المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ح هـ ح ب قائمتان وزاوية هـ ب امثل زاوية - الكشكول - جـ ٢

[البهاء العاملي]

فهرس الكتاب

- ‌النفوس أربعة

- ‌تعريف القدر

- ‌مواعظ مؤثرة

- ‌وصف الساق

- ‌القول في إن الله واحد

- ‌عدل علي كرم الله وجهه

- ‌مسألة فلكية

- ‌من يستجاب دعاؤه

- ‌الأقوال في المعاد

- ‌تعريف الفلسفة

- ‌تعريف علم الموسيقى

- ‌الخوف والحزن

- ‌وصايا أمير المؤمنين لأولاده

- ‌من غرر الحكم

- ‌قصة يوسف

- ‌بعض ما قيل في النساء

- ‌تعريف السيمياء

- ‌تعريف الدنيا

- ‌تعريف الإخلاص

- ‌وفيات بعض العلماء

- ‌أحكام أن

- ‌الفرق بين الرجاء والأمنية

- ‌تفسير حديث الشقي من شقي في بطن أمه

- ‌نور الكواكب

- ‌بحث في ضمير النكرة

- ‌مواعظ

- ‌البرهان على مساواتة الزوايا الثلاث في المثلث لقائمتين

- ‌من خصال التقوى

- ‌أقوال الحكماء

- ‌قنوت أفلاطون

- ‌‌‌دعاءفيتاغورس

- ‌دعاء

- ‌طرق وزن الأرض

- ‌النفي يتوجه إلى القيد

- ‌القيامة قيامتان

- ‌دعاء الحجاج عند موته

- ‌ظهور النار بخارج المدينة

- ‌إثبات الجزء

- ‌أمثال عربية

- ‌الاستنكار من الألفاظ الغريبة

- ‌الجزء الذي لا يتجزأ

- ‌ذكاء عربي

- ‌البرهان الترسي

- ‌انعكاس نور الشمس على وجه الأرض

- ‌صفة الملائكة

- ‌رأي النصارى في الأقاليم

- ‌أسماء اللبن

- ‌تحريم السحر

- ‌حكم

- ‌الجفر والجامعة

- ‌أسفار التوراة

- ‌قطب الفلك الأعلى

- ‌انطباع الصور في الحواس

- ‌الحب القاتل

- ‌تشريح القدم

- ‌في علم الفلك

- ‌متى يقرأ المنطق

- ‌حكم

- ‌حكم

- ‌بيان اختلاف الخلق في لذاتهم

- ‌تقويم الشمس

- ‌طرق معرفة ارتفاع الأرض وانخفاضها

- ‌هذه كتابة كتبها العارف الواصل الصمداني الشيخ محيي الدين ابن عربي

- ‌لغويات

- ‌دعاء السمات

- ‌حكم

- ‌أشرف الأعداد

- ‌من كتاب أنيس العقلاء

- ‌من صفات الدنيا

- ‌حكم

- ‌توحيد سقراط

- ‌نصائح نبوية

- ‌من كلام أرسطوطاليس

- ‌حقائق الأشياء

- ‌من كلام سقراط

- ‌لغويات

- ‌من كتاب أدب الكتاب

- ‌الحزن والعضب

- ‌وصف المتقين

- ‌نصائح

- ‌وصف القرآن

- ‌خطبة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌وجود الله سبحانه

- ‌مسيلمة وسجاح

- ‌الحب القاتل

- ‌الوقت باصطلاح الصوفية

- ‌(رأي الصوفية في الجن)

- ‌(لغويات)

- ‌(في كشف الغمة)

- ‌(تعريف القضاء والقدر)

- ‌(لغويات)

- ‌(المجلد الخامس من الكشكول لبهاء الدين العاملي)

- ‌(في تعظيم حق الوالدين:)

- ‌(علم التصوف)

- ‌(لغويات)

- ‌(قال الشريف الرضي:)

- ‌(تعريف السعادة)

- ‌(محاورة بين الحجاج وسعيد بن جبير)

- ‌(عدد من قتلهم الحجاج)

- ‌(من كلام نجم الدين السكبري:)

- ‌(ما جاء في الثياب:)

- ‌(من خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام:)

- ‌(من أمثال العرب)

- ‌(من أمثال العرب)

- ‌(الوزارة)

