الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال بعضهم: إن هذا الموت قد نغص على أهل النعيم نعيمهم فاطلبوا نعيماً لا موت معه.
قال الحسن رضي الله عنه: فضح الموت الدنيا ما ترك لذي لب فرحاً.
روي أنه لما وضع إبراهيم عليه السلام في المنجنيق ليرمى به في النار أتاه جبرائيل عليه السلام فقال: ألك حاجة؟ قال أما إليك فلا.
من كلام بعضهم: الفرق بين الهوى والشهوة مع اجتماعهما في العلة والمعلول واتفاقهما في الدلالة والمدلول هو أن الهوى مختص بالآراء والاعتقادات والشهوة تختص بنيل المستلذات، فصارت الشهوة من نتائج الهوى وهي أخص، والهوى أضل، وهو أعم، لامرأة من العرب:
أيها الإنسان صبراً
…
إن بعد العسر يسرا
إشرب الصبر وإن كان
…
من الصبر أمرا
أبو تمام
إذا اشتملت على اليأس القلوب
…
وضاق لما به صدر الرحيب
وأوطنت المكاره واطمأنت
…
وأرست في مكانتها الخطوب
ولم تر لانكشاف الضر وجهاً
…
ولا أغنى بحيلته الأريب
أتاك على قنوت منه غوث
…
يمن به اللطيف المستجيب
فكل الحادثات وإن تناهت
…
فموصول بها فرج قريب
لبعضهم
وكم غمرة هاجت بأمواج غمرة
…
تلقيتها بالصبر حتى تجلت
وكانت على الأيام نفسي عزيزة
…
فما رأت صبري على الذل ذلت
تعريف السيمياء
السيميا يطلق على غير الحقيقي من السحر وحاصله إحداث مثالات خيالية لا وجود لها وقد يطلق على إيجاد تلك المثالات وتصويرها في الحسن وتكوين صور في جوهر الهواء، وسبب سرعة زوالها سرعة تغير جوهر الهواء، وكونه لا يحفظ ما يقبله زماناً طويلاً.
ابن الدمينة اسمه عبد الله وهو من العرب العرباء من بني عامر، وشعره في غاية الرقة على خلاف ما كان عليه الصدر الأول، وهذا في ذلك الزمان عجيب، وكان العباس بن الأحنف يطرف بشعره جداً ومن شعره: ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد الأبيات الخمسة.
وله أيضاً الأبيات المشهورة التي يقول فيها:
نهاري نهار الناس حتى إذا بدا
…
لي الليل هزتني إليك المضاجع
وله من أبيات
قفي يا أميم القلب نقضي لبانة
…
ونشكو الهوى ثم افعلي ما بدى لك
أرى الناس يرجون الربيع وإنما
…
ربيعي الذي أرجو زمان نوالك
تعاللت كي أشجي وما بك علة
…
تريدين قتل قد ظفرت بذلك
لئن ساءني إن نلتني بمساءة
…
فقد سرني أني خطرت ببالك
أبيني أفي يمنى يديك جعلتني؟
…
فأفرح أم صيرتني في شمالك؟
من كلام بعضهم لا يحصل هذا العلم إلا من خرب دكانه، وهاجر إخوانه، وباعد أوطانه، واستغنم إبانه.
قال في التبيان: بعد أن ذكر هذين البيتين في وصف الهلال لابن المعتز وقال: إنه أحسن ما قيل في الهلال:
وجاءني في قميص الليل مستتراً
…
يستعجل الخطو في خوف وفي حذر
ولاح ضوء هلال كاد يفضحني
…
مثل القلامة إذ قصت من الظفر
قال لو قال لم يقص ليكون امتياز الهلال عن التدوير الذي يحس كالقلامة على الظفر كان أدق معنى هذا كلامه.
العجب من أبي نواس مع تمهره في كلام العرب وتعمقه في العربية كيف غلط في قوله:
كأن صغرى وكبرى من فواقعها
…
حصباء در على أرض من الذهب
فإن فعلى التي هي مؤنث أفعل لا تعرى عن الألف واللام والإضافة معاً قاله في المثل السائر، وذكر ابن هشام أيضاً في الباب الثاني من كتاب مغني اللبيب ما صورته إنما قلت
صغرى وكبرى موافقة لهم وإنما الوجه استعمال فعلى أفعل بأل أو الإضافة ولذلك لحن من قال:
كان صغرى وكبرى من فواقعها
…
حصباء در على أرض من الذهب
فكيف يظن ظان أنه في وصف الدينار إذا استولى الحب أدهش عن إدراك الألم، والتجربة أعدل شاهد على ذلك.
حكى سمنون المحب قال: كان في جوارنا رجل له جارية يحبها غاية الحب فاعتلت فجلس الرجل يصنع لها حميساً فبينا هو يحرك ما في القدر إذ قالت الجارية: آه فدهش الرجل وسقطت الملعقة من يده وجعل يحرك ما في القدر بيده حتى تساقط لحم أصابعه وهو لا يحس بذلك، فهذا وأمثاله قد يصدق به في حب المخلوق والتصديق به في حب الخالق أولى، لأن البصيرة الباطنة أصدق من البصر الظاهر، وجمال الحضرة الربوبية أوفى من كل جمال، فإنه الجمال الخالص البحت وكل جمال في العالم فهو مختلط ناقص.
قصد بعض الشعراء أبا دلف: فسأله أبو دلف ممن أنت؟ فقال: من بني تميم فقال:
تميم بطرق اللوم أهدى من القطا
…
ولو سلكت سبل المكارم ضلت
فقال الرجل: نعم، بتلك الهداية جئت إليك فخجل وأستكتمه وأجازه. إلى آخر ما قاله.
لبيك يزيد ضارع لخصومة
…
ومختبط مما تطيح الطوايح
إن الأولى في معنى البيت أن يكون يزيد منادى، وضارع نايب الفاعل أي الضارع ينبغي أن يبكي بعدك لعدم المعين والممد، أما أنت ففي جنات النعيم، وعلى هذا فلا حذف في البيت. لله در من قال:
أليس عجيباً بأن امرءاً
…
لطيف الطباع حكيم الكلم
يموت وما حصلت نفسه
…
سوى علمه أنه ما علم
ذكر أهل التجارب أن لتكون الجنين زماناً مقدراً فإذا تضاعف ذلك الزمان تحرك الجنين، ثم إذا انضاف المجموع مثلاً انفصل الجنين.
وقال الشيخ في الشفا في الفصل السادس من المقالة التاسعة من كتاب الحيوان: إن امرأة ولدت بعد الرابع من سني الحمل ولداً قد نبت أسنانه وعاش.
ذكر أرسطاطاليس: أن مدة الحمل في كل الحيوانات مضبوطة إلا في الإنسان، وقال جالينوس: إني كنت شديد الفحص عن مقادير أزمنة الحمل، فرأيت امرأة ولدت في المائة وأربعة والثمانين ليلة.
من الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين علي رضي الله عنه:
هي حالان شدة ورخاء
…
وسجالان نعمة وبلاء
والفتى الحاذق الأريب إذا ما
…
خانه الدهر لم يخنه العزاء
إن ألمت ملمة بي فإني
…
في الملمات صخرة صماء
صابر في البلاء علماً بأن
…
ليس يدوم النعيم والبلواء
لابن المطروح
وعدك لا ينقضي له أمد
…
ولا لليل المطال منك غد
عللتني بالمنى غداً فغداً
…
إن غداً سرمداً هو الأبد
يضحك عن واضح مقبلة
…
عذب برود كأنه البرد
أحوم من حوله ولي ظمأ
…
إلى جنى ريقه ولا أرد
وكلما زدت وجهه نظراً
…
بدت عليه محاسن جدد
البيت الأخير من هذه الأبيات مأخوذ من قول أبي نؤاس: كأن ثيابه اطلعن
…
من أزراره قمرا
بعين خالط التغتير
…
في أجفانه الحورا
يزيدك وجهه حسناً
…
إذا ما زدته نظرا
الفاضل الجلبي في حاشيته المطول بعدما ذكر قول أبي نواس:
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها
…
لو مسها حجر مسته سراء
قال: إن البيت في وصف االدينار
وقال جامع الكتاب: هذا عجيب من ذلك الفاضل، فإنه يفهم من حاشيته أن له اطلاعاً وممارسة بشعر العرب، وهذه الأبيات التي هذا البيت منها مشهور.
