الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا كانَ كذلكَ، كانَ رفعُ رأسِهِ وطَرْفِهِ ويديهِ إلى جهةٍ، متضمِّنًا لقصدهِ إيَّاهُ في تلكَ الجهةِ، بخلافِ السَّاجدِ فإنَّهُ عابدٌ ذليلٌ خاشعٌ، وذلكَ يقتضي الذُّلَّ والخُضُوعَ، ليسَ فيهِ ما يقتضي توجيهَ الوَجْهِ واليَدِ نَحْوَهُ، لكن إنْ كان داعيًا وَجَّهَ قَلْبَهُ إليهِ.
الوجهُ الخامسُ:
أنْ يُقالَ: قصدُ القلوبِ للمَدْعُوِّ في العلوِّ أمرٌ فِطْرِيٌّ عَقْلِيٌّ اتفقت عليهِ الأممُ منْ غيرِ مُوَاطَأَةٍ، وأمَّا السُّجودُ فأمرٌ شرعيٌّ يُفعلُ طاعةً للآمرِ، كما تُستقبلُ الكعبةُ حالَ العبادةِ طاعةً للآمرِ (1).
وهكذا الحقُّ ينتصرُ على الباطلِ، فيتركهُ صريعًا زهوقًا:{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا *} [الإسراء: 81].
فاحْمَدْ إِلَهَكَ أيُّهَا السُّنِّيُّ إِذْ
…
عَافَاكَ مِنْ تَحْريفِ ذِي بُهْتَانِ (2)
* * *
هل نَجْزِمُ بِإِثْبَاتِ العُلُوِّ على العَرْشِ، أو نُفَوِّضُ
؟
اعلم رحمكَ الله بأنَّ أهلَ الحديثِ يجزمونَ بإثباتِ علوِّ الرحمنِ عَلَى العرشِ وذلكَ يتبيَّنُ منْ وجوهٍ:
أحدُها:
أنْ يقالَ: إنَّ القرآنَ والسُّننَ المستفيضةَ المتواترةَ وغيرَ المتواترةِ وكلامَ السَّابقينَ والتَّابعينَ، وسائرَ القرونِ الثلاثةِ: مملوءٌ بما فيهِ إثباتُ العلوِّ للهِ تعالى عَلَى عَرْشِهِ بأنواعٍ مِنَ الدلالاتِ، ووجوهٍ مِنَ الصِّفاتِ، وأصنافٍ مِنَ العباراتِ. بما تعجزُ عنهُ الأقلامُ وتضعفُ عنْ حصرهِ الأوهامُ.
فلا يخلو إمَّا أنْ يكونَ مَا اشتركتْ فيهِ هذهِ النُّصوصُ منْ إثباتِ علوِّ اللهِ نفسَهُ عَلَى خلقهِ هو الحقُّ، أو الحقُّ نقيضهُ؛ إذ الحقُّ لا يخرجُ عن النقيضينِ؛ وإمَّا أنْ يكونَ نفسهُ فوقَ الخلقِ؛ أوْ لَا يكونُ فوقَ الخلقِ كَمَا تقولُ الجهميَّةُ. فإمَّا أنْ يكونَ الحقُّ إثباتَ ذلكَ؛ أو نفيهُ.
(1) درء تعارض العقل والنقل (7/ 21 - 25).
(2)
الكافية الشافية (ص53).
فإنْ كانَ نفيُ ذلكَ هو الحقَّ، فمعلومٌ أنَّ القرآنَ لم يبيِّن هَذَا قطُّ - لا نصًّا وَلَا ظاهرًا - وَلَا الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم، وَلَا أحدٌ مِنَ الصَّحابةِ - الذينَ كانوا أعمقَ النَّاس علمًا، وأنصحَهم للأمَّةِ، وأبينَهم للسنَّةِ - والتابعينَ وأئمةِ المسلمينَ؛ لا أئمَّةُ المذاهبِ الأربعةِ، وَلَا غيرهم، وَلَا يمكنُ أحدٌ أن ينقلَ عنْ واحدٍ من هؤلاءِ أنَّه نفى ذلكَ أو أخبرَ بهِ. وأمَّا مَا نُقِلَ من الإثباتِ عنْ هؤلاءِ: فأكثرُ منْ أنْ يحصى أو يحصرَ.
فإنْ كان الحقُّ هو النفيَ دونَ الإثباتِ، لزمَ منْ ذلكَ لوازمُ باطلة:
(الأولى): أنْ لا يُسْتفادَ منْ خبرِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الله في هذا البابِ علمٌ ولا هدًى ولا بيانٌ للحقِّ في نفسهِ. فعندَ النُّفاةِ كلامُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذا البابِ لا يشفي عليلًا، ولا يروي غليلًا، ولا يبيِّنُ الحقَّ مِنَ الباطلِ ولا الهدى مِنَ الضَّلالِ.