- ‌(تعريف الحكمة)

- ‌(تقسيم النفس، وتعريفها)

- ‌(هل الأرض شفافة

- ‌(في وصف الكتاب:)

- ‌(الشريف الرضي:)

- ‌(لبعض الأعراب:)

- ‌(لبعض الأعراب:)

- ‌(من كلام بعض الحكماء:)

- ‌(حقيقة النفس)

- ‌(حكم مأثورة)

- ‌(تعريف البلاغة)

- ‌(وفاء أعرابي)

- ‌حكم

الفصل: ح هـ ح ب قائمتان وزاوية هـ ب امثل زاوية

ح هـ ح ب قائمتان وزاوية هـ ب امثل زاوية ب اح وزاوية هـ ح امثل زواية ح ار والثاني مشترك انتهى.

يزيد البسطامي: جمعت جميع أسباب الدنيا وربطتها بحبل القناعة، ووضعتها في منجنيق الصدق، ورميتها في بحر اليأس فاسترحت.

عزيز النفس من لزم القناعة

ولم يكشف لمخلوق قناعة

نفضت يدي من طمعي وحرصي

وقلت لفاقتي سمعاً وطاعة

وفي بعض التفاسير في قوله تعالى: " ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين " أن المراد بالشياطين المنجمين فإن كلامهم رجم بالغيب.

‌أسماء اللبن

يسمى اللبن حين يخلب صريفاً، فإذا سلبت رغوته فهو الصريح، فإن لم يخالطه ماء، فهو مخيض فإذا أخذ اللسان فهو قارص، فإذا أخثر فهو رائب، فإذا اشتدت حموضته فهو حاذر.

أبو تمام

ينال الغنى في الدهر من هو جاهل

ويكدي الغنا في الدهر من هو عالم

لو كانت الأرزاق تجري على الحجى

إذن هلكت من جهلهن البهايم

الارب نذل كالحمار ورزقه

يدر عليه مثل صوب الغمايم

وحر كريم ليس يملك درهماً

يروح ويغدو صائماً غير صائم

القيراطي

كم من أديب فطن عالم

مستكمل العقل مقل عديم

وكم جهول مكثر ماله

ذلك تقدير العزيز العليم

ص: 125

ربما يتغير حسن الخلق والوطاء إلى الشراسة والبذاء لأسباب عارضة وأمور طارية تجعل اللين خشونة والوطاء غلظة والطلاقة عبوساً، وهذه الأسباب تنحصر بالاستقراء في سبعة: الأول الولاية التي تحدث في الأخلاق تغيراً وعلى الخلطاء تنكراً، أما للوم طبع أو من ضيق صدر، الثاني العزل.

الثالث الغنى فقد يتغير به أخلاق اللئيم بطراً وتسوء طرايقه أشراً قال الشاعر:

لقد كشف الإثراء عنك خلائقاً

من اللوم كانت تحت ثوب من الفقر

الرابع الفقر فقد يتغير الخلق به إما أنفة من ذل الإستكانة أو أسفاً من فائت الغنى، ولذلك قال صاحب الشرع رضي الله عنه: كاد الفقر أن يكون كفراً، وبعضهم يسلي هذه الحالة بالأماني، قال أبو العتاهية:

حرك مناك إذا

اغتممت فإنهن مراوح

وقال آخر

إذا تمنيت بت الليل مغتبطاً

إن المنى رأس أموال المفاليس

الخامس الهموم التي تذهل اللب وتشغل القلب، فلا يتسع لاحتمال ولا يقوى على صبر.

فقد قال بعض الأدباء: الهم هو الداء المخزون في فؤاد المحزون.

السادس الأمراض التي يتغير به الطبع، كما يتغير بها الجسم، فلا يبقى الأخلاق على اعتدال، ولا يقدر معها على احتمال.

السابع علو السن وحدوث الهرم، فكما يضعف بها الجسد عن احتمال ما كان يطيقه من الأثقال، كذلك تعجز النفس عن احتمال ما كانت تصبر عليه من مخالفة الوفاق ومضض الشقاق.

