المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌المُقَدِِّّمَةُ إنَّ الحمدَ لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ - الكلمات الحسان في بيان علو الرحمن

[عبد الهادي بن حسن وهبي]

فهرس الكتاب

- ‌المُقَدِِّّمَةُ

- ‌أَدِلَّةُ عُلُوِّ اللَّهِ عَلَى العَرْشِ

- ‌التَّصريحُ بالفوقيَّةِ مقرونًا بأداة «مِنْ» المعيِّنةِ للفوقيَّةِ بالذَّاتِ

- ‌ذِكْرُها مُجَرَّدَةً عَنِ الأداةِ

- ‌التَّصريحُ بالعروجِ إليهِ سبحانه وتعالى

- ‌التَّصْرِيحُ بالصُّعودِ إليهِ سبحانه وتعالى

- ‌التَّصْرِيحُ برفعهِ بعضَ المخلوقاتِ إليهِ سبحانه وتعالى

- ‌التَّصْرِيحُ بالعلوِّ المطلقِ الدَّالِّ على جميعِ مراتبِ العلوِّ، ذاتًا وقَدْرًا وقَهْرًا

- ‌التَّصريحُ بتنزيلِ الكتابِ منهُ سبحانه وتعالى

- ‌التَّصْرِيحُ باختصاصِ بعضِ المخلوقاتِ بأنَّهَا عندهُ، وأنَّ بعضَها أقربُ إليهِ منْ بعضٍ

- ‌التَّصريحُ بأنَّهُ تعالى في السَّماءِ

- ‌شهادَتُهُ صلى الله عليه وسلم التي هيَ أصدقُ شهادةٍ عند اللهِ وملائكتِهِ وجميعِ المؤمنينَ لمنْ قالَ: «إنَّ ربَّهُ في السَّماءِ» بالإيمانِ

- ‌الإشارةُ إليه سبحانه وتعالى حسًّا إلى العلوِّ

- ‌التَّصرِيحُ برَفْعِ الأيدي والأبصارِ إليه سبحانه وتعالى

- ‌النُّصوصُ الدَّالةُ على رؤيةِ أهلِ الجنَّةِ لهُ تعالى مِنَ الكتابِ والسنَّةِ

- ‌التصريحُ بنزوله سبحانه وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السَّماءِ الدنيا

- ‌إخبارُهُ صلى الله عليه وسلم أنَّه تردَّد بينَ موسى عليه السلام وبينَ ربِّه ليلةَ المعراجِ بسببِ الصَّلاةِ

- ‌النُّصوصُ الواردةُ فِي ذكرِ العرشِ وصفتهِ وإضافتهِ غالبًا إِلَى خالقهِ تبارك وتعالى وأنَّه تَعَالَى فوقهُ

- ‌إخبارهُ تعالى عنْ فرعونَ أنَّهُ رامَ الصُّعودَ إلى السَّمَاء ليطِّلع إلى إله موسى، فيكذِّبهُ فيما أخبرهُ منْ أنَّهُ سبحانهُ فوقَ السَّماوات

- ‌تنزيهُ اللهِ سبحانه وتعالى نفسَهُ عن موجبِ النُّقصانِ، وعمَّا يوجبُ التمثيلَ والتشبيهَ

- ‌مِنَ البراهين الدَّالَّةِ على علوِّ الله على خلقهِ واستوائهِ على عرشهِ الدليلُ العظيمُ والبرهانُ القاطعُ

- ‌أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي العُلُوِّ وَالْفَوْقِيَّةِ

