المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السؤال الخامسكيف استوى على العرش - الكلمات الحسان في بيان علو الرحمن

[عبد الهادي بن حسن وهبي]

فهرس الكتاب

- ‌المُقَدِِّّمَةُ

- ‌أَدِلَّةُ عُلُوِّ اللَّهِ عَلَى العَرْشِ

- ‌التَّصريحُ بالفوقيَّةِ مقرونًا بأداة «مِنْ» المعيِّنةِ للفوقيَّةِ بالذَّاتِ

- ‌ذِكْرُها مُجَرَّدَةً عَنِ الأداةِ

- ‌التَّصريحُ بالعروجِ إليهِ سبحانه وتعالى

- ‌التَّصْرِيحُ بالصُّعودِ إليهِ سبحانه وتعالى

- ‌التَّصْرِيحُ برفعهِ بعضَ المخلوقاتِ إليهِ سبحانه وتعالى

- ‌التَّصْرِيحُ بالعلوِّ المطلقِ الدَّالِّ على جميعِ مراتبِ العلوِّ، ذاتًا وقَدْرًا وقَهْرًا

- ‌التَّصريحُ بتنزيلِ الكتابِ منهُ سبحانه وتعالى

- ‌التَّصْرِيحُ باختصاصِ بعضِ المخلوقاتِ بأنَّهَا عندهُ، وأنَّ بعضَها أقربُ إليهِ منْ بعضٍ

- ‌التَّصريحُ بأنَّهُ تعالى في السَّماءِ

- ‌شهادَتُهُ صلى الله عليه وسلم التي هيَ أصدقُ شهادةٍ عند اللهِ وملائكتِهِ وجميعِ المؤمنينَ لمنْ قالَ: «إنَّ ربَّهُ في السَّماءِ» بالإيمانِ

- ‌الإشارةُ إليه سبحانه وتعالى حسًّا إلى العلوِّ

- ‌التَّصرِيحُ برَفْعِ الأيدي والأبصارِ إليه سبحانه وتعالى

- ‌النُّصوصُ الدَّالةُ على رؤيةِ أهلِ الجنَّةِ لهُ تعالى مِنَ الكتابِ والسنَّةِ

- ‌التصريحُ بنزوله سبحانه وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السَّماءِ الدنيا

- ‌إخبارُهُ صلى الله عليه وسلم أنَّه تردَّد بينَ موسى عليه السلام وبينَ ربِّه ليلةَ المعراجِ بسببِ الصَّلاةِ

- ‌النُّصوصُ الواردةُ فِي ذكرِ العرشِ وصفتهِ وإضافتهِ غالبًا إِلَى خالقهِ تبارك وتعالى وأنَّه تَعَالَى فوقهُ

- ‌إخبارهُ تعالى عنْ فرعونَ أنَّهُ رامَ الصُّعودَ إلى السَّمَاء ليطِّلع إلى إله موسى، فيكذِّبهُ فيما أخبرهُ منْ أنَّهُ سبحانهُ فوقَ السَّماوات

- ‌تنزيهُ اللهِ سبحانه وتعالى نفسَهُ عن موجبِ النُّقصانِ، وعمَّا يوجبُ التمثيلَ والتشبيهَ

- ‌مِنَ البراهين الدَّالَّةِ على علوِّ الله على خلقهِ واستوائهِ على عرشهِ الدليلُ العظيمُ والبرهانُ القاطعُ

- ‌أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي العُلُوِّ وَالْفَوْقِيَّةِ