(الثانيةُ): القَدْحُ في علمهِ ومعْرفتهِ، أو في فصاحتهِ وبيانهِ، أو في نصْحهِ وإرادتهِ.
(الثالثةُ): أنْ يكونَ المعطِّلةُ النُّفاةُ أعْلمَ باللهِ منهُ، أو أفْصحَ أو أنْصحَ.
(الرابعةُ): أن يكونَ أشْرفُ الكتبِ (1) وأشْرفُ الرسلِ قدْ قصَّرَ في هذا البابِ غايةَ التَّقْصيرِ، بلْ أفْرطَ في التَّجسيمِ والتَّشبيهِ غايةَ الإفْراطِ، وتنوَّعَ فيهِ غايةَ التنوعِ بأنْواعٍ متنوعةٍ مِنَ الخطابِ، تارةً بأنَّهُ استوى على عرْشهِ، وتارةً بأنَّه فوقَ عبادهِ، وتارةً بأنَّهُ العليُّ الأعْلى، وتارةً بأنَّ الملائكةَ تعْرجُ إليهِ، وتارةً بأنَّ الأعْمالَ الصَّالحةَ ترْفعُ إليهِ، وتارةً بأنَّ الملائكةَ في نزولها مِنَ العلوِّ إلى أسفلَ تنْزلُ منْ عندهِ، وتارةً بأنَّهُ رفيعُ الدرجاتِ، وتارةً بأنَّهُ في السَّماءِ، وتارةً بأنَّ الكتابَ نزلَ منْ عنْدهِ، وأضْعافُ ذلكَ ممَّا إذا سمعهُ المعطِّلةُ سَبَّحوا اللهَ ونزَّهوهُ جحودًا وإنْكارًا لا إيمانًا وتصديقًا، فما ضحكَ منهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تعجُّبًا وتصْديقًا لقائلهِ يعبسُ منهُ هؤلاءِ إنْكارًا وتكْذيبًا، وما شهدَ لقائلهِ بالإيمانِ شهدَ هؤلاءِ لهُ بالكفرِ والضَّلالِ، وما أطْلقهُ على ربِّهِ يطْلقُ عليهِ هؤلاءِ ضِدَّهُ ونقيضَهُ، وما نزَّهَ ربَّهُ عنهُ مِنَ العيوبِ والنَّقائصِ يمسكونَ عنْ تنزيههِ عنهُ - وإن اعْتقدوا أنَّه منزَّهٌ عنهُ - ويبالغونَ في تنزيههِ عنْ ما وصفَ به نفسَهُ، فتراهم يبالغونَ أعْظمَ المبالغةِ في تنْزيههِ عنْ علوِّهِ على خلقهِ، واسْتوائهِ على عرشهِ، وتكلُّمهِ بالقرآنِ حقيقةً، ما لا يبالغونَ مثلهُ ولا قريبًا منهُ في تنْزيههِ عَنِ الظُّلمِ والعيبِ.
(1) إنّ الله تعالى قال وهو أصدقُ القائلين: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] وقال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] فلو صحَّ قولُ نفاةِ العُلُوِّ لما كان الكتابُ تبيانًا لكلِّ شيءٍ، ولكان اللهُ مفرطًا في الكتاب، وكلُّ ذلكَ تكذيبُ الله تعالى بعدَ وجوبِ تصديقهِ.
فهذا وأضْعافهُ وأضْعافُ أضْعافِهِ منْ لوازمِ قولِ المعطِّلةِ (1).
(الخامسةُ): أنْ يكونَ قدْ نزَّلَ بيانَ الحقِّ والصَّوابِ لهم ولمْ يفصحْ بهِ، بل رمزَ إليهِ رمزًا وألغزهُ إلغازًا لا يفهمُ منهُ ذلكَ إلَّا بعدَ الجهدِ الجهيدِ. وهذا ينافي ما وصفَ الله بهِ كتابهُ مِنَ التيسيرِ والبيانِ.