لأبي نواس في وصف الخمر وأولها:
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء
…
وداوني بالتي كانت هي الداء
وبعده قوله:
من كف ذات حرٍ في زي ذي ذكر
…
لها محبان لوطي وزناء
الاسطرلاب آلة مشتملة على أجزاء يتحرك بعضها فتحكي الأوضاع الفلكية ويستعلم بها بعض الأحوال العلوية، والساعات المستوية والزمانية، ويستنتج منها بعض الأمور السفلية.
قال أرسطو: القنية ينبوع الأحزان، نظمه أبو الفتح البستي فقال:
يقولون ما لك لا تقتني
…
من المال ذخراً يفيد الفتى
فقلت فأفحمتهم في الجواب
…
لئلا أخاف ولا أحزنا
حكى الصولي عمن أخبره قال: خرجنا للحج فعرجنا عن الطريق للصلاة، فجاءنا غلام فقال: هل فيكم أحد من أهل البصرة؟ فقلنا كلنا منها فقال: إن مولاي منها وهو مريض يدعوكم، قال: فقمنا إليه، فإذا هو نازل على عين ماء، فلما أحس بنا رفع رأسه وهو لا يكاد يرفعه ضعفاً وأنشأ يقول:
شعر
يا بعيد الدار عن وطنه
…
مفرداً يبكي على شجنه
كلما جد الرحيل به
…
زادت الأسقام في بدنه
ثم أغمي عليه طويلاً، فجاء طائر فوقع على شجرة كان مستظلاً بها، وجعل يغرد ففتح عينيه وجعل يسمع التغريد، ثم أنشد:
ولقد زاد الفؤاد شجى
…
طائر يبكي على فننه
شفه ما شفني فبكى
…
كلنا يبكي على سكنه
ثم تنفس الصعداء فغاضت نفسه، قال: فغسلناه وكفناه، وسألنا الغلام عنه فقال: هذا العباس بن الأحنف وكانت وفاته سنة مائة وثلاث وتسعون ومائة وكان لطيف
الطبع، خفيف الروح دقيق الحاسة. حسن الشمائل، جميل المنظر، عذب الألفاظ كثير النوادر، ومن شعر وحدثتني يا سعد البيت.
للسيد الرضي رضي الله عنه:
من أجل هذا الناس أبعدت المدى
…
ورضيت أن أبقى ومالي صاحب
إن كان فقر فالقريب مباعد
…
أو كان مال فالبعيد مقارب
من كلامهم من بخل بماله دون نفسه جاد به على حليل عرسه.
