الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل لَذَّة كل أحد على حسب قدره وهمّته وَشرف نَفسه فَأَشْرَف النَّاس نفسا
وَأَعْلَاهُمْ همّة وأرفعهم قدرا من لذّته فِي معرفَة الله ومحبته والشوق إِلَى لِقَائِه والتودد إِلَيْهِ بِمَا يُحِبهُ ويرضاه فلذته فِي إقباله عَلَيْهِ وعكوف همته عَلَيْهِ وَدون ذَلِك مَرَاتِب لَا يحصيها إِلَّا الله حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى من لذته فِي أخس الْأَشْيَاء من القاذورات وَالْفَوَاحِش فِي كل شَيْء من الْكَلَام والفعال والأشغال فَلَو عرضت عَلَيْهِ مَا يلتذ بِهِ الأول لم تسمح نَفسه بقبوله وَلَا الِالْتِفَات إِلَيْهِ وَرُبمَا تألمت من ذَلِك كَمَا أَن الأول إِذا عرض عَلَيْهِ مَا يلتذ بِهِ هَذَا لم تسمح نَفسه بِهِ وَلم تلْتَفت إِلَيْهِ ونفرت نَفسه مِنْهُ وأكمل النَّاس لَذَّة من جمع لَهُ بَين لَذَّة الْقلب وَالروح وَلَذَّة الْبدن فَهُوَ يتَنَاوَل لذاته الْمُبَاحَة على وَجه لَا ينقص حَظه من الدَّار وَالْآخِرَة وَلَا يقطع عَلَيْهِ لَذَّة الْمعرفَة والمحبة والأنس بربه فَهَذَا مِمَّن قَالَ تَعَالَى فِيهِ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قل هَل هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وأبخسهم حظا من اللَّذَّة من تنَاولهَا على وَجه يحول بَينه وَبَين لذات الْآخِرَة فَيكون مِمَّن يُقَال لَهُم يَوْم اسْتِيفَاء اللَّذَّات أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَهَؤُلَاءِ تمَتَّعُوا بالطيبات وَأُولَئِكَ تمَتَّعُوا بالطيبات وافترقوا فِي وَجه التَّمَتُّع فَأُولَئِك تمَتَّعُوا بهَا على الْوَجْه الَّذِي أذن لَهُم فِيهِ فَجمع لَهُم بَين لَذَّة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَهَؤُلَاء تمَتَّعُوا بهَا على الْوَجْه الَّذِي دعاهم إِلَيْهِ الْهوى والشهوة وَسَوَاء أذن لَهُم فِيهِ أم لَا فَانْقَطَعت عَنْهُم لَذَّة الدُّنْيَا وفاتتهم لَذَّة الْآخِرَة فَلَا لَذَّة الدُّنْيَا دَامَت لَهُم وَلَا لَذَّة الْآخِرَة حصلت لَهُم فَمن أحب اللَّذَّة ودوامها والعيش الطيّب فليجعل لَذَّة الدُّنْيَا موصلا لَهُ إِلَى لَذَّة الآخر بِأَن يَسْتَعِين بهَا على فرَاغ قلبه لله وإرادته وعبادته فيتناولها بِحكم الِاسْتِعَانَة وَالْقُوَّة على طلبه لَا بِحكم مُجَرّد الشَّهْوَة والهوى وَإِن كَانَ مِمَّن زويت عَنهُ لذات الدُّنْيَا وطيباتها فليجعل مَا نقص مِنْهَا زِيَادَة فِي
لَذَّة الْآخِرَة ويجم نَفسه هَهُنَا بِالتّرْكِ ليستوفيها كَامِلَة هُنَاكَ فطيبات الدُّنْيَا ولذاتها نعم العون لمن صَحَّ طلبه لله وَالدَّار الْآخِرَة وَكَانَت همه لما هُنَاكَ وَبئسَ الْقَاطِع لمن كَانَت هِيَ مَقْصُوده وهمته وحولها يدندن وفواتها فِي الدُّنْيَا نعم العون لطَالب الله وَالدَّار الْآخِرَة وَبئسَ الْقَاطِع النازع من الله وَالدَّار الْآخِرَة فَمن أَخذ مَنَافِع الدُّنْيَا على وَجه لَا ينقص حَظه من الْآخِرَة ظفر بهما جَمِيعًا وَإِلَّا خسرهما جَمِيعًا سُبْحَانَ الله رب الْعَالمين لَو لم يكن فِي ترك الذُّنُوب والمعاصي إِلَّا إِقَامَة الْمُرُوءَة وصون الْعرض وَحفظ الجاه وصيانة المَال الَّذِي جعله الله قواما لمصَالح الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ومحبة الْخلق وَجوَار القَوْل بَينهم وَصَلَاح المعاش وراحة الْبدن وَقُوَّة الْقلب وَطيب النَّفس ونعيم الْقلب وانشراح الصَّدْر والأمن من مخاوف الْفُسَّاق والفجار وَقلة الْهم وَالْغَم والحزن وَعز النَّفس عَن احْتِمَال الذل وصون نور الْقلب أَن تطفئه ظلمَة الْمعْصِيَة وَحُصُول الْمخْرج لَهُ مِمَّا ضَاقَ على الْفُسَّاق والفجار وتيسر الرزق عَلَيْهِ من حَيْثُ لَا يحْتَسب وتيسير مَا عسر على أَرْبَاب الفسوق والمعاصي وتسهيل الطَّاعَات عَلَيْهِ وتيسير الْعلم وَالثنَاء الْحسن فِي النَّاس وَكَثْرَة الدُّعَاء لَهُ والحلاوة الَّتِي يكتسبها وَجهه المهابة الَّتِي تلقى لَهُ فِي قُلُوب النَّاس وانتصارهم وحميتهم لَهُ إِذا أوذي وظلم وذبهم عَن عرضه إِذا اغتابه مغتاب وَسُرْعَة إِجَابَة دُعَائِهِ وَزَوَال الوحشة الَّتِي بَينه وَبَين الله وَقرب الْمَلَائِكَة مِنْهُ وَبعد شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ مِنْهُ وتنافس النَّاس على خدمته وَقَضَاء حَوَائِجه وخطبتهم لمودته وصحبته وَعدم خَوفه من الْمَوْت بل يفرح بِهِ لقدومه على ربه ولقائه لَهُ ومصيره إِلَيْهِ وَصغر الدُّنْيَا فِي قلبه وَكبر الْآخِرَة عِنْده وحرصه على الْملك الْكَبِير والفوز الْعَظِيم فِيهَا وذوق حلاوة الطَّاعَة وَوجد حلاوة الْإِيمَان وَدُعَاء حَملَة الْعَرْش وَمن حوله من الْمَلَائِكَة لَهُ وَفَرح الْكَاتِبين بِهِ ودعائهم لَهُ كل وَقت وَالزِّيَادَة فِي عقله وفهمه وإيمانه ومعرفته وَحُصُول محبَّة الله لَهُ وإقباله عَلَيْهِ وفرحه بتويته وَهَكَذَا يجازيه بفرح وسرور لَا نِسْبَة لَهُ إِلَى فرحه وسروره بالمعصية بِوَجْه من الْوُجُوه