- ‌1 - حُمَيدُ بنُ ثوَرٍ

- ‌2 - ابنُ عَبّاسٍ

- ‌3 - زينبُ بنتُ جَحْشٍ

- ‌4 - ابنُ مَسْعُودٍ

- ‌5 - عَائِشَةُ

- ‌6 - أَبو ذَرٍّ

- ‌7 - ابنُ عُمَرَ

- ‌8 - مَسروقٌ

- ‌9 - أيوبُ السُّخْتِيَانِيُّ

- ‌10 - سليمان التِّيميُّ

- ‌11 - مقاتلُ بنُ حِيَّانَ (قبل150ه

- ‌12 - الأَوزاعيُّ (157ه

- ‌13 - سفيانُ الثوريُّ عالمُ زمانهِ (161ه

- ‌14 - مالك إمام دار الهجرة (179ه

- ‌15 - حمَّادُ بنُ زيدٍ البصريّ (179ه

- ‌16 - عبدُ الله بنُ المباركِ، شيخُ الإسلامِ (181ه

- ‌17 - جرير الضبيُّ، محدِّث الري (188ه

- ‌18 - عبدُ الرحمنِ بنُ مهدي (198ه

- ‌19 - أبو معاذ البلخي الفقيه (199ه

- ‌20 - منصورُ بن عمار (200ه

- ‌21 - الإمامُ الشافعيُّ (204ه

- ‌22 - يزيدُ بنُ هارونَ الواسطيُّ (206ه

- ‌23 - سعيدُ بن عامر الضبعيُّ عالِمُ البصرة (208ه

- ‌24 - عبدُ الله بن أبي جعفر الرازيُّ

- ‌25 - القعنبيُّ (221ه

- ‌26 - عاصمُ بن علي شيخ البخاري (221ه

- ‌27 - هشام بن عبيد الله الرَّازيُّ (221ه

- ‌28 - بِشْر الحافي، زاهدُ العصرِ (227ه

- ‌29 - محمدُ بن مصعب العابدُ: شيخُ بغداد (228ه

- ‌30 - نُعَيمُ بن حمَّاد الخزاعيُّ الحافظ (228ه

- ‌31 - أبو عبد الله بن الأعرابي، لغوي زمانه (231ه

- ‌32 - أبو معمر القطيعي (236ه

- ‌33 - إسحاق بن راهويه عالم خراسان (238ه

- ‌34 - قُتَيْبَةُ بنُ سعيدٍ: شيخُ خراسانَ (240ه

- ‌35 - أحمدُ بن حنبل شيخُ الإسلام (241ه

- ‌36 - الإمام الربانيُّ محمدُ بن أسلم الطوسيُّ (242ه

- ‌37 - الحارثُ بن أسد المحاسبيُّ (243ه

- ‌39 - خَشَيْشُ بن أصرم (253ه

- ‌41 - إسماعيل بن يحيى المزنيُّ (264ه

- ‌42 - أبو زُرعة الرازيُّ (264ه

- ‌43 - أبو حَاتِمٍ الرازيُّ (277ه

- ‌44 - حَرْب الكَرْمَانِيُّ (280ه

- ‌45 - ابنُ قُتَيْبَةَ (276ه

- ‌46 - أبو عيسى الترمذيُّ (279ه

- ‌47 - عثمانُ بنُ سعيد الدّارِمِيُّ الحافظُ (280ه

- ‌48 - ثَعْلَب إمامُ العربية (291ه

- ‌49 - أبو مُسْلِمٍ الكجيُّ الحافظُ (292ه

- ‌50 - عَمْرُو بنُ عثمانَ المكيُّ (297ه

- ‌51 - ابنُ أبي شَيْبَةَ (297ه

- ‌52 - زكريا السَّاجيُّ (307ه

- ‌53 - محمدُ بن جرير الطبريُّ (310ه

- ‌54 - ابنُ الأخرم (311ه

- ‌55 - إمام الأئمة ابنُ خُزَيْمَةَ (311ه

- ‌56 - نِفْطَوَيْه شيخُ العربية (323ه

- ‌57 - أبو الحسن الأشعريُّ (324ه

- ‌58 - البَرْبَهَارِيُّ (329ه

- ‌59 - الوزير عليُّ بنُ عيسى (334ه

- ‌60 - العلَّامة أبو بكر الضِّبْعِيُّ (342ه

- ‌61 - ابنُ شعبان (355ه

- ‌62 - الإمام أبو بكر الآجُرِّيُّ (360ه

- ‌63 - الحافظُ أبو الشيخ (369ه

- ‌64 - العلاّمة أبو بكر الإسماعيليُّ (371ه

- ‌65 - أبو الحسن بنُ مهدي المتكلِّمُ (380ه

- ‌66 - ابنُ بطَّة (387ه

- ‌67 - ابنُ أبي زيدٍ (386ه

- ‌68 - ابنُ مَنْدَه (395ه

- ‌69 - ابنُ أبي زمْنِين (399ه

- ‌70 - القَصّابُ (400ه

