الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال شيخُ الإسلامِ رحمه الله: وعبدُ الله بنُ طاهرٍ - وهوَ منْ خيارِ منْ وليَ الأمرَ بخراسان - كانَ يعْرفُ أنَّ اللهَ فَوْقَ العَرْشِ، وأشْكلَ عليهِ أنَّهُ ينزلُ لتوهمهِ أنَّ ذلكَ يقْتضي أنْ يخْلوَ منهُ العرشُ، فأقرَّهُ الإمامُ إسحاقُ على أنَّهُ فوقَ العرشِ، وقالَ لهُ: يقدرُ أنْ ينزلَ منْ غيرِ أنْ يخلوَ منهُ العرشُ؟ فقالَ لهُ الأميرُ: نعمْ. فقالَ لهُ إسْحاق: لمَ تتكلَّمْ في هذا؟
يقولُ: فإذا كانَ قادرًا على ذلكَ لمْ يلزمْ من نزولهِ خلوُّ العرشِ منهُ، فلا يجوزُ أنْ يعترضَ على النزولِ بأنَّه يلْزمُ منهُ خلوُّ العرشِ، وكان هذا أهْونَ من اعْتراضِ منْ يقولُ: ليسَ فوقَ العرشِ شيءٌ، فينكرُ هذا وهذا (1).
وممَّا ذكرنا يتضحُ لكَ أنَّهُ لا تعارضَ بينَ نزولِ الله تبارك وتعالى واستوائهِ على العرشِ.
السؤالُ الرابعُ:
ما يستفادُ مِنْ حديثِ النزولِ
؟
يستفادُ منْ حديثِ النزولِ ما يلي:
أولًا: إثْباتُ العلوِّ لله مِنْ قولِهِ: «ينزلُ» .
ثانيًا: إثْباتُ الأفْعالِ الاخْتياريةِ التي هِيَ الصِّفاتُ الفعليةُ مِنْ قولهِ: «ينزلُ حينَ يبقى ثلثُ الليلِ الآخرِ» .
ثالثًا: إثْباتُ القولِ للهِ منْ قولهِ: «يقولُ» .
رابعًا: إثْباتُ الكرمِ للهِ عز وجل مِنْ قولهِ: «منْ يدْعوني
…
منْ يسألني
…
منْ يستغفرني .. ».
(1) مجموع الفتاوى (5/ 377).
وفيهِ مِنَ النَّاحيةِ المسْلكيةِ:
أنَّهُ ينبغي للإنْسانِ أنْ يغتنمَ هذَا الجزءَ مِنَ الليلِ، فيسألُ الله عز وجل ويدْعوهُ ويسْتغْفرهُ، ما دامَ الرَّبُّ سبحانهُ يقولُ: «منْ يدعوني .. من يستغفرني
…
» و (منْ): للتشويقِ؛ فينبغي لنَا أنْ نستغلَّ هذهِ الفرصةَ؛ لأنَّهُ ليسَ لكَ مِنَ العمرِ إلَّا ما أمْضيتهُ في طاعةِ الله، وستمرُّ بكَ الأيَّامُ؛ فإذا نزلَ بكَ الموتُ؛ فكأنَّكَ ولدتَ تلكَ الساعة، وكلُّ ما مضى ليسَ بشيءٍ (1).
قال العلامة ابن قدامة المقْدسيُّ رحمه الله (620هـ): وتيقَّظْ في ساعاتِ الأسْحارِ عنْدَ نزولِ الجبَّارِ، وأحْضِرْ بقلبك قولَ العزيزِ الغفَّارِ:«هلْ منْ سائلٍ فأعْطيهُ؟ هلْ منْ داعٍ فأسْتجيبَ لهُ؟ هلْ منْ مسْتغفرٍ فأغْفرَ له؟» (2).
وقالَ ابنُ القيِّمِ رحمه الله عنْ وقتِ النزولِ -: «إنَّهُ وقتُ قسمِ الغنائمِ، وتفريقِ الجوائزِ، فمستقلٌّ ومستكثرٌ ومحرومٌ» (3).
وقال صدِّيق حسن خان رحمه الله: «وقتُ نزول الرَّبِّ إلى السَّماء الدُّنيا أشرفُ أوقاتِ الصَّلواتِ والأذكارِ والدَّعواتِ. فمنْ وفِّقَ فيهِ لذلكَ فقدْ فازَ فوزًا عظيمًا، ومنْ حُرِمَهُ فقدْ حُرِمَ خيرًا كثيرًا» (4).
فالمتقون يقومون في الثلثِ الأخير من الليلِ للصلاةِ والذِّكر والاستغفارِ والدعاء «فما يطلعُ فجرُ الأجرِ إلَّا وقدْ حازَ القومُ الغنيمةَ، وفازوا بالفخرِ، وحمِدوا عند الصَّباحِ السُّرى، وما عندَ أهلِ الغفلةِ والنَّومِ خبرٌ ممَّا جرى» (5).
يا نفسُ قومي فقدْ نامَ الورى
…
إنْ تصنعي الخيرَ فذو العرشِ يرى
(1) شرح العقيدة الواسطية (ص402 - 403)، للعلاّمة: ابن عثيمين رحمه الله.
(2)
وصية العالم الجليل موفق الدين ابن قدامة المقدسي (ص50).
(3)
تحفة المودود في أحكام المولود (ص241)[مكتبة دار البيان - دمشق، الطبعة الأولى].
(4)
نزل الأبرار (ص125).
(5)
لطائف المعارف (ص97)، طبعة دار ابن كثير.
وأنتِ يا عينُ دعي عنكِ الكرى
…
عندَ الصَّباحِ يُحْمَدُ القومُ السُّرى (1)
(1) المصدر السابق (ص98).