- ‌1 - حُمَيدُ بنُ ثوَرٍ

- ‌2 - ابنُ عَبّاسٍ

- ‌3 - زينبُ بنتُ جَحْشٍ

- ‌4 - ابنُ مَسْعُودٍ

- ‌5 - عَائِشَةُ

- ‌6 - أَبو ذَرٍّ

- ‌7 - ابنُ عُمَرَ

- ‌8 - مَسروقٌ

- ‌9 - أيوبُ السُّخْتِيَانِيُّ

- ‌10 - سليمان التِّيميُّ

- ‌11 - مقاتلُ بنُ حِيَّانَ (قبل150ه

- ‌12 - الأَوزاعيُّ (157ه

- ‌13 - سفيانُ الثوريُّ عالمُ زمانهِ (161ه

- ‌14 - مالك إمام دار الهجرة (179ه

- ‌15 - حمَّادُ بنُ زيدٍ البصريّ (179ه

- ‌16 - عبدُ الله بنُ المباركِ، شيخُ الإسلامِ (181ه

- ‌17 - جرير الضبيُّ، محدِّث الري (188ه

- ‌18 - عبدُ الرحمنِ بنُ مهدي (198ه

- ‌19 - أبو معاذ البلخي الفقيه (199ه

- ‌20 - منصورُ بن عمار (200ه

- ‌21 - الإمامُ الشافعيُّ (204ه

- ‌22 - يزيدُ بنُ هارونَ الواسطيُّ (206ه

- ‌23 - سعيدُ بن عامر الضبعيُّ عالِمُ البصرة (208ه

- ‌24 - عبدُ الله بن أبي جعفر الرازيُّ

- ‌25 - القعنبيُّ (221ه

- ‌26 - عاصمُ بن علي شيخ البخاري (221ه

- ‌27 - هشام بن عبيد الله الرَّازيُّ (221ه

- ‌28 - بِشْر الحافي، زاهدُ العصرِ (227ه

- ‌29 - محمدُ بن مصعب العابدُ: شيخُ بغداد (228ه

- ‌30 - نُعَيمُ بن حمَّاد الخزاعيُّ الحافظ (228ه

- ‌31 - أبو عبد الله بن الأعرابي، لغوي زمانه (231ه

- ‌32 - أبو معمر القطيعي (236ه

- ‌33 - إسحاق بن راهويه عالم خراسان (238ه

- ‌34 - قُتَيْبَةُ بنُ سعيدٍ: شيخُ خراسانَ (240ه

- ‌35 - أحمدُ بن حنبل شيخُ الإسلام (241ه

- ‌36 - الإمام الربانيُّ محمدُ بن أسلم الطوسيُّ (242ه

- ‌37 - الحارثُ بن أسد المحاسبيُّ (243ه

- ‌39 - خَشَيْشُ بن أصرم (253ه

- ‌41 - إسماعيل بن يحيى المزنيُّ (264ه

- ‌42 - أبو زُرعة الرازيُّ (264ه

- ‌43 - أبو حَاتِمٍ الرازيُّ (277ه

- ‌44 - حَرْب الكَرْمَانِيُّ (280ه

- ‌45 - ابنُ قُتَيْبَةَ (276ه

- ‌46 - أبو عيسى الترمذيُّ (279ه

- ‌47 - عثمانُ بنُ سعيد الدّارِمِيُّ الحافظُ (280ه

- ‌48 - ثَعْلَب إمامُ العربية (291ه

- ‌49 - أبو مُسْلِمٍ الكجيُّ الحافظُ (292ه

- ‌50 - عَمْرُو بنُ عثمانَ المكيُّ (297ه

- ‌51 - ابنُ أبي شَيْبَةَ (297ه

- ‌52 - زكريا السَّاجيُّ (307ه

- ‌53 - محمدُ بن جرير الطبريُّ (310ه

- ‌54 - ابنُ الأخرم (311ه

- ‌55 - إمام الأئمة ابنُ خُزَيْمَةَ (311ه

- ‌56 - نِفْطَوَيْه شيخُ العربية (323ه

- ‌57 - أبو الحسن الأشعريُّ (324ه

- ‌58 - البَرْبَهَارِيُّ (329ه

- ‌59 - الوزير عليُّ بنُ عيسى (334ه

- ‌60 - العلَّامة أبو بكر الضِّبْعِيُّ (342ه

- ‌61 - ابنُ شعبان (355ه

- ‌62 - الإمام أبو بكر الآجُرِّيُّ (360ه

- ‌63 - الحافظُ أبو الشيخ (369ه

- ‌64 - العلاّمة أبو بكر الإسماعيليُّ (371ه

- ‌65 - أبو الحسن بنُ مهدي المتكلِّمُ (380ه

- ‌66 - ابنُ بطَّة (387ه

- ‌67 - ابنُ أبي زيدٍ (386ه

- ‌68 - ابنُ مَنْدَه (395ه

- ‌69 - ابنُ أبي زمْنِين (399ه

- ‌70 - القَصّابُ (400ه