(السادسةُ): أنْ يكونَ قدْ كلَّفَ عبادهُ أنْ لا يفهموا منْ تلكَ الألفاظِ حقائقهَا وظواهرهَا، وكلَّفهم أنْ يفهموا منها مَا لا تدلُّ عَلَيهِ ولمْ يجعلْ معها قرينةً تفهمُ ذلكَ. فأيُّ تيسيرٍ يكونُ هناكَ وأيُّ تعقيدٍ وتعسيرٍ لم يحصلْ بذلكَ. وهذا تدْليسٌ وتلبيسٌ، ونقيضُ البيانِ وضدُّ الهدى، وهو بالألْغازِ أشْبهُ منه بالهدى والبيانِ. وكانَ بمنزلةِ مَنْ أرادَ أنْ يصفَ لعليلٍ دواءً قاتلًا، وأخبرهُ أنَّ فيهِ الشفاءَ والعافيةَ، وأرادَ منهُ أنْ يأخذَ من ألفاظِ ذلكَ الدواءِ ما لا يدلُّ عليهِ، بلْ على خلافهِ، فهلْ يكونُ (2) مثلُ هذا المداوي إلَّا في غايةِ الجهلِ والضَّلالِ، أو في غايةِ الإفكِ والبهتانِ والإضلالِ والتَّلبيسِ والتَّدليسِ؟! فلا بدَّ لكمْ منْ هذهِ اللوازمِ المذْكورةِ.
(السابعةُ): أنْ يكونَ خيرُ الأمَّةِ، وأفضلُها، وأعلمُها، وأسبقُها إلى كلِّ فضلٍ، وهدًى، ومعرفةٍ، وخيرُ القرونِ، قدْ أمسكوا منْ أوَّلهم إِلَى آخرهم عنْ قولِ الحقِّ فِي «الأمورِ الإلهيَّةِ، والحقائقِ الربَّانيَّةِ، التي هيَ أجلُّ المطالبِ العالية، وأعظمُ المقاصدِ السامية» (3)، وذلكَ إمَّا جهلٌ ينافي العلمَ، وإمَّا كتمانٌ ينافي البيانَ. ولقدْ أساء الظنَّ بخيارِ الأمَّةِ مَنْ نسبهمْ إِلَى ذلكَ، ومعلومٌ أنَّه إِذَا ازدوجَ التكلُّمُ بالباطلِ والسكوتُ عن بيانِ الحقِّ، تولَّدَ منْ بينهما جهلُ الحقِّ وإضلالُ الخلقِ.
(1) الصواعق (ص1152).
(2)
الصواعق (ص1508).
(3)
درء تعارض العقل والنقل (5/ 370).
(الثامنةُ): أنَّهم التزموا لذلكَ تجهيلَ السَّلف وأنَّهم كانوا أُمِّيِّينَ مقبلينَ عَلَى الزُّهدِ والعبادةِ والورعِ والتسبيحِ وقيامِ الليلِ (1) ولم تكن الحقائقُ مِنْ شأنهم (2).
(التاسعةُ): أنَّ تركَ النَّاسِ مِنْ إنزالِ هذهِ النُّصوصِ كانَ أنفعَ لهمْ وأقربَ إِلَى الصَّوابِ، وخيرًا «لهم منْ إنزالها إليهم؛ فإنَّها أوهمتهمْ وأفْهمتهمْ غيرَ المرادِ، وأوقعتهمْ في اعْتقادِ الباطلِ، ولمْ يتبيَّنْ لهمْ ما هو الحقُّ في نفسهِ؛ بلْ أُحيلوا فيهِ على ما يستخرجونهُ بعقولهمْ وأفْكارهمْ ومقايسهم» (3).
قَالَ ابنُ القيِّم رحمه الله:
لَوْ كَانَ حَقًّا مَا يَقُولُ مُعَطِّلٌ
…
لعُلُوِّهِ وَصِفَاتِهِ الرَّحْمنِ
لَزِمَتْكُمُ شُنَعٌ ثَلَاثٌ فَارْتَؤوا
…
أَوْ خُلَّةٌ مِنْهُنَّ أَوْ ثِنْتَانِ
تَقْدِيمُهُمْ فِي العِلْمِ أَوْ فِي نُصْحِهِمْ
…
أَوْ فِي البَيَانِ أَذَاكَ ذُو إِمْكَانِ
إِنْ كَانَ مَا قَدْ قُلْتُمُ حَقًّا فَقَدْ
…
ضَلَّ الوَرَى بالوَحْي والقُرْآنِ
إِذْ فِيهِمَا ضِدُّ الَّذِي قُلْتُمُ وَمَا
…
ضِدَّانِ فِي المَعْقُولِ يَجْتَمِعَانِ
بَلْ كَانَ أَوْلى أَنْ يُعَطَّلَ مِنْهُمَا
…
وَيُحَالَ فِي عِلْمٍ وَفِي عُرْفَانِ
إِمَّا عَلَى جَهْمٍ وَجَعْدٍ أَوْ عَلَى النّـ
…
ظَّامِ أَوْ ذِي المذْهَبِ اليُونَانِ
وَكَذَاكَ أَتْباعٌ لَهُمْ فَقْعُ الفَلَا
…
صُمٌّ وبكْمٌ تَابعو العُمْيَانِ
(1) قال شيخ الاسلام رحمه الله في «الفتاوى الكبرى» (6/ 626): «فمن ادَّعى أنه حقق من العلم بأصول الدين أو من الجهاد ما لم يحققوه، كان من أجهلِ الناس وأضلَّهم، وهو بمنزلةِ مَنْ يدَّعي مِنْ أهل الزهد والعبادة والنسك أنهم حقَّقُوا من العباداتِ والمعارفِ والمقاماتِ والأحوالِ ما لم يحقِّقْه الصحابةُ» .