- ‌71 - ابنُ الباقلانيُّ (403ه

- ‌72 - ابنُ موهب (406ه

- ‌73 - مَعْمَرُ بنُ زيادٍ (418ه

- ‌74 - أبو القاسم اللَالكَائِيُّ (418ه

- ‌75 - السُّلطانُ (421ه

- ‌76 - يحيى بنُ عمَّارٍ (422ه

- ‌77 - القادرُ بالله أميرُ المؤمنين (422ه

- ‌78 - أبو عمر الطلمنكيُّ (429ه

- ‌79 - أبو نُعيم الأصبهانيُّ (430ه

- ‌80 - عبدُ الله بن يوسف الجوينيُّ (438ه

- ‌81 - أبو عَمْرٍو الدّانِيُّ (440ه

- ‌82 - عليُّ بنُ عمر الحربيُّ (442ه

- ‌83 - أبو عثمانَ الصابونيُّ (449ه

- ‌84 - أبو نَصْرٍ السجزيُّ (444ه

- ‌85 - القاضي أبو يعلى (458ه

- ‌86 - البيهقيُّ (458ه

- ‌87 - ابنُ عبد البر (463ه

- ‌89 - سعدٌ الزنجانيُّ (471ه

- ‌90 - إمامُ الحرمَيْنِ (478ه

- ‌91 - شيخُ الإسلام الهرويُّ (481ه

- ‌93 - الفقيهُ نَصْر المقدسيُّ (490ه

- ‌94 - ابن الحدَّاد (517ه

- ‌95 - أبو الحسن بنُ الزاغونيِّ (527ه

- ‌96 - الحسنُ الكرجيُّ (532ه

- ‌98 - عديُّ بنُ مسافر الأمويُّ الهكاريُّ (555ه

- ‌99 - العلامةُ يحيى بنُ أبي الخير العمرانُّي (558ه

- ‌100 - الشيخُ عبدُ القادر (562ه

- ‌101 - ابنُ رشد المالكيُّ (595ه

- ‌102 - المقدسيُّ (600ه

- ‌103 - القرطبيُّ (677ه

- ‌105 - العلاّمةُ الشَّوكانِيُّ (1255ه

- ‌الدَّلِيلُ مِنَ الفِطْرَةِ

- ‌هل نَجْزِمُ بِإِثْبَاتِ العُلُوِّ على العَرْشِ، أو نُفَوِّضُ

- ‌شُبُهَاتٌ والرَّدُّ عَلَيْهَا

- ‌الشُّبْهَةُ الأولىيستلزمُ منْ إثباتِ الفوقيَّةِ لله تعالى أنْ يكونَ في مكانٍ وحيِّزٍ وجهةٍ

- ‌الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُلو كانَ الخالقُ فوقَ العرشِ لكانَ حاملُ العرشِ حاملًا لمنْ فوقَ العرشِ فيلزمْ احتياجُ الخالقِ إلى المخلوقِ

- ‌الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةُلَوْ كانَ اللهُ فِي السَّمَاءِ لكانَ محصورًا

- ‌الشُّبْهَةُ الرَّابِعَةُقال الرازيُّ: العالمُ كُرَةٌ…فلو كانَ الله في جهةِ فوق لكانَ أسفلَ بالنِّسبةِ إلى سكَّانِ الوجهِ الآخر

- ‌الشُّبْهَةُ الخَامِسَةُلو كانَ مَوْصُوفًا بالعُلُوِّ لكانَ جسمًا، ولو كانَ جسمًا لكان مماثلًا لِسَائِرِ الأَجْسَامِ، واللهُ قد نَفَى عنه المِثْلَ

- ‌الشُّبْهَةُ السَّادِسَةُلو كانَ الله فوقَ العرشِ للزمَ إمَّا أنْ يكونَ أكبرَ مِنَ العرشِ أو أصغرَ أو مساويًا وكلُّ ذلكَ مِنَ المحالِ

- ‌الشُّبْهَةُ الحَادِيَةُ عَشْرَةَلوْ كانَ تعالى فوقَ العرشِ لما صحَّ القولُ بأنَّهُ تعالى قريبٌ منْ عبادهِ

- ‌الردُّ على منِ ادَّعى المجازَ بالفوقيَّةِ بفوقيَّةِ القَدْرِ والرُّتْبَةِ

- ‌الرَّدُّ عَلى مَنْ تَأَوَّلَ الاسْتِوَاءَ بالاسْتِيلاءِ

- ‌الرَدُّ عَلَى مَنْ تَأَوَّلَ نُزُولَ الله عَلَى غَيْرِ مَعْنَاهُ الحَقِّ

- ‌الشُّبهاتُ الواردةُ على صفَّةِ النزولِ

- ‌أَسْئِلَةٌ مُهِمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِحَدِيثِ النُّزُولِ

