المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النصوص الدالة على رؤية أهل الجنة له تعالى من الكتاب والسنة - الكلمات الحسان في بيان علو الرحمن

[عبد الهادي بن حسن وهبي]

فهرس الكتاب

- ‌المُقَدِِّّمَةُ

- ‌أَدِلَّةُ عُلُوِّ اللَّهِ عَلَى العَرْشِ

- ‌التَّصريحُ بالفوقيَّةِ مقرونًا بأداة «مِنْ» المعيِّنةِ للفوقيَّةِ بالذَّاتِ

- ‌ذِكْرُها مُجَرَّدَةً عَنِ الأداةِ

- ‌التَّصريحُ بالعروجِ إليهِ سبحانه وتعالى

- ‌التَّصْرِيحُ بالصُّعودِ إليهِ سبحانه وتعالى

- ‌التَّصْرِيحُ برفعهِ بعضَ المخلوقاتِ إليهِ سبحانه وتعالى

- ‌التَّصْرِيحُ بالعلوِّ المطلقِ الدَّالِّ على جميعِ مراتبِ العلوِّ، ذاتًا وقَدْرًا وقَهْرًا

- ‌التَّصريحُ بتنزيلِ الكتابِ منهُ سبحانه وتعالى

- ‌التَّصْرِيحُ باختصاصِ بعضِ المخلوقاتِ بأنَّهَا عندهُ، وأنَّ بعضَها أقربُ إليهِ منْ بعضٍ

- ‌التَّصريحُ بأنَّهُ تعالى في السَّماءِ

- ‌شهادَتُهُ صلى الله عليه وسلم التي هيَ أصدقُ شهادةٍ عند اللهِ وملائكتِهِ وجميعِ المؤمنينَ لمنْ قالَ: «إنَّ ربَّهُ في السَّماءِ» بالإيمانِ

- ‌الإشارةُ إليه سبحانه وتعالى حسًّا إلى العلوِّ

- ‌التَّصرِيحُ برَفْعِ الأيدي والأبصارِ إليه سبحانه وتعالى

- ‌النُّصوصُ الدَّالةُ على رؤيةِ أهلِ الجنَّةِ لهُ تعالى مِنَ الكتابِ والسنَّةِ

- ‌التصريحُ بنزوله سبحانه وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السَّماءِ الدنيا

- ‌إخبارُهُ صلى الله عليه وسلم أنَّه تردَّد بينَ موسى عليه السلام وبينَ ربِّه ليلةَ المعراجِ بسببِ الصَّلاةِ

- ‌النُّصوصُ الواردةُ فِي ذكرِ العرشِ وصفتهِ وإضافتهِ غالبًا إِلَى خالقهِ تبارك وتعالى وأنَّه تَعَالَى فوقهُ

- ‌إخبارهُ تعالى عنْ فرعونَ أنَّهُ رامَ الصُّعودَ إلى السَّمَاء ليطِّلع إلى إله موسى، فيكذِّبهُ فيما أخبرهُ منْ أنَّهُ سبحانهُ فوقَ السَّماوات

- ‌تنزيهُ اللهِ سبحانه وتعالى نفسَهُ عن موجبِ النُّقصانِ، وعمَّا يوجبُ التمثيلَ والتشبيهَ

- ‌مِنَ البراهين الدَّالَّةِ على علوِّ الله على خلقهِ واستوائهِ على عرشهِ الدليلُ العظيمُ والبرهانُ القاطعُ

- ‌أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي العُلُوِّ وَالْفَوْقِيَّةِ

