الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحكمته فِي قَضَائِهِ وَقدره وَنعمته فِي بلائه وعطاءه فِي مَنعه وبره ولطفه وإحسانه وَرَحمته فِي قيوميته وعذله فِي انتقامه وجوده وَكَرمه فِي مغفرته وستره وتجاوزه وَيشْهد حكمته وَنعمته فِي أمره وَنَهْيه وعزه فِي رِضَاهُ وغضبه وحلمه فِي إمهاله وَكَرمه فِي إقباله وغناه فِي إعراضه
وَأَنت إِذا تدبرت الْقُرْآن وأجرته من التحريف وَأَن تقضي عَلَيْهِ بآراء الْمُتَكَلِّمين وأفكار المتكلفين أشهدك ملكا قيوما فَوق سماواته على عَرْشه يدبر أَمر عباده يَأْمر وَيُنْهِي وَيُرْسل الرُّسُل وَينزل الْكتب ويرضى ويغضب ويثيب ويعاقب وَيُعْطِي وَيمْنَع ويعز ويذل ويخفض وَيرْفَع يرى من فَوق سبع وَيسمع وَيعلم السِّرّ وَالْعَلَانِيَة فعّال لما يُرِيد مَوْصُوف بِكُل كَمَال منزه عَن كل عيب لَا تتحرك ذرّة فَمَا فَوْقهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تسْقط ورقة إِلَّا بِعِلْمِهِ وَلَا يشفع زهد عِنْده إِلَّا بِإِذْنِهِ لَيْسَ لِعِبَادِهِ من دونه ولي وَلَا شَفِيع
فصل لما بَايع الرَّسُول أهل الْعقبَة أَمر أَصْحَابه بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَة
فَعلمت قُرَيْش أَن أَصْحَابه قد كَثُرُوا وَأَنَّهُمْ سيمنعونه فاعلمت آراءها فِي اسْتِخْرَاج الْحِيَل فَمنهمْ من رأى الْحَبْس وَمِنْهُم من رأى النَّفْي ثمَّ اجْتمع رَأْيهمْ على الْقَتْل فجَاء الْبَرِيد بالْخبر من السَّمَاء وَأمره أَن يُفَارق المضجع فَبَاتَ عَليّ مَكَانَهُ ونهض الصِّدِّيق لرفقة السّفر فَلَمَّا فارقا بيُوت مَكَّة اشْتَدَّ الحذر بالصدّيق فَجعل يذكر الرصد فيسير أَمَامه وَتارَة يذكر الطّلب فَيتَأَخَّر وَرَاءه وَتارَة عَن يَمِينه وَتارَة عَن شِمَاله إِلَى أَن انتهيا إِلَى الْغَار فَبَدَأَ الصدّيق بِدُخُولِهِ ليَكُون وقاية لَهُ إِن كَانَ ثَمَّ موذ وَأنْبت الله شَجَرَة لم تكن قبل فأظلمت الْمَطْلُوب وأضلّت الطَّالِب وَجَاءَت عنكبوت فحازت وَجه الْغَار فحاكت ثوب نسجها على منوال السّتْر فأحكمت الشقة حَتَّى عمي على الْقَائِف الْمطلب وَأرْسل حَمَامَتَيْنِ فاتخذتا هُنَاكَ عشا جعل
على أبصار الطالبين غشاوة وَهَذَا أبلغ فِي الإعجاز من مقاومة الْقَوْم بالجنود فَلَمَّا وقف الْقَوْم على رؤوسهم وَصَارَ كَلَامهم بسمع الرَّسُول والصدّيق قَالَ الصدّيق وَقد اشْتَدَّ بِهِ القلق يَا رَسُول الله لَو أَن أحدهم نظر إِلَى مَا تَحت قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرنَا تَحت قَدَمَيْهِ فَقَالَ رَسُول الله يَا أَبَا بكر مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما لما رأى الرَّسُول حزنه قد اشْتَدَّ لاكن على نَفسه قوي قلبه بِبِشَارَة {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعنا} فَظهر سر هَذَا الاقتران فِي الْمَعِيَّة لفظا كَمَا ظهر حكما وَمعنى اذا يُقَال رَسُول الله وَصَاحب رَسُول الله فَلَمَّا مَاتَ قيل خَليفَة رَسُول الله ثمَّ انْقَطَعت إِضَافَة الْخلَافَة بِمَوْتِهِ فَقيل أَمِير الْمُؤمنِينَ فأقاما فِي الْغَار ثَلَاثًا ثمَّ خرجا مِنْهُ ولسان الْقدر يَقُول لتدخلنها دُخُولا لم يدْخلهُ أحد قبلك وَلَا يَنْبَغِي لأحد من بعْدك فَلَمَّا استقلا على الْبَيْدَاء لحقهما سراقَة بن مَالك فَلَمَّا شَارف الظفر أرسل عَلَيْهِ الرَّسُول سَهْما من سِهَام الدُّعَاء فساخت قَوَائِم فرسه فِي الأَرْض إِلَى بَطنهَا فَلَمَّا علم أَنه لَا سَبِيل لَهُ عَلَيْهِمَا أَخذ يعرض المَال على من قد رد مَفَاتِيح الْكُنُوز وَيقدم الزَّاد إِلَى شبعان أَبيت عِنْد رَبِّي يطعمني ويسقيني كَانَ تحفة ثَانِي اثْنَيْنِ مدخرة للصديق دون الْجَمِيع فَهُوَ الثَّانِي فِي الْإِسْلَام وَفِي بذل النَّفس وَفِي الزّهْد وَفِي الصُّحْبَة وَفِي الْخلَافَة وَفِي الْعُمر وَفِي سَبَب الْمَوْت لِأَن الرَّسُول مَاتَ عَن أثر السم وَأَبُو بكر سم فَمَاتَ أسلم على يَدَيْهِ من الْعشْرَة عُثْمَان وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن أبي وقّاص وَكَانَ عِنْده يَوْم أسلم أَرْبَعُونَ ألف دِرْهَم فأنفقها أحْوج مَا كَانَ الْإِسْلَام إِلَيْهَا فَلهَذَا اجلبت نَفَقَته عَلَيْهِ مَا نَفَعَنِي مَال مَا نَفَعَنِي مَال أبي بكر فَهُوَ خير من مُؤمن آل فِرْعَوْن لِأَن ذَلِك كَانَ يكتم إيمَانه والصدّيق أعلن بِهِ وَخير من مُؤمن آل ياسين لِأَن ذَلِك جَاهد سَاعَة وَالصديق جَاهد سِنِين عاين طَائِر الْفَاقَة يحوم حول حب الإيثار ويصيح من ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حسنا فَألْقى لَهُ حب المَال على روض الرِّضَا واستلقى على فرَاش الْفقر فَنقل الطَّائِر الْحبّ إِلَى حوصلة المضاعفة ثمَّ علا على أفنان شَجَرَة الصدْق يغرد
بفنون الْمَدْح ثمَّ قَالَ فِي محاريب الْإِسْلَام يَتْلُو {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يتزكى} نطقت بفضله الْآيَات وَالْأَخْبَار وَاجْتمعَ على بيعَته الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار فيا مبغضيه فِي قُلُوبكُمْ من ذكره نَار كلما تليت فضائله علا عَلَيْهِم الصغار أَتَرَى لم يسمع الروافض الكفّار {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَار} دعِي إِلَى الْإِسْلَام فَمَا تلعثم وَلَا أَبى وَسَار على المحجة فَمَا زل وَلَا كبا وصبر فِي مدَّته من مدى العدى على وَقع الشبا وَأكْثر فِي الْإِنْفَاق فَمَا قلل حَتَّى تخَلّل بالعبا تالله لقد زَاد على السبك فِي كل دِينَار دِينَار {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَار} من كَانَ قرين النَّبِي فِي شبابه من ذَا الَّذِي سبق إِلَى الْإِيمَان من أَصْحَابه من الَّذِي أفتى بِحَضْرَتِهِ سَرِيعا فِي جَوَابه من أوّل من صلى مَعَه من آخر من صلّى بِهِ من الَّذِي ضاجعه بعد الْمَوْت فِي ترابه فاعرفوا حق الْجَار نَهَضَ يَوْم الرِّدَّة بفهم واستيقاظ وَأَبَان من نَص الْكتاب معنى دق عَن حَدِيد الإلحاظ فالمحب يفرح بفضائله والمبغض يغتاظ حسرة الرافضي أَن يفر من مجْلِس ذكره وَلَكِن أَيْن الْفِرَار كم وقى الرَّسُول بِالْمَالِ وَالنَّفس وَكَانَ أخص بِهِ فِي حَيَاته وَهُوَ ضجيعه فِي الرمس فضائله جليلة وَهِي خليّة عَن اللّبْس ياعجبا من يُغطي عين ضوء الشَّمْس فِي نصف النَّهَار لقد دخلا غارا لَا يسكنهُ لابث فاستوحش الصّديق من خوف الْحَوَادِث فَقَالَ الرَّسُول مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ وَالله الثَّالِث فَنزلت السكينَة فارتفع خوف الْحَادِث فَزَالَ القلق وطاب عَيْش الماكث فَقَامَ مُؤذن النَّصْر يُنَادي على رُؤُوس منائر الْأَمْصَار {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَار} حبه وَالله رَأس الحنيفة وبغضه يدل على خبث الطوية فَهُوَ خير الصَّحَابَة والقرابة وَالْحجّة على ذَلِك قَوِيَّة لَوْلَا صِحَة مامته مَا قيل ابْن الحنيفة مهلا فَأن ذمّ الروافض قد فار وَالله مَا أحببناه لهوانا وَلَا نعتقد فِي غَيره هوانا وَلَكِن أَخذنَا بقول عَليّ وكفانا رضيك رَسُول الله لديننا أَفلا نرضاك لدنيانا تالله لقد أخذت من الروافض بالثأر
تالله لقد وَجب حق الصدّيق علينا فَنحْن نقضي بمدائحه وَنَفر بِمَا نقر بِهِ من السنى عينا فَمن كَانَ رَافِضِيًّا فَلَا يعد إِلَيْنَا وَليقل لي أعذار تَنْبِيه
اجْتنب من يعادي أهل الْكتاب وَالسّنة لِئَلَّا يعديك خسرانه احْتَرز من عدوين هلك بهما أَكثر الْخلق صادّ عَن سَبِيل الله بشبهاته وزخرف قَوْله ومفتون بدنياه ورئاسته من خلق فِيهِ قُوَّة واستعداد لشَيْء كَانَت لذته فِي اسْتِعْمَال تِلْكَ الْقُوَّة فِيهِ فلذة من خلقت مِنْهُ قُوَّة واستعداد للجماع اسْتِعْمَال قوته فِيهِ ولذ 1 ة من خلقت فِيهِ قُوَّة الْغَضَب وَالثَّوَاب بِاسْتِعْمَال قوته الغضبية فِي متعلقها وَمن خلقت فِيهِ قُوَّة الْأكل وَالشرب فلذته بِاسْتِعْمَال قوته فيهمَا وَمن خلقت فِيهِ قُوَّة الْعلم والمعرفة فلذته بِاسْتِعْمَال قوته وصرفها إِلَى الْعلم وَمن خلقت فِيهِ قُوَّة الْحبّ لله والإنابة إِلَيْهِ والعكوف بِالْقَلْبِ عَلَيْهِ والشوق إِلَيْهِ والأنس بِهِ فلذته ونعيمه اسْتِعْمَال هَذِه الْقُوَّة فِي ذَلِك وَسَائِر اللَّذَّات دون هَذِه اللَّذَّة مضمحلة فانية وَأحمد عَاقبَتهَا أَن تكون لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ تَنْبِيه
يَا أَيهَا الأعزلاحذر فراسة المتقى فَإِنَّهُ يرى عَورَة عَمَلك من وَرَاء ستر اتَّقوا فراسة الْمُؤمن سُبْحَانَ الله فِي النَّفس كِبر إِبْلِيس وحسد قابيل وعتو عَاد وطغيان ثَمُود وجرأة نمْرُود واستطالة فِرْعَوْن وبغي قَارون وقحّة هامان
وَهوى بلعام وحيل أَصْحَاب السبت وتمرد لوليد وَجَهل أبي جهل وفيهَا من أَخْلَاق الْبَهَائِم حرص الْغُرَاب وشره الْكَلْب ورعونة الطاووس ودناءة الْجعل وعقوق الضَّب وحقد الْجمل ووثوب الفهد وصولة الْأسد وَفسق الْفَأْرَة وخبث الْحَيَّة وعبث القرد وَجمع النملة ومكر الثَّعْلَب وخفة الْفراش ونوم الضبع غير أَن الرياضة والمجاهدة تذْهب ذَلِك فَمن استرسل مَعَ طبعه فَهُوَ من هَذَا الْجند وَلَا تصلح سلْعَته لعقد {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} فَمَا اشْترى إِلَّا سلْعَة هذبها الْإِيمَان فَخرجت من طبعها إِلَى بلد سكانه التائبون العابدون سلم الْمَبِيع قبل أَن يتْلف فِي يدك فَلَا يقبله المُشْتَرِي قد علم المُشْتَرِي بِعَيْب السّلْعَة قبل أَن يَشْتَرِيهَا فسلمها وَلَك الْأمان من الرَّد قدر السّلْعَة يعرف بِقدر مشتريها وَالثمن المبذول فِيهِ والمنادي عَلَيْهَا فَإِذا كَانَ الْمُشْتَرى عَظِيما وَالثمن خطيرا والمنادي جَلِيلًا كَانَت السّلْعَة نفيسة
يَا بَائِعا نَفسه بيع الهوان لَو استرجعت ذَا البيع قبل الْفَوْت لم تخب
وبائعا طيب عَيْش مَا لَهُ خطر
…
بطيف عَيْش من الآلام منتهب
غبنت وَالله غبنا فَاحِشا ولدى
…
يَوْم التغابن تلقى غَايَة الْحَرْب
وواردا صفو عَيْش كُله كدر
…
أمامك الْورْد حَقًا لَيْسَ بِالْكَذِبِ
وحاطب اللَّيْل فِي الظلماء منتصبا
…
لكل داهية تدني من العطب
ترجوا الشِّفَاء بأحداق بهَا مرض
…
فَهَل سَمِعت ببرء جَاءَ من عطب
ومفنيا نَفسه فِي أثر أقبحهم
…
وصفاللطخ جمال فِيهِ مستلب
وواهبا نَفسه من مثل ذَا سفها
…
لَو كنت تعرف قدر النَّفس لم تهب
شَاب الصِّبَا والتصابي لم يشب
…
وَضاع وقتك بَين اللَّهْو واللعب
وشمس عمرك قد حَان الْغُرُوب لَهَا
…
والفيء فِي الْأُفق الشَّرْقِي لم يغب