- ‌السؤالُ الأوَّلُ:هل نقولُ ينزلُ بذاتهِ

- ‌السؤال الثاني:كيفَ نجمعُ بينَ قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «تفتحُ أبوابُ السّمَاءِ نصفَ الليلِ، فينادي منادٍ: هلْ منْ داعٍ فيستجابُ لهُ؟ هلْ منْ سائلٍ فيُعطى؟ هلْ منْ مكروبٍ فيفرَّج عنهُ؟ فلا يبقى مسلمٌ يدعو بدعوةٍ إلَّا استجابَ اللهُ تعالى لهُ

- ‌السؤالُ الثالثُ:كيفَ نجمعُ بين علوِّ الله على العرشِ ونزولهِ إلى السَّماءِ الدُّنيا

- ‌السؤالُ الرابعُ:ما يستفادُ مِنْ حديثِ النزولِ

- ‌أَسْئِلَةٌ وأَجْوِبَتُهَا

- ‌السؤالُ الرابعُما معنى قول السَّلفِ: أمِرُّوهَا كما جاءتْ بلا كيفٍ

- ‌السؤالُ الخامسُكيف استوى على العرش

- ‌السؤالُ السادسُهل مذهبُ السَّلفِ أسلمُ، ومذهبُ الخلفِ أحكمُ وأعلمُ

- ‌السؤالُ الثامنُهل آياتُ الصِّفاتِ مِنَ المتشابَه

- ‌كَلَامٌ نَفِيسٌ لِشَيْخِ الإِسْلَامِ في العُلُوِّ والفَوْقِيَّةِ

- ‌أَثَرُ الإِيْمَانِ بِعُلُوِّ الرَّحْمَنِ

- ‌الخَاتِمَةُ

الفصل: ‌السؤال الخامسكيف استوى على العرش

وأيضًا؛ فقولهم: «أمرُّوها كما جاءت» : يقتضي إبْقاءُ دلالتهَا على ما هي عليهِ، فإنَّها جاءتْ ألْفاظًا دالةً على معاني؛ فلو كانتْ دلالتهَا منْتفيةً؛ لكانَ الواجبُ أنْ يقالَ:«أمرُّوا لفظهَا مع اعْتقادِ أنَّ المفْهومَ منها غيرُ مرادٍ» ، أو «أمرُّوا لفْظَهَا مع اعْتقادِ أنَّ الله لا يوصفُ بما دلَّتْ عليهِ حقيقةً» . وحينئذٍ فلا تكونُ قدْ أُمرَّتْ كما جاءتْ، ولا يقال حينئذٍ: بلا كيفٍ؛ إذْ نفيُ الكيفِ عمَّا ليسَ بثابتٍ لغوٌ مِنَ القولِ (1).

فلا يقالُ إنَّ السَّلفَ - رحمهم الله تعالى - تلقَّوا النُّصوصَ فلم يفهموها، ففوَّضوا معناها. ولا يجوزُ أن يشتملَ القرآنُ على ما لا يُعلمُ معناه (2) - حاشاهم منْ ذلكَ - «بل كفُّوا عَنِ الثرثرةِ، والتشدُّقِ، لا عجزًا بحمدِ الله عَنِ الجدالِ والخصامِ، ولا جهلًا بطرقِ الكلامِ، وإنَّما أمسكوا عَنِ الخوضِ في ذلكَ عنْ علمٍ ودرايةٍ، لا عنْ جهلٍ وعمايةٍ» (3).

‌السؤالُ الخامسُ

كيف استوى على العرش

؟

مِنَ المعلومِ أنَّ صفاتِ كلِّ موصوفٍ تناسبُ ذاتهُ وتلائمُ حقيقتهُ؛ فمنْ لم يفهمْ منْ صفاتِ الرَّبِّ - الذي ليس كمثله شيءٌ - إلَّا ما يناسبُ المخلوق فقدْ ضلَّ في عقلهِ ودينهِ.

فقولُ السَّائلِ: كيفَ استوى؟ بمنزلةِ قولهِ: كيفَ ينزلُ؟ وقولهِ: كيفَ يسمعُ؟ وكيفَ يبصرُ؟ وكيفَ يعلمُ ويقدرُ؟ وكيفَ يخلقُ ويرزقُ؟

فنحنُ نعلمُ معنى الاستواءِ ولا نعلمُ كيفيَّتهُ، ونعلمُ معنى السَّمعِ والبصرِ والعلمِ والقدرةِ، ولا نعلمَ كيفيَّةَ ذلكَ. ونعلم معنى الرَّحمةِ والغضب والرضا والفرحِ والضَّحكِ ولا نعلمَ كيفيَّةَ ذلكَ (4).