- ‌71 - ابنُ الباقلانيُّ (403ه

- ‌72 - ابنُ موهب (406ه

- ‌73 - مَعْمَرُ بنُ زيادٍ (418ه

- ‌74 - أبو القاسم اللَالكَائِيُّ (418ه

- ‌75 - السُّلطانُ (421ه

- ‌76 - يحيى بنُ عمَّارٍ (422ه

- ‌77 - القادرُ بالله أميرُ المؤمنين (422ه

- ‌78 - أبو عمر الطلمنكيُّ (429ه

- ‌79 - أبو نُعيم الأصبهانيُّ (430ه

- ‌80 - عبدُ الله بن يوسف الجوينيُّ (438ه

- ‌81 - أبو عَمْرٍو الدّانِيُّ (440ه

- ‌82 - عليُّ بنُ عمر الحربيُّ (442ه

- ‌83 - أبو عثمانَ الصابونيُّ (449ه

- ‌84 - أبو نَصْرٍ السجزيُّ (444ه

- ‌85 - القاضي أبو يعلى (458ه

- ‌86 - البيهقيُّ (458ه

- ‌87 - ابنُ عبد البر (463ه

- ‌89 - سعدٌ الزنجانيُّ (471ه

- ‌90 - إمامُ الحرمَيْنِ (478ه

- ‌91 - شيخُ الإسلام الهرويُّ (481ه

- ‌93 - الفقيهُ نَصْر المقدسيُّ (490ه

- ‌94 - ابن الحدَّاد (517ه

- ‌95 - أبو الحسن بنُ الزاغونيِّ (527ه

- ‌96 - الحسنُ الكرجيُّ (532ه

- ‌98 - عديُّ بنُ مسافر الأمويُّ الهكاريُّ (555ه

- ‌99 - العلامةُ يحيى بنُ أبي الخير العمرانُّي (558ه

- ‌100 - الشيخُ عبدُ القادر (562ه

- ‌101 - ابنُ رشد المالكيُّ (595ه

- ‌102 - المقدسيُّ (600ه

- ‌103 - القرطبيُّ (677ه

- ‌105 - العلاّمةُ الشَّوكانِيُّ (1255ه

- ‌الدَّلِيلُ مِنَ الفِطْرَةِ

- ‌هل نَجْزِمُ بِإِثْبَاتِ العُلُوِّ على العَرْشِ، أو نُفَوِّضُ

- ‌شُبُهَاتٌ والرَّدُّ عَلَيْهَا

- ‌الشُّبْهَةُ الأولىيستلزمُ منْ إثباتِ الفوقيَّةِ لله تعالى أنْ يكونَ في مكانٍ وحيِّزٍ وجهةٍ

- ‌الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُلو كانَ الخالقُ فوقَ العرشِ لكانَ حاملُ العرشِ حاملًا لمنْ فوقَ العرشِ فيلزمْ احتياجُ الخالقِ إلى المخلوقِ

- ‌الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةُلَوْ كانَ اللهُ فِي السَّمَاءِ لكانَ محصورًا

- ‌الشُّبْهَةُ الرَّابِعَةُقال الرازيُّ: العالمُ كُرَةٌ…فلو كانَ الله في جهةِ فوق لكانَ أسفلَ بالنِّسبةِ إلى سكَّانِ الوجهِ الآخر

- ‌الشُّبْهَةُ الخَامِسَةُلو كانَ مَوْصُوفًا بالعُلُوِّ لكانَ جسمًا، ولو كانَ جسمًا لكان مماثلًا لِسَائِرِ الأَجْسَامِ، واللهُ قد نَفَى عنه المِثْلَ

- ‌الشُّبْهَةُ السَّادِسَةُلو كانَ الله فوقَ العرشِ للزمَ إمَّا أنْ يكونَ أكبرَ مِنَ العرشِ أو أصغرَ أو مساويًا وكلُّ ذلكَ مِنَ المحالِ

- ‌الشُّبْهَةُ الحَادِيَةُ عَشْرَةَلوْ كانَ تعالى فوقَ العرشِ لما صحَّ القولُ بأنَّهُ تعالى قريبٌ منْ عبادهِ

- ‌الردُّ على منِ ادَّعى المجازَ بالفوقيَّةِ بفوقيَّةِ القَدْرِ والرُّتْبَةِ

- ‌الرَّدُّ عَلى مَنْ تَأَوَّلَ الاسْتِوَاءَ بالاسْتِيلاءِ

- ‌الرَدُّ عَلَى مَنْ تَأَوَّلَ نُزُولَ الله عَلَى غَيْرِ مَعْنَاهُ الحَقِّ

- ‌الشُّبهاتُ الواردةُ على صفَّةِ النزولِ

- ‌أَسْئِلَةٌ مُهِمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِحَدِيثِ النُّزُولِ