قال أبو الطيب

آلة العيش صحة وشباب

فإذا وليا عن المرء ولى

قال بعض الحكماء: احتمال السفيه ايسر من التحلي بصورته، والإغضاء عن الجاهل خير من مشاكلته

قال بعض السفهاء لبعض الحكماء: والله إن قلت واحدة سمعت عشرا، فقال الحكيم: والله قلت عشرا لم تسمع واحدة

وقال بعض الحكماء: غضب الأحمق في قوله، وغضب العاقل في فعله وقال آخر: من لم يصبر على كلمة سمع كلمات.

ص: 126

كتب بعض البلغاء كتابة بليغة إلى المنصور، يشكو فيها سوء حاله وكثرة عائلته وضيق ذات يده. فكتب المنصور في جوابه البلاغة والغنا إذا اجتمعا لامرىء أبطراه وإن أمير المؤمنين مشفق عليك من البطر فاكتف بأحدهما.

سألت زماني؟ وهو بالجهل مولع

وبالسخف مستهزء وبالنقص مختص

فقلت له هل لي طريق إلى الغنى

فقال طريقان الوقاحة والنقص

آخر

سبل المذاهب في البلاد كثيرة

والعجز شؤم والقعود وبال

يا من يعلل نفسه برخائه

ما بالتعلل تدرك الآمال

يقال: علا في المكان يعلو علواً بالواو وعلا في الشرف يعلا علاء بالألف قاله في الصحاح.

قال بعض الصلحاء بينما أنا أسير في جبال بيت المقدس، إذ هبطت إلى واد هناك وإذاً أنا بصوت عال لتلك الجبال دوي منه، فاتبعت الصوت فإذا أنا بروضة فيها شجر ملتف وإذا برجل قائم يردد هذه الآية " يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه " قال: فوقفت خلفه وهو يردد هذه الآية، ثم صاح صيحة خر منها مغشياً عليه، فانتظرت إفاقته فأفاق بعد ساعة، وهو يقول أعوذ بك من أعمال البطالين، أعوذ بك من إعراض الغافلين لك خشعت قلوب الخائفين وفرغت آمال المقصرين وذلت قلوب العارفين، ثم نفض يديه وهو يقول: ما لي وللدنيا ولي، أين القرون الماضية وأهل الدهور السالفة؟ ! في التراب يبلون وعلى مر الدهور يفنون.

فناديته يا عبد الله أنا منذ اليوم خلفك أنتظر فراغك فقال: وكيف يفرغ من يبادر الأوقات وتبادره؟ وكيف يفرغ من ذهبت أيامه وبقثت آثامه؟ ثم قال: أنت لها ولكل شدة أتوقع يرددها ثم لهى عني ساعة وقرأ " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " ثم صاح صيحة أشد من الأولى وخر مغشياً عليه، فقلت قد خرجت نفسه فدنوت منه وإذا هو يضطرب ثم أفاق وهو يقول: من أنا وما خطري هب لي إساءتي بفضلك وجللني بسترك واعف عني بكرم وجهك إذا وقفت بين يديك.

فقلت له يا سيدي بالذي ترجوه لنفسك وتثق به إلا كلمتني، فقال: عليك بكلام من ينفعك كلامه، ودع كلام من أوبقته ذنوبه، أنا في هذا الموضع ما شاء الله أجاهد إبليس ويجاهدني فلم يجد عوناً علي ليخرجني مما أنا فيه غيرك فإليك عني قد عطلت لساني، ومالت إلى حديثك شعبة من قلبي، فأنا أعوذ من شرك بمن أرجو أن يعيذني من سخطه، فقلت: في نفسي هذا من أولياء الله أخاف أن أشغله عن ربه ثم تركته ومضيت لوجهي. انتهى

ص: 127

يقال: علا في المكان يعلو علوا بالواو، وعلى بالكسر في الشرف يعلي علا، بالألف. قاله في الصحاح:

لما ملك الإسكندر بلاد فارس كتب إلى أرسطو إني قد وترت جميع من في المشرق والمغرب، وقد خشيت أن يتفقوا بعدي على قصد بلادي وأذى قومي وقد هممت أن أقتل أولاد من بقي من الملوك وألحقهم بآبائهم لئلا يكون لهم رأس يجتمعون إليه، فكتب إليه إنك إن قتلتهم أفضى الملك إلى السفل والأنذال، والسفلة إذا ملكوا طغوا وبغوا وما يخشى بينهم أكثر، والرأي أن تملك كلاً من أولاد الملوك كورة ليقوم كل منهم في وجه الآخر، ويشغل بعضهم ببعض، فلا يتفرغون. فقسم الاسكندر البلاد على ملوك الطوائف.

