الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
عنْ جويريةَ رضي الله عنها: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خرجَ منْ عندهَا بكرةً حينَ صلَّى الصبحَ، وهي في مسجدها. ثمَّ رجعَ بعدَ أنْ أضحى، وهيَ جالسةٌ. فقالَ:«ما زِلْتِ على الحالِ التي فَارَقْتُكِ عليهَا؟» قالتْ: نعمْ. قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مرَّاتٍ. لَوْ وُزِنَتْ بما قُلْتِ مُنْذُ اليَوْمَ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ ورِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ» (1).
قالَ شيخُ الاسلامِ رحمه الله: «المقصودُ بالحديثِ نهايةُ ما يمكنُ منَ المعدودِ، وغايةُ ما يمكنُ منَ القولِ. والمحبوبُ هوَ كلامُ الرَّبِّ ورِضَاهُ، وذِكْرُ عددِ خلقِهِ، وزِنَةِ عَرْشِهِ (2). فهذا يُبَيِّنُ أنَّ زنةَ العرشِ أثقلُ الأوزانِ» (3).
الثامنُ عَشَرَ:
إخبارهُ تعالى عنْ فرعونَ أنَّهُ رامَ الصُّعودَ إلى السَّمَاء ليطِّلع إلى إله موسى، فيكذِّبهُ فيما أخبرهُ منْ أنَّهُ سبحانهُ فوقَ السَّماوات
.
قالَ الله سبحانه وتعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ *} {أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأََظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر: 36 - 37].
(1) رواه مسلم (2726).
(2)
بيان تلبيس الجهمية (1/ 575).
(3)
مجموع الفتاوى (6/ 553).
ففي هذهِ الآيةِ بيانٌ بيِّنٌ، ودلالةٌ ظاهرةٌ، على أنَّ موسى قدْ كانَ أعلمَ فرعونَ أنَّ ربَّهُ - جلَّ وعلا - أعلى وفوق، فمنْ أجلِ ذلكَ أمرَ ببناءِ الصَّرحِ، ورامَ الاطِّلاعَ إليه، واتَّهمَ موسى بالكذبِ في ذلكَ. والجهميَّةُ لا تعلمُ أنَّ الله فوقَها بوجودِ ذاتهِ فهمْ أعْجزُ فهمًا منْ فرعونَ (1).
(1) انظر: تفسير الآية في «جامع البيان» (م12/ج24/ص82 - 83)، والرد على الجهمية (ص21) للدارمي، والتمهيد (7/ 133)، والإبانة (ص106)، والحجة في بيان المحجة (2/ 115)، والتوحيد (ص114 - 115) لابن خزيمة.
(2)
إعلام الموقعين (2/ 317).
وقالَ السَّعديُ رحمه الله في قولهِ تعالى: {ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأََظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر: 36 - 37]: «فهذا صريحٌ في تكذيبهِ لموسى في قولهِ إنَّ الله فوقَ السَّماواتِ والخلقِ كلِّهم، وتبعَ فرعونَ على قولهِ هذا جميعُ «الجهميَّةِ الفرعونيَّةِ» ، ورموا ببلائهم «أهلَ السنَّةِ والجماعةِ» وقالوا: إنَّ مذهبَهم مذهبُ فرعونَ الذي اعتقدَ علوَّ الله على خلقهِ، وهذا منَ العجائبِ وقلبِ الحقائقِ (2). ومِنَ المعلومِ أنَّ «الجهميَّةَ» أولى بفرعونَ في هذهِ الحالةِ، لأنَّهُ قالها إنكارًا، وهو نفسُ مذهبِ «الجهميَّةِ» ، فإنَّهم أنكروا كلامَ اللهِ وعلوَّهُ على خلقهِ، كمَا أنكرَ فرعونُ ذلكَ بتكذيبهِ لرسالةِ موسى ولعلوِّ الله، وليسَ بينهم فرقٌ، إلَّا أنَّ فرعونَ صرَّحَ بالإنكارِ وهمْ موَّهوا العباراتِ وزخرفوا الألفاظَ، وقبَّحوا الحسنَ وحسَّنوا القبيحَ، وسَمَّوا أنفسهم أهلَ الحقِّ، وسَمَّوا غيرهم أهلَ الباطلِ، فانخدعوا لهذهِ الزخارفِ وخدعوا غيرهُم» (3).
وقالَ ابنُ القيِّم رحمه الله:
وَمِنَ المَصَائِبِ قَولُهُمْ إنَّ اعتِقَا
…
دَ الفوقِ مِنْ فِرْعَونَ ذِي الكُفرانِ
(1) إثبات صفة العلوّ (ص65).
(2)
توضيح الكافية الشافية (ص107).
(3)
توضيح الكافية الشافية (ص118)، تحقيق: أشرف عبد المقصود.