الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التقويم بيدي رجلين كل منهما في جهة والبعد بينهما بقدر طول الخيط وأنت تنظر في لسان الميزان فإن انطبق على المنجم فالأرض معتدلة، وإن مال فالمائل عنها هي العليا. وتعرف كمية الزيادة في العلو بأن تحط الخيط عن رأس الخشبة إلى أن تطابق المنجم واللسان، ومقدار ما نزل من الخيط هو الزيادة ثم تنقل إحدى رجلي الميزان إلى الجهة التي تريد وزنها وتثبت الأخرى إلى أن يتم العمل وتحفظ مقدار الصعود بخيط على حدة، وكذا مقدار الهبوط ثم يلقى القليل من الكثير فالباقي هو تفاوت المكانين في الإرتفاع، وإن تساويا شق نقل الماء وإن نزلت ما وقع إليها الثقل سهل ذلك، وإن علت امتنع. وهذه صورة الميزان وآلات الوزن وقد يستغنى عن الصفحة بالأنبوبة التي يصب فيها الماء من منتصفها، فإن قطر من طرفيها على السواء أنبأ عن التعادل وإلا عمل كما عرفت.
هذه كتابة كتبها العارف الواصل الصمداني الشيخ محيي الدين ابن عربي
حشره الله مع محبيه إلى الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وعلى وليي في الله فخر الدين محمد أعلى الله همته، وأفاض عليه بركاته ورحمته، وبعد، فإن الله يقول:" وتواصوا بالحق " وقد وقفت على بعض تؤاليفك وما أيدك الله به من القوة المتخيلة والفكرة الجيدة، ومتى تغدت النفس كسب يديها فإنها لا تجد حلاوة الجود والوهب، وتكون ممن أكل من تحته، والرجل من يأكل من فوقه كما قال الله تعالى:" ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " وليعلم وليي وفقه الله تعالى: أن الوراثة الكاملة هي التي تكون في كل الوجوه لا من بعضها، والعلماء ورثة الأنبياء. فينبغي للعاقل العالم أن يجتهد لأن يكون وارثاً من كل الوجوه، ولا يكون ناقص الهمة، وقد علم وليي وفقه الله تعالى أن حسن الطبيعة الإنسانية بما تحمله من المعارف الإلهية وقبحها بضد ذلك. فينبغي للعالي الهمة أن لا يقطع عمره في معرفة المحدثات وتفاصيلها، فيفوته حظه من ربه وينبغي له أيضاً أن يشرح نفسه من سلطان فكره فإن الفكر يعلم مأخذه، والحق المطلوب ليس ذلك والعلم بالله غير العلم بوجود الله، فينبغي للعاقل أن يخلي قلبه عن الفكر إذا أراد معرفة الله من حيث المشاهدة. وينبغي للعالي الهمة أن لا يكون تلقيه عند هذا من عالم الخيال، وهي الأنوار المتجسدة الدالة على معان وراءها، فإن الخيال ينزل المعاني العقلية في القوالب الحسية كالعلم في صورة اللبن، والقرآن في صورة الحبل، والدين في صورة القبة. وينبغي
للعالي الهمة أن لا يكون معلمه مؤنثاً كما لا ينبغي أن يأخذ من فقير أصلاً، وكل ما لا كمال له إلا بغيره فهو فقير. وهذا حال كل ما سوى الله تعالى. فارفع الهمة في أن لا تأخذ علماً إلا من الله سبحانه على الكشف واليقين.
واعلم أن أهل الأفكار إذا بلغوا فيه الغاية القصوى أداهم فكرهم إلى حال المقلد المصمم، فإن الأمر أجل وأعظم من أن يقف فيه الفكر، فما دام الفكر موجوداً فمن المحال أن يطمئن العقل ويسكن، وللعقول حد تقف عنده من حيث قوتها في التصرف الفكري ولها صفة القبول لما يهبه الله تعالى، فإذن ينبغي للعاقل أن يتعرض لنفحات الجود ولا يبغي ماسوراً في تقييد نظره وكسبه، وإنه على شبهة في ذلك. ولقد أخبرني من ألفت به من إخوانك من له فيك نية حسنة. أنه رآك وقد بكيت يوماً فسألك هو ومن حضر عن بكاءك؟ فقلت مسألة اعتقدتها منذ ثلاثين سنة تبين لي الساعة بدليل لاح لي أن الأمر على خلاف ما كان عندي، فبكيت وقلت، لعل الذي لاح لي أيضاً يكون مثل الأول، فهذا قولك. ومن المحال على الواقف بمرتبة العقل والفكر أن يسكن أو يستريح، ولاسيما في معرفة الله تعالى. فما لك يا أخي تبقى في هذه الورطة ولا تدخل طريق الرياضيات والمكاشفات والمجاهدات والخلوات التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنال ما نال من قال فيه سبحانه وتعالى:" عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً " ومثلك من يتعرض لهذه الخطة الشريفة والمرتبة العظيمة الرفيعة.
