الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْك بترك الْمعاصِي والمحبة لَا تقنع مِنْك إِلَّا ببذل الرّوح لله مَا أحلى زمَان تسْعَى فِيهِ أَقْدَام الطَّاعَة على أَرض الاشتياق لما سلم القوب النُّفُوس إِلَى رائض الشَّرْع علمهَا الْوِفَاق فِي خلاف الطَّبْع فاستقامت مَعَ الطَّاعَة كَيفَ دارت دارت مَعهَا
وَإِنِّي إِذا اصطكت رِقَاب مطيهم
…
وثور حاد بالرفاق عجول
أُخَالِف بَين الراحتين على الحشا
…
وَأنْظر أَنِّي ملثم فأميل
فصل علمت كلبك فَهُوَ يتْرك شَهْوَته فِي تنَاول مَا صَاده احتراما لنعمتك وخوفا
من سطوتك وَكم علمك معلم الشَّرْع وَأَنت لَا تقبل حرم صيد الْجَاهِل والممسك لنَفسِهِ فَمَا ظن الْجَاهِل الَّذِي أَعماله لهوى نَفسه جمع فِيك عقل الْملك وشهوة الْبَهِيمَة وَهوى الشَّيْطَان وَأَنت للْغَالِب عَلَيْك من الثَّلَاثَة إِن غلبت شهوتك وهواك زِدْت على مرتبَة ملك وَإِن غلبك هَوَاك وشهوتك نقصت عَن مرتبَة كلب لما صَاد الْكَلْب لرَبه أُبِيح صَيْده وَلما أمسك على نَفسه حرم مَا صَاده مصدر مَا فِي العَبْد من الْخَيْر وَالشَّر وَالصِّفَات الممدوحة والمذمومة من صفة الْمُعْطِي الْمَانِع فَهُوَ سُبْحَانَهُ يصرّف عباده بَين مُقْتَضى هذَيْن الاسمين فحظ العَبْد الصَّادِق من عبوديته بهما الشُّكْر عِنْد الْعَطاء والافتقار عِنْد الْمَنْع فَهُوَ سُبْحَانَهُ يُعْطِيهِ ليشكره ويمنعه ليفتقر إِلَيْهِ فَلَا يزَال شكُورًا فَقِيرا
قَوْله تَعَالَى {وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظهيرا} هَذَا من ألطف خطاب الْقُرْآن وأشرف مَعَانِيه وَأَن الْمُؤمن دَائِما مَعَ الله على نَفسه وهواه وشيطانه وعدو ربه وَهَذَا معنى كَونه من حزب الله وجنده وأوليائه فَهُوَ مَعَ الله على عدوه الدَّاخِل فِيهِ وَالْخَارِج عَنهُ يحاربهم ويعاديهم ويغضبهم لَهُ سُبْحَانَهُ كَمَا يكون خَواص الْملك مَعَه على حَرْب أعدائه والبعيدون مِنْهُ فارغون من ذَلِك غير مهتمين بِهِ
وَالْكَافِر مَعَ شَيْطَانه وَنَفسه وهواه على ربه وعبارات السّلف على هَذِه تَدور ذكر بن أبي حَاتِم عَن عَطاء بن دِينَار عَن سعيد بن جُبَير قَالَ عونا للشَّيْطَان على ربه بالعداوة والشرك وَقَالَ لَيْث عَن مُجَاهِد قَالَ يظاهر الشَّيْطَان على مَعْصِيّة الله يُعينهُ عَلَيْهَا وَقَالَ زيد بن أسلم ظهيرا أَي مواليا وَالْمعْنَى أَنه يوالي عدوه على مَعْصِيَته والشرك بِهِ فَيكون مَعَ عدوه معينا لَهُ على مساخط ربه
فالمعية الْخَاصَّة لتي لِلْمُؤمنِ مَعَ ربه وإله قد صَارَت لهَذَا الْكَافِر والفاجر مَعَ الشَّيْطَان وَمَعَ نَفسه وهواه وقربانه وَلِهَذَا صدّر الْآيَة بقوله {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله مَا لَا يَنْفَعهُمْ وَلَا يضرهم} وَهَذِه الْعِبَادَة هِيَ الْمُوَالَاة والمحبة وَالرِّضَا بمعبوديهم المتضمنة لمعيتهم الْخَاصَّة فظاهروا أَعدَاء الله على معاداته ومخالفته ومساخطه بِخِلَاف وليه سُبْحَانَهُ فَإِنَّهُ مَعَه على نَفسه وشيطانه وهواه وَهَذَا الْمَعْنى من كنوز الْقُرْآن لمن فهمه وعقله وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صمًّا وعميانا} قَالَ مقَاتل إِذا وعظوا بِالْقُرْآنِ لم يقعوا عَلَيْهِ صمًّا