- ‌1 - حُمَيدُ بنُ ثوَرٍ

- ‌2 - ابنُ عَبّاسٍ

- ‌3 - زينبُ بنتُ جَحْشٍ

- ‌4 - ابنُ مَسْعُودٍ

- ‌5 - عَائِشَةُ

- ‌6 - أَبو ذَرٍّ

- ‌7 - ابنُ عُمَرَ

- ‌8 - مَسروقٌ

- ‌9 - أيوبُ السُّخْتِيَانِيُّ

- ‌10 - سليمان التِّيميُّ

- ‌11 - مقاتلُ بنُ حِيَّانَ (قبل150ه

- ‌12 - الأَوزاعيُّ (157ه

- ‌13 - سفيانُ الثوريُّ عالمُ زمانهِ (161ه

- ‌14 - مالك إمام دار الهجرة (179ه

- ‌15 - حمَّادُ بنُ زيدٍ البصريّ (179ه

- ‌16 - عبدُ الله بنُ المباركِ، شيخُ الإسلامِ (181ه

- ‌17 - جرير الضبيُّ، محدِّث الري (188ه

- ‌18 - عبدُ الرحمنِ بنُ مهدي (198ه

- ‌19 - أبو معاذ البلخي الفقيه (199ه

- ‌20 - منصورُ بن عمار (200ه

- ‌21 - الإمامُ الشافعيُّ (204ه

- ‌22 - يزيدُ بنُ هارونَ الواسطيُّ (206ه

- ‌23 - سعيدُ بن عامر الضبعيُّ عالِمُ البصرة (208ه

- ‌24 - عبدُ الله بن أبي جعفر الرازيُّ

- ‌25 - القعنبيُّ (221ه

- ‌26 - عاصمُ بن علي شيخ البخاري (221ه

- ‌27 - هشام بن عبيد الله الرَّازيُّ (221ه

- ‌28 - بِشْر الحافي، زاهدُ العصرِ (227ه

- ‌29 - محمدُ بن مصعب العابدُ: شيخُ بغداد (228ه

- ‌30 - نُعَيمُ بن حمَّاد الخزاعيُّ الحافظ (228ه

- ‌31 - أبو عبد الله بن الأعرابي، لغوي زمانه (231ه

- ‌32 - أبو معمر القطيعي (236ه

- ‌33 - إسحاق بن راهويه عالم خراسان (238ه

- ‌34 - قُتَيْبَةُ بنُ سعيدٍ: شيخُ خراسانَ (240ه

- ‌35 - أحمدُ بن حنبل شيخُ الإسلام (241ه

- ‌36 - الإمام الربانيُّ محمدُ بن أسلم الطوسيُّ (242ه

- ‌37 - الحارثُ بن أسد المحاسبيُّ (243ه

- ‌39 - خَشَيْشُ بن أصرم (253ه

- ‌41 - إسماعيل بن يحيى المزنيُّ (264ه

- ‌42 - أبو زُرعة الرازيُّ (264ه

- ‌43 - أبو حَاتِمٍ الرازيُّ (277ه

- ‌44 - حَرْب الكَرْمَانِيُّ (280ه

- ‌45 - ابنُ قُتَيْبَةَ (276ه

- ‌46 - أبو عيسى الترمذيُّ (279ه

- ‌47 - عثمانُ بنُ سعيد الدّارِمِيُّ الحافظُ (280ه

- ‌48 - ثَعْلَب إمامُ العربية (291ه

- ‌49 - أبو مُسْلِمٍ الكجيُّ الحافظُ (292ه

- ‌50 - عَمْرُو بنُ عثمانَ المكيُّ (297ه

- ‌51 - ابنُ أبي شَيْبَةَ (297ه

- ‌52 - زكريا السَّاجيُّ (307ه

- ‌53 - محمدُ بن جرير الطبريُّ (310ه

- ‌54 - ابنُ الأخرم (311ه

- ‌55 - إمام الأئمة ابنُ خُزَيْمَةَ (311ه

- ‌56 - نِفْطَوَيْه شيخُ العربية (323ه

- ‌57 - أبو الحسن الأشعريُّ (324ه

- ‌58 - البَرْبَهَارِيُّ (329ه

- ‌59 - الوزير عليُّ بنُ عيسى (334ه

- ‌60 - العلَّامة أبو بكر الضِّبْعِيُّ (342ه

- ‌61 - ابنُ شعبان (355ه

- ‌62 - الإمام أبو بكر الآجُرِّيُّ (360ه

- ‌63 - الحافظُ أبو الشيخ (369ه

- ‌64 - العلاّمة أبو بكر الإسماعيليُّ (371ه

- ‌65 - أبو الحسن بنُ مهدي المتكلِّمُ (380ه

- ‌66 - ابنُ بطَّة (387ه

- ‌67 - ابنُ أبي زيدٍ (386ه

- ‌68 - ابنُ مَنْدَه (395ه

- ‌69 - ابنُ أبي زمْنِين (399ه

- ‌70 - القَصّابُ (400ه

- ‌71 - ابنُ الباقلانيُّ (403ه

- ‌72 - ابنُ موهب (406ه

- ‌73 - مَعْمَرُ بنُ زيادٍ (418ه

- ‌74 - أبو القاسم اللَالكَائِيُّ (418ه

- ‌75 - السُّلطانُ (421ه

- ‌76 - يحيى بنُ عمَّارٍ (422ه