وليعلم وليي وفقه الله تعالى أن كل موجود عند سبب ذلك السبب محدث مثله، فإن له وجهين: وجه ينظر به إلى سببه، ووجه ينظر به إلى موجده. وهو الله تعالى، فالناس كلهم ناظرون إلى وجوه أسبابهم، والحكماء والفلاسفة كلهم وغيرهم إلا المحققين من أهل الله تعالى كالأنبياء والأولياء والملائكة عليهم الصلاة والسلام، فإنهم مع معرفتهم بالسبب ناظرون من الوجه الآخر إلى موجدهم، ومنهم من نظر إلى ربه من وجه سببه لا من وجهه. فقال: حدثني قلبي عن ربي وقال الآخر وهو الكامل: حدثني ربي ومن كان وجوده مستفاداً من غيره فإن حكمه عندنا لا شئيء فليس للعارف معول إلا الله سبحانه البتة وأعلم أن الوجه الإلهي الذي هو الله اسم لجميع الأسماء: مثل الرب والقدير والشكور، وجميعها كالذات الجامعة لما فيها من الصفات، فاسم الله مستغرق
لجميع الأسماء فتحفظ عند المشاهدة، فإنك لا تشاهده أصلاً، فإذا ناجاك به وهو الجامع فانظر ما يناجيك به وانظر المقام الذي تقتضيه تلك المناجاة، وتلك المشاهدة، وانظر أي اسم هو الذي خاطبك أو شاهدته فهو المعبر عنه بالتهول في الصورة كالغريق، إذا قال يا الله فمعناه: يا غياث أو يا منجي أو يا منقذ وصاحب الألم إذا قال يا الله فمعناه: يا شافي أو يا معافي وما أشبه ذلك.
وقولي لك التحول في الصورة ما رواه مسلم في صحيحه أن الباري تعالى يتجلى فينكر ويتعوذ منه فيتحول لهم في الصورة التي عرفوه فيها فيفترون بعد الإنكار، هذا هو معنى المشاهدة هيهنا والمناجاة والمخاطبات الربانية.
وينبغي للعاقل أن لا يطلب من العلوم إلا ما يكمل به ذاته، وينتقل معه حيث انتقل وليس ذلك إلا العلم بالله تعالى، فإن علمك بالطب إنما يحتاج إليه في عالم الأمراض والأسقام، فإذا انتقلت إلى عالم ما فيه السقم ولا المرض ممن تداوي بذلك العلم، وكذلك العلم بالهندسة إنما يحتاج إليه في عالم المساحة فإذا انتقلت تركته في عالمه ومضت النفس ساذجة ليس عندها شيء منه، وكذلك الاشتغال بكل علم تركته النفس عند انتقالها إلى اشتغال الآخرة.
فينبغي للعاقل أن لا يأخذ منه إلا ما مست إليه الحاجة والضرورة، وليجتهد في تحصيل ما ينتقل معه حيث انتقل وليس ذلك إلا علمان خاصة العلم بالله، والعلم بمواطن الآخرة ما يقتضيه مقاماتها حتى يمشي فيها كمشيه في منزله، فلا ينكر شيئاً أصلاً، فلا يكون من الطائفة التي قالت عندما تجلى لها ربها: نعوذ بالله منك لست ربنا. ها نحن منتظرون حتى يأتينا ربنا فلما جاءهم في الصورة التي عرفوها أقروا به فما أعظمها من حسرة، فينبغي للعاقل الكشف عن هذين العلمين بطريق الرياضة والمجاهدة والخلوة على الطريقة المشروطة.
وكنت أريد أن أذكر الخلوة وشروطها، وما يتجلى فيه على الترتيب شيئاً بعد شيء لكن منع مني ذلك الوقت وأعني بالوقت علماء السوء الذين أنكروا ما جهلوا، وقيدهم التعصب وحب الظهور والرياسة عن الإذعان للحق والتسليم له إن لم يكن الإيمان به والله ولي الكفاية: كان توبة بن الصمة محاسباً لنفسه في أكثر أوقات ليله ونهاره، فحسب يوماً ما مضى من عمره فإذا هو ستون سنة، فحسب أيامها فكانت إحدى وعشرين ألف يوم وخمسمائة يوم، فقالت: يا ويلتا ألقى مالك بإحدى وعشرين ألف ذنب ثم صعق صعقة كانت فيها نفسه.
