الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شعرًا فبيّن أَن الْجوف يمتلىء بالشعر فَكَذَلِك يمتلىء بالشبه والشكوك والخيالات والتقديرات الَّتِي لَا وجود لَهَا والعلوم الَّتِي لَا تَنْفَع والمفاكهات والمضاحكات والحكايات وَنَحْوهَا وَإِذا امْتَلَأَ الْقلب بذلك جَاءَتْهُ حقائق الْقُرْآن وَالْعلم الَّذِي بِهِ كَمَاله وسعادته فَلم تَجِد فِيهِ فراغا لَهَا وَلَا قبولا فتعدته وجاوزته إِلَى مَحل سواهُ كَمَا إِذا بذلت النَّصِيحَة لقلب ملآن من ضدها لَا منفذ لَهَا فِيهِ فَإِنَّهُ فِيهِ لَا يقبلهَا وَلَا تلج فِيهِ لَكِن تمر مجتازة لَا مستوطنة وَلذَلِك قيل
نزّه فُؤَادك من سوانا تلقنا
…
فجنابنا حل لكل منزّه
وَالصَّبْر طلسم لكنز وصالنا
…
من حل ذَا الطلسم فَازَ بكنزه وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
فَائِدَة قَوْله تَعَالَى أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ إِلَى آخرهَا أخلصت هَذِه السُّورَة للوعد
الْوَعيد والتهديد وَكفى بهَا موعظة لمن عقلهَا فَقَوله تَعَالَى أَلْهَاكُمُ أَي شغلكم على وَجه لَا تعتذرون فِيهِ فَإِن الإلهاء عَن الشَّيْء هُوَ الِاشْتِغَال عَنهُ فَإِن كَانَ بِقصد فَهُوَ مَحل التَّكْلِيف وَإِن كَانَ بِغَيْر قصد كَقَوْلِه فِي الخميصة إِنَّهَا ألهتني آنِفا عَن صَلَاتي كَانَ صَاحبه مَعْذُورًا وَهُوَ نوع من النسْيَان وَفِي الحَدِيث فلهَا عَن الصَّبِي أَي ذهل عَنهُ وَيُقَال لَهَا بالشَّيْء أَي اشْتغل بِهِ وَلها عَنهُ إِذا انْصَرف عَنهُ وَاللَّهْو للقلب واللعب للجوارح وَلِهَذَا يجمع بَينهمَا وَلِهَذَا كَانَ قَوْله أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ أبلغ فِي الذَّم من شغلكم فَإِن الْعَامِل قد يسْتَعْمل جوارحه بِمَا يعْمل وَقَلبه غير لاه بِهِ فاللهو هُوَ ذُهُول وإعراض وَالتَّكَاثُر تفَاعل من الْكَثْرَة أَي مكاثرة بَعْضكُم لبَعض وَأعْرض عَن ذكر المتكاثر بِهِ إِرَادَة لإطلاقه وعمومه وَأَن كل مَا يكاثر بِهِ العَبْد غَيره سوى طَاعَة الله وَرَسُوله وَمَا يعود عَلَيْهِ بنفع معاده فَهُوَ دَاخل فِي هَذَا التكاثر فالتكاثر فِي كل شَيْء من مَال أَو جاه أَو رياسة أَو نسْوَة أَو حَدِيث أَو
علم وَلَا سيّما إِذا لم يحْتَج إِلَيْهِ وَالتَّكَاثُر فِي الْكتب والتصانيف وَكَثْرَة الْمسَائِل وتفريعها وتوليدها وَالتَّكَاثُر أَن يطْلب الرجل أَن يكون أَكثر من غَيره وَهَذَا مَذْمُوم إِلَّا فِيمَا يقرّب إِلَى الله فالتكاثر فِيهِ مُنَافَسَة فِي الْخيرَات ومسابقة إِلَيْهَا وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث عبد الله بن الشخير أَنه انْتهى إِلَى النَّبِي وَهُوَ يقْرَأ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ قَالَ يَقُول ابْن آدم مَالِي وَهل لَك من مَالك إِلَّا مَا تصدّقت فأمضيت أَو أكلت فأفنيت أَو لبست فأبليت تَنْبِيه