عش عزيزاً أو مت حميداً بخير

لا تضع للسؤال والذل خدا

كم كريم أضاعه الدهر حتى

أكل الفقر منه لحماً وجلدا

كلما زاده الزمان اتضاعاً

زاد في نفسه علواً ومجدا

يستحب الفتى بكل سبيل

أن يرى دهره على الفقر جلدا

قف تحت أذيال السيوف تنل علا

فالعيش في ظل السقوف وبال

لله در فتى يعيش ببأسه

لم يغد وهو على النفوس عيال

على المجيب أن يتوخى صلاح السائل وما هو أهم بشأنه، وأن يرشده إلى ما فيه نجاحه وقد يجيبه بما هو خلاف مطلوبه بسؤاله إذا كان ما طلبه غير لائق بحاله فإن كان ذلك على نهج أنيق وطرز رشيق حرك الطباع وشنف الأسماع. مثاله إذا طلب من غلبت عليه السوداء من الطبيب أكل الجبن فيقول له الطبيب: كله، ولكن مع قليل من الخل.

قال صاحب التبيان: وقد جرى على الأول جواب سؤال الأهلة، وعلى الثاني جواب سؤال النفقة في الآيتين كما هو مشهور.

شعر

وكن أكيس الكيسى إذا كنت فيهم

وإن كنت في الحمقى فكن أحمق الحمقى لما قطعت أعضاء ابن المنصور الحلاج واحداً واحداً لم يتأوه ولم يتألم، وكان كلما قطع منه عضو يقول:

ص: 128

وحرمة الود الذي لم يكن

يطمع في إفساده الدهر

ما قد لي عضو ولا مفصل

إلا وفيه لكم ذكر

المحقق التفتازاني والسيد الشريف قالا في حاشيتيهما في الكشاف إن الهداية إن تعدت بنفسها كانت بمعنى الإيصال ولهذا تسند إلى الله وبالمفعول الثاني كقوله: " لنهدينهم سبلنا " وإن تعدت بالحرف كان معناها إرائة الطريق فتسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مثل " إنك لتهدي إلى صراط مستقيم " وكلام هذين المحققين منقوض بقوله تعالى حكاية عن إبراهيم:" فاتبعني أهدك صراطاً سوياً " وعن مؤمن آل فرعون " أهدكم سبيل الرشاد ".

قال بعض أصحاب الأرثماطيقي أن عدد التسعة بمنزلة آدم عليه السلام فإن للآحاد نسبة الأبوة إلى سائر الأعداد، والخمسة بمنزلة حواء فإنها التي تتولد منها مثلها، فإن كل عدد فيه خمسة إذا ضرب فيما فيه الخمسة فلابد من وجود الخمسة بنفسها في حاصل الضرب البتة، وقالوا قوله تعالى:" طه " إشارة إلى آدم وحواء، وكل من هذين العددين إذا جمع من الواحد إليه على النظم الطبيعي اجتمع ما يساوي عدد الإسم المختص به فإذا جمعنا من الواحد إلى التسعة كان خمسة وأربعين وهي عدد آدم وإذا جمع من الواحد إلى الخمسة كان خمسة عشر وهي عدد حواء وقد تقرر في الحساب أنه إذا ضرب عدد في عدد يقال لكل من المضروبين ضلعاً وللحاصل مضلعاً، وإذا ضربنا الخمسة في التسعة حصل خمسة وأربعون وهي عدد آدم، وضلعاه التسعة والخمسة، قالوا: وما ورد في لسان الشارع صلوات الله عليه وآله من قوله: خلقت حواء من الضلع الأيسر لآدم إنما ينكشف سره بما ذكرناه، فإن الخمسة هي الضلع الأيسر للخمسة والأربعين والتسعة الضلع الأكبر والأيسر من اليسير وهو القليل لا من اليسار.

نقل الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير عن زين العابدين رضي الله عنه إن ناشئة الليل في قوله تعالى: " إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلاً " هي ما بين المغرب والعشاء.