- ‌77 - القادرُ بالله أميرُ المؤمنين (422ه

- ‌78 - أبو عمر الطلمنكيُّ (429ه

- ‌79 - أبو نُعيم الأصبهانيُّ (430ه

- ‌80 - عبدُ الله بن يوسف الجوينيُّ (438ه

- ‌81 - أبو عَمْرٍو الدّانِيُّ (440ه

- ‌82 - عليُّ بنُ عمر الحربيُّ (442ه

- ‌83 - أبو عثمانَ الصابونيُّ (449ه

- ‌84 - أبو نَصْرٍ السجزيُّ (444ه

- ‌85 - القاضي أبو يعلى (458ه

- ‌86 - البيهقيُّ (458ه

- ‌87 - ابنُ عبد البر (463ه

- ‌89 - سعدٌ الزنجانيُّ (471ه

- ‌90 - إمامُ الحرمَيْنِ (478ه

- ‌91 - شيخُ الإسلام الهرويُّ (481ه

- ‌93 - الفقيهُ نَصْر المقدسيُّ (490ه

- ‌94 - ابن الحدَّاد (517ه

- ‌95 - أبو الحسن بنُ الزاغونيِّ (527ه

- ‌96 - الحسنُ الكرجيُّ (532ه

- ‌98 - عديُّ بنُ مسافر الأمويُّ الهكاريُّ (555ه

- ‌99 - العلامةُ يحيى بنُ أبي الخير العمرانُّي (558ه

- ‌100 - الشيخُ عبدُ القادر (562ه

- ‌101 - ابنُ رشد المالكيُّ (595ه

- ‌102 - المقدسيُّ (600ه

- ‌103 - القرطبيُّ (677ه

- ‌105 - العلاّمةُ الشَّوكانِيُّ (1255ه

- ‌الدَّلِيلُ مِنَ الفِطْرَةِ

- ‌هل نَجْزِمُ بِإِثْبَاتِ العُلُوِّ على العَرْشِ، أو نُفَوِّضُ

- ‌شُبُهَاتٌ والرَّدُّ عَلَيْهَا

- ‌الشُّبْهَةُ الأولىيستلزمُ منْ إثباتِ الفوقيَّةِ لله تعالى أنْ يكونَ في مكانٍ وحيِّزٍ وجهةٍ

- ‌الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُلو كانَ الخالقُ فوقَ العرشِ لكانَ حاملُ العرشِ حاملًا لمنْ فوقَ العرشِ فيلزمْ احتياجُ الخالقِ إلى المخلوقِ

- ‌الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةُلَوْ كانَ اللهُ فِي السَّمَاءِ لكانَ محصورًا

- ‌الشُّبْهَةُ الرَّابِعَةُقال الرازيُّ: العالمُ كُرَةٌ…فلو كانَ الله في جهةِ فوق لكانَ أسفلَ بالنِّسبةِ إلى سكَّانِ الوجهِ الآخر

- ‌الشُّبْهَةُ الخَامِسَةُلو كانَ مَوْصُوفًا بالعُلُوِّ لكانَ جسمًا، ولو كانَ جسمًا لكان مماثلًا لِسَائِرِ الأَجْسَامِ، واللهُ قد نَفَى عنه المِثْلَ

- ‌الشُّبْهَةُ السَّادِسَةُلو كانَ الله فوقَ العرشِ للزمَ إمَّا أنْ يكونَ أكبرَ مِنَ العرشِ أو أصغرَ أو مساويًا وكلُّ ذلكَ مِنَ المحالِ

- ‌الشُّبْهَةُ الحَادِيَةُ عَشْرَةَلوْ كانَ تعالى فوقَ العرشِ لما صحَّ القولُ بأنَّهُ تعالى قريبٌ منْ عبادهِ

- ‌الردُّ على منِ ادَّعى المجازَ بالفوقيَّةِ بفوقيَّةِ القَدْرِ والرُّتْبَةِ

- ‌الرَّدُّ عَلى مَنْ تَأَوَّلَ الاسْتِوَاءَ بالاسْتِيلاءِ

- ‌الرَدُّ عَلَى مَنْ تَأَوَّلَ نُزُولَ الله عَلَى غَيْرِ مَعْنَاهُ الحَقِّ

- ‌الشُّبهاتُ الواردةُ على صفَّةِ النزولِ

- ‌أَسْئِلَةٌ مُهِمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِحَدِيثِ النُّزُولِ

- ‌السؤالُ الأوَّلُ:هل نقولُ ينزلُ بذاتهِ

- ‌السؤال الثاني:كيفَ نجمعُ بينَ قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «تفتحُ أبوابُ السّمَاءِ نصفَ الليلِ، فينادي منادٍ: هلْ منْ داعٍ فيستجابُ لهُ؟ هلْ منْ سائلٍ فيُعطى؟ هلْ منْ مكروبٍ فيفرَّج عنهُ؟ فلا يبقى مسلمٌ يدعو بدعوةٍ إلَّا استجابَ اللهُ تعالى لهُ

- ‌السؤالُ الثالثُ:كيفَ نجمعُ بين علوِّ الله على العرشِ ونزولهِ إلى السَّماءِ الدُّنيا