- ‌السؤالُ الأوَّلُ:هل نقولُ ينزلُ بذاتهِ

- ‌السؤال الثاني:كيفَ نجمعُ بينَ قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «تفتحُ أبوابُ السّمَاءِ نصفَ الليلِ، فينادي منادٍ: هلْ منْ داعٍ فيستجابُ لهُ؟ هلْ منْ سائلٍ فيُعطى؟ هلْ منْ مكروبٍ فيفرَّج عنهُ؟ فلا يبقى مسلمٌ يدعو بدعوةٍ إلَّا استجابَ اللهُ تعالى لهُ

- ‌السؤالُ الثالثُ:كيفَ نجمعُ بين علوِّ الله على العرشِ ونزولهِ إلى السَّماءِ الدُّنيا

- ‌السؤالُ الرابعُ:ما يستفادُ مِنْ حديثِ النزولِ

- ‌أَسْئِلَةٌ وأَجْوِبَتُهَا

- ‌السؤالُ الرابعُما معنى قول السَّلفِ: أمِرُّوهَا كما جاءتْ بلا كيفٍ

- ‌السؤالُ الخامسُكيف استوى على العرش

- ‌السؤالُ السادسُهل مذهبُ السَّلفِ أسلمُ، ومذهبُ الخلفِ أحكمُ وأعلمُ

- ‌السؤالُ الثامنُهل آياتُ الصِّفاتِ مِنَ المتشابَه

- ‌كَلَامٌ نَفِيسٌ لِشَيْخِ الإِسْلَامِ في العُلُوِّ والفَوْقِيَّةِ

- ‌أَثَرُ الإِيْمَانِ بِعُلُوِّ الرَّحْمَنِ

- ‌الخَاتِمَةُ

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌المُقَدِِّّمَةُ إنَّ الحمدَ لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ

بسم الله الرحمن الرحيم

‌المُقَدِِّّمَةُ

إنَّ الحمدَ لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ، وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه.

{يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران: 102].

{يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وب منهما رجالًا كثيرًا ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا} [النساء: 1].

{يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا} [الأحزاب: 70 - 71].

أمَّا بعدُ .. فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وأحسنَ الهَدْيِ هَدْيُ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأُمور محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النَّار.

أمَّا بعدُ: فإنَّ أولى ما يتنافسُ به المتنافسونَ، وأَحْرَى ما يتسابقُ في حَلْبةِ سباقهِ المتسابقونَ، ما كانَ بسعادةِ العبدِ في معاشهِ ومعادهِ كفيلًا، وعلى طريقِ هذهِ السعادةِ دليلًا، وذلكَ العلمُ النَّافعُ، والعملُ الصَّالحُ اللَّذَانِ لا سعادةَ للعبدِ إلَّا بهما، ولا نجاةَ له إلَّا بالتَّعَلُّقِ بسببهما، فمنْ رُزِقَهُمَا فقدْ فازَ وغَنِمَ، ومنْ حُرِمَهُما فالخيرَ كلَّه حُرِمَ.

ولمَّا كانَ العلْمُ للعملِ قرينًا وشافعًا، وشرفهُ لشرفِ معلومهِ تابعًا، كانَ أَجَلَّ العلومِ وأفْضلَها وأشرفَها وأَسْماها على الإطلاقِ: العِلْمُ بالله وأسْمائِه وصفاتِه وأفْعالِه.

ص: 1

ولقدْ شهدَ الله سبحانه وتعالى وشهادتهُ أَجَلُّ شهادةٍ وأعْظمُهَا وأعْدَلُهَا وأصْدَقُهَا - لنفسِه بأنَّهُ استوى على العرشِ، وبأنَّهُ القاهرُ فوقَ عبادهِ، وبأنَّ ملائكتَهُ يخافونهُ منْ فوقهم، وأنَّ الملائكةَ تَعْرُجُ إليه بالأمْرِ، وتَنْزِلُ مِنْ عندهِ، وأنَّ العملَ الصالحَ يصْعَدُ إليهِ. وشَهِدَتْ له الجَهْمِيَّةُ بضدِّ ذلكَ، وقالوا: إنَّ الله منزَّهٌ عن العلوِّ والفوقيَّةِ. يظنُّونَ أنَّ الحقَّ معهم؛ ولكنَّ الحقَّ وراءَهم.

فسمُّوا علوَّ الله على خلقهِ، واستواءَهُ على عرشه: جهةً ومكانًا وقالوا: «منزهٌ عن الجهة والمكان» ومقصودهم بذلك: أنّهُ ليسَ فوق السموات ربٌّ؛ ولا على العرشِ إلهٌ يُصلَّى له ويُسجَدُ، وأنَّ محمَّدًا صلى الله عليه وآله وسلم لم يُعرَج بهِ إليه. يفترون على الله الكذب:{إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون} [النحل: 116]. {وقد خاب من افترى} [طه: 61].

فشهادةُ الرَّبِّ تعالى (1): تكذِّبُ هؤلاءِ أشدَّ التَّكْذيبِ، وتتضمَّنُ أنَّ الذي شهدَ بهِ قدْ بَيَّنهُ وأوْضحهُ وأظهرهُ، حتَّى جعلهُ في أعلى مراتبِ الظُّهورِ والبيانِ، وأنَّه لو كانَ الحقُّ فيما يقولهُ المعطِّلةُ والجهميَّةُ - الذينَ يقولونَ: ليسَ فوقَ السَّمواتِ رَبٌّ يُعبدُ، ولا على العرشِ إلهٌ يُصَلَّى له ويُسْجَدُ - لمْ يَكُنِ العبادُ قد انتفعوا بما شهدَ بهِ سبحانه وتعالى؛ فإنَّ الحقَّ في نفسِ الأمْرِ - عندهم - لمْ يَشْهَدْ بهِ لنفسهِ، والذي شهدَ بهِ لنفسهِ، وأظْهرهُ وأوضحهُ: فليسَ بحقٍّ، ولا يجوزُ أنْ يُسْتفادَ منهُ الحقُّ واليقينُ.

(1) اعلَمْ - بارك الله فيك - بأنَّ اللهَ سبحانه وتعالى: أعظمُ شيءٍ شهادةً، كما قال سبحانه وتعالى:{قل أي شيء أكبر شهادة قل الله} [الأنعام: 19]، فإن شهادتَه سبحانه وتعالى لا غلطَ فيها ولا ظلمَ، تعالى اللهُ عز وجل عن ذلك.

ص: 2

ولقد وفَّقني اللهُ تعالى للكتابةِ في صفةٍ عظيمةٍ منْ صفاتِ ربِّ العالمينَ تبارك وتعالى، ألَا وهيَ «العُلُوُّ والفَوْقِيَّةُ» ليزدادَ الذينَ آمنوا إيمانًا، وليعلمَ الذينَ عَقَدُوا ألويةَ البدعِ وأطلقوا عقالَ الفتنةِ أَنَّهم ليسوا على شيءٍ في هذا البابِ. «فَهُمْ مختلفونَ في الكتابِ (1)، مُخالِفونَ للكتابِ (2)، مُجمِعونَ على مفارقةِ الكتابِ، يقولونُ على اللهِ، وفي اللهِ، وفي كتابِ اللهِ بغيرِ علمٍ، يَتكلَّمونَ بالمُتَشَابَهِ مِنَ الكلامِ، ويَخْدَعونَ جُهَّالَ النَّاسِ بما يُشَبِّهونَ عليهم. فنعوذُ باللهِ مِنْ فتنِ الضَّالِّينَ» (3).

أسألُ اللهَ تعالى «أنْ يوفِّقَنا لما يُرضيهِ مِنَ القولِ والعملِ والنِّيةِ، وأَنْ يُحْيِيَنَا على الطريقةِ التي يرضاها، ويَتَوفَّانا عليها، وأنْ يُلْحِقَنا بنبيِّهِ وخيرتهِ مِنْ خلقهِ محمَّدٍ المصطفى وآلهِ وصحْبهِ، ويجْمعَنا معهم في دارِ كرامتهِ، إنَّهُ سميعٌ قريبٌ مجيبٌ» (4).

الراجي عفو ربِّه عبد الهادي بن حسن وهبي (5)

* * *

(1) وهذا يتضمنُ الاختلافَ المذمومَ المذكورَ في قوله تعالى: {وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد} [البقرة: 176].

(2)

فهذا إشارةٌ إلى تقديمِ غيرِ الكتابِ على الكتابِ، كتقديم معقولهم وأذواقهم وآرائهم ونحو ذلك على الكتاب، فإنَّ هذا اتفاقٌ منهم على مخالفة الكتاب. ومتى تركوا الاعتصام بالكتاب والسنَّة، فلا بُدَّ أن يختلفوا، فإنَّ النَّاسَ لا يفصل بينهم إلَّا كتاب منزَّلٌ من السماء.

(3)

درء تعارض العقل والنقل (5/ 282 - 284).

(4)

الاقتصاد في الاعتقاد (ص223 - 224)، للحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله.

(5)

بيروت - لبنان - ص. ب 6093/ 13 شوران. هاتف: 626787/ 03 - فاكس: 791051/ 01.

ص: 3