لم يسمعوه وعميانا لم يبصروه وَلَكنهُمْ سمعُوا وأبصروا وأيقنوا بِهِ وَقَالَ ابْن عَبَّاس لم يَكُونُوا عَلَيْهَا صمًّا وعميانا بل كَانُوا خَائِفين خاشعين وَقَالَ الْكَلْبِيّ يخرّون عَلَيْهَا سمعا وبصَرا وَقَالَ الْفراء اذا تلِي عَلَيْهِم الْقُرْآن لم يقعدوا على حَالهم الأولى كَأَنَّهُمْ لم يسمعوه فَذَلِك الخرور وَسمعت الْعَرَب تَقول قعد يَشْتمنِي كَقَوْلِك قَامَ يَشْتمنِي وَأَقْبل يَشْتمنِي وَالْمعْنَى على مَا ذكر لم يصيروا عِنْدهَا صمًّا وعميانا وَقَالَ الزّجاج الْمَعْنى إِذا تليت عَلَيْهِم خروا سجدا وبكيا سَامِعين مبصرين كَمَا أمروا بِهِ وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة أَي لم يتغافلوا عَنْهَا كَأَنَّهُمْ صم لم يسمعوها وَعمي لم يروها قلت هَهُنَا أَمْرَانِ ذكر الخرور وتسليط النَّفْي عَلَيْهِ وَهل هُوَ خرور الْقلب أَو خرور الْبدن
للسُّجُود وَهل لِمَعْنى لم كن خرورهم عَن صمم وَعَمه فَلهم عَلَيْهَا خرورا بِالْقَلْبِ خضوعا أَو بِالْبدنِ سجودا أَو لَيْسَ هُنَاكَ خرور وَعبر بِهِ عَن الْقعُود
أصُول الْمعاصِي كلهَا كِبَارهَا وصغارها ثَلَاثَة تعلق الْقلب بِغَيْر الله وَطَاعَة الْقُوَّة الغضبية وَالْقُوَّة الشهوانية وَهِي الشّرك وَالظُّلم وَالْفَوَاحِش فغاية التَّعَلُّق بِغَيْر الله شرك وَأَن يدعى مَعَه إِلَه آخر وَغَايَة طَاعَة الْقُوَّة الغضبية الْقَتْل وَغَايَة الْقُوَّة الشهوانية الزِّنَا وَلِهَذَا جمع الله سُبْحَانَهُ بَين الثَّلَاثَة فِي قَوْله {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} وَهَذِه الثَّلَاثَة يَدْعُو بَعْضهَا إِلَى بعض فالشرك يَدْعُو إِلَى الظُّلم وَالْفَوَاحِش كَمَا أَن الْإِخْلَاص والتوحيد يصرفهما عَن صَاحبه قَالَ تَعَالَى
{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} فالسوء الْعِشْق والفحشاء الزِّنَا وَكَذَلِكَ الظُّلم يَدْعُو إِلَى الشّرك والفاحشة فَإِن الشّرك اظلم لظلم كَمَا أَن أعدل الْعدْل التَّوْحِيد فالعدل قرين التَّوْحِيد وَالظُّلم قرين الشّرك وَلِهَذَا يجمع سُبْحَانَهُ بَينهمَا أما الأول فَفِي قَوْله شهد اللهأنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ وَأما الثَّانِي فكقوله تَعَالَى {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} والفاحشة تَدْعُو إِلَى الشّرك وَالظُّلم وَلَا سِيمَا إِذا قويت إرادتها وَلم تحصل إِلَّا بِنَوْع من الظُّلم بالظلم والاستعانة بِالسحرِ والشيطان وَقد جمع سُبْحَانَهُ بَين الزِّنَا والشرك فِي قَوْله
{الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} فَهَذِهِ الثَّلَاثَة يجر بَعْضهَا إِلَى بعض وَيَأْمُر بَعْضهَا بِبَعْض وَلِهَذَا كلما كَانَ الْقلب أَضْعَف توحيدا وَأعظم شركا كَانَ أَكثر فَاحِشَة وَأعظم تعلقا بالصور وعشقا لَهَا وَنَظِير هَذَا قَوْله تَعَالَى وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ فَأخْبر أَن مَا عِنْده خير لمن آمن بِهِ وتوكل عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ التَّوْحِيد ثمَّ قَالَ {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ} فَهَذَا اجْتِنَاب دَاعِي الْقُوَّة الشهوانية ثمَّ قَالَ