المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التصريح بنزوله سبحانه وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا - الكلمات الحسان في بيان علو الرحمن

[عبد الهادي بن حسن وهبي]

فهرس الكتاب

- ‌المُقَدِِّّمَةُ

- ‌أَدِلَّةُ عُلُوِّ اللَّهِ عَلَى العَرْشِ

- ‌التَّصريحُ بالفوقيَّةِ مقرونًا بأداة «مِنْ» المعيِّنةِ للفوقيَّةِ بالذَّاتِ

- ‌ذِكْرُها مُجَرَّدَةً عَنِ الأداةِ

- ‌التَّصريحُ بالعروجِ إليهِ سبحانه وتعالى

- ‌التَّصْرِيحُ بالصُّعودِ إليهِ سبحانه وتعالى

- ‌التَّصْرِيحُ برفعهِ بعضَ المخلوقاتِ إليهِ سبحانه وتعالى

- ‌التَّصْرِيحُ بالعلوِّ المطلقِ الدَّالِّ على جميعِ مراتبِ العلوِّ، ذاتًا وقَدْرًا وقَهْرًا

- ‌التَّصريحُ بتنزيلِ الكتابِ منهُ سبحانه وتعالى

- ‌التَّصْرِيحُ باختصاصِ بعضِ المخلوقاتِ بأنَّهَا عندهُ، وأنَّ بعضَها أقربُ إليهِ منْ بعضٍ

- ‌التَّصريحُ بأنَّهُ تعالى في السَّماءِ

- ‌شهادَتُهُ صلى الله عليه وسلم التي هيَ أصدقُ شهادةٍ عند اللهِ وملائكتِهِ وجميعِ المؤمنينَ لمنْ قالَ: «إنَّ ربَّهُ في السَّماءِ» بالإيمانِ

- ‌الإشارةُ إليه سبحانه وتعالى حسًّا إلى العلوِّ

- ‌التَّصرِيحُ برَفْعِ الأيدي والأبصارِ إليه سبحانه وتعالى

- ‌النُّصوصُ الدَّالةُ على رؤيةِ أهلِ الجنَّةِ لهُ تعالى مِنَ الكتابِ والسنَّةِ

- ‌التصريحُ بنزوله سبحانه وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السَّماءِ الدنيا

- ‌إخبارُهُ صلى الله عليه وسلم أنَّه تردَّد بينَ موسى عليه السلام وبينَ ربِّه ليلةَ المعراجِ بسببِ الصَّلاةِ

- ‌النُّصوصُ الواردةُ فِي ذكرِ العرشِ وصفتهِ وإضافتهِ غالبًا إِلَى خالقهِ تبارك وتعالى وأنَّه تَعَالَى فوقهُ

- ‌إخبارهُ تعالى عنْ فرعونَ أنَّهُ رامَ الصُّعودَ إلى السَّمَاء ليطِّلع إلى إله موسى، فيكذِّبهُ فيما أخبرهُ منْ أنَّهُ سبحانهُ فوقَ السَّماوات

- ‌تنزيهُ اللهِ سبحانه وتعالى نفسَهُ عن موجبِ النُّقصانِ، وعمَّا يوجبُ التمثيلَ والتشبيهَ

- ‌مِنَ البراهين الدَّالَّةِ على علوِّ الله على خلقهِ واستوائهِ على عرشهِ الدليلُ العظيمُ والبرهانُ القاطعُ

- ‌أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي العُلُوِّ وَالْفَوْقِيَّةِ

