الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَين إِيمَان نَاقص وأمل زَائِد وَمرض لَا طَبِيب لَهُ وَلَا عَائِد وَهوى مستيقظ وعقل رَاقِد سَاهِيا فِي غمرته عَمها فِي سكرته سابحا فِي لجّة جَهله مستوحشا من ربه مستأنسا بخلقه ذكر النَّاس فاكهته وقوته وَذكر الله حَبسه وَمَوته لله مِنْهُ جُزْء يسير من ظَاهره وَقَلبه ويقينه لغيره
لَا كَانَ من سواك فِيهِ بَقِيَّة
…
يجد السَّبِيل بهَا إِلَيْهِ العذل
فصل كَانَ أول الْمَخْلُوقَات الْقَلَم ليكتب الْمَقَادِير قبل كَونهَا وَجعل آدم وَآخر
الْمَخْلُوقَات وَفِي ذَلِك حكم أَحدهَا تمهيد الدَّار قبل السَّاكِن الثَّانِيَة أَنه الْغَايَة الَّتِي خلق لأَجلهَا مَا سواهُ من السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَالْبر وَالْبَحْر الثَّالِثَة أَن أحذق الصنّاع يخْتم عمله بأحسنه وغايته كَمَا يبدؤه بأساسه ومبادئه الرَّابِعَة أَن النُّفُوس متطلعة إِلَى النهايات والأواخر دَائِما وَلِهَذَا قَالَ مُوسَى للسحرة وَلَا {أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ ملقون} فَلَمَّا رأى النَّاس فعلهم تطلعوا إِلَى مَا يَأْتِي بعده الْخَامِسَة أَن الله سُبْحَانَهُ أخّر أفضل الْكتب والأنبياء والأمم إِلَى آخر الزَّمَان وَجعل الْآخِرَة خيرا من الأولى والنهايات أكمل من البدايات فكم بَين قَول الْملك للرسول اقْرَأ فَيَقُول مَا أَنا بقارىء وَبَين قَوْله تَعَالَى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينكُمْ} السَّادِسَة ان سُبْحَانَهُ جمع مَا فرقه فِي الْعَالم فِي آدم فَهُوَ الْعَالم الصَّغِير وَفِيه مَا فِي الْعَالم الْكَبِير السَّابِعَة ان خُلَاصَة الْوُجُود وثمرته فَنَاسَبَ أَن يكون خلقه بعد الموجودات الثَّامِنَة أَن من كرامته على خالقه أَنه هيأ لَهُ مَصَالِحه وحوائجه وآلات معيشته وَأَسْبَاب حَيَاته فَمَا رفع رَأسه إِلَّا وَذَلِكَ كُله حَاضر عتيد التَّاسِعَة أَنه سُبْحَانَهُ أَرَادَ أَن يظْهر شرفه وفضله على سَائِر الْمَخْلُوقَات فَقَدمهَا عَلَيْهِ فِي الْخلق وَلِهَذَا قَالَت الْمَلَائِكَة ليخلق رَبنَا مَا شَاءَ فَلَنْ يخلق خلقا أكْرم عَلَيْهِ منا فَلَمَّا خلق آدم وَأمرهمْ بِالسُّجُود لَهُ ظهر فَضله وشرفه عَلَيْهِم بِالْعلمِ والمعرفة فَلَمَّا وَقع فِي الذَّنب ظنت الْمَلَائِكَة أَن ذَلِك الْفضل
قد نسخ وَلم تطلع على عبودية التَّوْبَة الكامنة فَلَمَّا تَابَ إِلَى ربه وأنى بِتِلْكَ الْعُبُودِيَّة علمت الْمَلَائِكَة أَن لله فِي خلقه سرا لَا يُعلمهُ سواهُ الْعَاشِرَة أَنه سُبْحَانَهُ لما افْتتح خلق هَذَا الْعَالم بالقلم من أحسن الْمُنَاسبَة أَن يختمه بِخلق الْإِنْسَان فَإِن الْقَلَم آلَة الْعلم وَالْإِنْسَان هُوَ الْعَالم وَلِهَذَا أظهر سُبْحَانَهُ فضل آدم على الْمَلَائِكَة بِالْعلمِ الَّذِي خُصّ بِهِ دونهم وَتَأمل كَيفَ كتب سُبْحَانَهُ عذر آدم قبل هُبُوطه إِلَى الأَرْض وَنبهَ الْمَلَائِكَة على فَضله وشرفه ونوه باسمه قبل إيجاده بقوله {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْض خَليفَة} وَتَأمل كَيفَ وسمه بالخلافة وَتلك ولَايَة لَهُ قبل وجوده وَأقَام عذره قبل الهبوط بقوله {فِي الأَرْض} والمحب يُقيم عذر المحبوب قبل جِنَايَته فَلَمَّا صوره أَلْقَاهُ على بَاب الْجنَّة أَرْبَعِينَ سنة لِأَن دأب الْمُحب الْوُقُوف على بَاب الحبيب رمى بِهِ فِي طَرِيق ذل {لَمْ يَكُنْ شَيْئا} لِئَلَّا يعجب يَوْم اسجدوا كَانَ إِبْلِيس يمر على جسده فيعجب مِنْهُ وَيَقُول لأمر قد خلقت ثمَّ يدْخل من فِيهِ وَيخرج من دبره وَيَقُول لَئِن سلطت عَلَيْك لأهلكنك وَلَئِن سلطت عَليّ لأعصينك وَلم يعلم أَن هَلَاكه على يَده رأى طينا مجموعا فاحتقر فَلَمَّا صور الطين صُورَة دب فِيهِ دَاء الْحَسَد فَلَمَّا نفخ فِيهِ الرّوح مَاتَ الْحَاسِد فَلَمَّا بسط لَهُ بِسَاط الْعِزّ عرضت عَلَيْهِ الْمَخْلُوقَات فَاسْتَحْضر مدعي
وَنَحْنُ نُسَبِّح إِلَى حَاكم أَنْبِئُونِي وَقد أخْفى الْوَكِيل عَنهُ بَيِّنَة وَعَلَّمَ فنكسوا رُؤُوس الدَّعَاوَى على صُدُور الْإِقْرَار فَقَامَ مُنَادِي التَّفْضِيل فِي أندية الْمَلَائِكَة يُنَادي اسجدوا فتطهروا من حَدِيث دَعْوَى وَنَحْن بِمَاء الْعذر فِي آنِية {لَا عِلْمَ لَنَا} فسجدوا على طَهَارَة التَّسْلِيم وَقَامَ إِبْلِيس نَاحيَة لم يسْجد لِأَنَّهُ خبث وَقد تلون بِنَجَاسَة الِاعْتِرَاض وَمَا كَانَت نَجَاسَته تتلافى بالتطهير لِأَنَّهَا عَيْنِيَّة فَلَمَّا تمّ كَمَال آدم قَالَ لَا بُد من خَال جمال على وَجه اسْجُدُوا فَجرى الْقدر بالذنب ليتبين أثر الْعُبُودِيَّة فِي الذل يَا آدم لَو عفى لَك عَن تِلْكَ اللُّقْمَة لقَالَ الحاسدون كَيفَ فضل ذُو شَره لم يصبر على شَجَرَة لَوْلَا نزولك مَا تصاعدت صعداء الأنفاس وَلَا نزلت رسائل هَل من وَسَائِل وَلَا فاحت