الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تذهب الفطنة، المرأة ريحانة وليست قهرمانة، إذا قدم الإخاء سمج الثناء، لكل ساقطة لاقطة.
لما مات الإسكندر وضعوه في تابوت من ذهب وحملوه إلى الإسكندرية، وندبه جماعة من الحكماء يوم موته.
فقال بطليموس: هذا يوم عظيم العبرة، أقبل من شره ما كان مدبراً وأدبر من خيره ما كان مقبلاً.
وقال ميلاطوس خرجنا إلى الدنيا جاهلين وأقمنا فيها غافلين، وفارقناها كارهين.
وقال أفلاطون الثاني: أيها الساعي المعتصب جمعت ما خذلك، وتوليت ما تولى عنك، فلزمتك أوزاره وعاد إلى غيرك مهناه وثماره.
وقال مسطور: قد كنا بالأمس نقدر على الإستماع ولا نقدر على الكلام واليوم نقدر على الكلام فهل نقدر على الاستماع؟ وقال ثاون: انظروا إلى حلم النائم كيف انقضى؟ وإلى ظل الغمام كيف انجلى؟ وقال آخر: ما سافر الإسكندر سفراً بلا أعوان ولا عدة غير سفره هذا.
وقال آخر: لم يؤدبنا بكلامه كما أدبنا بسكونه.
وقال آخر: قد كان بالأمس طلعته علينا حياة واليوم النظر إليه سقم.
وقع في كلام بعض الأفاضل أن البدل الغلط لا يوجد في فصيح الكلام بخلاف أخواته قال: ولذلك لا يوجد في القرآن العزيز إنتهى، وفي كلامه هذا شيء فإن عدم وقوع بدل الغلط في القرآن لاستحالة الغلط عليه سبحانه لا لما قاله هذا القائل.
قال بعض حكماء الإشراق إنا والله لنكره أن يشتغل الناس بهذه العلوم، فإن المستعدين لها قليلون، والمتفرغون من المستعدين أقل، والصابرون من المتفرغين أقل.
مرض نصر فعاده أبو صالح. وقال له: مسح الله ما بك، فقال له نصر: قل مصح بالصاد. فقال أبو صالح: السين تبدل بالصاد كما ف الصراط وصقر، فقال له النصر: إن كان كذلك فأنت إذاً أبو سالح فخجل من كلامه.
الاستنكار من الألفاظ الغريبة
صاحب المثل السائر بعد أن شدد النكير وبالغ في التشنيع على الذين يستكثرون في كلامهم من الألفاظ الغريبة، المحتاجة إلى التفتيش والتنقير في كتب اللغة أورد أبيات السموئل المشهورة التي أولها:
إذا المرء لم يدنس من اللوم عرضه
…
فكل رداء يرتديه جميل
أوردتها في المجلد الرابع. ثم قال إذا نظرنا إلى ما تضمنه من الجزالة خلناها زبراً من الحديد وهي مع ذلك سهلة مستعذبة غير فظة ولا غليظة ثم قال: وكذلك ورد للعرب في جانب الرقة ما كاد يذوب لرقته وأورد الأبيات المشهورة لعروة بن الأدية التي أولها:
إن التي زعمت فؤادك ملها
…
خلقت هواك كما خلقت هوى لها
ثم قال ومما يرقص الأسماع ويزف على صفحات القلوب قول يزيد بن الطثرية:
بنفسي من لو مر برد بنانه
…
على كبدي كانت شفاء أنامله
ومن هابني في كل شيء وهبته
…
فلا هو يعطيني ولا أنا سائله