قال بوزرجمهر: من لم يكن له أخ يرجع إليه في أموره، ويبذل نفسه وما له في شدته فلا يعدن نفسه من الأحياء.
وقال بعض الحكماء: لا تساغ مرارة الحياة، إلا بحلاوة الإخوان الثقات. وقال بعضهم: من لقي الصديق الذي يفضي إليه بسره، فقد لقي السرور بأسره وخرج من عقال لهم بعمره.
وقيل: لقاء الخليل يفرج الكروب، وفراقه يقرح القلوب.
من كتاب أدب الكاتب يذهب الناس إلى أن الظل والفيء واحد، وليس كذلك: لأن الظل يكون من أول النهار إلى آخره ومعنى الظل الستر، والفيء لا يكون إلا بعد الزوال ولا يقال لما كان قبل الزوال فيء، وإنما سمي فيئاً: لأن الظل فاء من جانب إلى جانب: أي رجع من جانب المغرب إلى جانب المشرق، والفيء الرجوع قال الله تعالى:" حتى تفيء إلى أمر الله " أي ترجع.
قيل لأعرابي: كيف حالك؟ فقال: بخير أمزق ديني بالذنوب وأرقعه بالإستغفار وإليه ينظر قول الشاعر:
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
فطوبى لعبد آثر الله ربه وجاد بدنياه لما يتوقع
لبعضهم
ولما توافينا بمنعرج اللوى بكيت إلى أن كدت بالدمع أشرق
فقالت أتبكي؟ {والتواصل بيننا فقلت ألسنا بعده نتفرق؟}
قال بعضهم: عشيرتك من أحسن عشرتك، وعمك من عمك خيره، وقريبك من قرب منك نفعه.
قال ابن السكين: الشرف والمجد يكونان بالآباء، يقال رجل شريف ماجد أي له آباء متقدمون في النبالة والشأن، وأما الحسب والكرم فيكونان في الرجل وإن لم يكن له آباء ذو نبل وشرف.
لبعض الأعراب:
تسبق أموالنا مؤملنا
…
لا يعترينا مطل ولا بخل
تسمح قبل السؤال أنفسنا
…
بخلا على ماء وجه من يسل
لبعضهم:
إذا قال مال المرء قل بهاؤه
…
وضاقت عليه أرضه وسملؤه
وأصبح لا يدري وإن كان حازما
…
أقدامه خير له أم وراؤه
وإن غاب لم يشتق إليه خليله
…
وإن عاش لم يسرر صديقا بقاؤه
وللموت خير لأمرئ خصاصة
…
من العيش في ذل كثير عناؤه
ولبعضهم:
إنما الدنيا فناء
…
ليس للدنيا ثبوت
إنما الدنيا كبيت
…
نسجته العنكبوت
كل ما فيها لعمري
…
عن قليل سيفوت
ولقد يكفيك منها
…
أيها الطالب قوت
الابل اسم جمع لا واحد له من لفظه وهو مؤنث لأن اسم الجمع لغير العاقل يلزم التأنيث وإذا صغرت الإبل قلت أبيله بالهاء.
سئل بعض العارفين امرأة في البادية؛ ما الحب عندكم؟ فقال: جل فلا يخفى أو دق فلا يرى وهو كامن في الحشاكمون النار في الصفا، إن قدحته أورى، وإن تركته توارى.
من كتاب أنيس العقلاء اعلم أن النصر مع الصبر والفرج من الكرب واليسر مع العسر.
قال بعض الحكماء بمفتاح عزيمة الصبر تعالج مغاليق الأمور؛ وقال بعضهم عند انسداد الفرج تبدو مطالع الفرح.
ولله در من قال
الصبر مفتاح ما يرجى
…
وكل صعب به يهون
فاصبروا إن طالت الليالي
…
فربما أمكن الحزون
وربما نيل باصطبار
…
ما قيل هيهات لا يكون
جار الله الزمخشري
وقائلة ما هذه الدرر التي
…
تساقطها عيناك سمطين سمطين
فقلت هي الدرر التي قد حشى بها
…
أبو مضر اذني تساقط من عيني