ومن كلامهم جود الرجل يجيبه إلى أضداده ويبغضه إلى أولاده. من إحياء علوم الدين في كتاب ذم الغرور، وهو العاشر من المهلكات؛ وفرقة أخرى عظم غرورهم في فن الفقه، وظنوا أن حكم العبد بينه وبين الله تعالى، يتبع حكمه في حكم القضاء، فوضعوا الحيل في رفع الحقوق وهذا نوع عم العامة، إلا الأكياس منهم فنشير إلى أمثلته فمن ذلك فتواهم بأن المرأة متى أبرأت الزوج عن الصداق برىء الزوج بينه وبين الله تعالى، وذلك على إطلاقه عين الخطأ، فإن الزوج يسيء إلى الزوجة بحيث يضيق عليها الأمور فتضطر إلى طلب الخلاص فتبرىء الزوج لتخلص منه، فهو إبراء لا عن طيب نفس، لقد قال الله تعالى:" فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً " وإنما طيب النفس أن تسمح نفسها بالإبراء لا عن ضرورة، وبدون إكراه وإلا فهي مصادرة بالحقيقة، لأنها رددت بين ضررين: فاختارت أهونهما. نعم قاضي الدنيا لا يطلع على القلوب، إذ الإكراه الباطني مما لا يطلع عليه الخلق، ولكن متى تصدى القاضي الأكبر في صعيد القمة للقضاء لم يكن هذا مجزياً ولا مفيداً في تحصيل الإبراء، وكذلك لا يحل مال الإنسان أن يؤخذ إلا بطيب نفس، فلو طلب الإنسان مالاً على ملأ من الناس فاستحى المطلوب منه من الناس أن لا يعطيه، وكان يود أن يكون سؤاله له في خلوة حتى لا يعطيه، لكن يخاف ألم مذمة الناس، ويخاف ألم تسليم المال فردد نفسه بينهما فاختار ألم تسليم المال، وهو أهون الألمين، فسلمه فلا فرق بين هذا وبين المصادرة، إذ معنى المصادرة إيلام البدن بالضرب حتى يصير ذلك أقوى من ألم القلب ببذل المال فيختار أهون الألمين والسؤال في مظنة الحياء ضرب القلب بالسوط، ولا فرق بين ضرب الظاهر وضرب الباطن عند الله تعالى، لأن الباطن عنده ظاهر، وكذلك من يعطي شخصاً شيئاً إتقاء شره بلسانه أو شر معاتبته فهو حرام
عليه، وكذلك كل مال يؤخذ على هذا الوجه، ومن ذلك هبة الرجل مال الزكاة في آخر الحول لزوجته مثلاً لإسقاط الزكاة، فالفقيه يقول: سقطت الزكاة، فإن أراد به أن مطالبة السلطان والساعي سقطت فقد صدق وإن أراد أنه يسلم في القيمة ويكون كمن لم يملك المال أو كمن باع لحاجته إلى البيع فما أجهله بفقه الدين ومعنى الزكاة، فإن سر الزكاة تطهير القلب عن رذيلة البخل، فإن البخل مهلك. قال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه، وإنما صار شحه مطاعاً بما فعله، وقبله لم يكن مطاعاً، فقد تم هلاكه بما يظن أن فيه صلاحه انتهى.
من كلامهم من تغير عليك فلا تتغير له لا تكثر مجالسة الجبار وإن كان لك مكرماً محباً.
من برك الصديق توقيرك إياه في المجالس. أهون التجارة الشرى، وأشدها البيع.
من كتاب قرب الإسناد عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه قال: كان علي رضي الله عنه وفاطمة رضي الله عنهما حين دخلت عليه إهاب كبش إذا أرادا أن يناما عليه قلباه، وكانت وسادتهما أدماً حشوها ليف، وكان صداقها درعاً من حديد.
منه عن أمير المؤمنين رضي الله عنه في قوله تعالى: " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " قال: من ماء السماء وماء البحر، فإذا أمطرت السماء فتحت الأصداف أفواهها فيقع فيها من ماء المطر، فتخلق اللؤلؤة الصغيرة من القطرة الصغيرة، واللؤلؤة الكبيرة من القطرة الكبيرة.
لكل داء دواء يستطيب به
…
إلا الحماقة أعيت من يداويها
صاحب الحاجة أبله لأنه يخيل إليه أنها لا تقضى فيحزن والقلب إذا حزن فارقه الرأي، والحزن عدو الفهم لا يستقران في معدن واحد.
حيلة جار السوء وقرين السوء أن تكرم أبناءهم فيندفع عنك شرور آبائهم.
من أتاك راجياً فلا ترده كما لا تحب أن ترد إذا جئت راجياً من استعان بظالم خذله الله.
قال بعض الحكماء: مثل أصحاب السلطان كقوم راقوا جبلاً ثم وقعوا منه، فكان أبعدهم في المرقى أقربهم من التلف.
قيل لبعضهم: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت والدنيا غمي، والآخرة همي.
قيل لصوفي ما صناعتكم؟ فقال: حسن الظن بالله، وسوء الظن بالناس.
قال بعض الحكماء: إنما حض بالمشاورة لأن رأي المشير صرف ورأي المستشير مشوب بالهوى.