(2)
الصواعق (ص314 - 318).
(3)
إعلام الموقعين (2/ 318).
وَكَذَاكَ أَفْرَاخُ القَرَامِطَةِ الأَلى
…
قدْ جَاهَرْوا بِعَداوَةِ الرَّحْمن (1)
قالَ شيخُ الاسلامِ رحمه الله: «فلئنْ كانَ الحقُّ ما يقولهُ هؤلاءِ السالبونَ النَّافونَ للصِّفاتِ الثابتةِ في الكتابِ والسنَّةِ؛ فكيفَ يجوزُ على الله تعالى، ثمَّ على رسولهِ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ على خيرِ الأمَّةِ: أنَّهم يتكلَّمونَ دائمًا بما هو إمَّا نصٌّ وإمَّا ظاهرٌ في خلافِ الحقِّ؟! ثمَّ الحقُّ الذي يجبُ اعتقادهُ لا يبوحونَ بهِ قطُّ، ولا يدلُّونَ عليهِ لا نصًّا ولا ظاهرًا؛ حتَّى يجيء أنباطُ الفرسِ والرومِ، وفروخُ اليهودِ والنَّصارى والفلاسفةِ يبيِّنونَ للأمَّةِ العقيدةَ الصحيحةَ، التي يجبُ على كَلِّ مكلَّفٍ أو كلِّ فاضلٍ أنْ يعتقدَهَا!!
ولازمُ هذهِ المقالةِ: أنْ لا يكون الكتابُ هدًى للنَّاس ولا بيانًا، ولا شفاءً لما في الصُّدورِ، ولا نورًا، ولا مردًّا عند التنازع، لأنَّا نعلمُ بالاضطرارِ أنَّ ما يقولهُ هؤلاء المتكَلِّفونَ: أنَّهُ الحقُّ الذي يجبُ اعتقادَهُ: لم يدلَّ عليهِ الكتابُ والسنَّةُ؛ لا نصًَّا ولا ظاهرًا.
ولازمُ هذهِ المقالةِ: أنْ يكونَ تركُ النَّاسِ بلا رسالةٍ: خيرًا لهم في أصلِ دينهم، لأنَّ مردَّهم قبل الرسالةِ وبعدهَا واحدٌ؛ وإنَّما الرسالةُ زادتهم عمى وضلالةً» (2).
الوجهُ الثاني:
فِي تبيينِ وجوبِ الإقرارِ بالإثباتِ، وعلوِّ الله عَلَى السَّماواتِ أنْ يقالَ:
(1) الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية (ص138).
(2)
مجموع الفتاوى (5/ 15 - 19).
مِنَ المعلومِ أنَّ الله تعالى أَكْمَلَ الدِّينَ، وأتمَّ النِّعمةَ؛ وأنزلَ الكتابَ تبيانًا لكلِّ شيءٍ؛ وأنَّ معرفةَ مَا يستحقُّهُ الله وما ينزَّهُ عنهُ هوَ منْ أجلِّ أمورِ الدِّينِ، وأعظمِ أصولهِ؛ وأفْضلِ وأوجبِ ما اكْتسبتهُ النُّفوسُ، وأجلُّ ما حصَّلتْهُ القلوبُ، وأدْركتْهُ العقولُ، وأنَّ بيانَ هَذَا وتفصيلَهُ أولى منْ كلِّ شيءٍ. فكيفَ يجوزُ أنْ يكونَ هَذَا البابُ لم يبيِّنهُ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم ولمْ يفصِّلهُ ولم يعلِّمْ أمَّتهُ مَا يقولونَ فِي هَذَا البابِ؟! وكيفَ يكونُ الدِّينُ قد كَمُلَ وقدْ تركوا عَلَى الطريقةِ البيضاءِ، وهمْ لا يدرونَ بماذا يعرفونَ ربَّهم: أبما تقولهُ النُّفاةُ، أو بأقوالِ أهلِ الإثباتِ؟!