وفاز بالوصل من قد جدوا انقشعت
…
عَن أفقه ظلمات اللَّيْل والسحب
كم ذَا التَّخَلُّف وَالدُّنْيَا قد ارتحلت
…
ورسل رَبك قد وافتك فِي الطّلب
مَا فِي الديار وَقد سَارَتْ ركائب من
…
تهواه للصب من شكر وَلَا أرب
فافرش الخد ذياك التُّرَاب وَقل
…
مَا قَالَه صَاحب الأشواق والحقب
مَا ربع مية محفوفا يطِيف بِهِ
…
غيلَان أشهى لَهُ من ربعك الخرب
منازلا كَانَ يهواها ويألفها
…
أَيَّام كَانَ منال الْوَصْل عَن كثب
وَلَا الخدود وَلَو أدمين من ضرج
…
أشهى إِلَى ناظري من ربعك الخرب
وَكلما جليت تِلْكَ الربوع لَهُ
…
يهوى إِلَيْهَا هوى المَاء فِي الصبب
أحيي لَهُ الشوق تذكار العهود بهَا
…
فَلَو دعِي الْقلب للسلوان لم يجب
هَذَا وَكم منزل فِي الأَرْض يألفه
…
وَمَاله فِي سواهَا الدَّهْر من رغب
مَا فِي الْخيام أَخُو وجدير يحك إِن
…
بثثته بعض شَأْن الْحبّ فاغترب
وَأسر فِي غَمَرَات اللَّيْل متهديا
…
بنفحة الطّيب لَا بِالْعودِ والحطب
وَعَاد كل أخي جبن ومعجزة
…
وَحَارب النَّفس لَا تلقيك فِي الْحَرْب
وَخذ لنَفسك نورا تستضيء بِهِ
…
يَوْم اقتسام الورى الْأَنْوَار بالرتب
إِن كَانَ يُوجب صبري رَحْمَتي فرضا
…
بِسوء حَالي وَحل للضنا بدني
منحتك الرّوح لَا أبغي لَهَا ثمنا
…
إِلَّا رضاك ووافقري الا الثّمن
أحن بأطراف النَّهَار صبَابَة
…
وبالليل يدعوني الْهوى فَأُجِيب
وَإِذا لم يكن من الْعِشْق بُد
…
فَمن عجز عشق غير الْجَمِيل
فَلَو أَن مَا أسعى لعيش معجل
…
كفاني مِنْهُ بعض مَا أَنا فِيهِ
ولكنما أسمى لملك مخلد
…
فوا أسفا إِن لم أكن بملاقيه
يَا من هُوَ من أَرْبَاب الْخِبْرَة هَل عرفت قيمَة نَفسك إِنَّمَا خلقت الأكوان كلهَا لَك يَا من غذى بلبان الْبر وقلب بأيدي الألطاف كل الْأَشْيَاء شَجَرَة وَأَنت الثَّمَرَة وَصُورَة وَأَنت الْمَعْنى وصدف وَأَنت الدّرّ ومخيض وَأَنت الزّبد منشور اختيارنا لَك وَاضح الْخط وَلَكِن استخراجك ضَعِيف مَتى رمت طلبي فاطلبني عنْدك اطلبني مِنْك تجدني قَرِيبا وَلَا تطلبني من غَيْرك فَأَنا أقرب إِلَيْك مِنْهُ لَو عرفت قدر نَفسك عندنَا مَا أهنتها بِالْمَعَاصِي إِنَّمَا أبعدنا إِبْلِيس إِذْ لم يسْجد لَك وَأَنت فِي صلب أَبِيك فوا عجبا كَيفَ صالحته وَتَرَكتنَا لَو كَانَ فِي قَلْبك محبَّة لبان أَثَرهَا على جسدك
وَلما ادعيت الْحبّ قَالَت كذبتي
…
أَلَسْت أرى الْأَعْضَاء مِنْك كواسيا
لَو تغذى الْقلب بالمحبة لذهبت عَنهُ بطنة الشَّهَوَات
وَلَو كنت عُذْري الصبابة لم تكن
…
بطينا وأنساك الْهوى كَثْرَة الْأكل