من لم ينْتَفع بِعَيْنِه لم ينْتَفع بأذنه للْعَبد ستر بَينه وَبَين الله وَستر بَينه وَبَين النَّاس فَمن هتك السّتْر الَّذِي بَينه وَبَين الله حَقك الله الستد الَّذِي بَينه وَبَين النَّاس للْعَبد رب هُوَ ملاقيه وَبَيت هُوَ ساكنه فَيَنْبَغِي لَهُ أَن يسترضي ربّه قبل لِقَائِه ويعمّر بَيته قبل انْتِقَاله إِلَيْهِ إِضَاعَة الْوَقْت أَشد من الْمَوْت لِأَن إِضَاعَة الْوَقْت تقطعك عَن الله وَالدَّار الْآخِرَة وَالْمَوْت يقطعك عَن الدُّنْيَا وَأَهْلهَا الدُّنْيَا من أَولهَا إِلَى آخرهَا لَا تَسَاوِي غم سَاعَة فَكيف بغم الْعُمر مَحْبُوب الْيَوْم يعقب الْمَكْرُوه غَدا ومكروه الْيَوْم يعقب المحبوب غَدا أعظم الرِّبْح فِي الدُّنْيَا أَن تشغل نَفسك كل وَقت بِمَا هُوَ أولى بهَا وأنفع لَهَا فِي معادها كَيفَ يكون عَاقِلا من بَاعَ الْجنَّة بِمَا فِيهَا بِشَهْوَة سَاعَة يخرج الْعَارِف من الدُّنْيَا وَلم يقْض وطره من شَيْئَيْنِ بكاؤه على نَفسه وثناؤه على ربّه الْمَخْلُوق إِذا خفته استوحشت مِنْهُ وهربت مِنْهُ والرب تَعَالَى إِذا خفته أنست بِهِ وَقربت إِلَيْهِ لَو نفع الْعلم بِلَا عمل لما ذمّ الله سُبْحَانَهُ أَحْبَار أهل الْكتاب وَلَو نفع الْعَمَل بِلَا إخلاص لما ذمّ الْمُنَافِقين دَافع الخطرة فَإِن لم تفعل صَارَت فكرة فدافع الفكرة فان لم تفعل صَارَت شَهْوَة فحاربها فَإِن لم تفعل صَارَت عَزِيمَة وهِمَّة فَإِن لم تدافعها صَارَت فعلا فَإِن لم تتداركه بضدّه صَار عَادَة فيصعب عَلَيْك الِانْتِقَال عَنْهَا التَّقْوَى ثَلَاث مَرَاتِب إِحْدَاهَا حمية الْقلب والجوارح عَن الآثام
والمحرّمات الثَّانِيَة حميتها عَن المكروهات الثَّالِثَة الحمية عَن الفضول وَمَا لَا يَعْنِي فَالْأولى تُعْطِي العَبْد حَيَاته وَالثَّانيَِة تفيده صِحَّته وقوته وَالثَّالِثَة تكسبه سروره وفرحه وبهجته
غموض الْحق حِين تذب عَنهُ
…
يقلل نَاصِر الْخصم المحق
تضل عَن الدَّقِيق فَهُوَ م قوم
…
فتقضي للمجلّ على المدقّ
بِاللَّه أبلغ مَا أسعى وأدركه
…
لابي وَلَا يشفع لي من النَّاس
إِذا أَيِست وَكَاد الْيَأْس يقطعني
…
جَاءَ الرجا مسرعا من جَانب الْيَأْس
من خلقه الله للجنّة لم تزل هَدَايَاهَا تَأتيه من المكاره وَمن خلقه للنار لم تزل هَدَايَاهَا تَأتيه من الشَّهَوَات لما طلب آدم الخلود فِي الْجنَّة من جَانب الشَّجَرَة عُوقِبَ بِالْخرُوجِ مِنْهَا وَلما طلب يُوسُف الْخُرُوج من السجْن من جِهَة صَاحب الرُّؤْيَا لبث فِيهِ بضع سِنِين إِذا جرى على العَبْد مَقْدُور يكرههُ فَلهُ فِيهِ ستّة مشَاهد أَحدهَا مشْهد التَّوْحِيد وَأَن الله هُوَ الَّذِي قدّره وشاءه وخلقه وَمَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَاء لم يكن الثَّانِي مشْهد الْعدْل وَأَنه مَاض فِيهِ حكمه عدل فِيهِ قَضَاؤُهُ الثَّالِث مشْهد الرَّحْمَة وَأَن رَحمته فِي هَذَا الْمَقْدُور غالبه لغضبه وانتقامه وَرَحمته حشوه الرَّابِع مشْهد الْحِكْمَة وَأَن حكمته سُبْحَانَهُ اقْتَضَت ذَلِك لم يقدّره سدى وَلَا قَضَاهُ عَبَثا الْخَامِس مشْهد الْحَمد وَأَن لَهُ سُبْحَانَهُ الْحَمد التَّام على ذَلِك من جَمِيع وجوهه السَّادِس مشْهد العبوديّة وَأَنه عبد مَحْض من كل وَجه تجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَام سيّده وأقضيته بِحكم كَونه ملكه وَعَبده فيصرفه تَحت أَحْكَامه القدريّة كَمَا يصرفهُ تَحت أَحْكَامه الدينيّة فَهُوَ مَحل لجَرَيَان هَذِه الْأَحْكَام عَلَيْهِ
قلّة التَّوْفِيق وَفَسَاد الرَّأْي وخفاء الْحق وَفَسَاد الْقلب وخمول الذّكر وإضاعة الْوَقْت ونفرة الْخلق والوحشة بَين العَبْد وَبَين ربّه وَمنع إِجَابَة الدُّعَاء وقسوة الْقلب ومحق الْبركَة فِي الرزق والعمر وحرمان الْعلم ولباس الذل وإهانة الْعَدو وضيق