- ‌السؤالُ الرابعُ:ما يستفادُ مِنْ حديثِ النزولِ

- ‌أَسْئِلَةٌ وأَجْوِبَتُهَا

- ‌السؤالُ الرابعُما معنى قول السَّلفِ: أمِرُّوهَا كما جاءتْ بلا كيفٍ

- ‌السؤالُ الخامسُكيف استوى على العرش

- ‌السؤالُ السادسُهل مذهبُ السَّلفِ أسلمُ، ومذهبُ الخلفِ أحكمُ وأعلمُ

- ‌السؤالُ الثامنُهل آياتُ الصِّفاتِ مِنَ المتشابَه

- ‌كَلَامٌ نَفِيسٌ لِشَيْخِ الإِسْلَامِ في العُلُوِّ والفَوْقِيَّةِ

- ‌أَثَرُ الإِيْمَانِ بِعُلُوِّ الرَّحْمَنِ

- ‌الخَاتِمَةُ

الفصل: ‌النصوص الدالة على رؤية أهل الجنة له تعالى من الكتاب والسنة

وقالَ ابنُ قدامةَ رحمه الله (620هـ): «إنَّ الله تعالى وصفَ نفسهُ بالعلوِّ في السَّماءِ، ووصفهُ بذلكَ محمَّدٌ خاتمُ الأنبياءِ، وأجمعَ على ذلكَ جميعُ العلماءِ مِنَ الصَّحابةِ الأتقياءِ والأئمَّةِ مِنَ الفقهاءِ، وتواترتِ الأخبارُ بذلكَ على وجهٍ حصلَ بهِ اليقينُ، وجمعَ الله تعالى عليهِ قلوبَ المسلمينَ، وجعلهُ مغروزًا في طباعِ الخلقِ أجمعينَ، فتراهم عندَ نزولِ الكربِ بهم يَلْحَظُونَ السَّماءَ بأعينهم، ويرفعونَ نحوها للدعاءِ أيديهم، وينتظرونَ مجيءَ الفرجِ منْ ربِّهم، وينطقونَ بذلكَ بألسنتهمْ، لا ينكرُ ذلكَ إلَّا مبتدعٌ غالٍ في بدعتهِ، أو مفتونٌ بتقليدهِ واتِّباعهِ على ضلالتهِ» (1).

الرابعُ عَشَرَ:

‌النُّصوصُ الدَّالةُ على رؤيةِ أهلِ الجنَّةِ لهُ تعالى مِنَ الكتابِ والسنَّةِ

، وإخبارُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهم يرونهُ كرؤيةِ الشمسِ والقمرِ (2) ليلةَ البدرِ ليسَ دونهُ سحابٌ، ولا يرونهُ إلَّا منْ فوقهم (3).

(1) إثبات صفة العلو (ص63)، لابن قدامة.

(2)

وجوهُ الشَّبَهِ بين رؤيةِ اللهِ ورؤيةِ الشمسِ والقمرِ:

أ - أنها رؤيةٌ من أسفلَ إلى أعلى.

ب - أنها واضحةٌ جَلِيَّةٌ.

ج - أنها بَصَرِيَّةٌ عَيانِيَّةٌ.

د - أنها رؤيةٌ بلا إِحَاطَةٍ.

(3)

شرح الطحّاوية (2/ 386).

ص: 37

وهذهِ المسألةُ منْ أشرفِ مسائلِ أصولِ الدينِ، «وأجلِّها قدْرًا، وأعْلاها خطرًا، وأقرِّها لعيونِ أهْلِ السنَّةِ والجماعةِ، وأشدِّها على أهْلِ البدْعةِ والفرقةِ، وهي الغايةُ التي شمَّرَ إليهَا المشمِّرونَ، وتنافسَ فيهَا المتنافسونَ، وتسابقَ إليهَا المتسابقونَ، ولِمِثْلِهَا فليعْملِ العاملونَ، اتَّفقَ عليهَا الأنبياءُ والمرسلونَ، وجميعُ الصَّحابةِ والتَّابعونَ، وأئمَّةُ الإسلامِ على تتابعِ القرونِ، وأنْكرهَا أهْلُ البدعِ المارقونَ، والجهميَّةُ المُتَهَوِّكونَ، والفرعونيَّةُ المعطِّلونَ، والباطنيةُ الذينَ همْ منْ جميعِ الأدْيانِ مُنْسَلِخُونَ، وبحبائلِ الشيطانِ مُتَمَسِّكونَ، ومنْ حبْلِ الله منقطعونَ، وعلى مَسَبَّةِ أصْحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عاكفونَ، وللسنَّةِ وأهْلهَا محاربونَ، ولكلِّ عدوٍّ للهِ ورسولهِ ودينهِ مُسَالِمُونَ، وكلُّ هؤلاءِ عنْ ربِّهمْ مَحْجُوبُونَ، وعنْ بابهِ مَطْرُودُونَ» (1).

قالَ سبحانه وتعالى: {وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ *} [القيامة: 22، 23](2).

(1) حادي الأرْواح إلى بلاد الأفْراح (ص361)، طبعة مؤسسة الرسالة.

(2)

لِيَتَأَمَّلِ القارئُ اللبيبُ موقفًا جمعَ بين الإمامِ أحمدَ بنِ نَصْرٍ الخزاعيِّ (المتوفى سنة 231هـ)، وبين الواثق الخليفة الجهمي وقاضيه أحمد بن أبي دؤاد.

ذكر الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (10/ 317 - 318): «أنَّ أحمد بن نصر حُمل مقيَّدًا إلى الواثق وفي مجلسه أحمد بن أبي دؤاد وأتباعه.