(1) راجع: مجموع الفتاوى (5/ 39 - 42).

(2)

انظر: مجموع الفتاوى (13/ 285).

(3)

الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 207).

(4)

انظر: شرح حديث النزول (ص132 - 133).

ص: 327

قالَ الإمامُ الشافعيُّ رحمه الله: «ما صحَّ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالهُ فلا يقالُ فيهِ لِمَ وكيفَ» (1).

وقالَ البربهاريُّ رحمه الله: «ولا يقولُ في صفاتِ الربِّ: كيفَ؟ ولمَ؟ إلَّا شاكٌ في الله تبارك وتعالى» (2).

وقالَ الإمامُ أبو بكرٍ الإسماعيليُّ رحمه الله: «وأنَّهُ عز وجل استوى على العَرْشِ، بلا كَيْفٍ؛ فإنَّ اللهَ تعالى انتهى منْ ذلكَ إلى أنَّه استوى على العرشِ، ولم يَذْكُرْ كيفَ كانَ استواؤُهُ» (3).

وقالَ عبدُ العزيز بن يحيى المكي رحمه الله (240هـ) في «الردِّ على الزنادقة والجهمية» : «فقال الجهميُّ: أخبرني كيفَ استوى على العرشِ؟ أهوَ كمَا يُقالُ: استوى فلانٌ على السريرِ، فيكون السريرُ قد حوى فلانًا وحدَهُ إذا كانَ عليهِ، فيلزمكَ أنْ تقولَ: إنَّ العرشَ قدْ حوى الله وحدَهُ إذا كانَ عليه، لأنَّا لا نعقلُ الشَّيءَ على الشيءِ إلَّا هكذا. قالَ: فيُقالُ لهُ: أمَّا قولكَ: كيفَ استوى؟ فإنَّ الله لا يجري عليهِ كيفَ، وقدْ أخبرنَا أنَّهُ استوى على العرشِ، ولم يخبرنا كيفَ استوى، فوجبَ على المؤمنينَ أنْ يصدِّقوا ربَّهم باستوائهِ على العرشِ، وحرَّمَ عليهم أنْ يصفوا كيفَ استوى، لأنَّهُ لمْ يخبرهمْ كيفَ ذلكَ، ولمْ ترهُ العيونُ في الدنيا فتصفهُ بما رأتْ، وحرَّمَ عليهم أنْ يقولوا عليهِ منْ حيثُ لا يعلمونَ، فآمنوا بخبرهِ عَنِ الاستواءِ، ثمَّ ردُّوا علمَ كيفَ استوى إلى الله» (4).

(1) أخرجه ابن أبي بطة في «الإبانة» (3/ 203) رقم (157)، بإسناد صحيح.

(2)

شرح السنة (ص70).

(3)

اعتقاد أئمة الحديث (ص50)، لأبي بكر الإسماعيلي.

(4)

درء تعارض العقل والنقل (6/ 117 - 118).

ص: 328

وقال معمر بن أحمد الأصبهانيُّ رحمه الله (418هـ): «جميعُ ما وردَ منَ الأحاديثِ في الصِّفاتِ؛ كلُّ ذلكَ بلا كيفٍ ولا تأويلٍ نؤمنُ بها إيمانَ أهلِ السلامةِ والتسليمِ، ولا نتفكَّرُ في كيفيَّتها، وساحةُ التَّسليمِ لأهلِ السنَّةِ، والسلامةُ واسعةٌ بحمدِ الله ومنِّهِ، وطلبُ السلامةِ في معرفةِ صفات الله عز وجل أوجبُ وأولى، وأقِمنْ وأحرى، فإنَّه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] فليسَ كمثلهِ شيءٌ: ينفي كلَّ تشبيهٍ وتمثيلٍ، وهو السميع البصير: ينفي كلَّ تعطيلٍ وتأويلٍ، فهذا مذهبُ أهلِ السنَّةِ والجماعةِ والأثرِ، فمنْ فارقَ مذهبهم فارقَ السنَّةَ، ومنِ اقتدى بهم وافقَ السنَّةَ، ونحنُ بحمدِ الله منَ المقتدينِ بهم، المنتحلينَ لمذاهبهم، القائلينَ بفضلهم، جمعَ اللهُ بيننا وبينهم في الدَّارينِ، فالسنَّةُ طريقتنا، وأهلُ الأثرِ أئمتنا، فأحيانا اللهُ عليها وأماتنا عليها برحمتهِ إنَّهُ قريبٌ مجيبٌ» (1).