- ‌1 - حُمَيدُ بنُ ثوَرٍ

- ‌2 - ابنُ عَبّاسٍ

- ‌3 - زينبُ بنتُ جَحْشٍ

- ‌4 - ابنُ مَسْعُودٍ

- ‌5 - عَائِشَةُ

- ‌6 - أَبو ذَرٍّ

- ‌7 - ابنُ عُمَرَ

- ‌8 - مَسروقٌ

- ‌9 - أيوبُ السُّخْتِيَانِيُّ

- ‌10 - سليمان التِّيميُّ

- ‌11 - مقاتلُ بنُ حِيَّانَ (قبل150ه

- ‌12 - الأَوزاعيُّ (157ه

- ‌13 - سفيانُ الثوريُّ عالمُ زمانهِ (161ه

- ‌14 - مالك إمام دار الهجرة (179ه

- ‌15 - حمَّادُ بنُ زيدٍ البصريّ (179ه

- ‌16 - عبدُ الله بنُ المباركِ، شيخُ الإسلامِ (181ه

- ‌17 - جرير الضبيُّ، محدِّث الري (188ه

- ‌18 - عبدُ الرحمنِ بنُ مهدي (198ه

- ‌19 - أبو معاذ البلخي الفقيه (199ه

- ‌20 - منصورُ بن عمار (200ه

- ‌21 - الإمامُ الشافعيُّ (204ه

- ‌22 - يزيدُ بنُ هارونَ الواسطيُّ (206ه

- ‌23 - سعيدُ بن عامر الضبعيُّ عالِمُ البصرة (208ه

- ‌24 - عبدُ الله بن أبي جعفر الرازيُّ

- ‌25 - القعنبيُّ (221ه

- ‌26 - عاصمُ بن علي شيخ البخاري (221ه

- ‌27 - هشام بن عبيد الله الرَّازيُّ (221ه

- ‌28 - بِشْر الحافي، زاهدُ العصرِ (227ه

- ‌29 - محمدُ بن مصعب العابدُ: شيخُ بغداد (228ه

- ‌30 - نُعَيمُ بن حمَّاد الخزاعيُّ الحافظ (228ه

- ‌31 - أبو عبد الله بن الأعرابي، لغوي زمانه (231ه

- ‌32 - أبو معمر القطيعي (236ه

- ‌33 - إسحاق بن راهويه عالم خراسان (238ه

- ‌34 - قُتَيْبَةُ بنُ سعيدٍ: شيخُ خراسانَ (240ه

- ‌35 - أحمدُ بن حنبل شيخُ الإسلام (241ه

- ‌36 - الإمام الربانيُّ محمدُ بن أسلم الطوسيُّ (242ه

- ‌37 - الحارثُ بن أسد المحاسبيُّ (243ه

- ‌39 - خَشَيْشُ بن أصرم (253ه

- ‌41 - إسماعيل بن يحيى المزنيُّ (264ه

- ‌42 - أبو زُرعة الرازيُّ (264ه

- ‌43 - أبو حَاتِمٍ الرازيُّ (277ه

- ‌44 - حَرْب الكَرْمَانِيُّ (280ه

- ‌45 - ابنُ قُتَيْبَةَ (276ه

- ‌46 - أبو عيسى الترمذيُّ (279ه

- ‌47 - عثمانُ بنُ سعيد الدّارِمِيُّ الحافظُ (280ه

- ‌48 - ثَعْلَب إمامُ العربية (291ه

- ‌49 - أبو مُسْلِمٍ الكجيُّ الحافظُ (292ه

- ‌50 - عَمْرُو بنُ عثمانَ المكيُّ (297ه

- ‌51 - ابنُ أبي شَيْبَةَ (297ه

- ‌52 - زكريا السَّاجيُّ (307ه

- ‌53 - محمدُ بن جرير الطبريُّ (310ه

- ‌54 - ابنُ الأخرم (311ه

- ‌55 - إمام الأئمة ابنُ خُزَيْمَةَ (311ه

- ‌56 - نِفْطَوَيْه شيخُ العربية (323ه

- ‌57 - أبو الحسن الأشعريُّ (324ه

- ‌58 - البَرْبَهَارِيُّ (329ه

- ‌59 - الوزير عليُّ بنُ عيسى (334ه

- ‌60 - العلَّامة أبو بكر الضِّبْعِيُّ (342ه

- ‌61 - ابنُ شعبان (355ه

- ‌62 - الإمام أبو بكر الآجُرِّيُّ (360ه

- ‌63 - الحافظُ أبو الشيخ (369ه

- ‌64 - العلاّمة أبو بكر الإسماعيليُّ (371ه