ومن كلامهم إن سلمت من الأسد فلا تطمع في صيده. لا تمرر بمن يبغضك وإن مررت فسلم. قال صاحب الكشاف في قوله تعالى: " إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً " إن عنه في موضع رفع بمسؤول كقوله تعالى: " غير المغضوب عليهم ولا الضالين " اعترض عليه أكثر المفسرين بأن هذا خطأ لأن الفاعل وما يقوم مقامه لا يتقدم على الفعل.
سهم قطعة الدائرة الصغرى أطول من سهم قطعة الدائرة الكبرى إذا كان وتراهما متساويين وكانت القطعة الكبرى أصغر من النصف، وعلى هذا تبتني المسألة المشهورة من أن الإناء كالطاس مثلاً يسع من الماء وهو في قعر البئر أكثر مما يسعه وهو على رأس المنارة، فنقول في بيانه: ليكن قوساً اهـ ب، ار ب من محيطي الدائرتين مختلفتين في المقدار وعلى وتر اب، وليكن قوس ار ب من الدائرة الكبرى أصغر من النصف ثم يخرج من منتصف اب وهو نقطة ح عموج ح ر هـ على اب فهذا العمود يمر بمركزي الدائرتين وهما نقطتا ح م لكونه عموداً على الوتر ومنصفاً له فنصل خطي اح ام وتقول نقطة ح التي هي أقرب إلى وتر اب مركز لدائرة اهـ ب الصغرى لكون خط اح أصغر من خط ام فنقطة ح داخلة في سطح دائرة ار ب العظمى وقد خرج خطا ح اح ر إلى محيطها وح ر على سمت المركز فهو أصغر من ح الكن خطا ح اح هـ لكون كل منهما نصف قطر الدائرة الصغرى متساويان فخط ح هـ أطول من خط ح ر فبعد إسقاط خط ح المشترك يكون خط ح هـ الذي هو سهم لقوس اهـ ر التي هي قطعة من محيط الدائرة الصغرى أطول من خط ح د الذي هو سهم لقوس ار ب التي هي قطعة من محيط الدائرة العظمى، وذلك ما أردنا بيانه.
قال ابن عباس: ما اتعظت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل كتاب كتب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أما بعد فإن الإنسان يسره درك ما لم يكن ليفوته، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه فلا تكن بما نلت من دنياك فرحاً، ولا بما فاتك منها ترحاً، ولا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل، ويرجو التوبة بطول الأمل فكان وقد والسلام.
عباد الله الحذر، الحذر فوالله لقد ستر حتى كأنه قد غفر وأمهل، حتى كأنه قد أهمل الله المستعان على ألسنة تصف وقلوب تعرف، وأعمال تخالف.
قال بعض الحكماء: إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل فانظر إلى حنينه إلى إخوانه وشوقه إلى أوطانه، وبكائه على ما مضى من زمانه.
ومن كلامهم كما أن الذباب يتبع موضع الجروح فينكأها، ويجتنب المواضع الصحيحة، كذلك شرار الناس يتبعون معائب الناس، فيذكرونها ويدفنون المحاسن.
كتب أرسطاطاليس إلى الإسكندر أن الرعية إذا قدرت أن تقول قدرت أن تفعل فاجتهد أن لا تقول تسلم من أن تفعل.
سئل الإسكندر أي شيء نلته بملكك أنت أشد سروراً به قال: قوتي على مكافأة من أحسن إلي بأكثر من إحسانه. سئل سولون أي شيء أصعب على الإنسان؟ قال: الإمساك عن الكلام بما لا يعنيه.
شتم رجل اسخنيس الحكيم فأمسك عنه، فقيل له في ذلك: قال لا أدخل حرباً الغالب فيها أشر من المغلوب.
