِأَنَّهُ يقف بِهِ على حد معِين من الْأَلَم وَالْفساد بِخِلَاف الْعُيُوب والنقائص مَعَ طول الْعُمر فَإِنَّهَا زِيَادَة فِي ألمه وهمّه وغمّه وحسرته وَإِنَّمَا حسن طول الْعُمر ونفع ليحصل التذكّر والاستدراك واغتنام الْغَرَض وَالتَّوْبَة النصوح كَمَا قَالَ تَعَالَى أولم نعمّركم مَا يتذكّر فِيهِ من تذكّر فَمن لم يورثه التَّعْمِير وَطول الْبَقَاء إصْلَاح معائبه وتدارك فارطه واغتنام بقيّة أنفاسه فَيعْمل على حَيَاة قلبه وَحُصُول النَّعيم الْمُقِيم وَإِلَّا فَلَا خير لَهُ فِي حَيَاته فَإِن العَبْد على جنَاح سفر إِمَّا إِلَى الْجنَّة وَإِمَّا إِلَى النَّار فَإِذا طَال عمره وَحسن عمله كَانَ طول سَفَره زِيَادَة لَهُ فِي حُصُول النَّعيم واللذة فَإِنَّهُ كلما طَال السّفر أَيهَا كَانَت الصبابة أجلّ وَأفضل وَإِذا طَال عمره وساء عمله كَانَ طول سَفَره زِيَادَة فِي ألمه وعذابه ونزولا لَهُ إِلَى أَسْفَل فالمسافر إِمَّا صاعد وَإِمَّا نَازل وَفِي الحَدِيث الْمَرْفُوع خَيركُمْ من طَال عمره وَحسن عمله وشرّكم من طَال عمره وقبيح عمله
فالطالب الصَّادِق فِي طلبه كَمَا خرب شَيْء من ذَاته جعله عمَارَة لِقَلْبِهِ وروحه وَكلما نقص شَيْء من دُنْيَاهُ جعله زِيَادَة فِي آخرته وَكلما منع شَيْئا من لذّات دُنْيَاهُ جعله زِيَادَة فِي لذّات آخرته وَكلما ناله هم أَو حزن أَو غم جعله فِي أفراح آخرته