الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شكور} فِي سُورَة لُقْمَان وَسورَة إِبْرَاهِيم وسبأ والشورى فَأخْبر عَن آيَاته المشهودة العيانية أَنَّهَا إِنَّمَا ينْتَفع بهَا أهل الصَّبْر وَالشُّكْر كَمَا أخبر عَن آيَاته الإيمانية القرآنية أَنَّهَا إِنَّمَا ينْتَفع بهَا أهل التَّقْوَى والخشية والإنابة وَمن كَانَ قَصده اتّباع رضوانه وَأَنَّهَا يتَذَكَّر بهَا من يخشاه سُبْحَانَهُ كَمَا قَالَ طه أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً لمن يخْشَى وَقَالَ فِي لساعة {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ من يخشاها} وَأما من لَا يُؤمن بهَا وَلَا يرجوها وَلَا يخشاها فَلَا تَنْفَعهُ الْآيَات العيانية وَلَا القرآنية وَلِهَذَا لما ذكر سُبْحَانَهُ فِي سُورَة هود عقوبات الْأُمَم المكذبين للرسل وَمَا حل بهم فِي الدُّنْيَا من الخزي قَالَ بعد ذَلِك {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَاب الْآخِرَة} فَأخْبر أَن عقوباته للمكذبين عِبْرَة لمن خَافَ عَذَاب الْآخِرَة وَأما من لَا يُؤمن بهَا وَلَا يخَاف عَذَابهَا فَلَا يكون ذَلِك عِبْرَة وَآيَة فِي حَقه اذا سمع ذَلِك قَالَ لم يزل فِي الدَّهْر الْخَيْر وَالشَّر وَالنَّعِيم والبؤس والسعادة والشقاوة وَرُبمَا أحَال ذَلِك على أَسبَاب فلكية وقوى نفسانية وَإِنَّمَا كَانَ الصَّبْر وَالشُّكْر سَببا لانتفاع صَاحبهمَا بِالْآيَاتِ يَنْبَنِي على الصَّبْر وَالشُّكْر فنصفه صَبر وَنصفه شكر فعلى حسب صَبر العَبْد وشكره تكون قُوَّة إيمَانه وآيات الله إِنَّمَا ينْتَفع بهَا من آمن بِاللَّه وَلَا يتم لَهُ الْإِيمَان إِلَّا بِالصبرِ وَالشُّكْر فَإِن رَأس الشُّكْر التَّوْحِيد وَرَأس الصَّبْر ترك إِجَابَة دَاعِي الْهوى فَإِذا كَانَ مُشْركًا مُتبعا هَوَاهُ لم يكن صَابِرًا وَلَا شكُورًا فَلَا تكون الْآيَات نافعة لَهُ وَلَا مُؤثرَة فِيهِ إِيمَانًا
فصل وَأما الأَصْل الثَّانِي وَهُوَ اقْتِضَاء الْفُجُور وَالْكبر وَالْكذب للضلال فكثير
أَيْضا فِي الْقُرْآن كَقَوْلِه تَعَالَى {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَاّ}
{الْفَاسِقين الَّذين ينقضون عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} وَقَالَ تَعَالَى {ُيثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء} وَقَالَ تَعَالَى فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كسبوا وَقَالَ تَعَالَى {وَقَالُوا قُلُوبنَا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا مَا يُؤمنُونَ} وَقَالَ تَعَالَى {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أول مرّة} فَأخْبر أَنه عاقبهم على تخلفهم عَن الْإِيمَان لما جَاءَهُم وعرفوه وأعرضوا عَنهُ بِأَن قلب أفئدتهم وأبصارهم وَحَال بَينهم وَبَين الْإِيمَان كَمَا قَالَ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَم أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ فَأَمرهمْ بالاستجابة لَهُ وَلِرَسُولِهِ حِين يَدعُوهُم إِلَى مَا فِيهِ حياتهم ثمَّ حذّرهم من التَّخَلُّف والتأخر عَن الاستجابة الَّذِي يكون سَببا لِأَن يحول بَينهم وَبَين قُلُوبهم قَالَ تَعَالَى {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقين} وَقَالَ تَعَالَى {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} فَأخْبر سُبْحَانَهُ أَن كسبهم غطى على قُلُوبهم وَحَال بَينهَا وَبَين الْإِيمَان بآياته فَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ وَقَالَ تَعَالَى فِي الْمُنَافِقين {نَسُوا اللَّهَ فنسيهم} فجازاهم على نسيانهم لَهُ أَن نسيهم فَلم يذكرهم بِالْهدى وَالرَّحْمَة وَأخْبر أَنه أنساهم أنفسهم فَلم يطلبوا كمالها بِالْعلمِ النافع وَالْعَمَل الصَّالح وهما الْهدى وَدين الْحق فأنساهم طلب ذَلِك ومحبته ومعرفته والحرص عَلَيْهِ عُقُوبَة لنسيانهم لَهُ وَقَالَ تَعَالَى فِي حقّهم {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وآتاهم تقواهم} فَجمع لَهُم بَين اتّباع الْهوى والضلال الَّذِي هُوَ ثَمَرَته وموجبه كَمَا جمع للمهتدين بَين التَّقْوَى وَالْهدى