من كلام علي رضي الله عنه أنعم على من شئت فأنت أميره، واحتج إلى من شئت فأنت أسيره، واستغن عمن شئت فأنت نظيره. قوله تعالى " وجزاء سيئة سيئة مثلها " المشهور أنه من باب المشاكلة، وبعض المحققين من أهل العرفان لا يجعله من ذلك الباب بل يقول: غرضه تعالى أن السيئة ينبغي أن تقابل بالعفو والصفح عمن فعلها، فإن عدل عن ذلك إلى الجزاء وكان ذلك الجزاء سيئة مثل تلك السيئة. وهذا الكلام لا يخلو من نفحة روحانية.
قيل لديوجانس الحكيم: هل لك بيت تستريح فيه؟ فقال إنما يحتاج إلى البيت ليستراح فيه، وحيث ما استرحت فهو بيت لي. وكان في زمانه رجل مصور فترك التصوير وصار طبيباً، فقال له: أحسنت إنك لما رأيت خطأ التصوير ظاهر للعين وخطأ الطب يواريه التراب تركت التصوير ودخلت في الطب. ورأى رجلاً أكولاً سميناً، فقال له: يا هذا إن عليك ثوباً من نسج أضراسك، كثير عزه من أبيات:
وإني وتهيامي بعزة بعدما
…
تخليت مما بيننا وتخلت
لكالمرتجي ظل الغمامة بعدما
…
تبوأ منها للمقيل اضمحلت
أباحت حمى لم يرعه الناس قبلها
…
وحلت تلاعاً لم تكن قبل حلت
وكانت لقطع الحبل بيني وبينها
…
كناذرة نذراً فأوفت وبرت
فقلت لها يا عز كل مصيبة
…
إذا وطئت يوماً لها النفس ذلت أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة
…
لدينا ولا مقلوة إن تقلت
تمنت سليمى أن نموت بحبها
…
وأهون شيء عندنا ما تمنت
دخل بشار على المهدي وعنده خاله يزيد بن منصور الحميري: فأنشده قصيدة يمدحه بها فلما أتمها قال له يزيد: ما صناعتك أيها الشيخ فقال: أثقب اللؤلؤ، فقال له المهدي: أتهزأ بخالي؟ فقال: يا أمير المؤمنين ما يكون جوابي له وهو يراني شيخاً أعمى ينشد شعراً فضحك المهدي وأجازه.
قال بعض البلغاء صورة الخط في الأبصار سواد، وفي البصائر بياض، رحم الله من أمسك ما بين فكيه، وأطلق ما بين كفيه، لا تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قال: وفي بعض الآثار إن لسان بني آدم يتشرف على جميع جوارحه كل صباح، فيقول: كيف أصبحتم؟ فيقولون: بخير إن تركتنا، الله الله فينا ويناشدونه ويقولون: إنما نثاب ونعاقب بك.
رأيت في بعض التواريخ قال: كان كثير عزة رافضياً وكانت خلفاء بني أمية يعرفون ذلك ويلبسونه على أنفسهم ميلاً لمؤانسته ومحادثته.
دخل على عبد الملك بن مروان فقال له: نشدتك بحق علي بن أبي طالب رضي الله عنه هل رأيت أعشق منك؟ فقال: يا أمير المؤمنين لو سألتني بحقك أخبرتك، نعم بينا أنا أسير في بعض الفلوات إذ أنا برجل قد نصب حبائله، فقلت: ما أجلسك هنا؟ فقال أهلكني وأهلي الجوع، فنصبت حبائلي لأصيب لهم ولنفسي ما يكفينا يومنا هذا، فقلت: أرأيت إن أقمت معك وأصبنا صيداً تجعل لي منه جزءاً قال: نعم، فبينا نحن كذلك إذ وقعت ظبية فخرجنا مبتدرين، فأسرع إليها فحلها وأطلقها فقلت له: ما حملك على هذا قال: دخلني عليها رقة لشبهها بليلى وأنشأ يقول:
أيا شبه ليلى لا تراعي فإنني
…
لك اليوم من وحشية لصديق
أقول وقد أطلقا من وثاقها
…
لأنت لليلى لو عرفت عتيق
فعيناك عيناها وجيدك جيدها
…
ولكن عظم الساق منك رقيق
ولما أسرعت في العدو وجعل يقول: