الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَاعِدَة أساس كل خير أَن تعلم أَن مَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم
يَشَأْ لم يكن فتيقن حِينَئِذٍ أَن الْحَسَنَات من نعمه فتشكره عَلَيْهَا وتتضرّع إِلَيْهِ أَن لَا يقطعهَا عَنْك وَأَن السَّيِّئَات من خذلانه وعقوبته فتبتهل إِلَيْهِ أَن يحول بَيْنك وَبَينهَا وَلَا يكلك فِي فعل الْحَسَنَات وَترك السَّيِّئَات إِلَى نَفسك وَقد أجمع العارفون على أَن كل خير فأصله بِتَوْفِيق الله للْعَبد وكل شَرّ فأصله خذلانه لعَبْدِهِ وَأَجْمعُوا أَن التَّوْفِيق أَن لَا يكلك الله نفسكوان الخذلان أَن يخلي بَيْنك وَبَين نَفسك فَإِذا كَانَ كل خير فأصله التَّوْفِيق وَهُوَ بيد الله إِلَى نَفسك وَأَن لَا بيد العَبْد فمفتاحه الدُّعَاء والافتقار وَصدق اللجأ وَالرَّغْبَة والرهبة إِلَيْهِ فَمَتَى أعْطى العَبْد هَذَا الْمِفْتَاح فقد أَرَادَ أَن يفتح لَهُ وَمَتى أضلّه عَن الْمِفْتَاح بَقِي بَاب الْخَيْر مُرْتَجًا دونه
قَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب إِنِّي لَا أحمل هم الْإِجَابَة وَلَكِن هم الدُّعَاء فَإِذا ألهمت الدُّعَاء فَإِن الْإِجَابَة مَعَه وعَلى قدرنية العَبْد وهمته وَمرَاده ورغبته فِي ذَلِك يكون توفيقه سُبْحَانَهُ وإعانته فالمعونة من الله تنزل على الْعباد على قدر هممهم وثباتهم ورغبتهم ورهبتهم والخذلان ينزل عَلَيْهِم على حسب ذَلِك فَالله سُبْحَانَهُ أحكم الْحَاكِمين وَأعلم الْعَالمين يضع التَّوْفِيق فِي موَاضعه اللائقة بِهِ والخذلان فِي موَاضعه اللائقة بِهِ هُوَ الْعَلِيم الْحَكِيم وَمَا أُتِي من أُتِي إِلَّا من قِبَل إِضَاعَة الشُّكْر وإهمال الافتقار وَالدُّعَاء وَلَا ظفر من ظفر بِمَشِيئَة الله وعونه إِلَّا بقيامه بالشكر وَصدق الافتقار وَالدُّعَاء وملاك ذَلِك الصَّبْر فَإِنَّهُ من الْإِيمَان بِمَنْزِلَة الرَّأْس من الْجَسَد فَإِذا قطع الرَّأْس فَلَا بَقَاء للجسد مَا ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة الْقلب والبعد عَن الله خلقت النَّار لإذابة الْقُلُوب القاسية أبعد الْقُلُوب من الله الْقلب القاسي إِذا قسي الْقلب قحطت الْعين قسوة الْقلب من أَرْبَعَة أَشْيَاء إِذا جَاوَزت قدر الْحَاجة الْأكل وَالنَّوْم وَالْكَلَام والمخالطة كَمَا
أَن الْبدن إِذا مرض لم ينفع فِيهِ الطَّعَام وَالشرَاب فَكَذَلِك الْقلب إِذا مرض بالشهوات لم تنجع فِيهِ المواعظ وَمن أَرَادَ صفاء قلبه فليؤثر الله على شَهْوَته الْقُلُوب الْمُتَعَلّقَة بالشهوات محجوبة عَن الله بِقدر تعلقهَا بهَا الْقُلُوب آنِية الله فِي أرضه فأحبها إِلَيْهِ أرقها وأصلبها وأصفاها شغلوا قُلُوبهم بالدنيا وَلَو شغلوها بِاللَّه وَالدَّار الْآخِرَة لجالت فِي مَعَاني كَلَامه وآياته المشهودة وَرجعت إِلَى أَصْحَابهَا بِغَرَائِب الحكم وطرف الْفَوَائِد إِذا غذي الْقلب بالتذكر وَسقي بالتفكّر ونقي من الدغل رأى الْعَجَائِب وألهم الْحِكْمَة لَيْسَ كل من تحلى بالمعرفة وَالْحكمَة وانتحلها كَانَ من أَهلهَا بل أهل الْمعرفَة وَالْحكمَة الَّذين أحيوا قُلُوبهم بقتل الْهوى وَأما من قتل قلبه فأحيى الْهوى الْمعرفَة وَالْحكمَة عَارِية على لِسَانه خراب الْقلب من الْأَمْن والغفلة وعمارته من الخشية وَالذكر إِذا زهدت الْقُلُوب فِي مَوَائِد الدُّنْيَا قعدت على مَوَائِد الْآخِرَة بَين أهل تِلْكَ الدعْوَة وَإِذا رضيت بموائد الدُّنْيَا فاتتها تِلْكَ الموائد الشوق إِلَى الله ولقائه نسيم يهب على الْقلب يروح عَنهُ وهج الدُّنْيَا من وطّن قلبه عِنْد ربه سكن واستراح وَمن أرْسلهُ فِي النَّاس اضْطربَ وَاشْتَدَّ بِهِ القلق لَا تدخل محبَّة الله فِي قلب فِيهِ حب الدُّنْيَا إِلَّا كَمَا يدْخل الْجمل فِي سم الابرة اذ أحب الله عبدا اصطنعه لنَفسِهِ واجتباه لمحبته واستخلصه لعبادته فشغل همه بِهِ وَلسَانه بِذكرِهِ وجوارحه بخدمته وَالْقلب يمرض كَمَا يمرض الْبدن وشفاؤه فِي التَّوْبَة وَالْحمية ويصدأ كَمَا تصدأ الْمرْآة وجلاؤه بِالذكر ويعرى كَمَا يعرى الْجِسْم وزينته التَّقْوَى ويجوع ويظمأ كَمَا يجوع الْبدن وَطَعَامه وَشَرَابه الْمعرفَة والمحبة والتوكل والإنابة والخدمة إياك والغفلة عَمَّن جعل لحياتك أَََجَلًا ولأيامك وأنفاسك أمدا وَمن كل مَا سواهُ بُد وَلَا بذلك مِنْهُ من ترك الِاخْتِيَار وَالتَّدْبِير فِي طلب زِيَادَة دنيا أَو جاه أَو فِي خوف نُقْصَان أَو فِي التَّخَلُّص من عَدو توكلا على الله وثقة بتدبيره لَهُ وَحسن اخْتِيَاره لَهُ فَألْقى كنفه بَين يَدَيْهِ وَسلم الْأَمر إِلَيْهِ وَرَضي بِمَا يَقْضِيه لَهُ استراح من
الهموم والغموم وَالْأَحْزَان وَمن أَبى إِلَّا تَدْبيره لنَفسِهِ وَقع فِي النكد وَالنّصب وَسُوء الْحَال والتعب فَلَا عَيْش يصفو وَلَا قلب يفرح وَلَا عمل يزكو وَلَا أمل يقوم وَلَا رَاحَة تدوم وَالله سُبْحَانَهُ سهّل لخلقه السَّبِيل إِلَيْهِ وحجبهم عَنهُ بِالتَّدْبِيرِ فَمن رَضِي بتدبير الله لَهُ وَسكن إِلَى اخْتِيَاره وسلّم لحكمه أَزَال ذَلِك الْحجاب فأفضى الْقلب إِلَى ربه وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ وَسكن المتَوَكل لَا يسْأَل غير الله وَلَا يرد على الله وَلَا يدّخر مَعَ الله من شبغل بِنَفسِهِ شغل عَن غَيره وَمن شغل بربه شغل عَن نَفسه الْإِخْلَاص هُوَ مَا لَا يُعلمهُ ملك فيكتبه وَلَا عَدو فيفسده وَلَا يعجب بِهِ صَاحبه فيبطله الرِّضَا سُكُون الْقلب تَحت مجاري الْأَحْكَام النَّاس فِي الدُّنْيَا معذّبون على قدر هممهم بهَا للقلب سِتَّة مَوَاطِن يجول فِيهَا لَا سَابِع لَهَا ثَلَاثَة سافلة وَثَلَاثَة عالية فالسافلة دنيا تزين لَهُ وَنَفس تحدثه وعدو يوسوس لَهُ فَهَذِهِ مَوَاطِن الْأَرْوَاح السافلة الَّتِي لَا تزَال تجول فِيهَا وَالثَّلَاثَة الْعَالِيَة علم يتَبَيَّن لَهُ وعقل يرشده وإله يعبده والقلوب جوّالة فِي هَذِه المواطن إتباع لهوى وَطول الأمل مَادَّة كل فَسَاد فَإِن اتِّبَاع الْهوى يعمي عَن الْحق معرفَة وقصدا وَطول الأمل ينسي الْآخِرَة ويصد عَن الاستعداد لَهَا لَا يشم عبد رَائِحَة الصدْق ويداهن نَفسه أَو يداهن غَيره إِذا أَرَادَ الله بِعَبْد خيرا جعله معترفا بِذَنبِهِ ممسكا عَن ذَنْب غَيره جوادا بِمَا عِنْده زاهدا فِيمَا عِنْده مُحْتملا لأَذى غَيره وَإِن أَرَادَ بِهِ شرا عكس ذَلِك عَلَيْهِ الهمّة العليّة لَا تزَال حائمة حول ثَلَاثَة أَشْيَاء تعرف لصفة من الصِّفَات الْعليا تزداد بمعرفتها محبَّة وَإِرَادَة وملاحظة لمنة تزداد بملاحظتها شكر اَوْ اطاعة وتذكر لذنب تزداد بتذكره تَوْبَة وخشية فَإِذا تعلّقت الهمّة بسوى هَذِه الثَّلَاثَة جالت فِي أَوديَة الوساوس والخطرات من عشق الدُّنْيَا نظرت إِلَى قدرهَا عِنْده فصيرته من خدمها وعبيدها وأذلّته وَمن أعرض عَنْهَا نظرت إِلَى كبر قدره فخدمته وذلّت لَهُ إِنَّمَا يقطع السّفر