مِنَ المحال أنْ يكونَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قد علمَ أمَّتهُ كلَّ شيءٍ حتَّى الخِراءَةَ، وقالَ:«لَقَدْ تَرَكْتُكُم على مِثْلِ البَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لا يزيغُ عنها إلا هَالِكٌ» (1).
وقالَ فيمَا صحَّ عنهُ أيضًا: «ما بَعَثَ اللهُ من نَبِيٍّ إلَّا كانَ حَقًّا عليهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ على خَيْرِ ما يَعْلَمُه لَهُمْ وَيَنْهَاهُم عن شَرِّ ما يَعْلَمُهُ لَهُمْ» (2).
وقال أبو ذر رضي الله عنه: «تَرَكَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طَائِرٌ يقلِّبُ جَنَاحَيْهِ في الهواء إلاّ وهو يذكرنَا منه عِلْمًا» (3).
(1) رواه ابن ماجه (43)، وصححه الألباني في «صحيح سنن ابن ماجه» (41).
(2)
رواه مسلم (1844).
(3)
رواه الطبراني في «الكبير» (1647)، وصححه الألباني في «الصحيحه» (1803).
ومحالٌ مَعَ تعليمهم كلَّ شيءٍ لهمْ فيهِ منفعةٌ في الدِّينِ - وإنْ دقَّت - أنْ يتركَ تعليمهم ما يقولونهُ بألسنتهم، ويعتقدونهُ في قلوبهم، في ربِّهم ومعبودهم ربِّ العالمينَ - الذي معْرفتهُ غايةُ المعارفِ، وعبادتهُ أشْرفُ المقاصدِ، والوصولُ إليهِ غايةُ المطالبِ ـ؛ بل هذا خلاصةُ الدعوةِ النبويَّةِ، وزبدةُ الرسالةِ الإلهيَّةِ.
فكيفَ يتوهَّمُ منْ في قلبهِ أدنى مسكةٍ منْ إيمانٍ وحكمةٍ أنْ لا يكون هذا البابُ قد وقعَ مِنَ الرسول صلى الله عليه وسلم على غايةِ التمامِ؟! (1).
فكيفَ يصحُّ مَعَ كمالِ الدِّينِ وتمامهِ، ومَعَ كونِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم قَدْ بلَّغَ البلاغَ المبينَ، أنْ يكونَ نفيُ العلوِّ مِنَ الدِّينِ والإيمانِ ثمَّ لا يذكرهُ الله سبحانه وتعالى ولا رسولُه صلى الله عليه وسلم قطُّ.
وكيفَ يجوزُ أنْ يُدْعى النَّاسُ ويؤمرونَ باعتقادٍ في أصولِ الدِّينِ ليسَ لهُ أصلٌ عمَّنْ جاءَ بالدِّينِ؟! هلْ هذا إلَّا صريحُ تبديلِ الدِّينِ (2).
الوجهُ الثالث:
(1) انظر: مجموع الفتاوى (5/ 7).
(2)
الفتاوى الكبرى (6/ 345).
أنْ يقالَ: كلُّ منْ فيهِ أدنى محبَّةٍ للعلمِ أو أدنى محبَّةٍ للعبادةِ: لا بدَّ أنْ يكونَ البحثُ عنْ هذا البابِ والسؤالُ عنهُ، ومعْرفةُ الحقِّ فيهِ، أكبرَ مقاصدهِ، وأعْظمَ مطالبهِ، وأجلَّ غاياته أعني بيانُ ما ينْبغي اعْتقادهُ في الرَّبِّ عز وجل، - الذي معرفتهُ أجلُّ المقاصدِ، وأرفعُ المواهبِ، وأعظمُ المطالبِ ـ، فلا يُتصوَّرُ أنْ يكونَ الصَّحابةُ - الذين هممهمْ أشْرفُ الهممِ، ومطالبهمْ أجلُّ المطالبِ، ونفوسهمْ أزكى النُّفوسِ - والتَّابعونَ كلُّهم كانوا معرضينَ عنْ هَذَا لا يسألونَ عنهُ، وَلَا يشتاقونَ إلى معرفتهِ، وَلَا تطلبُ قلوبهم الحقَّ، وهمْ ليلًا ونهارًا يتوجَّهونَ بقلوبهمْ إليهِ، ويدْعونهُ تضرُّعًا وخيفةً، ورغبًا ورهبًا، والقلوبُ مجبولةٌ مفطورةٌ عَلَى طلبِ العلمِ بهذا، ومعرفةِ الحقِّ فيه، وهي مشتاقةٌ إليهِ أكثرَ منْ شوقهَا إلى كثيرٍ مِنَ الأمورِ، ومَعَ الإرادةِ الجازمةِ والقدرةِ يجبُ حصولُ المرادِ، وهم قادرونَ عَلَى سؤالِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وسؤالِ بعضهم بعضًا. وقد سألوهُ عمَّا هوَ دونَ هَذَا: سألوهُ هل نرى ربَّنا يومَ القيامةِ؟ فأجابهم. وسألهُ أبو رزين: أيضحكُ ربُّنا؟ فقالَ: «نعمْ» . فقال: «لَنْ نُعْدَمَ من ربٍّ يضحكُ خيرًا» (1). «فجعلَ الأعْرابيُّ العاقل - بصحةِ فطْرتهِ - ضَحِكَهُ دليلًا على إحْسانهِ وإنْعَامهِ؛ فدلَّ على أنَّ هذا الوصفَ مقرونٌ بالإحسانِ المحمودِ، وأنَّهُ منْ صفاتِ الكمالِ» (2). ولو لمْ يفهمْ منْ ضحكه سبحانه وتعالى معنًى لمْ يقلْ ما قال.
