الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا وضدها هُوَ الْبَاطِل والعبث الَّذِي يتعالى ويتقدس عَنهُ وَهُوَ ظن أعدائه بِهِ قَالَ تَعَالَى وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذين كفرُوا وَقَالَ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا لاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَقَالَ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَة لآتية وَقَالَ بعد ذكر آيَاته فِي أول سُورَة يُونُس {مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ} وَقَالَ {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} وَقَالَ {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} وَقَالَ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا ليعبدون} اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سبع سموات وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ على كل شَيْء قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْء علما وَقَالَ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْء عليم فَثَبت بِمَا ذكر أَن غَايَة الْخلق وَالْأَمر أَن يذكر وَأَن يشْكر يذكر فَلَا ينسى ويشكر فَلَا يكفر وَهُوَ سُبْحَانَهُ ذَاكر لمن ذكره شَاكر لمن شكره فَذكره سَبَب لذكره وشكره سَبَب لزيادته من فَضله فالذكر للقلب وَاللِّسَان وَالشُّكْر للقلب محبَّة وإنابة وللسان ثناد وَحمد وللجوارح طَاعَة وخدمة
فصل تكَرر فِي الْقُرْآن جعل الْأَعْمَال الْقَائِمَة بِالْقَلْبِ والجوارح سَبَب الْهِدَايَة
والإضلال فَيقوم بِالْقَلْبِ والجوارح أَعمال تَقْتَضِي الْهدى اقْتِضَاء السَّبَب لمسببه والمؤثر لأثره وَكَذَلِكَ الضلال فأعمال الْبر تثمر الْهدى وَكلما ازْدَادَ مِنْهَا ازْدَادَ هدى وأعمال الْفُجُور بالضد وَذَلِكَ أَن الله سُبْحَانَهُ يحب أَعمال الْبر فيجازي عَلَيْهَا بِالْهدى والفلاح وَيبغض أَعمال الْفُجُور ويجازي عَلَيْهَا بالضلال والشقاء وَأَيْضًا فَإِنَّهُ الْبر وَيُحب أهل الْبر فَيقرب قُلُوبهم مِنْهُ بِحَسب مَا قَامُوا بِهِ من الْبر
وَيبغض الْفُجُور وَأَهله فيبعد قُلُوبهم مِنْهُ بِحَسب مَا اتصفوا بِهِ من الْفُجُور فَمن الأَصْل الأول قَوْله تَعَالَى {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هدى لِلْمُتقين} وَهَذَا يتَضَمَّن أَمريْن أَحدهمَا أَنه يهدي بِهِ من اتَّقى مَا خطه قبل نزُول الْكتاب فَإِن النَّاس على اخْتِلَاف مللهم ونحلهم قد اسْتَقر عِنْدهم أَن الله سُبْحَانَهُ يكره الظُّلم وَالْفَوَاحِش وَالْفساد فِي الأَرْض ويمقت فَاعل ذَلِك وَيُحب الْعدْل وَالْإِحْسَان والجود والصدق والإصلاح فِي الأَرْض وَيُحب فَاعل ذَلِك فَلَمَّا نزل الْكتاب أثاب سُبْحَانَهُ أهل الْبر بِأَن وفقهم للْإيمَان بِهِ جَزَاء لَهُم على برهم وطاعتهم وخذل أهل الْفُجُور وَالْفُحْش وَالظُّلم بِأَن حَال بَينهم وَبَين الاهتداء بِهِ وَالْأَمر الثَّانِي أَن العَبْد إِذا آمن بِالْكتاب واهتدى بِهِ مُجملا وَقبل أوامره وَصدق بأخباره كَانَ ذَلِك سَببا لهداية أُخْرَى تحصل لَهُ على التَّفْصِيل فَإِن الْهِدَايَة لَا نِهَايَة لَهَا وَلَو بلغ العَبْد فِيهَا مَا بلغ ففوق هدايته هِدَايَة أُخْرَى وَفَوق تِلْكَ الْهِدَايَة هِدَايَة أُخْرَى إِلَى غير غَايَة فَكلما اتَّقى العَبْد ربه ارْتقى إِلَى هِدَايَة أُخْرَى فَهُوَ فِي مزِيد هِدَايَة مَا دَامَ فِي مزِيد من التَّقْوَى وَكلما فوّت خطا من التَّقْوَى فَاتَهُ حَظّ من الْهِدَايَة بِحَسبِهِ فَكلما اتَّقى زَاد هداه وَكلما اهْتَدَى زَادَت تقواه قَالَ تَعَالَى {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وَقَالَ تَعَالَى {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} وَقَالَ {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} وَقَالَ {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ} وَقَالَ {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} فهداهم أَولا للْإيمَان فَلَمَّا آمنُوا هدَاهُم للْإيمَان هِدَايَة بعد هِدَايَة وَنَظِير هَذَا قَوْله {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهتدوا هدى} وَقَوله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً} وَمن الْفرْقَان مَا يعطيهم من لنُور الَّذِي يفرقون بِهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل والنصر والعز الَّذِي يتمكنون بِهِ من إِقَامَة الْحق وَكسر الْبَاطِل فسر الْفرْقَان بِهَذَا وَبِهَذَا وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} وَقَالَ