- ‌65 - أبو الحسن بنُ مهدي المتكلِّمُ (380ه

- ‌66 - ابنُ بطَّة (387ه

- ‌67 - ابنُ أبي زيدٍ (386ه

- ‌68 - ابنُ مَنْدَه (395ه

- ‌69 - ابنُ أبي زمْنِين (399ه

- ‌70 - القَصّابُ (400ه

- ‌71 - ابنُ الباقلانيُّ (403ه

- ‌72 - ابنُ موهب (406ه

- ‌73 - مَعْمَرُ بنُ زيادٍ (418ه

- ‌74 - أبو القاسم اللَالكَائِيُّ (418ه

- ‌75 - السُّلطانُ (421ه

- ‌76 - يحيى بنُ عمَّارٍ (422ه

- ‌77 - القادرُ بالله أميرُ المؤمنين (422ه

- ‌78 - أبو عمر الطلمنكيُّ (429ه

- ‌79 - أبو نُعيم الأصبهانيُّ (430ه

- ‌80 - عبدُ الله بن يوسف الجوينيُّ (438ه

- ‌81 - أبو عَمْرٍو الدّانِيُّ (440ه

- ‌82 - عليُّ بنُ عمر الحربيُّ (442ه

- ‌83 - أبو عثمانَ الصابونيُّ (449ه

- ‌84 - أبو نَصْرٍ السجزيُّ (444ه

- ‌85 - القاضي أبو يعلى (458ه

- ‌86 - البيهقيُّ (458ه

- ‌87 - ابنُ عبد البر (463ه

- ‌89 - سعدٌ الزنجانيُّ (471ه

- ‌90 - إمامُ الحرمَيْنِ (478ه

- ‌91 - شيخُ الإسلام الهرويُّ (481ه

- ‌93 - الفقيهُ نَصْر المقدسيُّ (490ه

- ‌94 - ابن الحدَّاد (517ه

- ‌95 - أبو الحسن بنُ الزاغونيِّ (527ه

- ‌96 - الحسنُ الكرجيُّ (532ه

- ‌98 - عديُّ بنُ مسافر الأمويُّ الهكاريُّ (555ه

- ‌99 - العلامةُ يحيى بنُ أبي الخير العمرانُّي (558ه

- ‌100 - الشيخُ عبدُ القادر (562ه

- ‌101 - ابنُ رشد المالكيُّ (595ه

- ‌102 - المقدسيُّ (600ه

- ‌103 - القرطبيُّ (677ه

- ‌105 - العلاّمةُ الشَّوكانِيُّ (1255ه

- ‌الدَّلِيلُ مِنَ الفِطْرَةِ

- ‌هل نَجْزِمُ بِإِثْبَاتِ العُلُوِّ على العَرْشِ، أو نُفَوِّضُ

- ‌شُبُهَاتٌ والرَّدُّ عَلَيْهَا

- ‌الشُّبْهَةُ الأولىيستلزمُ منْ إثباتِ الفوقيَّةِ لله تعالى أنْ يكونَ في مكانٍ وحيِّزٍ وجهةٍ

- ‌الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُلو كانَ الخالقُ فوقَ العرشِ لكانَ حاملُ العرشِ حاملًا لمنْ فوقَ العرشِ فيلزمْ احتياجُ الخالقِ إلى المخلوقِ

- ‌الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةُلَوْ كانَ اللهُ فِي السَّمَاءِ لكانَ محصورًا

- ‌الشُّبْهَةُ الرَّابِعَةُقال الرازيُّ: العالمُ كُرَةٌ…فلو كانَ الله في جهةِ فوق لكانَ أسفلَ بالنِّسبةِ إلى سكَّانِ الوجهِ الآخر

- ‌الشُّبْهَةُ الخَامِسَةُلو كانَ مَوْصُوفًا بالعُلُوِّ لكانَ جسمًا، ولو كانَ جسمًا لكان مماثلًا لِسَائِرِ الأَجْسَامِ، واللهُ قد نَفَى عنه المِثْلَ

- ‌الشُّبْهَةُ السَّادِسَةُلو كانَ الله فوقَ العرشِ للزمَ إمَّا أنْ يكونَ أكبرَ مِنَ العرشِ أو أصغرَ أو مساويًا وكلُّ ذلكَ مِنَ المحالِ

- ‌الشُّبْهَةُ الحَادِيَةُ عَشْرَةَلوْ كانَ تعالى فوقَ العرشِ لما صحَّ القولُ بأنَّهُ تعالى قريبٌ منْ عبادهِ