ثم قال: إذا كان ذا قول ساكن في الفلاة لا يرى إلا شيحة أو قيصومة، ولا يأكل إلا ضباً أو يربوعاً فما بال قوم سكنوا الحضر يتعاطون وحشي الألفاظ وشظف العبارات. ثم قال ولا يخلد إلى ذلك إلا جاهل بأسرار الفصاحة أو عاجز عن سلوك طريقها، فإن كل أحد يمكنه أن يأتي بالوحشي من الكلام وذلك بأن يلتقطه من كتب اللغة، أو يتلقفه من أربابها ثم قال: هذا العباس بن الأحنف قد كان من أوائل الشعراء في الإسلام وشعره كمر النسيم على عذبات أغصان أو كلؤلؤ آت طل على طرر ريحان، وليس فيه لفظة واحدة غريبة يحتاج إلى استخراجها من كتب اللغة فمن ذلك قوله:
وإني ليرضيني قليل نوالكم
…
وإن كنت لا أرضى لكم بقليل
بحرمة ما قد كان بيني وبينكم
…
من الود إلا عدتم بجميل
وهكذا ورد قوله في فوز التي كان يشبب بها في شعره:
يا فوزيا منية عباس
…
قلبي يفدي قلبك القاسي
أسأت إذا أحسنت ظني بكم
…
والحزم سوء الظن بالناس
يقلقني الشوق فآتيكم
…
والقلب مملو من اليأس
وهل أعذب من هذه الألفاظ وأرشق من هذه الأبيات وأعلق في الخاطر، وأسرى في السمع؟ ولمثلها تخف رواجع الأوزان وعلى مثلها يسهر راقد الأجفان، وعن مثلها يتأخر السوابق عند الرهان ولم اجرها بلساني يوماً من الأيام إلا تذكرت، قول أبي الطيب المتنبي:
إذا شاء أن يلهو بلحية أحمق
…
أراه غباري ثم قال له الحق
ومن ذا الذي يستطيع أن يسلك هذا الطريق التي هي سهلة وعروة قريبة بعيدة، وهذا أبو العتاهية كان في غرة الدولة العباسية، وشعراء العرب إذ ذاك كثيرون، وإذا تأملت شعره وجدته كالماء الجاري في رقة ألفاظه ولطافة سبك، وكذلك أبو نؤاس، ثم قال: ومن أشعار أبي العتاهية الرقيقة قوله في قصيدة يمدح بها المهدي ويشبب بجاريته عتب وكان أبو العتاهية يهواها:
ألا ما لسيدتي مالها
…
تدل فأحمل إدلالها
لقد أتعب الله قلبي بها
…
وأتعب في اللوم عذالها
كأن بعيني في حيثما
…
سلكت من الأرض تمثالها
ومنها في المديح قوله
أتته الخلافة منقادة
…
إليه تجرر أذيالها
فلم تك تصلح إلا له
…
ولم يك يصلح إلا لها
ولو رامها أحد غيره
…
لزلزلت الأرض زلزالها
ويحكى أن بشار كان حاضراً عند إنشاد أبي العتاهية هذه الأبيات، فقال: انظروا إلى أمير المؤمنين هل طار عن كرسيه؟ ولعمري أن الأمر كما قال بشار. واعلم أن هذه الأبيات من رقيق الشعر غزلاً ومديحاً، وقد أذعن لها شعراء ذلك العصر، وناهيك بهم ومع هذا تراها من السلامة واللطافة في أقصى الغايات، وهذا هو الكلام الذي يسمى السهل الممتنع فتراه يطيعك وإذا أردت مماثلاً له راغ عنك كما يروغ الثعلب، وهكذا ينبغي أن يكون الكلام، فإن خير الكلام ما دخل في الأذن بغير إذن، وأما البذائة والتوعر في الألفاظ فتلك أمة قد خلت ومع ذلك فقد عيب على مستعمليها في ذلك الوقت أيضاً.
قال ابن عباس لرجل في يده درهم: ليس لك حتى يخرج من يدك
ومن هذا أخذ الشاعر قوله:
أنت للمال إذا أمسكته
…
فإذا أنفقته فالمال لك
وقد حام حول هذا المعنى الحريري حيث يقول: