الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالتوفيق ترى أَن مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول هُوَ الْحق الْمُوَافق لِلْعَقْلِ وَالْحكمَة والعقول المضروبة بالخذلان ترى الْمُعَارضَة بَين الْعقل وَالنَّقْل وَبَين الْحِكْمَة وَالشَّرْع أقرب الْوَسَائِل إِلَى الله مُلَازمَة السّنة وَالْوُقُوف مَعهَا فِي الظَّاهِر وَالْبَاطِن ودوام الافتقار إِلَى الله وَإِرَادَة وَجهه وَحده بالأقوال وَالْأَفْعَال وَمَا وصل أحد إِلَى الله إِلَّا من هَذِه الثَّلَاثَة وَمَا انْقَطع عَنهُ أحد إِلَّا بانقطاعه عَنْهَا أَو عَن أَحدهَا الْأُصُول الَّتِي انبنى عَلَيْهَا سَعَادَة العَبْد ثَلَاثَة وَلكُل وَاحِد مِنْهَا ضد فَمن فقد ذَلِك الأَصْل حصل على ضِدّه التَّوْحِيد وضده الشّرك وَالسّنة وضدها الْبِدْعَة وَالطَّاعَة وضدها الْمعْصِيَة ولهذه الثَّلَاثَة ضد وَاحِد وَهُوَ خلو الْقلب من الرَّغْبَة فِي الله وَفِيمَا عِنْده وَمن الرهبة مِنْهُ وَمِمَّا عِنْده
قَاعِدَة جليلة قَالَ الله تَعَالَى
{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرمين} وَقَالَ {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تولى} الْآيَة وَالله تَعَالَى قد بَين فِي كِتَابه سَبِيل الْمُؤمنِينَ مفصّلة وسبيل الْمُجْرمين مفصّلة وعاقبة هَؤُلَاءِ مفصّلة وعاقبة هَؤُلَاءِ مفصّلة وأعمال هَؤُلَاءِ وأعمال هَؤُلَاءِ وأولياء هَؤُلَاءِ وأولياء هَؤُلَاءِ وخذلانه لهَؤُلَاء وتوفيقه لهَؤُلَاء والأسباب الَّتِي وفْق بهَا هَؤُلَاءِ والأسباب الَّتِي خذل بهَا هَؤُلَاءِ وجلا سُبْحَانَهُ الْأَمريْنِ فِي كِتَابه وكشفهما وأوضحهما وبيّنهما غَايَة الْبَيَان حَتَّى شاهدتهما البصائر كمشاهدة الْأَبْصَار للضياء والظلام
فالعالمون بِاللَّه وَكتابه وَدينه عرفُوا سَبِيل الْمُؤمنِينَ معرفَة تفصيلية وسبيل الْمُجْرمين معرفَة تفصيلية فاستبانت لَهُم السبيلان كَمَا يستيبين للسالك الطَّرِيق الْموصل إِلَى مَقْصُوده وَالطَّرِيق الْموصل إِلَى الهلكة فَهَؤُلَاءِ أعلم الْخلق وأنفعهم للنَّاس وأنصحهم لَهُم وهم الأدلاء الهداة برز الصَّحَابَة على جَمِيع من أَتَى بعدهمْ إِلَى يَوْم
الْقِيَامَة فَإِنَّهُم نشأوا فى سَبِيل الظلال وَالْكفْر والشرك والسبل الموصلة إِلَى الْهَلَاك وعرفوها مفصّلة ثمَّ جَاءَهُم الرَّسُول فَأخْرجهُمْ من تِلْكَ الظُّلُمَات إِلَى سَبِيل الْهدى وصراط الله الْمُسْتَقيم فَخَرجُوا من الظلمَة الشَّدِيدَة إِلَى النُّور التَّام وَمن الشّرك إِلَى التَّوْحِيد وَمن الْجَهْل إِلَى الْعلم وَمن الغي إِلَى الرشاد وَمن الظُّلم إِلَى الْعدْل وَمن الْحيرَة والعمى إِلَى الْهدى والبصائر فعرفوا مِقْدَار مَا نالوه وظفروا بِهِ وَمِقْدَار مَا كَانُوا فِيهِ فَإِن الضِّدّ يظْهر حسنه الضِّدّ وَإِنَّمَا تتبين الْأَشْيَاء بأضدادها فازدادوا رَغْبَة ومحبة فِيمَا انتقلوا إِلَيْهِ ونفرة وبغضا لما انتقلوا عَنهُ وَكَانُوا أحب النَّاس فِي التَّوْحِيد وَالْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَأبْغض النَّاس فِي ضِدّه عَالمين بالسبيل على التَّفْصِيل