سأل رجل شريحاً ما تقول: في رجل مات وخلف أبوه وأخوه؟ فقال شريح قل أباه وأخاه، فقال الرجل كم لأباه ولأخاه؟ فقال شريح: قل لأبيه وأخيه، فقال أنت الذي علمتني يقال إن هذه الواقعة أحد الأسباب الباعثة على وضع النحو. انتهى. لله در من قال:

(صن الود إلا عن الأكرمين

ومن بمؤاخاته تشرف)

(ولا تغير من ذوي خلة

وإن موهوا لك زخرفوا)

ص: 129

لبعضهم

الا رب هم يمنع الغمض دونه

أقام كقبض الراحتين على الجمر

بسطت له وجهي لأكبت حاسداً

وأبديت عن باب ضحوك وعن ثغر

وخطب كأطراف الأسنة والقنا

ملكت عليه طاعة الدمع أن يجري

قال ابن الأثير في المثل السائر: إنس سافرت إلأى الشام في سنة سبع وثمانين وخمسمائة، ودخلت مدينة دمشق، فوجدت جماعة من أربابها يلهجون من شعر ابن الخياط من قصيدة أولها:

(خذا من صبا نجد أمانا لقلبه

فقد كاد أن تكون لحبه)

فقلت لهم: هذا مأخوذ من قول أبي الطيب المتنبي:

(لو قلت للدنف المشوق فديته

مما به لأغرته بفدائه)

وقول أبي الطيب أدق معنى وإن كان ابن الخياط أرق لفظا. ثم إني أوقفتهم على مواضع كثيرة من شعر ابن الخياط قد أخذها من شعر المتنبي، وسافرت إلى الديار المصرية في سنة ست وتسعين وخمسمائة فوجدت أهلها يعجبون من بيت يعزونه إلى شاعر من اليمن يقال له عمارة، وكان حديث عهد بزماننا هذا في آخر العلوية بمصر، وذلك اليمن من قصيدة يمدح بها بعض خلفائها عند قدومه عليه من الحجاز وهو قوله:

(فهل درى البيت أنى بعد فرقته

ما سرت من حرم إلا إلى حرم)

فقلت لهم: هذا مأخوذ من قول أبي تمام يمدح بعض الخلفاء في حجة حجها، وهو قوله:

(يا من من رأى حرما يسري إلى حرم

طوبى لمستلم يأتي وملتزم)

ثم قلت في نفسي: يا لله العجب! ليس أبو تمام وأبو الطيب من الشعراء الذين درست أشعارهم، ولا هما ممن لا يعرف ولا اشتهر أمره بل هما - كما يقال - أشهر من الشمس والقمر، وشعرهما دائر في أيدي الناس، فكيف خفي على أهل مصر ودمشق بيتا ابن الخياط وعمارة المؤخوذان من شعرهما؟ وعلمت حينئذ أن سبب ذلك عدم الحفظ

ص: 130

للأشعار، والاقتناع بالنظر في دواوينهما. ولما نصبت نفسي للخوض في علم البيان، ورمت أن أكون معدودا من علمائه علمت أن هذه الدرجة لا تنال إلا بنقل ما في الكتب إلى الصدور، والاكتفاء بالمحفوظ عن المسطور.

(ليس بعلم ما حوى القمطير

ما العلم إلا ما حواه الصدر)

ولقد وقفت من الشعر على كل ديوان ومجموع، وأنفذت شطرا من العمر في المحفوظ منه والمسموع، فألفيته بحرا لا يوقف على ساحله، وكيف ينتهي إلى إحصاء قول لم تحص أسماء قائلة؟ فعند ذلك اقتصرت منه على ما تكثر فوائده، وتتشعب مقاصده، ولم أكن ممن أخذ بالتقليد والتسليم، وفي اتباع من قصر نظره على العشر القديم، إذ المراد من الشعر إنما هو إبداء المعنى الشريف، في اللفظ الجزل اللطيف، فمتى وجدت ذلك فكل مكان خيمت فهو بابل، وقد اكتفيت من هذا بشعر أبي تمام حبيب بن أوس، وأبي عبادة الوليد، وأبي الطيب المتنبي، وهؤلاء لالثلاثة هم لات الشعر وعزاه ومناته، الذين ظهرت على أيديهم حسناته ومستحسناته، وقد حوت أشعارهم غرابة المحدثين وفصاحة القدماء، وجمعت بين الأمثال السائرة وحكمة الحكماء

أما أبو تمام فإنه رب معان، وصقيل ألباب وأذهان، قد شهدت له بكل معنى مبتكر، لم يمش فيه على أثر، فهو غير مدافع عن مقام الإغراب، الذي برز فيه على الأضراب ولقد مارست من الشعر كل أول وأخير، ولم أقل ما أقوله إلا عن تنقيب وتنقير، فمن حفظ شعر الرجل وكشف عن غامضه، وراض فكره برائضه أطاعته أعنه الكلام، وكان قوله في البلاغة ما قالته حذام. فخذ مني في ذلك قول حكيم، وتعلم ففوق كل ذي علم عليم.