لَو صحّت محبتك لاستوحشت مِمَّن لَا يذكرك بالحبيب وَاعجَبا لمن يَدعِي الْمحبَّة وَيحْتَاج إِلَى من يذكرهُ بمحبوبه فَلَا يذكرهُ إِلَّا بمذكر أقل مَا فِي الْمحبَّة أَنَّهَا لَا تنسيك تذكر المحبوب
ذكرتك لَا أَنِّي نستك سَاعَة
…
وأيسر مَا فِي الذّكر ذكر لساني
إِذا سَافر الْمُحب للقاء محبوبه ركبت جُنُوده مَعَه فَكَانَ الْحبّ فِي مُقَدّمَة الْعَسْكَر والرجاء يَحْدُو بالمطى والشوق يَسُوقهَا وَالْخَوْف يجمعها على الطَّرِيق فَإِذا شَارف قدوم بلد الْوَصْل خرجت تقادم الحبيب باللقاء
فداو سقما بجسم أَنْت متلفه
…
وأبرد غراما بقلب أَنْت مضرمه
وَلَا تَكِلنِي على بعد الديار إِلَى
…
صبري الضَّعِيف فصبري أَنْت تعلمه
تلقى قلبه فقد أَرْسلتهُ عجلا
…
إِلَى لقائك والأشواق تقدمه
فَإِذا دخل على الحبيب أفيضت عَلَيْهِ الْخلْع من كل نَاحيَة ليمتحن أيسكن إِلَيْهَا فَتكون حَظه أم يكون التفاته إِلَى من ألبسهُ إِيَّاهَا ملأوا مراكب الْقُلُوب مَتَاعا لَا تنْفق إِلَّا على الْملك فَلَمَّا هبت ريَاح السحر أقلعت تِلْكَ المراكب فَمَا طلع الْفجْر الا وَهِي بالمينا قطعُوا بادية الْهوى بأقدام الْجد فَمَا كَانَ إِلَّا الْقَلِيل حَتَّى قدمُوا من السّفر فأعقبهم الرَّاحَة فِي طَرِيق التلقي فَدَخَلُوا بلد الْوَصْل وَقد حَاز ربح الْأَبَد فرّغ الْقَوْم قُلُوبهم من الشواغل فَضربت فِيهَا سرادقات الْمحبَّة فأقاموا الْعُيُون تحرس تَارَة وترش أُخْرَى سرادق الْمحبَّة لَا يضْرب إِلَّا فِي قاع نزه فارغ
نزّه فُؤَادك من سوانا والقنا
…
فنجنابنا حل لكل منزّه
الصَّبْر طلسم لكنز وصالنا
…
من حل ذَا الطلسم فَازَ بكنزه
اعرف قدر مَا ضَاعَ مِنْك وابك بكاء من يدْرِي مِقْدَار الْفَائِت لَو تَخَيَّلت قرب الأحباب لأقمت المأتم على بعْدك لَو استنشقت ريح الأسحار لأفاق مِنْك قَلْبك المخمور من استطال الطَّرِيق ضعف مَشْيه
وَمَا أَنْت بالمشتاق إِن قلت بَيْننَا
…
طوال اللَّيَالِي أَو بعيد المفاوز
أما علمت أَن الصَّادِق إِذا هم ألْقى بَين عَيْنَيْهِ عزمه إِذا نزل آب فِي الْقلب حل آذار فِي الْعين هان سهر الحرّاس لما علمُوا أَن أَصْوَاتهم بسمع الْملك من لَاحَ لَهُ حَال الْآخِرَة هان عَلَيْهِ فِرَاق الدُّنْيَا إِذا لَاحَ للباشق الصَّيْد نسي مألوف الْكَفّ يَا أَقْدَام الصَّبْر احملي بَقِي الْقَلِيل تذكر حلاوة الْوِصَال يهن عَلَيْك مر المجاهدة قد علمت أَيْن الْمنزل فاحد لَهَا تسر أَعلَى الهمم همة من استعد صَاحبهَا للقاء الحبيب قدم التقادم بَين يَدي الْمُلْتَقى فَاسْتَبْشَرَ بِالرِّضَا عِنْد الْقدوم وَقدمُوا لانفسهم الْجنَّة ترْضى مِنْك بأَدَاء الْفَرَائِض وَالنَّار تنْدَفع