الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأصولُ الكفرِ يجبُ على كلِّ مسلمٍ أن يحذرَ منها كلَّ الحذرِ، ويتباعدَ منها كلَّ التباعدِ ويتجنبُ أسبابها كلَّ الاجتنابِ، فيلزمُ على هذا القولِ المنكرِ الشنيعِ وجوبُ التباعدِ مِنَ الأخذِ بظواهرِ الوحي.
فتنفيرُ النَّاسِ وإبعادهم عنْ كتابِ الله، وسنَّةِ رسولهِ، بدعوى أنَّ الأخذَ بظواهرِهما منْ أصولِ الكفرِ هو منْ أشنعِ الباطلِ وأعظمهِ كما ترى.
وهذا كما ترى، وبما ذكرنا يتبيَّنُ أنَّ منْ أعظمِ أسبابِ الضَّلالِ، ادِّعاء أنَّ ظواهرَ الكتابِ والسنَّةِ دالَّةٌ على معانٍ قبيحةٍ، ليستْ بلائقةٍ. والواقعُ في نفسِ الأمرِ بُعدهَا وبراءتها منْ ذلكَ.
فنوصي «أنفسنا وإخواننا المسلمينَ بتقوى الله تعالى وعدمِ التهجُّم على الله تعالى وعلى كتابهِ بالدَّعاوى الباطلةِ والتمسُّكِ بنورِ الوحيِ الصحيحِ في المعتقدِ وغيرهِ، لأنَّ السلامةَ متحققةٌ في اتِّباع الوحي وليستْ متحققةً في شيءٍ غيره:
ونَهْجُ سبيلي واضحٌ لمن اهْتَدَى
…
ولكنَّها الأهواءُ عَمَتْ فَأَعْمَتْ» (1)
السؤالُ الرابعُ
ما معنى قول السَّلفِ: أمِرُّوهَا كما جاءتْ بلا كيفٍ
؟
قولهمْ رضي الله عنهم: «أمرُّوها كما جاءت» ردٌّ على المعطِّلة، وقولهمْ:«بلا كيفٍ» ردٌّ على الممثِّلةِ.
(1) آداب البحث والمناظرة (2/ 162)، للعلامة الشنقيطي رحمه الله.
(2)
مجموع الفتاوى (6/ 375).
وسأل رجلٌ ربيعةَ بن أبي عبد الرحمن فقال: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5] كيفَ استوى؟ فقال: «الاستواءُ غيرُ مجْهولٍ، الكيفُ غيرُ معْقولٍ، ومِنَ الله الرسالة، وعلى الرسولِ البلاغُ، وعلينا التَّصْديقُ» (1).
وقال رجلٌ للإمامِ مالكٍ: يا أبا عبدِ الله: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5] كيفَ استوى؟ قال: «الكيفُ غيرُ معْقولٍ، والاستواءُ منهُ غيرُ مجْهولٍ، والإيمانُ بهِ واجبٌ، والسُّؤالُ عنهُ بدعةٌ» (2).
فقولُ ربيعةَ ومالكٍ: «الاسْتواءُ غيرُ مجْهولٍ، والكيفُ غيرُ معْقولٍ، والإيمانُ بهِ واجبٌ» موافقٌ لقولِ الباقينَ: «أمِرُّوها كما جاءتْ بلا كيفٍ» ؛ فإنَّما نفوا علمَ الكيفيَّةِ، ولمْ ينْفوا حقيقةَ الصِّفةِ.
ولو كانَ القومُ قدْ آمنوا باللَّفظِ المجرَّدِ منْ غيرِ فهمٍ لمعْناه على ما يليقُ بالله؛ لما قالوا: «أمرُّوها كما جاءتْ بلا كيفٍ» ؛ فإنَّ الاسْتواءَ حينئذٍ لا يكونُ معْلومًا؛ بلْ مجْهولًا بمنْزلةِ حروفِ المعجمِ.
وأيضًا؛ فإنَّه لا يحْتاجُ إلى نفيِ علمِ الكيفيَّةِ إذا لمْ يفهمْ عَنِ اللَّفظِ معنًى؛ وإنَّما يحْتاجُ إلى نفيِ علمِ الكيفيَّةِ إذا أثْبتت الصِّفاتُ.
وأيضًا؛ فإنَّ منْ ينْفي علوَّ الله على العرشِ والنزولَ لا يحْتاجُ أنْ يقولَ: بلا كيفٍ! فمنْ قال: إنَّ الله ليس على العرشِ. لا يحتاجُ أنْ يقولَ: «بلا كيفٍ» ، فلو كانَ مذهبُ السَّلفِ التفْويضَ في المعْنى؛ لما قالوا بلا كيفٍ.
(1) راجع: «مختصر العلو» (ص132).
(2)
راجع: «مختصر العلو» (ص141).