فقال له الواثقُ: ما تقولُ في القرآن؟

فقال: هو كلامُ الله.

قال: أمخلوقٌ هو؟ قال: هو كلامُ الله.

فقال له: فما تقولُ في ربك؟ أتراهُ يومَ القيامةِ؟

فقال: يا أميرَ المؤمنين قد جاءَ القرآنُ والأخبارُ بذلك، قال الله تعالى:{وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ *} {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ *} [القيامة: 22 - 23]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنكم ترونَ ربَّكم كما ترونَ هذا القمرَ لا تُضامون في رؤيته» ، فنحن على الخبر.

قال الواثق: ويَحَك! أيُرى كما يُرى المحدودُ المتجسِّمُ ويحويه مكانٌ ويحصره الناظرُ؟ أنا أكفرُ برَبٍّ هذه صِفَتُهُ.

ثم قامَ إليه فلما انتهى عليه ضرَبهُ بالسَّيفِ على عاتِقِهِ وهو مربوطٌ بحبلٍ قد أُوقِفَ على نِطْعٍ، ثم ضرَبَهُ أخرى على رأسِهِ، ثم طَعَنَهُ في بَطْنِهِ فَسَقَطَ صريعًا رحمه الله، فإنّا لله وإنا إليه راجعون. رحمه الله وعفا عنه.

قال ابنُ كثير معقبًا على قياس الواثق: وما قاله الواثقُ لا يجوزُ ولا يلزمُ ولا يُرَدُّ به هذا الخبرُ الصحيحُ، والله أعلم».

ص: 38

قالَ الحافظُ الذهبيُّ رحمه الله: «أحاديثُ رؤيةِ اللهِ في الآخرةِ متواترةٌ، والقرآنُ مصدِّقٌ لها» (1).

وفيما يلي أوردُ بعضَ الأحاديثِ الدَّالَّة على رؤيةِ الله في الجنَّةِ.

1 -

عنْ عمّارِ بْنِ ياسرٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «

وأسألكَ لذَّةَ النَّظرِ إلى وجهكَ والشوقَ إلى لقائكَ» (2).

قال الحافظُ إسماعيلُ بنُ محمَّدٍ التيميُّ رحمه الله: والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يسألُ سؤالًا يستحيلُ؛ لأنَّ اللهَ تعالى لا يبعثُ نبيًَّا إلَّا وهوَ عالمٌ بما يجري عليهِ (3).

وقالَ ابنُ القيِّم رحمه الله:

أوَ مَا سَمِعْتَ سُؤالَ أَعْرَفِ خَلْقِهِ

بِجلَالِهِ المَبْعُوثِ بِالقُرْآنِ

شَوْقًا إلَيْهِ وَلَذَّةَ النَّظَرِ الذِي

بِجَلَالِ وَجْهِ الرَّبِّ ذِي السُّلْطَانِ

الشَّوْقُ لَذَّةُ رُوحِهِ فِي هَذِهِ الدُّ

نْيا وَيَوْمَ قِيَامَةِ الأبْدَانِ

تَلْتَذُّ بِالنَّظَرِ الَّذي فَازَتْ بِهِ

دُونَ الجَوَارِحِ هَذِهِ العَيْنَانِ

واللهِ مَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا ألَذُّ

مِنَ اشْتِيَاقِ العَبْدِ لِلرَّحْمَنِ

وَكَذَاكَ رُؤيَةُ وَجْهِهِ سُبْحَانَهُ

هِيَ أكْمَلُ اللَّذَّاتِ للإِنْسَانِ

لَكِنَّمَا الجَهْمِيَّ يُنْكِرُ ذَا وَذَا

وَالوَجْهَ أيْضًا خَشْيَةَ الحِدْثَانِ

تَبًّا لَهُ المَخْدُوع أنْكَرَ وَجْهَهُ

وَلِقَاءَهُ وَمَحَبَّةَ الدَّيَّانِ

وَكَلَامَهُ وَصِفَاتِهِ وَعُلُوَّهُ

وَالعَرْشَ عَطَّلَهُ مِنَ الرَّحْمَنِ

فَتَرَاهُ فِي وَادٍ وَرُسْلُ الله فِي

وَادٍ وَذَا مِنْ أعْظَمِ الكُفْرَانِ (4)

(1) سير أعلام النبلاء (10/ 455).

(2)

قطعةٌ من حديث أخرجه النسائي (1305 و1306)، وصححه الألباني رحمه الله في «صحيح سنن النسائي» (1237 و1238).

(3)

الحجة في بيان المحجة (2/ 250).

(4)

الكافية الشافية (ص387).

ص: 39

2 -

عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، يَقُولُ اللهُ تبارك وتعالى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ (1) مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عز وجل» . ثُمَّ تلَا هَذِهِ الآيَةَ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26](2).

قالَ صدِّيق حسن خان رحمه الله: «وتفسيرُ الزيادةِ النَّظرُ إلى وجهِ اللهِ سبحانهُ، وقد ثَبَتَ التفسيرُ بذلكَ منْ قولِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فلمْ يبقَ حينئذٍ لقائلٍ مقالٌ ولا التفاتٌ إلى المُجَادَلاتِ الواقعةِ بينَ المُتَمَذْهِبَةِ الذين لا يعرفونَ مِنَ السنَّةِ المُطَهَّرَةِ ما ينتفعونَ بهِ، فإنَّهم لو عرفوا ذلكَ لَكَفُّوا عنْ كثيرٍ منْ هَذَيَانِهِمْ. واللهُ المستعانُ» (3).

ص: 40

3 -

عَنْ أَبِي موسى الأشعري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِياءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ» (1).

قَالَ ابنُ القيِّم رحمه الله: «فهذا يدلُّ أنَّ رداءَ الكبرياءِ عَلَى وجههِ تبارك وتعالى هُوَ المانعُ مِنْ رؤيةِ الذَّاتِ، وَلَا يمنعُ مِن أصلِ الرؤيةِ؛ فإنَّ الكبرياءَ والعظمةَ أمرٌ لازمٌ لذاتهِ تَعَالَى، فَإِذَا تجلَّى سُبْحَانَهُ لعبادهِ يومَ القيامةِ، وكشفَ الحجابَ بينهم وبينهُ، فَهُوَ الحجابُ المخلوقُ. وأمَّا أنوارُ الذَّاتِ الَّذِي يحجبُ عنْ إدراكهَا فذاكَ صفةٌ للذَّاتِ، لَا تفارقُ ذاتَ الرَّبِّ جل جلاله. ولو كشفَ ذَلِكَ الحجابَ لأحرقتْ سبحاتُ وجههِ مَا أدركهُ بصرهُ مِنْ خلقهِ. وتكفي هَذِهِ الإشارةُ فِي هَذَا المقامِ للمصدِّقِ الموقِنِ، وأمَّا المعطِّلُ الجهميُّ فكلُّ هَذَا عندهُ باطلٌ ومحالٌ» (2).

4 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: «فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: «فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ» (3).

(1) أخرجه البخاري (4878) و (4880) و (7444)، ومسلم (180).

(2)

التبيان فِي أقسام القرآن (ص189).

(3)

أخرجه البخاري (7437)، ومسلم (182).

ص: 41

قالَ ابنُ القيِّم رحمه الله: «والمخاطبونَ بهذا قومٌ عربٌ يعلمونَ المرادَ منهُ، ولا يقعُ في قلوبهم تشبيههُ سبحانه [بالشمسِ والقمرِ] بلْ هم أشرفُ عقولًا، وأصحُّ أذْهانًا، وأسلمُ قلوبًا منْ ذلكَ، وحقَّقَ صلى الله عليه وسلم وقوعَ الرؤيةِ عيانًا برؤيةِ الشمسِ والقمرِ تحقيقًا لها، ونفيًا لتوهُّمِ المجازِ الذي يظنُّهُ المعطِّلونَ» (1).

وقالَ رحمه الله:

مَا بَعْدَ تِبْيَانِ الرَّسولِ لنَاظِرٍ

إِلَّا العَمَى وَالعيْبُ فِي العُمْيَانِ

فَانْظُرْ إلَى قَولِ الرَّسُولِ لِسَائِلٍ

مِنْ صَحْبِهِ عَنْ رُؤيَةِ الرَّحْمَنِ

حَقًّا تَرَوْنَ إلَهَكُمْ يَومَ اللِّقَا

رُؤيَا العِيَانِ كَمَا يُرَى القَمَرَانِ

كَالبَدْرِ لَيْلَ تَمامِهِ وَالشَّمْسِ فِي

نَحْرِ الظَّهِيرَةِ مَا هُمَا مِثْلَانِ

بَلْ قَصْدُه تَحْقِيقُ رُؤيَتِنَا لَهُ

فَأتَى بأظْهَرِ مَا يُرَى بِعِيَانِ

وَنَفَى السَّحَابَ وَذَاكَ أمرٌ مَانِعٌ

مِنْ رُؤيَةِ القَمَرَينِ فِي ذَا الآنِ

فَإذَا أتَى بالمُقْتضِي وَنَفَى المَوَا

نِعَ خَشْيَةَ التقْصِيرِ فِي التِّبْيَانِ

صَلَّى عَلَيهِ الله مَا هَذَا الذِي

يَأتِي بِهِ مِنْ بَعْدِ ذَا التِّبْيَانِ

مَاذَا يَقُولُ القَاصِدُ التبيَانَ يَا

أهْلَ العَمَى مِنْ بَعْدِ ذَا التِّبْيَانِ (2).

(1) زاد المعاد (3/ 681 - 682).

(2)

الكافية الشافية (ص197).

ص: 42

5 -

عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ البجليِّ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ ليلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَقَالَ:«إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هذَا لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا» ثُمَّ قَرَأَ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39](1).

قالَ الإمامُ البغويُّ رحمه الله: «وقولُه: «كما ترونَ» ليسَ كافُ التَّشبيهِ للمرئيِّ بالمرئيِّ، بلْ كافُ التَّشبيهِ للرؤيةِ التي هي فعلُ الرائي بالرؤيةِ، ومعناهُ: تَرَوْنَ ربَّكم رؤيةً لا شكَّ فيها، كما تَرونَ القمرَ ليلةَ البدرِ لا مريةَ فيها» (2).

وقالَ شيخُ الإسلامِ رحمه الله: «ومعلومٌ أنَّا نرى الشمسَ والقمرَ عيانًا مواجهةً، فيجبُ أنْ نراهُ كذلكَ، وأمَّا رؤيةُ ما لا نُعَايِنُ ولا نُواجِهُهُ فهذهِ غيرُ مُتَصَوَّرَةٍ في العقلِ، فَضْلًا عنْ أنْ تكونَ كرؤيةِ الشَّمسِ والقمرِ.

وأمَّا قولُه «لا تُضَامُونَ» يُروى بالتَّخفيفِ. أي: لا يَلْحَقُكُمْ ضَيْمٌ في رؤيتهِ كما يلحقُ النَّاسَ عندَ رؤيةِ الشَّيءِ الحسنِ كالهلالِ. فإنَّهُ قدْ يَلْحَقُهُمْ ضَيْمٌ في طلبِ رؤيتهِ حينَ يُرى؛ وهوَ سبحانهُ يتجلَّى تجليًّا ظاهرًا فيرونَهُ كما تُرى الشمسُ والقمرُ بلا ضَيْمٍ يَلْحَقُكُمْ في رؤيتهِ.

(1) أخرجه البخاري (7439)، ومسلم (183).

(2)

شرح السنة (2/ 226) للبغوي.

ص: 43

وقيلَ: «لا تَضَامُّون» بالتَّشديدِ، أي: لا ينضمُّ بعضُكمْ إلى بعضٍ كمَا يتضامُّ النَّاسُ عندَ رؤيةِ الشيءِ الخفيِّ كالهلالِ، وهذا كُلُّه بيانٌ لرؤيتهِ في غايةِ التَّجَلِّي والظُّهورِ بحيثُ لا يَلْحَقُ الرائي ضررٌ ولا ضيمٌ كما يلحقهُ عندَ رؤيةِ الشَّيءِ الخفيِّ والبعيدِ والمحجوبِ ونحو ذلكَ» (1).

6 -

عَنْ أَبِي رَزِينٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَرَى اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ وَمَا آيَةُ ذَلِكَ فِي خَلْقِهِ؟ قَالَ: «يَا أَبَا رَزِينٍ! أَلَيْسَ كُلُّكُمْ يَرَى الْقَمَرَ مُخْلِيًا بِهِ؟» قلْتُ: بَلَى! قَالَ: «فَاللهُ أَعْظَمُ وَذَلِكَ آيَةٌ فِي خَلْقِهِ» (2).

وإثباتُهُ صلى الله عليه وسلم جوازَ الرؤيةِ لجميعِ الخلقِ في وقتٍ واحدٍ وكلُّ منهم يكونُ مُخْليًا بهِ بالقياسِ على رؤيةِ القمرِ مَعَ قولهِ: «اللهُ أَعْظَمُ» دليلٌ واضحٌ على أنَّ النَّاسَ يرونهُ مواجهةً عيانًا يكونُ بجهةٍ منهم. وأنهُ إذا أمكنَ في بعضِ مخلوقاتهِ أنَّهُ يراهُ النَّاسُ في وقتٍ واحدٍ كلُّهم يكونَ مخليًا بهِ، فالله أولى أنْ يمكنَ ذلكَ فيهِ فإنَّهُ أعظمُ وأجلُّ (3) وأكْبرُ منْ كلِّ شيءٍ. فهذا يُزيلُ كلَّ إشْكالٍ، ويبْطلُ كلَّ خيالٍ (4).

(1) مجموع الفتاوى (16/ 85 - 86).

(2)

رواه ابن ماجه (180)، وحسنه الألباني في «صحيح سنن ابن ماجه» (150).

(3)

بيان تلبيس الجهمية (4/ 444) طبعة مجمع الملك فهد.

(4)

شرح الطحاوية (ص375).

ص: 44

قالَ ابنُ أبي العزِّ الحنفيُّ رحمه الله: «وليسَ تشبيهُ رؤيةِ الله تعالى برؤيةِ الشمسِ والقمرِ تشبيهًا لله، بلْ هوَ تشبيهُ الرؤيةِ بالرؤيةِ، لا تشبيهُ المرئي [وهو الله] بالمرئي [وهو الشمسُ والقمرُ]، ولكنْ فيه دليلٌ على علوِّ الله على خلقهِ، وإلَّا فهلْ تعقلُ رؤيةٌ بلا مقابلةٍ! ومنْ قالَ: يُرى لا في جهةٍ (1)،

(1) قال النوويُّ رحمه الله في «شرح مسلم» (3/ 16): «يراه المؤمنون؛ لا في جهةٍ» .