وأما أبو عبادة البحتري، فإنه أحسن في سبك اللفظ على المعنى، وأراد أن يشعر فغنى ولقد حاز طرفي لالرقة والجزالة على الإطلاق، فبينا يكون في شظف نجد حتى يتشبث بريف العراق وسئل أبو الطيب المتنبي عنه وعن أبي تمام وعن نفسه فقال: أنا وأبو تمام حكيمان والشاعر البحتري. ولعمرى إنه أنصف في حكمه وأعرب في قوله هذا المصوغ من سلالة الماء، فأدرك بذلك بعد المرام مع قربه إلى الإفهام. وما أقول إلا إنه أتى في معانيه باخلاط الغالية، ورقى في ديباجة لفظه إلى الدرجة العالية.

وأما أبو الطيب المتنبي، فإنعه أراد أن يسلك مسلك أبي تمام فقصرت عنه خطاه، ولم يعطه الشعر من قياده ما أعطاه، لكنه حظى في شعره بالحكم والأمثال، واختص بالإبداع في وصف مواقف القتال وأنا أقول قولا ولست فيه متأثما، ولا منه متلئما، وذلك أنه إذا

ص: 131

خاض في وصف معركة كانه لسانه أمضى من نصالها، وأشجع من أبطالها، وقامت أقواله للسامع مقام أفعالها، حتى يظن الفريقين قد تقابلا، والسلاحين قد تواصلا. وطريقة في ذلك يضل بسالكه، ويقوم بعذر تاركه. ولا شك أنه كان يشهد الحروب مع سيف الدولة فيصف لسانه ما أداه إليه عيانه. ومع هذا فإني رأيت الناس عادلين فيه عن السنن المتوسط، فإما مفرط في وصفه وإما مفرط وهو وإن انفرد بطريق صار أبا عذره، فإن سعادة الرجل كانت أكثر من شعره. وعلى الحقيقة فإنه خاتم الشعراء، ومهما وصف به فهو فوق الوصف وفوق الإطراء. ولقد صدق في قوله من أبيات يمدح بها سيف الدول:

(لا تطلبن كريما بعد رؤيته

إن الكرام بأسخارهم يدا ختموا)

(ولا تبال بشعر بعد شاعره

قد أفسد القول حتى أحمد الصمم)

ولما تأملت شعره بعين المعدلة البعيدة عن الهوى، وعين المعرفة التي ما ضل صاحبها وما غوى، وجدته أقساما خمسة: خمس منه في الغاية المتقهرة التي لا يعبأ بها وعدمها خير من وجودها. ولو لم يقلها أبو الطيب لوقاه الله شرها؛ فإنها هي التي لا يعبأ بها وعدمها خير من وجودها ولو لم يقلها أبو الطيب لوقاه الله شر؛ فإنها هي التي ألبسته لباس الملام، وجعلت عرضه إشارة لسهام الأقوام. ولسائل هنا أن يسأل ويقول: لم عدلت نظرا واجتهادا. وذلك أني وقفت على أشعار الشعراء قديمها وحديثها حتى لم يبق ديوان لشاعر مفلق يثبت شعره على المحك إلا وعرضته على على نظري، فلم أجد أجمع من ديوان أبي تمام وأني الطيب للمعاني الدقيقة، ولا أكثر استخراجا منهما للطيف الأغراض والمقاصد، ولم أجد أحسن تهذيبا للألفاظ من أبي عبادة، ولا أنفس ديباجة ولا أبهج سبكا، فاخترت حينئذ دواوينهم لاشتمالها على محاسن الطرفين من المعاني والألفاظ، ولما حفظتها ألقيت ما سواها مع ما بقي على خاطري من غيرها. انتهى كلام صاحب المثل السائر.