(1) رواه ابن ماجه (181) وغيره، وقال الألباني رحمه الله في «الصحيحة» (6/ 736):«والخلاصة أن الحديث بمجموع الطريقين حسن عندي» .
(2)
مجموع الفتاوى (6/ 121).
والمقصودُ هنا: أنَّهم لا بدَّ أنْ يسألوهُ عنْ ربِّهم الَّذي يعبدونهُ، وإذا سألوهُ فلا بدَّ أنْ يجيبهم. ومِنَ المعلومِ بالاضطرارِ أنَّ مَا تقولهُ الجهميَّةُ النُّفاةُ لمْ يُنْقَلْ عنْ أحدٍ منْ أهلِ التَّبليغِ عنهُ، وإنَّما نقلوا عنهُ مَا يوافقُ قولَ أهلِ الإثباتِ.
الوجهُ الرابعُ:
أنْ يقالَ: إمَّا أنْ يكونَ الله يحبُّ منَّا أنْ نعتقدَ قولَ النُّفاةِ، أو نعتقدَ قولَ أهلِ الإثباتِ، أو لا نعتقدُ واحدًا منهما.
فإنْ كان مطلوبهُ منَّا اعتقادَ قولِ النُّفاةِ: وهو أنَّهُ لا داخلَ العالمِ وَلَا خارجهُ؛ وأنَّهُ ليسَ فوقَ السَّماواتِ ربٌّ، وَلَا عَلَى العرشِ إلهٌ، فالصَّحابةُ والتَّابعونَ أفضلُ منَّا، فقدْ كانوا يعتقدونَ هَذَا النَّفيَ، والرسولُ صلى الله عليه وسلم كانَ يعتقدهُ، وإذا كانَ اللهُ ورسولهُ يرضاهُ لنا وهوَ إمَّا واجبٌ علينا أو مستحبٌّ لنا؛ فلا بدَّ أنْ يأمرنا الرَّسُول صلى الله عليه وسلم بما هو واجبٌ علينا، ويندبنَا إلى مَا هوَ مستحبٌّ لنَا، وَلَا بدَّ أن يظهر عنهُ وعنِ المؤمنينَ مَا فيهِ إثباتٌ لمحبوبِ الله ومرضيهِ وما يقرِّبُ إليهِ؛ لا سيَّما مَعَ قولهِ عز وجل:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3].
وإذا كانَ كذلكَ: كانَ مِنَ المعلومِ أنَّهُ لا بدَّ أن يبيِّنَهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم؛ وقدْ عُلمَ بالاضطرارِ أنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم وأصحابَهُ لم يتكلَّموا بمذهبِ النُّفاةِ. فعُلمَ أنَّهُ ليسَ بواجبٍ وَلَا مستحبٍّ؛ بلْ علمَ أنَّهُ ليسَ مِنَ «التوحيدِ» الّذي شرعهُ الله تعالى لعبادهِ.
