الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل من عَلَامَات السَّعَادَة والفلاح أَن العَبْد كلما زيد فِي علمه زيد فِي
تواضعه وَرَحمته وَكلما زيد فِي خَوفه وحذره وَكلما زيد فِي عمره نقص من حرصه وَكلما زيد فِي مَاله زيد فِي سخائه وبذله وَكلما زيد فِي قدره وجاهه زيد فِي قربه من النَّاس وَقَضَاء حوائجهم والتواضع لَهُم
وعلامات الشقاوة أَنه كلما زيد فِي علمه زيد فِي كبره وتيهه وَكلما زيد فِي عمله زيد فِي فخره واحتقاره للنَّاس وَحسن ظَنّه بِنَفسِهِ وَكلما زيد فِي عمره زيد قي حرصه وَكلما زيد فِي مَاله زيد فِي بخله وإمساكه وَكلما زيد فِي قدره وجاهه زيد فِي كبره وتيهه وَهَذِه الْأُمُور ابتلاء من الله وامتحان يَبْتَلِي بهَا عباده فيسعد بهَا أَقوام ويشفى بهَا أَقوام وَكَذَلِكَ الكرامات امتحان وابتلاء كالملك وَالسُّلْطَان وَالْمَال قَالَ تَعَالَى عَن نبيه سُلَيْمَان لما رأى عرش بلقيس عِنْده هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أم أكفر فالنعم ابتلاء من الله وامتحان يظْهر بهَا شكر الشكُور وَكفر الكفور كَمَا أَن المحن بلوى مِنْهُ سُبْحَانَهُ فَهُوَ يَبْتَلِي بِالنعَم كَمَا يَبْتَلِي بالمصائب قَالَ تَعَالَى فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كلا أَي لَيْسَ كل من وسعت عَلَيْهِ وأكرمته وَنعمته يكون ذَلِك إِكْرَاما مني لَهُ وَلَا كل من ضيّقت عَلَيْهِ رزقه وابتليته يكون ذَلِك إهانة مني لَهُ
فصل من أَرَادَ علو بُنْيَانه فَعَلَيهِ بتوثيق أساسه وإحكامه وَشدَّة الاعتناء بِهِ
فَإِن علو الْبُنيان على قدر تَوْثِيق الأساس وإحكامه فالأعمال والدرجات بُنيان وأساسها الْإِيمَان وَمَتى كَانَ الأساس وثيقا حمل الْبُنيان واعتلى عَلَيْهِ وَإِذا تهدم شَيْء من
الْبُنيان سهل تَدَارُكه وَإِذا كَانَ الأساس غير وثيق لم يرْتَفع الْبُنيان وَلم يثبت وَإِذا تهدم شَيْء من الأساس سقط الْبُنيان أَو كَاد فالعارف همّته تَصْحِيح الأساس وإحكامه وَالْجَاهِل يرفع فِي الْبناء عَن غير أساس فَلَا يلبث بُنْيَانه أَن يسْقط قَالَ تَعَالَى أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمن أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فالأساس لبِنَاء الْأَعْمَال كالقوة لبدن الْإِنْسَان فَإِذا كَانَت الْقُوَّة قَوِيَّة حملت الْبدن وَدفعت عَنهُ كثيرا من الْآفَات وَإِذا كَانَت الْقُوَّة ضَعِيفَة ضعف حملهَا للبدن وَكَانَت الْآفَات إِلَيْهِ أسْرع شَيْء
فاحمل بنيانك على قُوَّة أساس الْإِيمَان فَإِذا تشعث شَيْء من أعالي الْبناء وسطحه كَانَ تَدَارُكه أسهل عَلَيْك من خراب الأساس وَهَذَا الأساس أَمْرَانِ صِحَة الْمعرفَة بِاللَّه وَأمره وأسمائه وَصِفَاته وَالثَّانِي تَجْرِيد الانقياد لَهُ وَلِرَسُولِهِ دون مَا سواهُ فَهَذَا أوثق أساس أسس العَبْد عَلَيْهِ بُنْيَانه وبحسبه يعتلي الْبناء مَا شَاءَ فاحكم الأساس واحفظ الْقُوَّة وَدم على الحمية واستفرغ إِذا زَاد بك الْخَلْط وَالْقَصْد الْقَصْد وَقد بلغت المُرَاد وَإِلَّا فَمَا دَامَت الْقُوَّة ضَعِيفَة والمادة الْفَاسِدَة مَوْجُودَة والاستفراغ مَعْدُوما
فاقر السَّلَام على الْحَيَاة فَإِنَّهَا
…
قد آذنتك بِسُرْعَة التوديع
فَإِذا كمل الْبناء فبيضه بِحسن الْخلق وَالْإِحْسَان إِلَى النَّاس ثمَّ حَظه بسور من الحذر لَا يقتحمه عَدو وَلَا تبدو مِنْهُ الْعَوْرَة ثمَّ ارخ الستور على أبوابه ثمَّ أقفل الْبَاب الْأَعْظَم بِالسُّكُوتِ عَمَّا تخشى عاقبته ثمَّ ركب لَهُ مفتاحا من ذكر الله بِهِ تفتحه وتغلقه فَإِن فتحت فتحت بالمفتاح وَإِن أغلقت الْبَاب أغلقته بِهِ فَتكون حِينَئِذٍ قد بنيت حصنا تحصنت فِيهِ من أعدائك إِذا طَاف بِهِ الْعَدو لم يجد مِنْهُ مدخلًا فييأس مِنْك ثمَّ تعاهد بِنَاء الْحصن كل وَقت فَإِن الْعَدو إِذا لم يطْمع فِي الدُّخُول من الْبَاب نقّب عَلَيْك النقوب من بعيد بمعاول الذُّنُوب فَإِن أهملت أمره وصل إِلَيْك النقب فَإِذا الْعَدو مَعَك فِي دَاخل الْحصن فيصعب عَلَيْك إِخْرَاجه وَتَكون مَعَه على