قيل لحكيم: إن الذي قلته لأهل مدينة كذا لم يقبلوه، فقال: لا يلزمني ن يقبل، بل يلزمني أن يكون صوابا.

قيل الأعرابي: ما السرور؟ فقال: الكفاية في الأوطان، والجلوس مع الأخوان.

قال حكيم: لا يكون الرجل عاقلا حتى يكون تعنيف الناصح ألطف موقعا من ملق الكاشح.

قال بعض الملوك: إنما الدنيا فيما لا يشاركنا فيه العامة من معالي الأمور.

ص: 132

من كلام بعض الحكماء: حرام على النفس الخبيثة أن تخرج من الدنيا حتى تسيء إلى من أحسن إليها انتهى

هارون بن علي

أصلي وفرعي فارقاني معاً

واجتث من حبليهما حبلي

فما بقاء الغصن في ساقه

بعد ذهاب الفرع والأصل

غيره

جسمي معي غير أن الروح عندكم

فالجسم في غربة والروح في وطن

بعض الحكماء إذا قال السلطان لعماله: هاتوا فقد قال لهم خذوا.

تعلق أعرابي بأستار الكعبة، وقال: اللهم إن قوماً آمنوا بك بألسنتهم ليحقنوا دماءهم فأدركوا ما نالوا، وقد آمنا بك بقلوبنا لتجيرنا من عذابك، فبلغنا ما أملنا.

للمتنبي

إذا كان عون الله للمرء شاملاً

تهيء له من كل شيء مراده

وإن لم يكن عون من الله للفتى

فأول ما يجنى عليه اجتهاده قال ابن عباس رضي الله عنه: من حبس الله الدنيا عنه ثلاثة أيام وهو راض عن الله تعالى فهو من أهل الجنة. قال معاوية لرجل: من سيد قومك؟ فقال أنا، فقال معاوية: لو كنت كذلك لم تقله. تكلم الناس عند معاوية في يزيد بأنه لعنه الله إذا أخذ له البيعة، وسكت الأحنف فقال له معاوية: تكلم يا أبا بحر، فقال أخافك إن صدقت، وأخاف الله إن كذبت.

الصفي الحلي

لحى الله الطبيب فقد تعدى

وجاء لقلع ضرسك بالمحال

أعاق الظبي في كلتا يديه

وسلط كلبتين على غزال

قال بعض الوعاظ لبعض الخلفاء: لو منعت شربة من الماء مع شدة عطشك بم كنت تشتريها؟ قال: بنصف ملكي. قال: فإن احتبست عند البول بم كنت تشتريها؟ قال: بالنصف الآخر. قال: فلا يغرنك ملك قيمته شربة ماء! .

ومن كلامهم الدنيا ليست تعطيك لتسرك بل لتغرك. قال يحيى بن معاذ: الدنيا خمرة الشياطين فمن شرب منها سكر فلم يفق إلا وهو في عسكر الموتى خائب خاسر نادم.

ص: 133

تكلم الناس: عند معاوية في يزيد ابنه إذ أخذ له البيعة وسكت الأحنف، فقال له معاوية: ما تقول يا أبا بحر؟ فقال: أخافك إن صدقت، وأخاف الله إن كذبت