وإنْ كانَ يحبُّ منَّا مذهبَ الإثباتِ؛ وهو الَّذي أمرنَا بهِ؛ فلا بدَّ أيضًا أنْ يبيِّنَ ذلكَ لنا. ومعلومٌ أنَّ فِي الكتابِ والسنَّةِ منْ إثباتِ «العلوِّ والصِّفاتِ» أعظم ممَّا فيهما منْ إثباتِ الوضوءِ والتَّيمُّمِ، والصِّيامِ، وتحريمِ ذواتِ المحارمِ؛ وخبيثِ المطاعمِ؛ ونحو ذلكَ مِنَ «الشَّرائعِ» . فعلى قولِ أهلِ الإثباتِ يكونُ الدِّينُ كاملًا، والرسولُ صلى الله عليه وسلم مبلِّغًا مبيِّنًا؛ والتوحيدُ عَنِ السَّلفِ مشهورًا معروفًا، والكتابُ والسنَّةُ يُصَدِّقُ بعضُهُ بعضًا؛ والسّلفُ خيرُ هذهِ الأمَّةِ وطريقهم أفضلُ الطُّرقِ، والقرآنُ كلُّهُ حقٌّ ليسَ فيه إضلالٌ، وَلَا دلَّ عَلَى كفرٍ ومحالٍ؛ بل هو الشِّفاءُ والهدى والنُّورُ. وهذه كلُّها لوازمٌ ملتزمةٌ ونتائجٌ مقبولةٌ؛ فقولهم مؤتلفٌ غيرُ مختلفٍ، ومقبولٌ غيرُ مردودٍ.
وإنْ كانَ الَّذي يحبُّهُ الله منَّا أنْ لا نثبتَ وَلَا ننفي؛ بل نَبْقَى فِي الجهلِ البسيطِ، وفي ظلماتٍ بعضُهَا فوقَ بعضٍ، لا نعرفُ الحقَّ مِنَ الباطلِ وَلَا الهدى مِنَ الضَّلالِ، وَلَا الصِّدقَ من الكذبِ؛ بل نقفُ بينَ المثبتةِ والنُّفاةِ موقفَ الشَّاكينَ الحَيَارى {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} [النساء: 143]؛ لا مصدِّقينَ وَلَا مكذِّبينَ: لزمَ مِنْ ذلكَ أنْ يكونَ الله يحبُّ منَّا عدمَ العلمِ بما جاءَ بهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم، وعدمَ العلمِ بما يستحقُّهُ الله سبحانه وتعالى مِنَ الصِّفاتِ التَّاماتِ، وعدمَ العلمِ بالحقِّ مِنَ الباطلِ، ويحبُّ منَّا الحَيْرةَ والشَّكَّ.
ومِنَ المعلومِ أنَّ الله لا يحبُّ الجهلَ، وَلَا الشكَّ، وَلَا الحيرةَ، وَلَا الضَّلالَ؛ وإنَّما يحبُّ الدِّينَ والعلمَ واليقينَ.
وقدْ ذمَّ «الحيرةَ» بقولهِ تعالى: {قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} [الأنعام: 71].
وقال سبحانه وتعالى: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 213].
فأخبرَ سبحانهُ أنَّه هدى عبادهُ لما اختلفَ فيهِ المختلفونَ (1).
وقدْ أمرَنا الله تعالى أنْ نقولَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ *} [الفاتحة: 6 - 7].
وفي صحيحِ مسلمٍ (2) وغيرهِ عنْ عائشةَ رضي الله عنها أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ إِذَا قامَ من الليل يصلِّي يقولُ: «اللهمَّ ربَّ جبريلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ؛ فاطرَ السماواتِ والأرضِ، عالمَ الغَيْبِ والشَّهَادَةِ، أنتَ تَحْكُمُ بينَ عبادِكَ فيما كانُوا فيه يَخْتَلِفُون. اهْدِنِي لما اخْتُلِفَ فيه من الحَقِّ بإِذْنِكَ إنَّكَ تَهْدِي من تَشَاءُ إلى صراطٍ مستقيمٍ» .
فهوَ صلى الله عليه وسلم يسألُ ربَّهُ أنْ يهديَهُ لما اخْتُلفَ فيهِ مِنَ الحقِّ، فكيفَ يكونُ محبوبُ الله عدمَ الهدى فِي مسائلِ الخلافِ؟! وقدْ قَالَ الله تعالى لهُ:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114].
وقولُ هؤلاءِ الواقفةِ الذينَ لا يثبتونَ وَلَا ينفونَ، وينكرونَ الجزمَ بأحدِ القولينِ: يلزمُ عَلَيهِ أمورٌ:
(1) الصواعق (ص516).
(2)
رواه مسلم (770).
(أحدها): أنَّ منْ قَالَ هَذَا: فعليهِ أنْ ينكرَ عَلَى النُّفاةِ؛ فإنَّهم ابتدعوا ألفاظًا ومعاني لا أصلَ لها فِي الكتابِ، وَلَا فِي السنَّةِ.