- ‌الردُّ على منِ ادَّعى المجازَ بالفوقيَّةِ بفوقيَّةِ القَدْرِ والرُّتْبَةِ

- ‌الرَّدُّ عَلى مَنْ تَأَوَّلَ الاسْتِوَاءَ بالاسْتِيلاءِ

- ‌الرَدُّ عَلَى مَنْ تَأَوَّلَ نُزُولَ الله عَلَى غَيْرِ مَعْنَاهُ الحَقِّ

- ‌الشُّبهاتُ الواردةُ على صفَّةِ النزولِ

- ‌أَسْئِلَةٌ مُهِمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِحَدِيثِ النُّزُولِ

- ‌السؤالُ الأوَّلُ:هل نقولُ ينزلُ بذاتهِ

- ‌السؤال الثاني:كيفَ نجمعُ بينَ قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «تفتحُ أبوابُ السّمَاءِ نصفَ الليلِ، فينادي منادٍ: هلْ منْ داعٍ فيستجابُ لهُ؟ هلْ منْ سائلٍ فيُعطى؟ هلْ منْ مكروبٍ فيفرَّج عنهُ؟ فلا يبقى مسلمٌ يدعو بدعوةٍ إلَّا استجابَ اللهُ تعالى لهُ

- ‌السؤالُ الثالثُ:كيفَ نجمعُ بين علوِّ الله على العرشِ ونزولهِ إلى السَّماءِ الدُّنيا

- ‌السؤالُ الرابعُ:ما يستفادُ مِنْ حديثِ النزولِ

- ‌أَسْئِلَةٌ وأَجْوِبَتُهَا

- ‌السؤالُ الرابعُما معنى قول السَّلفِ: أمِرُّوهَا كما جاءتْ بلا كيفٍ

- ‌السؤالُ الخامسُكيف استوى على العرش

- ‌السؤالُ السادسُهل مذهبُ السَّلفِ أسلمُ، ومذهبُ الخلفِ أحكمُ وأعلمُ

- ‌السؤالُ الثامنُهل آياتُ الصِّفاتِ مِنَ المتشابَه

- ‌كَلَامٌ نَفِيسٌ لِشَيْخِ الإِسْلَامِ في العُلُوِّ والفَوْقِيَّةِ

- ‌أَثَرُ الإِيْمَانِ بِعُلُوِّ الرَّحْمَنِ

- ‌الخَاتِمَةُ

الفصل: ‌التصريح بنزوله سبحانه وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا

ولا يتمُّ إنكارُ الفوقيَّةِ إلَّا بإنكارِ الرؤيةِ، ولهذا طَرَدَ الجهميَّةُ أَصْلَهُم، وصرَّحوا بذلكَ، وركَّبوا النَفْيَيْنِ معًا، وصدَّقَ أهلُ السنَّةِ بالأمرينِ معًا، وأقرُّوا بهما، وصارَ مَنْ أثبتَ الرؤيةَ، ونفى علوَّ الرَّبِّ على خلقهِ واسْتِوَاءَهُ على عرشهِ مُذَبْذَبًا بينَ ذلكَ لا إلى هؤلاءِ، ولا إلى هؤلاءِ» (1).

الخامسُ عَشرَ:

‌التصريحُ بنزوله سبحانه وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السَّماءِ الدنيا

، والنُّزولُ المعقولُ عندَ جميعِ الأممِ إنَّما يكونُ من العُلُوِّ إلى أَسْفَلَ (2).

عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تبارك وتعالى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟» (3).

اعلمْ رحمكَ الله بأنَّ حديثَ النزولِ «حديثٌ كبيرٌ جليلٌ، تنادي جلالتهُ وفخامتهُ وعظمتهُ على أنَّهُ قدْ خرجَ منْ مشكاةِ النبوةِ» (4)، و «هو قرَّةٌ لعيونِ أهلِ الإيمانِ، وشجىً في حلوقِ أهلِ التَّعطيلِ والبهتانِ» (5)، يجبُ الأخذُ بظاهرهِ منْ غيرِ تأويلٍ ولا يجبُ أنْ يستوحشَ منْ إطلاقِ مثلِ ذلكَ.

قالَ الإمامُ الشافعيُّ رحمه الله (204هـ): «القولُ فِي السنَّةِ التي أنَا عليهَا ورأيتُ أصحابَنا عليها، أهلَ الحديثِ الذينَ رأيتهم فأخذتُ عنهم، مثلُ سفيانَ [بن عيينة] ومالكٍ وغيرهما:

(1) إعلام الموقعين (2/ 317 - 318).

(2)

إعلام الموقعين (2/ 301).

(3)

رواه البخاري (1145 و 6321 و 7494)، ومسلم (758) وهو حديث متواتر.

(4)

زاد المعاد (3/ 677).

(5)

مختصر الصواعق (2/ 237).

ص: 47

الإقرارُ بشهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا الله وأنَّ محمَّدًا رسولُ الله .. وأنَّ اللهَ على عرشه في سمائهِ يقربُ منْ خلقهِ كيفَ شاء. وأنَّ الله تعالى ينزلُ إلى السَّماءِ الدُّنيا كيفَ شاءَ» (1).

وقالَ الدَّارِمِيُّ رحمه الله (280هـ): «والآثارُ التي جاءتْ عنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي نزولِ الرَّبِّ تبارك وتعالى تدلُّ عَلَى أنَّ اللهَ عز وجل فوقَ السَّماواتِ عَلَى عرشهِ، بائنٌ منْ خلقهِ» (2).

وقالَ الإمامُ الطبريُّ رحمه الله (310هـ): «وأنَّهُ سبحانه وتعالى يهبطُ كلَّ ليلةٍ وينزلُ إلى السَّماءِ الدُّنيا، لخبرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم» (3).

عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْبَاقِي يَهْبِطُ اللهُ عز وجل إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يَبْسُطُ يَدَهُ فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى سُؤْلَهُ؟ فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» (4).

وعقدَ الإمامُ ابنُ خزيمة رحمه الله (311هـ) بابًا في كتابِ «التوحيدِ» افتتحهُ بقولهِ: بابُ ذكرِ أخبارٍ ثابتةِ السَّندِ، صحيحةِ القوامِ، رواها علماءُ الحجازِ والعراقِ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في نزول الرَّبِّ جلَّ وعلا إلى السَّماءِ الدُّنيا كلَّ ليلةٍ.

(1) الوصية (ص54)، تحقيق: الشيخ سعد الدين الكبي حفظه الله تعالى - طبعة المكتب الإسلامي.

(2)

الرد على الجهمية (ص73)[طبعة دار ابن الأثير - الكويت، الطبعة الثانية].

(3)

التبصير في معالم الدين (ص136).

(4)

رواه ابن خزيمة (89)، وأحمد (1/ 388 و403 و446)، والآجُرِّيُّ (312) بسند صحيح.

ص: 48

نشهدُ شهادةَ مقرٍّ بلسانهِ، مصدِّقٍ بقلبهِ، مستيقنٍ بما في هذهِ الأخبارِ منْ ذكرِ نزولِ الرَّبِّ منْ غيرِ أنْ يصفَ الكيفيَّةَ لأنَّ نبيَّنا المصطفى صلى الله عليه وسلم لمْ يصفْ لنا كيفيَّةَ نزولِ خالقنَا إلى السَّماءِ الدنيا وأعلمنا أنَّهُ ينزلُ، والله جلَّ وعلا لمْ يتركْ ولا نبيَّهُ عليه السلام بيانَ ما بالمسلمينَ إليهِ الحاجة منْ أمرِ دينهم، فنحنُ قائلونَ مصدِّقونَ بما في هذهِ الأخبارِ منْ ذكرِ النزولِ غيرُ متكلِّفينَ القولَ بصفتهِ أو بصفةِ الكيفيَّةِ، إذِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لمْ يصفْ لنا كيفيَّةَ النزولِ.

وفي هذهِ الأخبارِ ما بانَ وثبتَ وصحَّ أنَّ الله جلَّ وعلا فوقَ سماء الدُّنيا - الذي أخبرنا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم أنَّهُ ينزلُ إليها - إذْ محالٌ في لغةِ العربِ أنْ يقولَ: ينزلُ منْ أسفلَ إلى أعلى، ومفهومُ الخطابِ أنَّ النزولَ منْ أعلى إلى أسفلَ (1).

وقالَ أبو العبَّاس السرَّاج رحمه الله (313هـ): «منْ لم يُقِرَّ ويؤمنْ بأنَّ اللهَ تعالى يعجَبُ، ويضحَكُ، وينزلُ كلَّ ليلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنيا، فيقولُ: «منْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيه؟» فهو زنديقٌ كافرٌ، يستتابُ، فإنْ تابَ وإلَّا ضُرِبَتْ عنقهُ، ولا يُصَلَّى عليهِ ولا يُدْفنُ في مقابرِ المسْلمينَ» (2).

قالَ الذهبيُّ معقِّبًا عَلَى هَذَا الأثرِ: «قلتُ: إنَّما يكفرُ بعدَ علمهِ بأنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم قالَ ذلكَ، ثمَّ إنَّهُ جحدَ ذلكَ ولمْ يؤمنْ بهِ» (3).

وقالَ أبو بكرٍ بن أبي داودَ محدِّثُ بغدادَ (316هـ):

تَمَسَّكْ بِحَبْلِ الله واتّبع الهُدى

وَلَا تَكُ بِدْعيًّا لَعَلَّكَ تُفْلِحُ

وَدِنْ بِكِتَابِ اللهِ وَالسُّنَنِ الّتِي

أَتَتْ عَنْ رَسُولِ اللهِ تَنْجُووَتَرْبَحُ

(1) التوحيد (ص125 - 126).

(2)

العلوّ (ص534).

(3)

العلوّ (ص214). وانظر: «سير أعلام النبلاء» (14/ 396).

ص: 49

وَقُلْ: يَنْزِلُ الْجَبَّارُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ

بِلا كَيْفَ، جَلَّ الْوَاحِدُ الْمُتَمَدَّحُ

إِلَى طَبَقِ الْدُّنْيَا يمُنُّ بِفَضْلِهِ

فَتُفْرَجُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُفْتَحُ

يَقُولُ: أَلا مُسْتَغْفرٌ يَلْقَ غَافِرًا

وَمُسْتَمْنِحُ خَيْرًَا وَرِزْقًَا فَيُمْنَحُ

رَوَى ذَاكَ قَوْمٌ لَا يُرَدُّ حَديثُهُم

ألَا خَابَ قَوْمٌ كَذَّبُوهُم وَقُبِّحُوا (1)

وقالَ أبو الحسن الأشعريُّ (324هـ): «ونصدِّقُ بجميعِ الرواياتِ التي يثبتهَا أهلُ النَّقلِ مِنَ النزولِ إلى السَّماءِ الدُّنيا، وأنَّ الرَّبَّ عز وجل يقولُ: هلْ منْ سائلٍ؟ هلْ منْ مستغفرٍ؟ وسائر ما نقلوهُ وأثبتوهُ خلافًا لما قالهُ أهلُ الزَّيغِ والتَّضليلِ.

ونعوِّلُ فيمَا اختلفنَا فيهِ على كتابِ ربِّنا وسنِّةِ نبيِّنا وإجماعِ المسلمينَ ومَا كانَ في معناه.

ولا نبتدعُ في دينِ الله ما لمْ يأذنْ بهِ لنا، ولا نقولُ على الله ما لا نعلم» (2).

وقالَ رحمه الله: «وممَّا يؤكِّدُ أنَّ الله عز وجل مستوٍ على عرشهِ دونَ الأشياءِ كلِّها ما نقلهُ أهلُ الروايةِ عنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وذكرَ حديثَ النزولِ بالسندِ عنْ ثلاثةٍ منَ الصحابةِ وهم: جبيرُ بنُ مطعمٍ وأبو هريرة ورفاعةُ الجهنيُّ رضي الله عنهم» (3).

وقالَ الإمامُ المشهورُ ابنُ أبي زمنين رحمه الله (399هـ) تعليقًا علَى حديثِ النزولِ: «هذا الحديثُ بيِّنٌ أنَّ الله عز وجل على عرشهِ في السَّماءِ دونَ الأرضِ، وهو أيضًا بيِّنٌ في كتابِ الله، وفي غيرِ ما حديثٍ عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. ثمَّ ذكرَ آياتٍ دالَّةً على علوِّ الله تعالى» (4).

(1) السير (13/ 233 - 234).

(2)

الإبانة (ص29 - 30)[طبعة دار الأنصار - القاهرة، الطبعة الأولى].

(3)

الإبانة (ص110 - 112).

(4)

أصول السنة (ص113 - 114)، طبعة مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة النبوية - الطبعة الأولى.

