الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثَلَاث خلال إِمَّا أَن يَغْلِبك على الْحصن ويستولي عَلَيْهِ وَإِمَّا أَن يساكنك فِيهِ وَإِمَّا أَن يشغلك بمقابلته عَن تَمام مصلحتك وتعود إِلَى سد النقب وَلم شعث الْحصن وَإِذا دخل نقبه إِلَيْك نالك مِنْهُ ثَلَاث آفَات إِفْسَاد الْحصن والإغارة على حواصله وذخائره وَدلَالَة السراق من بني جنسه على عَوْرَته فَلَا يزَال يبْلى مِنْهُ بغارة حَتَّى يضعفوا قواه ويوهنوا عزمه فيتخلى عَن الْحصن ويخلي بَينهم وَبَينه
وَهَذِه حَال أَكثر النُّفُوس مَعَ هَذَا الْعَدو وَلِهَذَا تراهم يسخطون رَبهم بِرِضا أنفسهم بل بِرِضا مَخْلُوق مثلهم لَا يملك لَهُم ضرا وَلَا نفعا ويضيعون كسب الدّين بكسب الْأَمْوَال وَيهْلِكُونَ أنفسهم بِمَا لَا يبْقى لَهُم ويحرصون على الدُّنْيَا وَقد أَدْبَرت عَنْهُم ويزهدون فِي الْآخِرَة وَقد هجمت عَلَيْهِم ويخالفون رَبهم باتّباع أهوائهم ويتكلون على الْحَيَاة وَلَا يذكرُونَ الْمَوْت ويذكرون شهواتهم وحظوظهم وينسون مَا عهد الله إِلَيْهِم ويهتمون بِمَا ضمنه الله وَلَا يهتمون بِمَا أَمرهم بِهِ ويفرحون بالدنيا ويحزنون على فَوَات حظهم مِنْهَا وَلَا يَحْزَنُونَ على فَوَات الْجنَّة وَمَا فِيهَا وَلَا يفرحون بِالْإِيمَان فَرَحهمْ بالدرهم وَالدِّينَار ويفسدون حَقهم وهداهم بضلالهم ومعروفهم بمنكرهم ويلبسوا إِيمَانهم بظنونهم ويخلطون حلالهم بحرامهم ويترددون فِي حيرة آرائهم وأفكارهم ويتركون هدى الله الَّذِي أهداه إِلَيْهِم وَمن الْعجب أَن هَذَا الْعَدو يسْتَعْمل صَاحب الْحصن فِي هدم حصنه بيدَيْهِ
فصل أَرْكَان الْكفْر أَرْبَعَة الْكبر والحسد وَالْغَضَب والشهوة فالكبر يمنعهُ
الانقياد والحسد يمنعهُ قبُول النَّصِيحَة وبذلها وَالْغَضَب يمنعهُ الْعدْل والشهوة تَمنعهُ التفرّغ لِلْعِبَادَةِ فَإِذا انْهَدم ركن الْكبر سهل عَلَيْهِ الانقياد وَإِذا انْهَدم ركن الْحَسَد سهل عَلَيْهِ قبُول النصح وبذله وَإِذا انْهَدم ركن الْغَضَب سهل عَلَيْهِ الْعدْل والتواضع وَإِذا انْهَدم ركن الشَّهْوَة سهل عَلَيْهِ الصَّبْر والعفاف وَالْعِبَادَة وَزَوَال الْجبَال عَن أماكنها
أيسر من زَوَال هَذِه الْأَرْبَعَة عَمَّن بلي بهَا وَلَا سِيمَا إِذا صَارَت هيئات راسخة وملكات وصفات ثَابِتَة فَإِنَّهُ لَا يَسْتَقِيم لَهُ مَعهَا عمل الْبَتَّةَ وَلَا تزكو نَفسه مَعَ قِيَامهَا بهَا وَكلما اجْتهد فِي الْعَمَل أفسدته عَلَيْهِ هَذِه الْأَرْبَعَة وكل الْآفَات مُتَوَلّدَة مِنْهَا وَإِذا استحكمت فِي الْقلب أرته الْبَاطِل فِي صُورَة الْحق وَالْحق فِي صُورَة الْبَاطِل وَالْمَعْرُوف فِي صُورَة الْمُنكر وَالْمُنكر فِي صُورَة الْمَعْرُوف وَقربت مِنْهُ الدُّنْيَا وبعدت مِنْهُ الْآخِرَة وَإِذا تَأَمَّلت كفر الْأُمَم رَأَيْته ناشئا مِنْهَا وَعَلَيْهَا يَقع الْعَذَاب وَتَكون خفته وشدته بِحَسب خفتها وشدتها فَمن فتحهَا على نَفسه فتح عَلَيْهِ أَبْوَاب الشرور كلهَا عَاجلا وآجلا وَمن أغلقها على نَفسه أغلق عَنهُ أبوب الشرورفاتها تمنع الانقياد وَالْإِخْلَاص وَالتَّوْبَة والإنابة وَقبُول الْحق ونصيحة الْمُسلمين والتواضع لله ولخلقه
ومنشأ هَذِه الْأَرْبَعَة من جَهله بربه وجهله بِنَفسِهِ فَإِنَّهُ لَو عرف ربه بِصِفَات الْكَمَال ونعوت الْجلَال وَعرف نَفسه بالنقائص والآفات لم يتكبر وَلم يغْضب لَهَا وَلم يحْسد أحدا على مَا أَتَاهُ الله فَإِن الْحَسَد فِي الْحَقِيقَة نوع من معاداة الله فَإِنَّهُ يكره نعْمَة الله على عَبده وَقد أحبها الله وَأحب زَوَالهَا عَنهُ وَالله يكره ذَلِك فَهُوَ مضاد لله فِي قَضَائِهِ وَقدره ومحبته وكراهته وَلذَلِك كَانَ إِبْلِيس عدوه حَقِيقَة لِأَن ذَنبه كَانَ عَن كبر وحسد فَقلع هَاتين الصفتين بِمَعْرِِفَة الله وتوحيده وَالرِّضَا بِهِ وَعنهُ والإنابة إِلَيْهِ وَقلع الْغَضَب بِمَعْرِِفَة النَّفس وَأَنَّهَا لَا تسْتَحقّ أَن يغْضب لَهَا وينتقم لَهَا فَإِن ذَلِك إِيثَار لَهَا بِالرِّضَا وَالْغَضَب على خَالِقهَا وفاطرها وَأعظم مَا تدفع بِهِ هَذِه الآفة أَن يعوّدها أَن تغْضب لَهُ سُبْحَانَهُ وترضى لَهُ فَكلما دَخلهَا شَيْء من الْغَضَب وَالرِّضَا لَهُ خرج مِنْهَا مُقَابِله من الْغَضَب وَالرِّضَا لَهَا وَكَذَا بِالْعَكْسِ
وَأما الشَّهْوَة فدواؤها صِحَة الْعلم والمعرفة بِأَن إعطاءها شهواتها أعظم أَسبَاب حرمانها إِيَّاهَا ومنعها مِنْهَا وحميتها أعظم أَسبَاب اتصالها إِلَيْهَا فَكلما فتحت عَلَيْهَا بَاب الشَّهَوَات كنت ساعيا فِي حرمانها إِيَّاهَا وَكلما أغلقت عَنْهَا ذَلِك الْبَاب كنت ساعيا فِي إيصالها إِلَيْهَا على أكمل الْوُجُوه