وقال الحافظ إسماعيلُ بنُ محمدٍ التيميُّ رحمه الله (535هـ): «الاستواءُ معلومٌ كونهُ مجهولُ كيفيَّتهُ، واستواءُ نوحٍ على السفينةِ معلومٌ كونهُ معلومٌ كيفيَّتهُ؛ لأنَّهُ صفةٌ لهُ، وصفاتُ المخلوقينَ معلومةٌ كيفيَّتها. واستواءُ الله على العرشِ غيرُ معلوم كيفيَّتهُ؛ لأنَّ المخلوقَ لا يعلمُ كيفيَّةَ صفاتِ الخالقِ؛ لأنَّهُ غيبٌ ولا يعلمُ الغيبَ إلَّا الله، ولأنَّ الخالقَ إذا لمْ يشبه ذاتهُ ذاتَ المخلوقِ لمْ يشبه صفاتهُ صفات المخلوق. فثبتَ أنَّ الاستواءَ معلومٌ، والعلمُ بكيفيَّتهِ معدومٌ، فعلمهُ موكولٌ إلى الله تعالى، كما قال: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7]» (2).

وقال السفاريني رحمه الله:

(1) الحجة في بيان المحجة (1/ 243 - 244).

(2)

الحجة في بيان المحجة (2/ 258 - 259).

ص: 329

سُبْحَانَهُ قَدِ «اسْتَوَى» كَمَا وَرَدَ

مِنْ غَيْرِ كَيْفٍ قَدْ تَعَالَى أَنْ يُحَدَّ (1)

وقدْ قَالَ بعضهم، مخاطبًا للزمخشريِّ، منكرًا عَلَيهِ نفيَ الصِّفاتِ، شعرًا:

قُلْ لِمَنْ يفهمُ عنِّي مَا أقولُ

قِصَرَ القَوْلِ فذا شرحٌ يَطُولُ

أَنْتَ لَا تفهمُ إيَّاك وَلَا

من أنْتَ وَلَا كيفَ الوُصولُ

لَا وَلَا تدري خَفَايا رُكِّبَتْ

فيكَ حارَتْ فِي خَبَايَاهَا العُقُولُ

أَنْتَ أَكْلُ الخُبْزِ لَا تَعْرِفُه

كيفَ يجري منكَ أم كيفَ تَبُولُ

أينَ منكَ الرُّوحُ فِي جَوْهَرِهَا

كيفَ تَسْرِي فيكَ؟ أم كيف تجولُ؟

فإذا كانَتْ طَوايَاكَ التي

بين جَنْبَيكَ كذا فِيهَا ضلولُ

كيفَ تَدْرِي مَنْ على العرشِ استوى

لَا تَقُل كَيْفَ اسْتَوَى كَيْفَ النُّزُولُ (2)

وما أحْسن ما قيل:

عَلىَ عرْشِهِ الرَّحْمَنُ سُبْحَانَهُ اسْتَوىَ

كَمَا أَخْبَرَ القُرْآنُ وَالمُصْطَفَى رَوَى

وَذَاكَ اسْتِواءٌ لَائِقٌ بِجَلَالِهِ

وَأَبْرَأُ مِنْ قَوْلِي لَهُ العرْشُ قَدْ حَوَى

فَمَنْ قَالَ مِثْلَ الفُلْكِ كَانَ اسْتِواَؤُهُ

عَلَى جَبَلِ الجودِي مِنْ شَاهِقٍ هَوَى

وَمَنْ يَتَّبِعْ مَا قَدْ تَشاَبَهَ يَبْتَغِي

بِهِ فِتْنَةً أَوْ يَبْغِي تَأْوِيلَهُ غَوَى

فَلَمْ أَقُلِ اسْتَوْلَى وَلَسْتُ مُكَلَّفًا

بِتَأْوِيِلِهِ كَلَّا وَلَمْ أَقُلِ احْتَوَى

ومَنْ قَالَ لي كَيْفَ اسْتَوَى لَا أُجِيبُهُ

بِشَيء سِوَى أَنِّي أَقُولُ لَهُ اسْتَوَى (3)

(1) العقيدة السفارينية (ص54)، تحقيق: أشرف عبد المقصود.

(2)

الدرر السنية (3/ 291 - 292).

(3)

شرح العقيدة السفارينية (ص101).

ص: 330