ص: 50

وقالَ الإمامُ أبو عمرو الداني رحمه الله (444هـ): «ومنْ قولهم: إنَّ الله جل جلاله وتقدَّست أسماؤهُ: ينزلُ في كلِّ ليلةٍ إلى السَّماء الدنيا في الثلثِ الباقي مِنَ الليلِ، فيقولُ: «هَلْ مِنْ دَاعٍ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، وهلْ منْ سَائِلٍ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيهِ، وهلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟» حتَّى ينفجرَ الصُّبْحُ، على ما صحَّتْ بهِ الأخبارُ، وتواترتْ بهِ الآثارُ عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. نزولهُ تبارك وتعالى كيفَ شاءَ، بلا حَدٍّ، ولا تكييفٍ.

وهذا دينُ الأُمَّةِ، وقولُ أهلِ السُّنَّةِ في هذه الصِّفاتِ أنْ تُمَرَّ كما جاءتْ بغيرِ تكييفٍ، ولا تحديدٍ، فمنْ تجاوزَ المَرْوِيَّ فيها وكَيَّفَ شيئًا منها ومَثَّلَها بشيءٍ منْ جوارحِنا وآلَتِنا فقدْ ضلَّ واعْتَدَى، وابتدعَ في الدينِ ما ليسَ منهُ، وخَرَقَ إجماعَ المسلمينَ، وفارقَ أئمَّةَ الدِّينِ» (1).

وقالَ رحمه الله:

فمِنْ صَحِيح ما أَتَى به الأثر

وَشَاعَ فِي النَّاسِ قَدِيمًَا وانْتَشَرْ

نُزُولُ رَبِّنَا بلا امْتِراء

فِي كلِّ ليلةٍ إِلى السّماءِ

مِنْ غَيرِ مَا حَدٍّ وَلَا تَكْيِيفِ

سُبْحَانَهُ مِنْ قَادرٍ لَطيف (2).

وقالَ ابنُ عبد البرِّ رحمه الله (463هـ) تعليقًا على حديثِ النزولِ: «هَذَا حديثٌ ثابتٌ منْ جهةِ النَّقلِ، صحيحُ الإسنادِ، لا يختلفُ أهلُ الحديثِ في صحَّتهِ، وفيهِ (3) دليلٌ على أنَّ الله عز وجل في السَّماءِ على العرشِ منْ فوقِ سبعِ سماواتٍ، وعلمهُ في كلِّ مكانٍ كمَا قالتِ الجماعةُ أهلُ السنَّةِ أهلُ الفقهِ والأثرِ (4)، ثمَّ ذكرَ آياتٍ دالَّةً على علوِّ الله تعالى (5).

(1) الرسالة الوافية (ص134 - 138).

(2)

الأرجوزة المنبِّهة (ص194)، للحافظ: أبي عمرو الداني رحمه الله.

(3)

التمهيد (7/ 128).

(4)

الاستذكار (8/ 148).

(5)

التمهيد (7/ 129).

ص: 51

قال: وأمَّا قولهُ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديثِ: «يَنْزِلُ رَبُّنا» ، فالذي عليهِ أهلُ العلمِ منْ أهلِ السنَّةِ والحقِّ الإيمانُ بمثلِ هذا وشِبْهِهِ مِنَ القرآنِ والسُّننِ دونَ كيفيَّةٍ فيقولونَ: ينزلُ ولا يقولونَ كيفَ النزولُ ولا يقولونَ كيفَ الاستواءُ ولا كيفَ المجيءُ في قولهِ عز وجل: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا *} [الفجر: 22]، ولا كيفَ التجلِّي في قولهِ:{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} [الأعراف: 143]» (1).

وقالَ الإمامُ أبو إسماعيل الصابوني رحمه الله (449هـ)«ويثبتُ أصحابُ الحديثِ نزولَ الرَّبِّ سبحانه وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السَّماء الدنيا، منْ غيرِ تشبيهٍ لهُ بنزولِ المخلوقينَ، ولا تمثيلٍ ولا تكييفٍ، بلْ يثبتونَ ما أثبتهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وينتهونَ فيهِ إليهِ، ويُمِرُّونَ الخبرَ الصحيحَ الواردَ بذكرهِ على ظاهرهِ» (2) - إلى أنْ قالَ:

