الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي ختامِ الرَّدِّ على الشُّبهاتِ الواردةِ على حديثِ التنزيلِ نقولُ وبالله التَّوفيق: إنَّ «الحقَّ الحقيقَ الذي ينبغي عليهِ التَّعويلُ أنْ نؤمنُ بما وصلَ إلينا عنْ طريقِ محمَّدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأنَّ الله ينزلُ إلى السّمَاء الدُنْيَا حينَ يبقى الثلثُ الآخرُ مِنَ الليلِ، ويقولُ: منْ يدعوني فأستجيبَ له؟ منْ يسألني فأعطيهُ؟ منْ يستغفرني فأغفرَ له؟!
ولا يغترُّ بما فاهَ بهِ: جمعٌ منْ أهلِ الكلامِ، ورهطٌ منْ أصحابِ الأوهامِ؛ النَّاكبونَ عنِ الصِّراطِ السويِّ، والمنهجِ النبويِّ. الجامدونَ على سيرِ المنطقيينَ والمتفلسفينَ، فإنَّهم بمعزلٍ عنْ طريقةِ السَّلفِ الصَّالحينَ، وعلى مراحلَ شاسعةٍ عنْ منهاجِ المتقينَ، الذينَ يؤمنونَ بالغيبِ وممَّا رزقناهم ينفقونَ.
فدعْ عنكَ نهبًا صيحَ في حجراتهِ
…
وهاتِ حديثًا ما حديثُ الرواحلِ» (1).
* * *
أَسْئِلَةٌ مُهِمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِحَدِيثِ النُّزُولِ
السؤالُ الأوَّلُ:
هل نقولُ ينزلُ بذاتهِ
؟
والجوابْ أنْ يقالَ: إنَّ قوله صلى الله عليه وسلم: «يَنْزِلُ ربُّنَا تبارك وتعالى كُلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدُّنيا .. » خبرٌ وقعَ عنْ نفسِ ذاتِ الله تعالى لا عنْ غيرهِ. فإذا قلتَ: جاءَ محمَّدٌ، أي بنفسهِ جاءَ، لا مجرَّد أمرهِ وقصدهِ ونحو ذلكَ، ولله المثلُ الأعلى.
فقولهُ تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62]، هوَ خبرٌ عن ذاتِ الرَّبِّ تعالى فلا يحتاجُ المخبرُ أنْ يقولَ خالقُ كلِّ شيءٍ بذاتهِ. وقوله:{اللَّهُ رَبُّكُمْ} [يونس: 32]، قدْ علمَ أنَّ الخبرَ عنْ نفسِ ذاتهِ. وكذلكَ جميعُ ما أخبرَ الله بهِ عنْ نفسهِ إنَّما هوَ خبرٌ عنْ ذاتهِ.
(1) السراج الوهاج (10/ 509 - 511).
فلا حاجةَ بنا أنْ نقولَ: استوى على عرشه بذاتهِ (1)، وينزلُ إلى السَّماءِ بذاتهِ، كما لا نحتاجُ أنْ نقولَ خلقَ بذاتهِ، وقدَّرَ بذاتهِ، وسمعَ وتكلَّمَ بذاتهِ، وإنَّما قالَ أئمَّةُ السنَّةِ ذلكَ إبطالًا لقولِ المعطِّلةِ (2).
وممَّنْ صرَّحَ بالنزولِ بالذَّاتِ: الإمامُ ابنُ حامدٍ (3) والإمامُ عبدُ الجليلِ كوتاهُ.
وهوَ في الحقيقةِ يوافقهُ على اعتقادهِ، لكن أنكرَ إطلاقَ اللَّفظِ لعدمِ الأثرِ بهِ (5).
قالَ الذهبيُّ معلِّقًا على قولِ كوتاه السَّابق: «ومسألةُ النزولِ فالإيمانُ بهِ واجبٌ، وتركُ الخوضِ في لوازمهِ أولى، وهوَ سبيلُ السَّلفِ، فما قالَ هذا: نزولهُ بذاتهِ، إلَّا إرغامًا لمنْ تأوَّلهُ، وقالَ: نزولهُ إلى السَّماءِ الدُّنيا بالعلمِ فقط، نعوذُ بالله منْ مراءٍ في الدِّينِ، وكذا قولهُ: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر: 22] ونحوهُ، فنقولُ: جاءَ وينزلُ وننتهي عَنِ القولِ ينزلُ بذاتهِ، كما لا نقولُ ينزلُ بعلمهِ، بلْ نسكتُ ولا نتفاصحُ على الرسولِ صلى الله عليه وسلم بعباراتٍ مبتدعةٍ، والله أعلمُ» (6).
(1) قَالَ ابن القيّم رحمه الله فِي «الصّواعق» (4/ 1385): «أي: ذاته فوق العرش عاليةً عَلَيهِ» .
(2)
مختصر الصواعق (1/ 222).
(3)
ذكر ذلك الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله في «فتح الباري» (9/ 278).
(4)
السير (2/ 330).
(5)
ذيل طبقات الحنابلة (3/ 28).
(6)
السير (2/ 331).