وردَّ عليه صديق حسن خان رحمه الله في «السراج الوهاج» (1/ 347) بقوله: «هذا الذي قاله؛ سلك فيهِ مسلك المتكلِّمة.

ومذهب أهلِ الحقِّ في ذلك وما ضاهاه: إمرارهُ على ظاهره من غير تأويلٍ ولا تعطيلٍ؛ وقدْ ثبت في الأحاديث الصحيحة قوله صلى الله عليه وسلم للجارية «أَيْنَ اللهُ؟» ، وفي أخرى «الإشارة بالإصبع إلى السماء» والأخبار في ذلك كثيرة جدًّا. وكذلك آيات الكتاب العزيز تدلُّ عليه دلالةً واضحةً، وتفيدُ الفوق، والعلو، والاستواء على العرش، والكون في السماء، فأين هذا من ذاك؟ رحم الله امرءًا أنصفَ، ولم يتأوَّل ولم يتعسَّف».

وقال العلامة يحيى بن أبي الخير العمراني (558هـ) في «الانتصار» (2/ 647 - 648): «وأما الدليل على إبطال قول الأشعرية فهو: أنَّ الشرع ورد بثبوت الرؤية لله تعالى بالأبصار فحُمِلَ ذلك على الرؤية المعهودة، وهو ما كان عن مقابلة، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ» ، ولا يقتضي ذلك تحديدًا ولا تجسيمًا لله، كما لا يقتضي العلم به تحديدًا له ولا تجسيمًا.

وإنْ قالوا: إنَّ الرؤيةَ لا تختصُّ بالأبصارِ، رَجَعُوا إلى قول المعتزلة، في نفي الرؤية، وأنَّ المرادَ بالرؤية العلمُ به ضروريًا، وقد حُكي عن بعض متأخري الأشعرية أنَّه قال: لولا الحياءُ من مخالفة شيوخنا، لقلتُ: إنَّ الرؤيةَ العلمُ لا غير».

ص: 45

فليراجع عقلهُ!! فإمَّا أنْ يكونَ مكابرًا لعقلهِ، أو في عقلهِ شيءٌ، وإلَّا فإذا قالَ: يُرى لا أمامَ الرائي، ولا خلفهُ، ولا عنْ يمينهِ ولا عنْ يسارهِ ولا فوقهُ ولا تحتهُ ردَّ عليهِ كلُّ منْ سمعهُ بفطرتهِ السليمةِ.

ولهذا ألزمَ المعتزلةُ مَنْ نفى العلوَّ بالذَّاتِ بنفي الرؤيةِ، وقالوا: كيفَ تُعْقَلُ رؤيةٌ بغيرِ جهةٍ» (1).

قالَ ابنُ القيِّم رحمه الله:

فَسَلِ المُعَطِّلَ هَلْ يُرى مِنْ تَحْتِنَا

أمْ عَنْ شَمَائِلِنَا وَعَنْ أيْمَانِ

أَمْ خَلْفَنَا وَأمَامَنَا سُبْحَانَهُ

أمْ هَلْ يُرَى مِنْ فَوقِنَا بِبَيَانِ

يَا قَومُ مَا فِي الأمرِ شَيْءٌ غَيْرَ ذَا

أوْ أنَّ رُؤيَتَهُ بِلَا إمْكَانِ

إذْ رُؤيَةٌ لَا فِي مُقَابَلَةٍ مِنَ الرَّ

ائِى مُحَالٌ لَيْسَ فِي الإِمْكَانِ

وَمَنِ ادَّعَى شَيْئًا سِوَى ذَا كَانَ دَعـ

ـوَاهُ مُكَابَرَةً عَلَى الأَذْهَانِ (2).

وقالَ رحمه الله: «والذي تفهمهُ الأممُ على اختلافِ لغاتِها وأوهامِها منْ هذهِ الرؤيةِ رؤيةُ المقَابَلَةِ والمُوَاجَهَةِ التي تكونُ بينَ الرائي والمرئي فيهَا مسافةٌ محدودةٌ غيرُ مُفْرِطةٍ في البعدِ، فتمتنعُ الرؤيةُ، ولا في القربِ، فلا تمكنُ الرؤيةُ، لا تعقلُ الأممُ غيرَ هذا، فإمَّا أنْ يَرَوْهُ سبحانهُ منْ تحتهم - تعالى الله - أو منْ خلفهم، أو منْ أمامهمْ، أو عنْ أيمانهم، أو عنْ شمائلهم، أو منْ فوقهم، ولا بدَّ منْ قسمٍ منْ هذهِ الأقسامِ إنْ كانتِ الرؤيةُ حقًّا، وكلُّها باطلٌ سوى رؤيتهم لهُ منْ فوقهم.

(1) شرح الطحاوية (1/ 219 - 220).

(2)

الكافية الشافية (ص114).

ص: 46