«فلمَّا صحَّ خبرُ النزولِ عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، أقرَّ بهِ أهلُ السنَّةِ، وقبلوا الخبرَ، وأثبتوا النزولَ على مَا قالهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولمْ يعتقدوا تشبيهًا لهُ بنزولِ خلقهِ، ولمْ يبحثوا عنْ كيفيَّتهِ إذْ لا سبيلَ إليها بحالٍ، وعلموا وتحقَّقوا واعتقدوا أنَّ صفاتِ الله سبحانه وتعالى لا تشبهُ صفاتِ الخلقِ كما أنَّ ذاتَهُ لا تشبهُ ذواتَ الخلقِ، تعالى الله عمَّا يقولُ المشبِّهةُ والمعطِّلةُ علوًّا كبيرًا، ولعنهم لعنًا كثيرًا» (3).

وقالَ الإمامُ الإسماعيليُّ رحمه الله (469هـ): «وأنَّه عز وجل ينزلُ إلى السَّماء الدنيا على ما صحَّ بهِ الخبرُ عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بلا اعتقادِ كيفيَّةٍ» (4).

(1) الاستذكار (8/ 151 - 152).

(2)

عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص32).

(3)

عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص46).

(4)

اعتقاد أئمة أهل الحديث (ص62).

ص: 52

وقالَ أبو الخطَّاب الكلْواذَاني رحمه الله (510هـ) في عقيدتهِ:

قالوا: النزولُ؟ فقلتُ: ناقلُه لنا

قومٌ تَمَسُّكُهُمْ بشرعِ محمَّدٍ

قالوا: فكيفَ نزولٌ؟ فأَجَبْتُهُم

لم يُنْقَلِ التكييفُ لي فِي مُسْنَدٍ (1)

وقَالَ الشيخ عبدُ الله بن محمد الأندلسي القحطاني المالكي رحمه الله:

وَاللهُ يَنْزِلُ كُلَّ آخِرَ لَيْلَةٍ

لِسَمَائِهِ الدُنْيَا بِلا كِتْمَانِ

فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُجِيبهُ

فَأَنَا القَرِيبُ أُجِيبُ مَنْ نَادَانِي

حَاشَا الإِلَهَ بِأَنْ تُكَيَّفَ ذَاتُهُ

فَالْكَيفُ وَالتَّمْثِيلُ مُنْتَفِيَانِ

وَالأَصْلُ أَنَّ اللهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ

شَيءٌ تَعَالَى الرَّبُّ ذُو الإِحْسَانِ (2)

وقال أبو الطيِّبُ: حضرتُ عندَ أبي جعفرٍ الترمذيِّ (295هـ) فسألهُ سائلٌ عنْ حديثِ نزولِ الرَّبِّ، فالنزولُ كيفَ هو يبقى فوقُه علوٌّ؟ فقالَ:«النزولُ معقولٌ، والكيفُ مجهولٌ، والإيمانُ بهِ واجبٌ، والسؤالُ عنهُ بدعةٌ» (3).

قالَ الإمامُ الذهبيُّ معقِّبًا: «صدقَ فقيهُ بغدادَ وعالمها في زمانهِ، إذِ السُّؤالُ عَنِ النزولِ ما هوَ؟ عِيٌّ، لأنَّهُ إنَّمَا يكونُ السؤالُ عنْ كلمةٍ غريبةٍ في اللُّغةِ، وإلَّا فالنزولُ والكلامُ والسمعُ والبصرُ والعلمُ والاستواءُ عباراتٌ جليةٌ واضحةٌ للسَّامعِ، فإذا اتَّصفَ بها منْ ليسَ كمثلهِ شيءٌ، فالصِّفةُ تابعةٌ للموصوفِ، وكيفيَّةُ ذلكَ مجهولةٌ عندَ البشرِ» (4).

وقالَ ابنُ القيِّم رحمه الله:

وَكَذَا نُزُولِ الرَّبِّ جل جلاله

فِي النِّصْفِ مِن لَيْل وَذَاكَ الثَّاني

(1) إتمام المنَّة بشرح اعتقاد أهل السنَّة (ص71)، دار السنة - الخبر - الطبعة الأولى.

(2)

نونية القحطاني (ص96 - 97)، دار الهجرة - القاهرة - الطبعة الأولى.

(3)

رواه الذهبي في «العلو» (ص1229)، وصححه الألباني رحمه الله في «مختصر العلو» (ص231).

(4)

العلو (ص1229).

ص: 53