وَأما من جَاءَ بعد الصَّحَابَة فَمنهمْ من نَشأ فِي الْإِسْلَام غير عَالم تَفْصِيل ضِدّه فَالْتبسَ عَلَيْهِ بعض تفاصيل سَبِيل الْمُؤمنِينَ بسبيل الْمُجْرمين فَإِن اللّبْس إِنَّمَا يَقع إِذا ضعف الْعلم بالسبيلين أَو أَحدهمَا كَمَا قَالَ عمر بن الْخطاب إِنَّمَا تنقض عرى الْإِسْلَام عُرْوَة إِذا نَشأ فِي الْإِسْلَام من لم يعرف الْجَاهِلِيَّة وَهَذَا من كَمَال علم عمر رضي الله عنه فَإِنَّهُ إِذا لم يعرف الْجَاهِلِيَّة وَحكمهَا وَهُوَ كل مَا خَالف مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول فَإِنَّهُ من الْجَاهِلِيَّة فَإِنَّهَا منسوبة إِلَى الْجَهْل وكل مَا خَالف الرَّسُول فَهُوَ من الْجَهْل فَمن لم يعرف سَبِيل الْمُجْرمين وَلم تستبن لَهُ أوشك أَن يظنّ فِي بعض سبيلهم أَنَّهَا من سَبِيل الْمُؤمنِينَ كَمَا وَقع فِي هَذِه الْأمة من أُمُور كَثِيرَة فِي بَاب الِاعْتِقَاد وَالْعلم وَالْعَمَل هِيَ من سَبِيل الْمُجْرمين وَالْكفَّار وأعداء الرُّسُل أدخلها من لم يعرف أَنَّهَا من سبيلهم فِي سَبِيل الْمُؤمنِينَ ودعا إِلَيْهَا وكفّر من خالفها واستحل مِنْهُ مَا حرمه الله وَرَسُوله كَمَا وَقع لأكْثر أهل الْبدع من الْجَهْمِية والقدرية والخوارج وَالرَّوَافِض وأشباههم مِمَّن ابتدع بِدعَة ودعا إِلَيْهَا وكفّر من خالفها
وَالنَّاس فِي هَذَا الْموضع أَربع فرق الأولى من استبان لَهُ سَبِيل الْمُؤمنِينَ وسبيل الْمُجْرمين على التَّفْصِيل علما وَعَملا وَهَؤُلَاء أعلم الْخلق الْفرْقَة الثَّانِيَة من
عميت عَنهُ السبيلان من أشباه الْأَنْعَام وَهَؤُلَاء بسبيل الْمُجْرمين أحضر وَلها أسلك الْفرْقَة الثَّالِثَة من صرف عنايته إِلَى معرفَة سَبِيل الْمُؤمنِينَ دون ضدها فَهُوَ يعرف ضدها من حَيْثُ الْجُمْلَة والمخالفة وَأَن كل مَا خَالف سَبِيل الْمُؤمنِينَ فَهُوَ بَاطِل وَإِن لم يتصوره على التَّفْصِيل بل إِذا سمع شَيْئا مِمَّا خَالف سَبِيل الْمُؤمنِينَ صرف سَمعه عَنهُ وَلم يشغل نَفسه بفهمه وَمَعْرِفَة وَجه بُطْلَانه وَهُوَ بِمَنْزِلَة من سلمت نَفسه من إِرَادَة الشَّهَوَات فَلم تخطر بِقَلْبِه وَلم تَدعه إِلَيْهَا نَفسه بِخِلَاف الْفرْقَة الأولى فَإِنَّهُم يعرفونها وتميل إِلَيْهَا نُفُوسهم ويجاهدونها على تَركهَا الله وَقد كتبُوا إِلَى عمر بن الْخطاب يسألونه عَن هَذِه المسالة أَيّمَا أفضل رجل لم تخطر لَهُ الشَّهَوَات وَلم تمر بِبَالِهِ أَو رجل نازعته إِلَيْهَا نَفسه فَتَركهَا لله فَكتب عمر أَن الَّذِي تشْتَهي نَفسه الْمعاصِي وَيَتْرُكهَا لله عز وجل من الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مفغرة وَأجر عَظِيم وَهَكَذَا من عرف الْبدع والشرك وَالْبَاطِل وطرقه فأبغضها لله وحذرها وحذّر مِنْهَا وَدفعهَا عَن نَفسه وَلم يَدعهَا تخدش وَجه إيمَانه وَلَا تورثه شُبْهَة وَلَا شكا بل يزْدَاد بمعرفتها بَصِيرَة فِي الْحق ومحبة لَهُ وَكَرَاهَة لَهَا ونفرة عَنْهَا أفضل مِمَّن لَا تخطر بِبَالِهِ وَلَا تمر بِقَلْبِه فَإِنَّهُ كلما مرت بِقَلْبِه وتصورت لَهُ ازْدَادَ محبَّة للحق وَمَعْرِفَة بِقَدرِهِ وسرورا بِهِ فيقوى إيمَانه بِهِ كَمَا أَن صَاحب خواطر الشَّهَوَات والمعاصي كلما مرت بِهِ فَرغب عَنْهَا إِلَى ضدها ازْدَادَ محبَّة لضدها ورغبة فِيهِ وطلبا لَهُ وحرصا عَلَيْهِ فَمَا ابتلى الله سُبْحَانَهُ عَبده الْمُؤمن بمحبة الشَّهَوَات والمعاصي وميل نَفسه إِلَيْهَا إِلَّا ليسوقه بهَا إِلَى محبَّة مَا هُوَ أفضل مِنْهَا وَخير لَهُ وأنفع وأدوم وليجاهد نَفسه على تَركهَا لَهُ سُبْحَانَهُ فتورثه تِلْكَ المجاهدة الْوُصُول إِلَى المحبوب الْأَعْلَى فَكلما نازعته نَفسه إِلَى تِلْكَ الشَّهَوَات وشتدت إِرَادَته لَهَا وشوقه إِلَيْهَا صرف ذَلِك الشوق والإرادة والمحبة إِلَى النَّوْع العالي الدَّائِم فَكَانَ طلبه لَهُ أَشد وحرصه عَلَيْهِ أتم بِخِلَاف النَّفس الْبَارِدَة الخالية من ذَلِك فَإِنَّهَا وَإِن كَانَت طالبة للأعلى لَكِن بَين الطلبين فرق عَظِيم أَلا ترى أَن من مَشى إِلَى محبوبه على الْجَمْر