حمدة الأندلسية

ولما أبى الواشون إلا فراقنا

وما لهم عندي وعندك من ثار

وشنوا على إسماعنا كل غارة

وقل حماتي عند ذاك وأنصاري

غزوتهم من مقلتيك وأدمعي

ومن نفسي بالسيف والماء والنار

شعر

وإذا ما الصديق عنك تولى

فتصدق به على إبليس

جمال الدين ابن نباتة

أيها العاذل الغبي تأمل

من غدا في صفاته القلب دائب

وتعجب لطرة وجبين

أن في الليل والنهار عجائب

شعر

أهواه لدن القوام منعطفاً

يسل من مقلتيه سيفين

وهبت قلبي له فقال عسى

دمعك أيضاً فقلت من عيني

لما وصل الرشيد الكوفة قاصداً للحج، خرج أهل الكوفة للنظر إليه وهو في هودج عال فنادى البهلول يا هارون فقال من المجرى علينا، فقيل: هو البهلول يا أمير المؤمنين، فرفع السجف، فقال البهلول يا أمير المؤمنين روينا بالإسناد عن قدامة بن عبد الله العامري قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة لأضرب ولا طرد ولا قال: إليك إليك، وتواضعك يا أمير المؤمنين في سفرك هذا خير من تكبرك، فبكى الرشيد حتى جرت دموعه على الأرض، وقال أحسنت يا بهلول زدنا، فقال: إيما رجل أتاه الله مالاً وجمالاً وسلطاناً ونفق ماله وعف جماله وعدل في سلطانه كتب في ديوان الله من الأبرار، فقال الرشيد: أحسنت وأمر له بجائزة، فقال لا حاجة لي فيها ردها إلى من أخذتها منه، قال فتجري عليك رزقاً يقوم بك؟ قال فرفع البهلول طرفه إلى السماء وقال: يا أمير المؤمنين أنا وأنت عيال الله فمحال أن يذكرك وينساني.

ورؤي أعرابي ماسكاً بحلقة باب الكعبة وهو يقول عبدك ببابك ذهبت أيامه وبقيت

ص: 134

آثامه، وانقطعت شهواته وبقيت تبعاته، فارض عنه فإن لم ترض عنه فاعف عنه، فقد يعفو المولى عن عبده وهو عنه غير راض.

من النهج إذا كنت في إدبار والموت في إقبال فما أسرع الملقى. تذل الأمور للمقادير حتى يكون الحتف للتدبير.

إن ذا يوم سعيد بك يا قرة عيني

حين أبصرتك فيه يا حبيبتي مرتين

آخر

ولا سرحن نواظري

في ذلك الروض النضير

ولآكلنك بالمنى

ولأشربنك بالضمير

ابن الخيمي وسبحة سوداء

وسبحة مسودة لونها

تحكي سواد القلب والناطق

كأنني وقت اشتغالي بها

أعد أيامك يا هاجري

ابن محاسن الشواء

لنا صديق له خلال

تعرب عن أصله الأخس

أضحت له مثل حيث كف

وددت لو أنها كأمس

من بديع الاستتباع قول بعض العراقيين، وقد شهد عند القاضي برؤية هلال العيد فرد شهادته:

إن قاضينا لأعمى

أم تراه يتعامى

سرق العيد كأن

العيد أموال اليتامى

من النهج: من ضيعة الأقرب أتيح له الأبعد.

تلاعب الشعر على ردفه

أوقع قلبي في العريض الطويل

يا ردفه جرت على خصره

رفقا به ما أنت إلا ثقيل

أبو الشمقمق:

ص: 135

برزت من المنازل والقباب

فلم يعسر على أحد حجاب

فمنزلي الفضاء وسقف بيتي

سماء الله أو قطع السحاب وأنت إذا أردت دخول بيتي

دخلت مسلماً من غير باب

لأني لم أجد مصراع باب

يكون من السحاب إلى التراب

إسماعيل بن معمر الكوفي القراطيسي الشاعر المجيد البارع كان بيته مألفاً للشعراء وكان يجتمع عنده أبو نؤاس وأبو العتاهية ومسلم ونظراؤهم يتفاكهون وعندهم القيان.

ومن شعره

لهفي على ساكن شط الفرات

مر رحبيه على الحياة

ما تنقضي من عجب فكرتي

من خصلة فرط فيها الولاة

ترك المحبين بلا حاكم

لم يعقدوا للعاشقين القضاة

وقد أتاني خبر ساءني

سماعها في السر واسوأتاه

أمثل هذا يبتغي وصلنا

أما يرى ذا وجهه في المرآة

قال القراطيسي: قلت للعباس ابن حنف: هل قلت في معنى قولي هذا شيئاً؟ قال: نعم، ثم أنشدني:

جارية أعجبها حسنها

ومثلها في الناس لم يخلق

خبرتها أني محب لها

فأقبلت تضحك من منطقي

والتفتت نحو فتاة لها

كالرشإ الوسنان في القرطق

قالت لها قولي لهذا الفتى

انظر إلى وجهك ثم اعشق

القاضي الأرجاني كان نائاً للقضاة في بلاد خوزستان ومن شعره:

ومن النوائب أنني

في مثل هذا الشغل نائب

ومن العجائب أن لي

صبراً على هذي العجائب

آخر

سهر العيون لغير وجهك باطل

وبكاؤهن لغير قطعك ضائع

ص: 136