وأمَّا المثبتةُ إِذَا اقتصروا عَلَى النُّصوصِ؛ فليسَ له الإنكارُ عليهم، وهؤلاءِ الواقفةِ هم فِي الباطنِ يوافقونَ النُّفاةَ أو يقرُّونهم، وإنَّما يعارضون المثبتةَ، فعلمَ أنَّهم أقرُّوا أهلَ البدعةِ، وعادوا أهلَ السنَّةِ.
(الثاني): أنْ يقالَ: عدمُ العلمِ بمعاني القرآنِ والحديثِ ليسَ ممَّا يحبُّه اللهُ ورسولُهُ، فهذا القولُ باطلٌ.
(الثالثُ): أنْ يقالَ: الشَّكُّ والحيرةُ ليستْ محمودةً فِي نفسهَا باتِّفاقِ المسلمينَ. غايةُ مَا فِي البابِ أنَّ منْ لم يكنْ عندهُ علمٌ بالنَّفيِ وَلَا الإثباتِ يسكتُ. فأمَّا منْ علمَ الحقَّ بدليلهِ الموافقِ لبيانِ رسولهِ صلى الله عليه وسلم، فليسَ للواقفِ الشَّاكِ الحائرِ أنْ ينكرَ عَلى هَذَا العالمِ الجازمِ المستبصرِ المتَّبعِ للرسولِ صلى الله عليه وسلم، العالمِ بالمنقولِ والمعقولِ.
(الرابعُ): أنْ يقالَ: السَّلفُ كلُّهم أنكروا عَلَى الجهميَّةِ النُّفاةِ، وقالوا بالإثباتِ وأفصحوا بِهِ، وكلامهم فِي الإثباتِ والإنكارِ عَلَى الواقفةِ والنُّفاةِ أكثرُ منْ أنْ يمكنُ إثباتُهُ في هذا المكانِ
…
كلُّهم مطبقونَ على الذمِّ والرَّدِّ على منْ نفى أنْ يكونَ اللهُ فوقَ العرشِ، كلُّهم متَّفقونَ على وصفهِ بذلكَ، وعلى ذمِّ الجهميَّةِ الذينْ ينكرونَ ذلكَ؛ وليسَ بينهم في ذلكَ خلافٌ، ولا يقدرُ أحدٌ أن ينقلَ عنْ أحدٍ منْ سلفِ الأمَّةِ وأئمَّتِها في القرونِ الثلاثةِ حرفًا واحدًا يخالفُ ذلكَ؛ لم يقولوا شيئًا منْ عباراتِ النُّفاةِ، إنَّ الله ليسَ في السَّماءِ، والله ليسَ فوقَ العرشِ، ولا أنَّهُ لا داخلَ العالمِ ولا خارجَهُ، ولا أنَّ جميعَ الأمكنةِ بالنسبةِ إليه سواء، أو أنَّهُ لا تجوزُ الإشارةُ الحسيَّةُ إليهِ، ونحو ذلكَ مِنَ العباراتِ التي تطلقُهَا النُّفاةُ: لا نصًّا ولا ظاهرًا؛ بلْ همْ مطبقونَ متَّفِقُونَ على أنَّهُ نفسهُ فوقَ العرشِ، وعلى ذمِّ منْ ينكرُ ذلكَ.
فقدْ تبيَّنَ بهذا الكلامِ أنَّ «الحقَّ الحقيقَ بالقبولِ، هو إثباتُ علوِّ الله على العرشِ، الخالصُ منْ شوبِ التَّشبيهِ، المصفَّى منْ قذراتِ التعطيلِ.
والمسيرُ إلى توحيدِ الله تعالى، ومعرفةِ صفاته العليا وأسمائه الحسنى بالصُّعودِ على سلالمِ أهلِ الكلام نقيصةٌ واضحةٌ في الدِّينِ، وثلمةٌ بارزةٌ في حصنِ اليقينِ، بلْ ردٌّ للتَّوحيدِ الذي دعا إليهِ الرسولُ صلى الله عليه وسلم، وندبَ إليهِ سبحانه وتعالى كلَّ جيلٍ مِنَ النَّاس.
فمَنْ زَعَمَ أنَّ الحقَّ في كلامِ عُلَمَاءِ الكَلامِ، والتَّوحيدُ هو الذي جاءَ بهِ هؤلاءِ، والقرآنُ لا يكفي في ذَلِكَ، والحديثُ لا يغني عمَّا هُنَالِكَ، فقد خَرَجَ عن دائرةِ الإسلامِ، وعليه دائرةُ السَّوْءِ من اللهِ العزيزِ العَلَّامِ» (1).
* * *
(1) الدين الخالص (1/ 153 - 154)، لصديق حسن خان.